إنّ التربية على العزة من أسمى المهام التي يقوم بها أولياء الأمور والمربين مع النشء الصغير، فهي تُحصّنهم نفسيًّا من التأثر بنباح الأعداء، وتجعلهم يفخرون إذا اطلعوا على آيات القرآن الكريم وسيرة النبي- صلى الله عليه وسلم-، ويرفضون تقليد الأعداء أو الانصياع إلى مخططاتهم واستبداد أذنابهم، بل تجعل في قلوبهم جمرة لا تنطفئ وهي دائمًا تدفعهم إلى النهوض بالأمة.
والإسلام أعزّ أتباعه وأبعدهم عن مواطن الذّل والمهانة، فالله يأمر المسلمين بأن يكونوا أعزّاء، وأن يطلبوا هذه العزة في رضاه- سبحانه-، وهي نابعةٌ من الخيرية ومقارعة الرذيلة، وفي الوقت ذاته فهي ليستْ تكبرًا أو تفاخرًا، أو بغيًا أو عدوانًا، أو هضمًا لحقٍ أو ظلمًا لإنسانٍ، وإنما هي الحفاظُ على الكرامة والصيانة لما يجبُ أنْ يُصانَ.
مفهوم التربية على العزة
ويمكن أنّ نتعرف إلى مفهوم التربية على العزة من خلال بعض مراجع اللغة، التي ذكرت أنّ العِزُّ: خلافُ الذُّلِّ. وهو في الأصلِ: القُوَّةُ والشِّدَّةُ، والغَلَبةُ والرِّفعةُ والامتناعُ. يقالُ: عَزَّ يَعَزُّ- بالفتحِ للمضارعِ-: إذا اشتَدَّ وقَويَ، وبالكَسرِ للمضارعِ: إذا قَوِي وامتنع، وبالضَّمِّ: إذا غَلَب وقَهَر. ويقال: عزَّ فلانٌ، أي: صار عزيزًا، أي: قوِيَ بعدَ ذِلَّةٍ. وأعزه اللَّهُ. وهو يعتزُّ بفلانٍ، ورجلٌ عزيزٌ: منيعٌ لا يُغلَبُ ولا يُقهَرُ. وعزَّ الشَّيءُ: إذا لم يُقدَرْ عليه.
إنّ هذه المادَّةُ في كلامِ العَرَبِ لا تخرُجُ عن معانٍ ثلاثةٍ: “أحدُها: بمعنى الغَلَبةِ، يقولون: من عزَّ بزَّ، أي: من غَلَب سَلَب، يُقالُ منه: عزَّ يَعُزُّ، ومنه قوله تعالى: وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ. والثَّاني: بمعنى الشِّدَّةِ والقُوَّةِ، يُقالُ منه: عَزَّ يَعَزُّ. والثَّالثُ: أن يكونَ بمعنى نفاسةِ القَدْرِ، يُقالُ منه: عَزَّ يَعِزُّ.
أما معنى العِزَّةِ في الاصطلاح، فهي: حالةٌ مانعةٌ للإنسانِ من أن يُغلَبَ. وقيل: العِزَّةُ: التَّأبِّي عن حَملِ المذَلَّةِ، وقيل: التَّرفُّعُ عمَّا تلحقُه غضاضةٌ.
التربية على العزة في القرآن والسنة
وإذا أردنا أن نعتمد منهجًا نستقي منه وسائل التربية على العزة فلن نجد أفضل من كتاب الله- عزَّ وجلَّ- الذي يبثُّ في قلب المؤمن وروحه الشُّعور بالعِزَّة المستمدَّة من عِزَّة هذا الدِّين وقُوَّته، والمسْتَلْهَمة من آيات كتابه وتعاليمه، عِزَّةٌ تجعله يترفَّع عن كلِّ ما من شأنه أن يَحُطَّ من قدره، أو يُرْغِمه على إعطاء الدَّنيَّة في دينه، يقول الله- تبارك وتعالى-: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النِّساء: 139]، وقال الله تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر: 10]. أي: من كان يَوَدُّ أن يكون عزيزًا في الدُّنْيا والآخرة، فليلزم طاعة الله تعالى، فإنَّ بها تُنَال العِزَّة؛ إذْ لله العِزَّة فيهما جميعًا.
وقال الله- جل وعلا-: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [المنافقون: 8]، وهنا يضمُّ الله- سبحانه- رسوله والمؤمنين إلى جانبه، ويُضْفِي عليهم من عِزَّته، وهو تكريم هائل، لا يكرِّمه إلا الله! وأي تكريم بعد أن يُوقِف الله- سبحانه- رسوله والمؤمنين معه إلى جواره.
