علم النفس من العلوم التي يجب على المربي أن يكون ملمًا بالقدر المناسب منها؛ حتى يستطيع القيام بمهمته الكبرى مهمة التربية، ونطرح في هذه المقالة مجموعة من الموضوعات الأساسية في علم النفس، نبدأها بتعريف علم النفس، ثم تعريف الشخصية، ثم تحديد ملامح وسمات الشخصية السوية والشخصية غير السوية، ثم ذكر العوامل التي تؤثر في تكوين الشخصية.
علم النفس والشخصية
علم النفس (هو الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية، وخصوصا الإنسان، وذلك بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه). [1]
والنفس: مصطلح عام يشمل كل ما هو غير الجسم أي ما هو عقلي كالتفكير والتذكر وكذلك الوجداني أو الانفعالي كالشعور بالراحة أو الخوف.
والإنسان: مكون من جسم (الجزء المادي) والنفس (الجزء غير المادي)، أما الروح فهي {مِنْ أَمْرِ رَبِّي} وهى التي تبعث الحياة في الجسم، وتجعل الإنسان أو (الكائن الحي) يقوم بالوظائف الجسمية والنفسية وما يسمى بمظاهر الحياة.
أما السلوك: فهو كل ما يصدر عن الإنسان من: 1- قول 2- فعل 3- انفعال 4- نشاط عقلي. [2]
والشخصية: هي مجموعة من المظاهر والسمات الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية والتي يمتلكها الفرد بطريقة مغايرة لمن حوله بحيث تجعله متميزًا عن غيره. [3]
تنوع الشخصية وملامحها
لم يخلق الله الناس سواء، بل جعلهم أخلاطًا وأنواعًا مختلفة، وكل ميسر لما خلق الله، وذلك تبعًا لاختلاف العوامل التي تؤثر في تكوين الشخصية، وللشخصيات ملامح تحدد ما إذا كانت سوية أو غير سوية.
أولًا: ملامح وسمات الشخصية السوية:
إن الشخصية السوية هي التي تنظر إلى ما حولها نظرة موضوعية معتدلة متفائلة راضية بما قسم الله لها بعد السعي والاجتهاد المطلوب والأخذ بالأسباب الموضوعية، وهي التي توازن بين ما لها وما عليها، وأهم ملامح وسمات الشخصية السوية ما يلي:
- الإيمان الكامل واليقين المطلق بالله تعالى.
- الاعتدال والوسطية فلا إفراط ولا تفريط.
- جامعة لخصال الخير.
- فاعلة: تأخذ بالأسباب لتحقيق الهدف المنشود.
- الكفاءة: العمل وفق طاقتها بدقة وموضوعية.
- المرونة: تبحث عن طرق جديدة لحل مشكلاتها، ولا تقف عاجزة أمامها.
- الإفادة من الخبرة السابقة: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين).
- التفاعل الاجتماعي الفعال.
- الشعور بالاطمئنان مع الثقة.
- وضع الأمور في نصابها بدقة وتحديد مناسب.
ثانيًا: الشخصية غير السوية؛ وهي شخصية مضطربة تفتقد عاملًا أو أكثر من العوامل السابقة، فلا يتحقق لها التوافق ولا الاتزان الانفعالي. وتعبر عن اضطرابها بصورة أو بأخرى من صور الاضطراب النفسي، وهي كثيرة، أهمها:
- القلق.
- التوتر
- عدم الرضا.
- الاكتئاب
- اختلال التفكير.
- ظهور الهلاوس والخداعات.
- الانعزال عن المجتمع والانسحاب منه.
- اضطراب النوم.
- فقد الشهية.
- ترك العمل أو إهماله.
- الخمول والكسل.
- دوام الحزن والكآبة.
العوامل التي تؤثر في تكوين الشخصية
أ- العوامل الداخلية:
- الوراثة: لها تأثير بالغ في الشخصية، ولذلك حثنا الإسلام على حسن اختيار الزوج أو الزوجة.
