يعتقد كثيرٌ من الآباء أن الصراخ في وجه الأطفال يُساعد على حل المشكلات ويمنعهم من التصرف بسوء، لكن ذلك يخلق المزيد من الأزمات على المدى الطويل، لأنّ البناء النفسي للأطفال يُعد من أكثر الأمور أهمية وحساسية في حياتهم، وأخذها بشكل متوازن يجعلهم أسوياء.
ولا شكّ أنّ ردود فعل الطفل من الصوت العالي، تتمثل في الخوف وقلة الاستيعاب وضعف القدرة على استقبال المعلومات، بالإضافة إلى توجهه للعدوانية، وبالجملة فإن هذا التصرف غير جيد ويضر الطفل نفسيا ومعنويا.
خطورة الصراخ في وجه الأبناء
الصراخ بين الحين والآخر لا يجعل من الأم والأب شخصين سيئين، فكلنا بين الوقت والآخر نصرخ على أطفالنا، لكن الخطر أن يزداد ذلك يوما بعد يوم، ويتراكم إحباط الآباء من تصرفات أبنائهم، وينتقلون من حادث لآخر دون أن يضعوا حدًّا لما يرتكبه الطفل فيزداد الإحباط أكثر، وفي النهاية يفيض بهم الكيل وبدل أن يتعاملوا مع السلوك السيء الذي قام به الطفل ويعالجونه، ينتهي بهم الأمر بالزعيق ورفع الصوت.
لذا لا بُد من أنْ ندرك أنّ التحدث بلهجة صارمة حازمة مع الأطفال أمر مجدٍ، لكن الغضب ثم رفع الصوت ليس مفيدًا، خصوصًا إذا كان الغضب يحدث على الشاردة والواردة(1).
واستخدام هذا السلوك مع الأطفال يرسل رسالة مفادها أن ولي الأمر ليس مسيطرًا، وهو ما يؤدي إلى حالة من عدم الأمان والقلق لدى الأطفال.
ورفع الصوت لا يُنهي المشكلة، بل يجعلها- في الغالب- أسوأ، كما أن اللجوء إلى هذا السلوك باستمرار يجعل الأطفال يعتادون عليه ولا يتعلمون كيف يغيرون سلوكهم السيء.
وحينما يُصبح رفع الصوت في البيت هو القاعدة يكون الأطفال أكثر عُرضة للاعتقاد بأنه من الجيد رفع الصوت طوال الوقت- أيضًا- ويتعلمون أن ذلك هو الرّد المناسب على أي إحباط أو ارتباك يشعرون به.
وقد لا ينتبه الآباء والأمهات إلى أنّ صراخهم ربما يُعطي تأثيرًا سلبيًّا في نفسية الطفل، والغريب أنّهم يصرخون وكأن الطفل يُدرك كل شيء مثلهم، ويجب أن يتعامل بخبرة في المواقف مثلهم، وينسى الآباء والأمهات أن هناك فروقًا في العمر والخبرة والتعامل مع المواقف وتقدير المسؤولية.
إنّ الطفل الذي يبلغ الثالثة أو الرابعة وحتى العاشرة من العمر قد لا يُدرك الأخطاء التي يرتكبها؛ لأنه غير قادر على تحليل المواقف، لذلك فهو يستغرب لماذا تصرخ الأم، وما الخطأ الذي ارتكبه حتى يستحق رفع الصوت المدوي الذي أوجع أذنيه من أمه أو أبيه والذي قد يترك في نفسه شعورا بأن والديه لا يُحبانه.
بل قد تكون ردة فعله خطيرة، وتنعكس سلبًا على الأم أو الأب، بل قد تغرس معاني الخوف في نفسه وهي بمثابة حمل ثقيل يخشاه كل طفل(2).
وربما يكون رفع الصوت أقسى على الطفل من الاعتداء عليه، كما يجعل سلوك الطفل الخاطئ أكثر تعقيدا، وقد يؤدي إلى إصابته بالاكتئاب، واستخدام العنف اللفظي على الطفل بدلاً من محاكاته بالمنطق الأمر الذي قد يسبب زيادة أخطائه وتكرارها دون أن يتعلم منها (3).
أسباب تزيد من الصراخ في وجه الأبناء
صراخ الأب أو الأم في أطفالهم لا يكون دون سبب، فبلا شك طبيعة حياة الأطفال مملوءة بالصخب والضحك واللعب وعدم الاهتمام بالمسؤولية، وهو ما يُسبب ضجرا للوالدين، بالإضافة إلى بعض الأسباب، منها:
- الأعباء المتزايدة على الأب والأم بسبب العمل وصعوبة الحياة وسرعة إيقاعها ومشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والضغوط النفسية المتزايدة.
- مسؤولية الآباء في مساعدة أطفالهم في بعض شؤونهم، مثل المذاكرة التي قد تخرجهم عن شعورهم بسبب عدم اهتمامهم أو استيعاب الدروس.
- المشاعر المتداخلة تجاه الأبناء، حيث يحاول الوالدان الظهور بالمظهر السّوي أمام أبنائهم لكن أحيانًا بسبب عدم الخبرة أو التنظيم أو لظروف أخرى لا يحدث ذلك على أكمل وجه، فيتولد لدى الوالدين مشاعر الإحباط والشعور بالذنب.
- تصرف الأطفال بطريقة استفزازية أو مشاجرتهم مع بعضهم أو عدم تنظيمهم لغرفهم أو غيرها من التصرفات التي قد تخرج الوالدين عن شعورهما(4).