ولأنّ العزّة غالية، فقد حرص النبي- صلى الله عليه وسلم- على غرسها في قلوب صحابته الكرام، من ذلك أنه أرسل- صلى الله عليه وسلم- إلى عُيينة بن حصن بن حذيفة، والحارث بن عوف بن أبى حارثة، رئيسي غَطَفَان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة، وجرت المراوَضةَ في ذلك، ولم يتمَّ الأمر، فذكر ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فقالا: يا رسول الله، أشيء أمرك الله به فلا بدَّ لنا منه؟ أم شيء تحبُّه فنصنعه، أم شيء تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا أنِّى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة (أي: اجتمعوا عليهم بالعداوةِ. وهو مَثَلٌ في الاتِّفاقِ)، فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنَّا نحن وهؤلاء القوم على الشِّرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطيقون أن يأكلوا منها تمرة إلا قِرَى (القِرَى: ما يُهَيَّأُ للضَّيفِ من طعامٍ ونُزُلٍ) أو بَيْعًا، فحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام، وهدانا له، وأعزَّنا بك وبه- نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلَّا السَّيف، فصوَّب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأيه، وتمادوا على حالهم”.
وعن تميمٍ الدَّاريِّ- رَضِيَ اللَّهُ عنه- قال: قال رسولُ اللَّهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: “ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يترُكُ اللَّهُ بيتَ مَدَرٍ (مَدَر: الطِّينُ الصُّلبُ) ولا وَبَرٍ (الوَبَر: صوفٌ أو شَعرٌ) إلَّا أدخَله اللَّهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ به الكُفرَ)). وكان تميمٌ الدَّاريُّ يقولُ: قد عرَفْتُ ذلك في أهلِ بيتي، لقد أصاب من أسلَمَ منهم الخَيرَ والشَّرَفَ والعِزَّ، ولقد أصاب من كان منهم كافِرًا الذُّلَّ والصَّغارَ والجِزيةَ (أحمد والطبراني والحاكم).
وقال المِقدادِ بنِ الأسوَدِ،: سمِعتُ رسولَ اللَّهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقولُ: “لا يبقى على ظَهرِ الأرضِ بيتُ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللَّهُ كَلِمةَ الإسلامِ، بعِزِّ عزيزٍ أو ذُلِّ ذليلٍ، إمَّا يُعِزُّهم اللَّهُ فيجعَلُهم من أهلِها، أو يُذِلُّهم فيَدينون لها” (أحمد وابن حبان).
وأدرك السلف الصالح وعلماء الأمة أهمية العزة، فها هو عمر عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: “ما زلنا أعزَّة منذ أسلم عمر” (البخاري).
وعن طارق بن شهاب، قال: خرج عمر بن الخطَّاب إلى الشَّام، ومعنا أبو عبيدة بن الجرَّاح، فأتوا على مَخَاضَة، وعمر على ناقة له، فنزل عنها، وخلع خُفَّيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته، فخاض بها المخَاضَة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أنت تفعل هذا، تخلع خُفَّيك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخَاضَة؟ ما يسرُّني أنَّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: (أَوَّه ، لم يقل ذا غيرك -أبا عبيدة- جعلته نكالًا لأمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم، إنَّا كنَّا أذلَّ قوم، فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العِزَّة بغير ما أعزَّنا الله به أذلَّنا الله” [صحح الألباني على شرط الشيخين).
وقال الشَّعبي: كانت دِرَّة عمر- رضي الله عنه- أهيب من سيف الحجَّاج. ولما جيء بالهرمزان- ملك خوزستان- أسيرًا إلى عمر، لم يزل الموكَّل به يقتفي أثر عمر، حتى عَثر عليه في المسجد نائمًا متوسِّدًا دِرَّته، فلمَّا رآه الهرمزان، قال: هذا هو الملك؟! والله إنِّي خدمت أربعة من الملوك الأكاسرة أصحاب التيجان، فما هِبْت أحدًا منهم كهيبتي لصاحب هذه الدِّرَّة.
وقال عبد الله بن عمرو: “إيَّاك وعزَّة الغضب، فيضيرك إلى ذُلِّ الاعتذار. وإذا ما عَرَتك في الغضب العِزَّة فاذكر مَذَلَّة الاعتذار”. وقيل للحسن بن علي- رضي الله عنهما-: فيك عَظَمَة، قال: لا، بل فيَّ عِزَّة الله تعالى، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون: 8].
وعن ابن أبي لبابة قال: “من طلب عِزًّا بباطل أورثه الله ذُلًّا بحقٍّ”، وقال رجل للحسن: “إنِّي أريد السِّند فأوصني، قال: أَعِزَّ أَمْرَ الله حيث ما كنت، يُعِزَّك الله، قال: فلقد كنت بالسِّند، وما بها أحدٌ أعزَّ منِّي”. وقال ابن عطاء: “العِزُّ في التَّواضع، فمن طلبه في الكِبْر، فهو كتطلُّب الماء من النَّار”.
