تُصيبنا الدهشة والحيرة عند قراءة الحوادث المؤسفة عن العلاقة بين الإخوة في الأسرة الواحدة، تلك العلاقة التي من المفترض أن تكون من أسمى العلاقات الإنسانية، لكن الذي يُثير الدهشة هو تحوّل الأخ إلى خصمٍ، أو إلى عدوٍّ.
وربّما نندهش أكثر حين نسمع أساتذة الصّحة النفسية يقولون: إن العيادات النفسية أصبحت زاخرة بمرضى لا يشكون من الآخر الغريب، بل من الأخ القريب، وأصبح مفهوم ظلم ذوي القربى من الحالات المتكررة في العيادات النفسية.
العلاقة بين الإخوة في الإسلام
لقد اهتمَّ الإسلام بالعلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، ومنها علاقة الأبناء فيما بينهم والمتمثِّلة في العلاقة بين الإخوة التي تظهر أهميتها من خلال التعرُّف إلى مكانتها في القرآن الكريم؛ حيث إنَّها تدخل ضمن الأرْحام في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١].
قال السعدي: “قَرَنَ الأمر بتقْواه ببرِّ الأرحام والنَّهي عن قطيعتها؛ ليؤكد هذا الحقَّ، وأنه كما يلزم القيام بحق الله كذلك يجب القيام بحقوق الخلق، خصوصًا الأقربين منهم؛ بل القيام بحقوقهم هو من حقِّ الله الذي أمر الله به”، ومن هؤلاء الأرْحام الذين تؤكد الآية حقَّهم: الإخْوة.
بل إن القرآن الكريم قد ذكر اللفْظة نفسها الأخ أو إحدى تصريفاتها، الَّتي بلغت نحو 96 مرَّة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: ١٥٠].
وثبت عن النبي- صلَّى الله عليْه وسلَّم- إكرامُه لأخته من الرضاع (الشيماء)، فذُكِر أنَّها لما انتهت إلى رسول الله- صلَّى الله عليْه وسلَّم- قالت: يا رسول الله، إني لأختُك من الرَّضاعة، قال: “وما علامة ذلك؟”، قالت: عضَّة عضضتَها في ظهري وأنا متورِّكتُك، فعرَف رسولُ الله- صلَّى الله عليْه وسلَّم- العلامة، فبسط لها رداءَه، ثم قال لها: “ههُنا”، فأجلسها عليْه، ودمعت عيناه، وخيَّرها فقال: “إن أحببتِ فأقيمي عندي محبَّبة مكرمة، وإن أحببت أن ترْجعي إلى قومك أوْصلتك”، فقالت: بل أرجِع، فأسلمتْ وأعْطاها رسولُ الله- صلَّى الله عليْه وسلَّم- نعمًا وشاءً وثلاثةَ أعبُد وجارية.
أسباب الخلل في العلاقة بين الإخوة؟
من المؤسف أننا نلاحظ في وقتنا الحاضر، أن العلاقة بين الإخوة في الأسرة الواحدة صارت فاترة وخاملة، إن لم تكن في بعض البيوت في حالة موت سريري، ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب، منها:
- التفرقة بين الأبناء، حيث يتعامل الآباء والأمهات، مع أبنائهم دون عدل، فيفضلون طفلًا لذكائه، أو جماله، ما يزرع في نفس إخوته الإحساس بالغيرة والحقد.
- عدم وجود مجموعة من القيم والمعايير الإيجابية في الأسرة، كالحب والخير والأمانة والصدق ومساعدة الآخرين.
- سقوط ما يُسمى باحترام الكبير داخل الأسرة، أي احترام الأخ الأكبر من الأصغر.
- أصبح تقييم الإخوة الآن بمدى الإنجازات الاقتصادية، فالأخ الغني هو القوي الذي له الكلمة العليا عن بقية الإخوة، وعندما تسود القيم الاقتصادية بين الإخوة تتوارى القيم الانسانية، فيحدث الخلل بين الأسرة.
- دور الأب في الأسرة أصبح هامشيًّا، فهو إما غائب أو مطحون في توفير احتياجات الأسرة، بينما يسمح للعدوان بأن يتحرك بين الإخوة دون ضوابط.
- ضعف انتماء الأخ لأسرته، فنجد الأخ أنانيًّا لا يهمه الآخر، يهرب منه ولا يقترب إلا في حالة المصلحة والأخذ.
- التذبذب في معاملة الأبناء ما بين القسوة الشديدة إلى التدليل لنفس السلوك الواحد، أي معاملة الأبناء حسب الحالة المزاجية.
- زيادة الضغوط الحياتية التي تجعل الفرد ينشغل بأحواله عن كل من حوله، فالكل يلهث وراء لقمة العيش، وهذا ليس مبررًا، بأن يجعل الشقيق لا يسأل عن شقيقه لفترة زمنية طويلة.
كيف نحافظ على رباط الأخوة بين الأبناء؟
إن العلاقة بين الإخوة تستحق من الأسرة الاجتهاد والجد للمحافظة عليها، وغرس المحبة بين الأبناء، لتعيش الأسرة حياة مستقرة وهادئة ما ينعكس ذلك على زيادة الثمار الإيجابية فيها، ويمكن ذلك من خلال:
- إعطاء الطفل قدرًا من الحنان والاهتمام.
- يجب أن يعدل الوالدان بين أولادهم، فلا يُفضلان أحدهم على الآخر.