عبارات تدميرية
جميع الآباء والأمهات يتوراثون النمط التربوي ممن سبقوهم، وبعضهم مَن يحاول تنمية قدراته تربويًّا ليحسن وسائل تربية أبنائه، بعيدًا عن جو الصراخ ورفع الصوت باستمرار، لكن هناك الكثير من العبارات التدميرية لشخصية الطفل، منها:
- التهديدات: “إذا فعلت ذلك مرة أخرى سوف أتركك تعيش وحيداً”.
- التمني بأنه غير موجود: “لو لم أنجبك كنت سأعيش حياةً أفضل”.
- مقارنته مع أقرانه أو أخوته: “لماذا لا تكون مرتباً مثل أخوتك؟”.
- مناداته بصفات سيئة وألقاب بذيئة: “أنت فوضوي، غير مرتب، يا كسول، أنت شخص ميؤوس منك”.
- إلقاء اللوم عليه: “أنت دائمًا تسبب لي الصداع، أنت تتعبني، أنت تسبب لي الاشمئزاز”.
- عدم التقدير: “لا فائدة منك، أنت لا تصلح لشيء، أنت لا تعرف القيام بهذا”(5).
وسائل عملية لهدوء الآباء
لو كان الصراخ فعّالاً لكانت الأبوة والأمومة سهلة، ولكُنّا نصرخ على أطفالنا فتُحل المشكلة ويتغير سلوك السيء، لكننا نعلم جميعًا أن الأمر ليس بهذه السهولة.
إذا وجد الآباء والأمهات أنّ صراخهم في وجه أطفالهم بشكل متكرر، فلن يكون من السهل إيقاف أنفسهم مرة واحدة، لذا يجب تعلم كيفية تغيير الطريقة التي يتواصلون بها مع أطفالهم، الأمر الذي يحتاج إلى تدريب، ومن الأمور التي تُساعد على تجنب رفع الصوت:
- البحث عن الأسباب والضغوطات الأخرى التي تجعل الوالد يصرخ على الطفل؛ لأنّ رفع الصوت لا يحدث من فراغ أبدًا، بل يمكن أن يكون استجابة لسلوك آخر معيّن.
- منح الطفل تحذيرًا قبل البدء بالصّراخ عليه؛ فالأطفال بطبيعتهم يماطلون في الوقت، سواء أكان في موعد النوم أو التوقف عن الإزعاج وغيرها، لذلك من الواجب أن يُمنح الطفل تحذيرًا واضحًا ليكون كافيًا لاستجابته لما يُطلب منه.
- أخذ وقت كافٍ بعيدًا عن الطفل لإخراج الطاقات السلبيّة قبل التعامل معه، إذ يجب التدرب على ضبط النفس، والتفكير لبضع دقائق قبل البدء بأي تصرف.
- كتابة قائمة بالأمور المسموح للأطفال القيام بها، وليكن عنوانها (نعم)، ثم تعلّق على الثلاجة أو أي مكان آخر، وقد تشمل الأوقات التي يجب أن يلعب بها الطفل أو وقت دراسته، وغيرها من الأمور التي تخفف من أسباب انزعاج الوالدين منه.
- تعليم الطفل درسًا بأن تصرفه كان خاطئًا بدلا من رفع الصوت في وجه، لأنّ ذلك ليس أسلوب التواصل الجيد، وقد يزيد من سوء المشكلة.
- إدراك أنّ ما قد يتصرفه الأطفال في عمرهم الصغير قد يكون أمرًا طبيعيًّا رغم أنه سلوك خاطئ، لكن الأطفال بطبيعتهم يُحبون التصرف هكذا لإثبات الذات والسيطرة على الموقف، فواجب الوالدين حينئذ هو عدم لوم الطفل وتعلم كيفية التعامل مع الموقف.
- محاولة استباق الأمور التي على الطفل أن يفعلها لتجنب رفع الصوت لاحقا.
- تعديل التوقعات؛ فرغم أن آمال الوالدين عادة ما تكون كبيرة جدًّا تجاه أبنائهم، فإن الأمور قد لا تكون كما يتوقعون، فيجب الصبر على تربية الأطفال.
- الاعتراف بالذنب؛ واليقين بأن رفع الصوت من شأنه أن يؤذي الأطفال ويؤثر على مستقبلهم.
- الاعتذار من الطفل وطلب العفو منه، ومن المهم الاعتذار منه بالكلمات، وإخباره بأن رفع الصوت لم يكن مقصودًا.
- طلب المساعدة من مستشار وقت الحاجة، فلربما تكون ذو فائدة في تجنب الوالدين رفع الصوت وتعلم الطرق الصحيحة في التعامل مع هذه المواقف(6).
إن معظم أسباب الغضب السريع تبدو تافهة نوعًا ما ولا تستحق كل ذلك الغضب أو الصراخ وتكون غالبا نتيجة وجود مشكلات أخرى، لذا فليحذر الآباء من سلوك الطريق الخطأ في التعامل مع مواقف أبنائهم.
المصادر والمراجع:
- هل تعبت من الصراخ على طفلك؟: 19 أكتوبر 2021.
- محمد داود: الصراخ في وجه الطفل أسوأ من شعوره باليتم، 17 مارس 2019.
- مخاطر الصراخ على الطفل وطرق التعامل معه عند الغضب: 30 ديسمبر 2021.
- فريدة أحمد: لست ضحية أبنائك، 2 يوليو 2020.
- تأثير الصراخ في تربية الطفل: 24 نوفمبر 2019.
- أمل الدقامسة: أضرار الصراخ في وجه الطفل، 29 يوليو 2021.