وذكر بعض السَّلف: “النَّاس يطلبون العِزَّ بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلَّا في طاعة الله”، وقال إبراهيم بن شيبان: “الشَّرَف في التَّواضع. والعِزُّ في التَّقوى. والحرِّية في القناعة”.
كيف نربي أولادنا على العزة؟
وإذا أراد المربون وأولياء الأمور النجاح في مهمة التربية على العزة عليهم اتخاذ هذه الوسائل:
- الاعتقادُ الجازمُ والإيمانُ اليقينيُّ بأنَّ اللهَ تعالى هو العزيزُ الذي لا يَغلِبُه شيءٌ، وأنَّه هو مَصدَرُ العِزَّةِ وواهِبُها. قال تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26].
- صِدقُ الانتماءِ لهذا الدِّينِ، والشُّعورُ بالفَخرِ للانتسابِ له، والاعتزازُ به حتى ولو كان ذلك في زمنِ الاستضعافِ، واستقواءِ أعداءِ المسلِمين؛ يقولُ تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]، ويقولُ النَّبيُّ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: “ليبلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يترُكُ اللَّهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللَّهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ به الكُفرَ” (أحمد والطبراني والحاكم).
- متابعةُ الرَّسولِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في هَدْيِه، وطاعتُه في أمرِه، ولُزومُ سُنَّتِه؛ فإنَّه بقَدْرِ ذلك تكونُ عِزَّةُ العبدِ في الدُّنيا، وفلاحُه في الآخرةِ، ودليلُ ذلك قولُ رَسولِ اللهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: “بُعِثْتُ بَيْنَ يدَيِ السَّاعةِ بالسَّيفِ حتَّى يُعبَدَ اللَّهُ تعالى وَحدَه لا شَريكَ له، وجُعِل رِزقي تحتَ ظِلِّ رُمحي، وجُعِل الذُّلُّ والصَّغارُ على من خالف أمري” (البخاري)، يقولُ ابنُ القَيِّمِ: “والمقصودُ أنَّه بحَسَبِ متابعةِ الرَّسولِ تكونُ العِزَّةُ والكفايةُ والنُّصرةُ، كما أنَّه بحسَبِ متابعتِه تكونُ الهدايةُ والفلاحُ والنَّجاةُ.
- اليقينُ بأنَّ دينَ اللهِ قد كُتِب له العُلُوُّ والتَّمكينُ في الأرضِ، وأنَّ دولةَ الكافرين وعِزَّتَهم سائرةٌ إلى زوالٍ؛ لأنَّها بُنِيت على باطِلٍ وسرابٍ، فبهذا الاعتقادِ يتوَلَّدُ عِندَ المُؤمِنِ شُعورٌ بالعِزَّةِ، وإحساسٌ بالشَّرَفِ والعُلُوِّ.
- تربيةُ الأولادِ والنَّشءِ على العِزَّةِ بالالتزامِ بتعاليمِ الإسلامِ ظاهِرًا وباطنًا.
- تقويةُ الإيمانِ، وللعبدِ من العُلُوِّ بحَسَبِ ما معه من الإيمانِ وحقائقِه، فإذا فاته حظٌّ من العُلُوِّ والعِزَّةِ، ففي مقابلةِ ما فاته من حقائقِ الإيمانِ، عِلمًا وعَمَلًا، ظاهرًا وباطنًا.
- الاهتمامُ بتحصيلِ العِلمِ والحِرصُ على العَمَلِ به. قال أبو هِلالٍ العَسكريُّ: “فإذا كُنتَ -أيُّها الأخُ- ترغبُ في سُمُوِّ القَدْرِ، ونباهةِ الذِّكرِ، وارتفاعِ المنزلةِ بَيْنَ الخلقِ، وتلتَمِسُ عِزًّا لا تَثلُمُه اللَّيالي والأيَّامُ، ولا تتحيَّفُه الدُّهورُ والأعوامُ، وهيبةً بغيرِ سُلطانٍ، وغنًى بلا مالٍ، ومَنَعةً بغيرِ سِلاحٍ، وعلاءً من غيرِ عشيرةٍ، وأعوانًا بغيِر أجرٍ، وجُندًا بلا ديوانٍ وفَرضٍ- فعليك بالعِلمِ”.
- الإكثارُ من قراءةِ القرآنِ وتدَبُّرِه والعَمَلِ بما فيه.
- الحِرصُ على أكلِ الحلالِ وإطابةِ المطعَمِ، واجتنابِ أكلِ الحرامِ.
- مجاهَدةُ النَّفسِ والهوى “فمَن صبَرَ على مجاهدةِ نفسِه وهواه وشيطانِه، غلبه وحصَل له النَّصرُ والظَّفَرُ، ومَلَك نفسَه؛ فصار عزيزًا مَلِكًا، ومن جَزِع ولم يصبِرْ على مجاهدةِ ذلك، غُلِب وقُهِر وأُسِر، وصار عبدًا ذليلًا أسيرًا في يدَي شيطانِه وهواه.