- على الآباء ألا يقارنوا بين أبنائهم، لأنّ لكل إنسان شخصيته وظروفه وإمكانياته التي تُميّزه عن غيره، فالمقارنة كارثة.
- العلاقة بين الإخوة والأخوات، وبخاصة في السّن الصغيرة يمكن أن تتحوّل بفضل الأسرة إلى نواة لعلاقة قوية، أو علاقة سيّئة تربط بينهم طوال العمر، فالتّناغم في العلاقة مسؤولية الأبوين.
- إذا تخاصم الأبناء؛ على الآباء شرح لكل منهما خطأه، وتركهما معًا ليتَصافيا.
- ترغيب الأبناء في توقير الكبير، ورحمة الصغير وحب المساكين.
- الإسلام يدعو إلى صلة الأرحام، فإنه بذلك يدعو إلى تزكية النفس وتقوية الروح ويعمل على الترابط، والتعاون والتلاقي وعدم التنافر، كما يدعو إلى نشر العدل والرحمة، ولهذا يعيش أفراده في وئام وسلام، فلا يبغي بعضهم على بعض، ولا يقسو بعضهم على بعض، مجتمع يرحم الكبير فيه الصغير، ويوقر الصغير فيه الكبير.
- إن الطفل حين يجد من أبويه ومربيته القدوة الصالحة في كل شيء، فإنه يتشرب مبادئ الخير، فإن أفضل التربية هي التربية بالقدوة.
- المجتمع الإنساني في نظر الإسلام هو ما كانت فيه العلاقات بين أفراده علاقات إنسانية تقوم على الأخوة والمودة والتعاون، وتنأى بأفراده عن الأنانية، وترتفع بهم فوق المادية.
- يجب أن نعلم أولادنا منذ نعومة أظفارهم كيف يتسامحون، لأن هذا التسامح يغرس فيهم التواصل والود والمحبة.
- يجب أن نعلمهم كيف يتحاورون، وتُؤدي المحاورة إلى علاقات ودودة بعيدة عن التشاحن والمنازعات.
- ويجب أن نغرس فيهم حب العدالة في المعاملة، وفي التعامل، فإن العلاقة الحميمة بين الإخوة تؤسس الأسرة على السكينة والأمانة.
- إن العلاقة الأسرية التي يسودها الوفاق بين الأب والأم تعكس بدورها على الأبناء؛ فيشبوا متعاونين على البر والتقوى والإحسان.
- عدم انتقاد الطفل أو معايرته أمام الغير.
من ثمرات العلاقة الطيبة بين الأبناء
وإذا كانت العلاقة بين الإخوة قوية وطيبة وليس فيها أي خصامٍ أو فتورٍ، فإن ذلك ينعكس بالإيجاب على الأسرة بأكملها، إذ تؤدي تلك العلاقة إلى هذه الثمار:
- المساهمة في تحقيق أهداف الأسرة في الإسلام: فالأخوَّة الصالحة تُورث المحبَّة والإيثار، وتبعد الحسد والشَّحناء والغل والقطيعة، وهو عكس ماحدث في قصة سيدنا يوسف- عليه السلام- حينما تملك الحسد من قلوب إخوته فأثر ذلك على استقرار أسرتهم لسنوات.
- التكاتف والاستقرار الأسري: فالأسرة هي الدرع الحصينة، وفي ذلك دلالة على الشدَّة والقوَّة؛ حيث إنَّ كلَّ فرد فيها يشد عضد أخيه ويقويه، فيحصل التَّآلف بين الإخوة، ويفرح الأخ لفرَح أخيه، ويغضب لغضبه، ويألَم لألمه، فتغدو الأسرة كالجسد الواحد، الَّذي إن اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الأعْضاء بالحمَّى والسَّهر.
- إرضاء الوالدين وإسعادهما: فالوالدين يفرحان بمحبَّة الأبناء لبعضهم، وصفح أحدهم وتجاوزه عن إساءة أخيه عند حصول نِزاع بينهما؛ وهو ما حدث- أيضًا- في قصة سيدنا يوسف- عليه السَّلام- مع إخوتِه، وتحديدًا في نهاية القصة، إذ حرص على ألاَّ يذكِّر إخوته بما يسوؤهم؛ لئلا يدخل الحزْن على قلب أبويه إذا سمعا منه ما يدل على بقاء العداوة بينهم؛ فقال: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 100].
لذا؛ من الضروري على الآباء أن يلزموا العدل والقسط بين الأبناء للحفاظ على العلاقة بين الإخوة قوية وطيبة، وهو ما يؤدي إلى شيوع السعادة والسرور على باقي الأسرة، ولا بد من التأكيد على فهم دورِ الأخ الأكبر في الأسرة، وإشعاره بمنزلته وحقوقه، مع ما تتطلَّبه هذه المنزلة من واجبات، فله الاحترام والتقدير من بقية الإخوة، وعليه الرحْمة والعطف عليهم؛ لأنَّه يقوم بدوْر المعلِّم بالنسبة لأخيه الأصْغر، ويساعِدُه في التكيُّف، وفي تطوير قدُراته المختلفة.
المصادر والمراجع:
- السعدي: تيسير الكريم الرَّحمن في تفسير كلام المنان، ص 163
- ابن حجر العسقلاني: الإصابة في تمييز الصحابة، ص 123
- الأشقاء الفرقاء؛ كيف نجعل الأشقاء أصدقاء؟
- ملامح تربوية من الإخوة في النسب
- العلاقة بين الإخوة “هاك نبضي”
- علموا أولادكم.. محبة الأخ: نعيم نعيم السلاموني