- الجهاز العصبي: وهو الجهاز المسئول عن الإحساس والضبط والتحكم في كل ما يصدر عن الإنسان من نشاط وسلوك، إرادي أو غير إرادي، لذا فيجب الحفاظ على سلامته ووقايته من أي ضرر أو خطر تسببه الصدمات أو الأدوية أو العقاقير والمخدرات والمسكرات… إلخ، لأنه إذا اختل اختل سلوك الإنسان، وربما يصعب التفريق بين هذا السلوك المختل وبين سلوك المجانين.
- الغدد: الغدد عامة والصماء خاصة- فالأخيرة تفرز هرمونات ضئيلة الحجم عظيمة الأثر في شخصية الإنسان، يراعى أن زيادة نسبة الهرمونات أو قلتها عن حد معين يؤثر كثيرًا على الإنسان.
ب- العوامل الخارجية:
- البيئة: وهى تشمل كل العوامل والظروف التي تؤثر على الإنسان، سواء كانت: بشرية أو جغرافية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، ولذا فهي تشمل: الأسرة، الجيران، الأصدقاء، المدرسة، وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون وصحف ومجلات وكتب… إلخ. وكذلك تشمل طبيعة المكان الذي يعيش فيه الأفراد (سهول، جبال، وديان…) والظروف المناخية (من حرارة، وبرودة، ومطر) ونشاط السكان (صناعة، أو زراعة، أو تجارة، أو صيد، أو رعي… إلخ)، وكذلك الحالة الاقتصادية الخاصة للأسرة والمجتمع والمستوى الثقافي للأسرة والمجتمع الذي يعيش فيه الأفراد.
القيم وأثرها في تكوين الشخصية
اشتُقَّت كلمة (القيمة) في اللغة العربية من (القيام)، وهو: نقيض الجلوس. و(القيام) بمعنى آخر هو: (العزم)، ومنه قول الله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}[الجن:19] أي لمّا عزم. كما جاء (القيام) بمعنى: (المحافظة والإصلاح)، ومنه قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ …}[النساء:34]. وأما (القَوَام) فهو: (العدل، وحُسن الطول، وحُسن الاستقامة) كما تدل كلمة (القيمة) على (الثمن الذي يقاوم المتاع)، أي يقوم مقامه وجمعها قِيَمُ. ويُقال: “ما له قيمة إذا لم يدم على شيء”.
ومع مرور الأيام شاع استعمال كلمة (القيمة)، فأصبحت تدل على معانٍ متعددة، واختُلف على تحديد تعريف واحد لها ما بين علماء الدين، وعلماء النفس، وعلماء الاجتماع، وعلماء الاقتصاد، وعلماء الرياضيات، وعلماء اللغة… إلخ، ومرد ذلك الاختلاف يُعزَى إلى اختلاف منطلقاتهم النظرية التخصصية، فلكل منهم مفهومه الخاص الذي يتفق مع تخصصه، ويمكن تعريف القيم بأنها: “تنظيمات لأحكام عقلية انفعالية تعمم نحو الناس أو الأشياء أو المعاني أو أوجه النشاط، وهي تعمل على توجيه دوافع الإنسان ورغباته واتجاهاته، وتحدد له السلوك المقبول والسلوك المرفوض والصواب والخطأ، وتتصف بالثبات النسبي”.
والقيم الأساسية التي تحكم سلوك الإنسان هي:
- القيمة الدينية: ويعبر عنها الفرد بإيمانه والتزامه الديني، وإرجاع الأمور التي تعترضه إلى حكم الشرع والحلال والحرام، وكذلك يحكم كلَّ تصرفاته الرغبةُ في ثواب الله سبحانه وتعالى والطمع في رحمته والخوف من عذابه، وتكون القيمة الدينية واضحة ومؤثرة في سلوك علماء الدين والمتدينين.
- القيمة النظرية: ويعبر عنها الفرد باهتمامه بالعلم المجرد أو التطبيقي واكتشاف الحقائق والقوانين وتكون القيمة النظرية واضحة ومؤثرة في سلوك العلماء والباحثين.
- القيمة الاقتصادية: ويعبر عنها الفرد باهتمامه بكل ما هو نافع ومفيد اقتصاديًا، ويسعى للحصول على المال والثروة واستثمارها، وتكون القيمة الاقتصادية مؤثرة وواضحة في سلوك رجال المال والأعمال.