- الزُّهدُ في الدُّنيا وتَركُ الطَّمَعِ وشِدَّةِ التَّكالُبِ والحِرصِ على جمعِها وتحصيلِها.
- الثَّباتُ على الحَقِّ والابتعادُ عن عوامِلِ الانحرافِ وأسبابِ الشُّبُهاتِ.
- صِدقُ التَّوكُّلِ على اللهِ، وأن يعلَمَ العبدُ “أنَّ البَشَرَ -ولو اجتَمَعوا بأسْرِهم- أذَلُّ من أن يمنعوا شيئًا أعطاه اللهُ، وأقَلُّ من أن يعطوا شيئًا منعه اللهُ؛ ومِن ثمَّ فعلى المسلِمِ أن يَرُدَّ مصايرَ الأمورِ إلى مُدَبِّرِها الأعظَمِ، وأن يجعَلَ فيه الثِّقةَ وعليه المُعَوَّلَ، وليُكَبِّرْ دينَه فلا يَذِلُّ به، وليملِكْ نفسَه فلا يعطي فرصةً لأحمقَ كيما يستعلي ويستكبرُ؛ فإنَّ قرارًا ما لن يتِمَّ إلَّا إذا أمضاه اللَّهُ. قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر: 2].
- عَمَلُ الطَّاعاتِ والمبادرةُ إليها، والحَذَرُ من المعاصي؛ فهي من أعظَمِ أسبابِ ذُلِّ الإنسانِ. ولا ذُلَّ أشَدُّ من ذُلِّ المعصيةِ. وبمقدارِ طاعتِه له تكونُ العِزَّةُ والشَّرفُ والسُّؤدُدُ، والعكسُ. قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر: 10].
- مدارسةُ سيرةِ النَّبيِّ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وسِيَرِ أصحابِه الكِرامِ.
- العِفَّةُ عمَّا في أيدي النَّاسِ تعصِمُ الإنسانَ من إذلالِ نفسِه.
- التَّخلُّقُ بمكارمِ الأخلاقِ، كالصَّبرِ والتَّواضُعِ والكَرَمِ والشَّجاعةِ، والصَّدعِ بالحَقِّ والعَفوِ عن النَّاسِ؛ ففي الحديثِ عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: “وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عِزًّا” (مسلم). وقيل: “العِزُّ فِي التَّواضُعِ، فمن طلبه في الكبرِ لم يجِدْه”.
- اختيارُ المكانِ الذي يُعينُه على اكتسابِ العِزَّةِ والخلاصِ من الذُّلِ، والإسلامُ يَدَعُ المُؤمِنَ مُستقِرًّا في المكانِ الذي يُنبِتُ العِزَّ ويَهَبُ الحُرِّيَّةَ الكاملةَ، ويجِبُ على المُؤمِنِ أن يوفِّرَ هذه المعانيَ في بيئتِه، فإن استحال عليه ذلك ليتحَوَّلْ عن دارِ الهوانِ، وليَنشُدِ الكرامةَ في أي مكانٍ.
إنّ العِزَّة والإيمان صِنْوَان لا يفترقان، فمتى وَقَرَ الإيمان في قلب الرَّجل، وتشبَّع به كيَانُه، واختلط بشِغَاف قلبه، تشرَّب العِزَّة مباشرةً، فانبثقت منه أقوال وأفعال صادرة عن شعور عظيم بالفَخْر والاستعْلاء، لا فخرًا واستعلاءً على المؤمنين، بل هو على الكافرين، ويَنْتُج- أيضًا- عن هذا الخُلُق الكريم، صِدْقُ الانتماء لهذا الدِّين، وقُوَّةُ الرَّابط مع أهله، والتَّواضُع لهم، والرَّحمة بهم.
مصادر ومراجع:
- الجوهري: الصحاح 3/88.
- ابن فارس: مقاييس اللغة 4/38، 39.
- ابن منظور: لسان العرب 5/374، 375.
- الزبيدي: تاج العروس 15/219.
- ابن الجوزي: زاد المسير في علم التفسير 1/113.
- ابن القيم: زاد المعاد 1/39.
- ابن القيم: إغاثة اللهفان 2/181.
- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 14/328.
- الخطيب الشربيني: السراج المنير 3/315.
- ابن حزم: جوامع السيرة، ص: 188.
- ابن عساكر: تاريخ دمشق 6/282.
- ابن قتيبة: عيون الأخبار 1/411.
- المناوي: فيض القدير 6/73.
- ابن رجب: جامع العلوم والحكم 1/490.
- محمد الغزالي: خلق المسلم، ص 187.