- القيمة الجمالية: ويعبر عنها الفرد باهتمامه بكل ما هو جميل من ناحية الشكل أو التنسيق أو التوافق والذوق، وتكون القيمة الجمالية مؤثرة وواضحة فيمن يهتمون بالفن والأشكال الجمالية.
- القيمة الاجتماعية: ويعبر عنها الفرد باهتمامه وميله إلى الناس، ويتمثل ذلك في مساعدتهم وحبهم والتعاون معهم وخدمتهم، وتكون القيمة الاجتماعية واضحة فيمن يهتمون بالخدمات العامة عن حب واقتناع وعطف وحنان.
- القيمة السياسية: ويعبر عنها الفرد باهتمامه بالنشاط السياسي والعمل السياسي والقضايا السياسية، ويتميز الأفراد الذين عندهم هذه القيمة بحسن الإدارة في نواحي الحياة المختلفة وقدرتهم على توجيه غيرهم.
ويلاحظ أن ترتيب أهمية هذه القيم مختلف من فرد لآخر، فمن تسود لديه القيمة الدينية يسأل عن الحلال والحرام قبل أن يقدم على أي عمل، والالتزام الديني يسيطر على كل سلوكياته. ومن تسيطر عليه القيمة الاقتصادية يسأل عن الثمن. كم ؟ قبل السؤال عن أي شيء آخر. ومن تسيطر عليه القيمة العلمية يسأل عن الجودة والكفاءة قبل أن يسأل عن الشكل أو الذوق أو أي شيء آخر. ومن تسيطر عليه القيمة الجمالية يسأل عن الذوق والشكل العام قبل أن يسأل عن أي شيء آخر. ومن تسيطر عليه القيمة الاجتماعية يسارع في خدمة الناس ومعاونتهم متطوعًا ومحتسبًا قبل أن يسأل عن أي عائد أو جدوى. ومن تسيطر عليه القيمة السياسية يسارع إلى العمل الجماهيري الذي يشبع رغبته في السيطرة والشهرة قبل أن يفكر في أي شيء آخر.
وهكذا تتحكم قيمنا في سلوكياتنا وبالتالي في شخصياتنا، ومعرفة القيم الأساسية للفرد والتي تسيطر عليه تمكننا من توقع سلوكه في التصرف في المواقف المختلفة، وتعد مدخلًا جيدًا من مداخل شخصيته إذا أحسن الإفادة منها؛ فتؤثر كثيرًا في سلوكه المرغوب فيه أو العكس.
الدوافع والانفعالات
الدافعُ حالةٌ داخل جسم الكائن الحي، جسمية أو نفسية تثير السلوك في ظروف معينة وتواصله حتى ينتهي إلى غاية معينة أو هو حالة جسمية أو نفسية (داخلية) تؤدى إلى توجيه الكائن الحي تجاه أهداف محددة، وتقوي الاستجابة التي تحقق هذه الأهداف.
ويوجد لدى الإنسان مجموعتان من الدوافع:
- الدوافع الأولية أو الفطرية: وهي التي يولد الفرد مزودًا بها، وهي التي تلزم للحفاظ على حياته، مثل الحاجة إلى: الغذاء، والأكسجين، والنوم، والراحة، والتخلص من الفضلات، والأمن، والتناسل للحفاظ على بقاء النوع. ويشترك الإنسان مع الحيوان في هذه الحاجات، وهي توجد لدى كل أفراد الجنس البشرى.
- الدوافع الثانوية أو المكتسبة أو الإنسانية: وهي التي تضبط السلوك الاجتماعي للإنسان، وهي مكتسبة ومتعلمة وتختلف باختلاف الجماعات والثقافات، وبالتالي لا يلزم وجودها لدى كل الأفراد، وإنما يتميز البعض بوجود بعض هذه الدوافع بينما لا توجد عند البعض الآخر. ومن هذه الدوافع: الحاجة إلى الانتماء إلى جماعة بشرية معينة، والمشاركة الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، والتقدير، والميل إلى السيطرة وتحقيق الذات، وهذه الدوافع إنسانية وتختلف باختلاف الأفراد والمجتمعات.
ومعرفتنا بدوافع الفرد تمكننا من حسن توجيهها وإشباعها بالطريقة المناسبة، وكذلك توجيه سلوكه للسبيل القويم لإشباع هذه الحاجات وتوظيف الطاقات بطريقة جيدة.
الانفعالات
حالة جسمية نفسية يصحبها تغيرات فسيولوجية وتعبيرات حركية مختلفة قد يكون بسيطًا أو متوسطًا (ولا يترتب عليه ضرر للإنسان) أما الانفعال الحاد فيمكن أن يسبب أضرارًا خطيرة قد تؤدي إلى الوفاة.
ويصنف الانفعال إلى مجموعتين أساسيتين هما:
- انفعال الرضا: ويشمل الفرح والسرور والانشراح … إلخ.
- انفعال الغضب: ويشمل عدم الرضا والحزن والخوف والعبوس … إلخ.
وهذه الانفعالات متعلمة من البيئة، حيث يتعلم ما الذي يفرحه وما الذي يحزنه، كما يتعلم كيفية التعبير عن الانفعال.
فالبعض يعبر عن السرور بالابتسام والبعض يعبر بالضحك، وآخر بالقهقهة بصوت عالٍ وهكذا، وكذلك التعبير عن الحزن من مجرد العبوس وعدم الابتسام إلى البكاء والصراخ والعويل، والبيئة هي التي تعلمه كل ذلك.
ومعرفة المربي بانفعالات المتربي، والمعلم بانفعالات الطالب وكيفية تعبيره عنها وتجاوبه معها ومشاركته وجدانيًا تساعد على التآلف وزيادة الحب والثقة، كما تساعده على معاونتهم على ضبط انفعالاتهم والتعبير عنها بالصورة اللائقة فيما بعد.
أما العواطف فهي استعداد ثابت نسبيًا مركب من عدة انفعالات تدور حول موضوع معين، مثل الحب عاطفة تنشأ من تكرار انفعالات الرضا والاستحسان من شيء أو شخص معين، والعكس عاطفة الكره تتكون من تكرار مواقف الغضب وعدم الرضا من شخص أو شيء معين.
والقدرة: هي كل ما يستطيع الفرد القيام به في اللحظة الحاضرة من نشاط عقلي أو حركي سواء كان ذلك نتيجة تدريب (حفظ جدول الضرب – ركوب دراجة) أو من غير تدريب كالذكاء الفطري، ويشير هذا التعريف إلى أنّ القدرة هي قوّة الإنسان الحالية للقيام بعمل ما إذا توافرت له الظروف الخارجية اللازمة، وهي تطلق كذلك على مجموعة من الأداءات أو الإنجازات التي ترتبط فيما بينها ارتباطاً عالياً وتتمايز إلى حدٍّ ما عن المجموعات الأُخرى من الأداءات. ومن أمثلة ذلك القدرة على حلّ المسائل الحسابية، أو تجميع أجزاء آلة من الآلات، أو القدرة على قراءة الخرائط، أو غير ذلك ممّا يقوم به الفرد في مجال الدراسة والعمل.
والاستعداد: هو قدرة الفرد الكامنة على أن يقوم بنشاط معين في سهولة ويسر وبسرعة وعلى أن يصل إلى مستوى عال من المهارة في مجال معين إن توفر له التدريب المناسب، سواء أكان هذا التدريب مقصودًا أو غير مقصود، ولا يعني هذا بساطة الاستعداد فقد يكون معقدًا، أي يمكن ردّه إلى عوامل مختلفة، ومن أمثلة الاستعدادات الاستعداد الميكانيكي، أي القدرة على تعلُّم الأعمال الميكانيكية إذا توافر التدريب اللازم، ويشير الاستعداد إلى مجموع الخصائص التي تميز سلوك الفرد في مواقف متشابهة، مثل قدرته على مواجهة بعض المواقف المعينة أو حل بعض المشكلات التي تواجهه في المستقبل، فإذا ما قلنا: إن لدى الفرد استعدادًا ميكانيكيًا، فإن هذا يعني أن عنده القدرة على اكتساب أساليب السلوك المختلفة التي يتطلبها النجاح في الأعمال التي يطلق عليها اسم (أعمال ميكانيكية).
مراجع:
- عبد الحليم محمود السيد: علم النفس العام.
- أحمد عزت راجح: أصول علم النفس.
- حامد زهران: الصحة النفسية والعلاج النفسي.