المؤلف: الدكتور سعيد إسماعيل علي – أستاذ التربية بجامعة عين شمس.
الناشر: دار الفكر العربي بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1423هـ – 2002م.
مقدمة
هذا الكتاب يقوم بعملية تأصيل للتربية الإسلامية من واقع السنة النبوية، وهو يلتقي مع الكتاب الذي قام المؤلف نفسه بتأليفه، وهو: القرآن الكريم رؤية تربوية، على اعتبار أنهما (القرآن والسنة) المصدران الأساسيان اللذان تُستمد منهما أهداف وغايات التربية الإسلامية التي ينشدها كل العاملين في مجال التربية.
يقول المؤلف في المقدمة: تم تأليف هذا الكتاب في ظروف خاصة، وهي أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001م، وما رافق الحرب العالمية التي شنتها الولايات المتحدة بحجة الحرب على “الإرهاب”، وتضمنت جانبًا دعائيًّا شديد الأهمية، ينصبّ على وصم الإسلام بتهمة الإرهاب.
كما أن الكتاب يأتي ضمن مشروع فكري وفقهي متكامل للمؤلف، يستند إلى إحياء الفكر التربوي الإسلامي، وكانت بدايته عن الفكر التربوي في القرآن الكريم، ثم هذا الكتاب، عن الجوانب التربوية في السُّنَّة النبوية الشريفة.
فكتاب السنة النبوية رؤية تربوية يعدّ من المراجع القيمة للباحثين في تخصص علوم الحديث الشريف، ومعظم الكتابات الفقهية والإسلامية بصفة عامة.
وبشكل عام؛ فإن الكتاب بجانب تناوله للجوانب التربوية للسُّنَّة النبوية، وطرائق تعلمها؛ فقد كان به الكثير من الرسائل عن الأخلاق وتطوير التعليم وقضايا أخرى مهمة. وإن غلب على الكتاب جانب التنظير في علم الحديث بخاصة. وربما كان عذر الكاتب في ذلك هو وضع مؤلف جامع أمام الباحثين في مجال التربية الإسلامية يغنيهم عن الرجوع إلى كتب الحديث والسيرة النبوية المتخصصة التي يحتاجون إليها في إنجاز بحوثهم في مجال التربية الإسلامية.
وصف عام للكتاب
الكتاب جاء في 515 صفحة، قسَّمها الكاتب إلى خمسة فصول وتمهيد:
الفصل الأول: السُّنَّة النبوية مصدرًا للتربية، وفيه تحرير للمفاهيم الأساسية التي يتداولها الكتاب، مثل: معنى السُّنَّة، ومعنى الحديث النبوي، ودرجاته، والحديث القدسي، ونشأة علم الحديث، وأنواع السُّنَّة، ومنزلتها بالنسبة للقرآن الكريم، ووجوب العمل بها.
فالسنة في اللغة: تطلق على السيرة والطريقة، حسنة أو قبيحة، وقد تطلق ويراد بها: الطريقة المحمودة المستقيمة. أما في الاصطلاح فيختلف معنى السنة في اصطلاح المتشرعين حسب اختلاف فنونهم وأغراضهم؛ فهي عند الأصوليين غيرها عند المحدثين والفقهاء.
السنة في الاصطلاح، هي: عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقته. قال الإمام الشافعي: مطلق السنة يتناول سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط. والسنة في اصطلاح المحدّثين: ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلقية أو خُلقية أو سيرة، سواء قبل البعثة أو بعدها. وهي بهذا ترادف الحديث عند بعضهم. وفي اصطلاح الأصوليين نجد أن السنة: ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. وقد يشتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم على نوعين أو أكثر من أنواع السنة. وقد تطلق السنة عندهم على ما دلّ عليه دليل شرعي، من الكتاب العزيز أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو اجتهد فيه الصحابة؛ ويقابل ذلك البدعة.
وفي اصطلاح الفقهاء: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير افتراض ولا وجوب، وتقابل الواجب وغيره من الأحكام الخمسة.
وقد اختار مؤلف الكتاب نهج المحدِّثين الذين يعنون بالسنة كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن التوثيق للسنة اتجه إلى هذا المعنى.
معنى الحديث والفرق بينه وبين السنة: كلمة الحديث في اللغة تعني الجديد، والخبر. وإذا كان الحديث -في الاصطلاح – هو ما حدَّث به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن السنة- بقطع النظر عن كون هذا الحديث موجودا أو غير موجود- العادة الدينية التي كانت موجودة فعلا عند المسلمين قديما. والفرق بين الحديث والسنة أن الحديث أمر عملي نظري، والسنة أمر عملي. وليس من الضروري أن تكون السنة موافقة للحديث، فيقال مثلا: هذا الحديث مخالف للقياس والسنة والإجماع. وهناك من المحدثين من ينظر إلى الحديث والسنة على أنهما مترادفان.
الخبر والأثر:الخبر أجدر من السنة أن يرادف الحديث، فما التحديث إلا الإخبار، وما حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا الخبر المروي عنه، المرفوع إليه. أما الأثر فهو مرادف للخبر والسنة والحديث.
أما الحديث القدسي؛ فكل حديث يضيف فيه رسول الله قولا إلى الله- عز وجل- يسمى بالحديث القدسي أو الإلهي.
تدوين الحديث: نهى النبي عن كتابة الحديث نهيا مطلقا، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه). ولما اطمأن الرسول عليه السلام إلى أن القرآن قد استقر في القلوب والعقول، ولما تأكد لديه صلى الله عليه وسلم أن المسلمين أصبحوا في مأمن من أن يخلطوا كلام الله المعجز بكلامه صلى الله عليه وسلم؛ عندئذ وجد الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يعد هناك ما يمنع من كتابة حديثه، فأباح للصحابة ما كان منعه في أول الأمر.
ويلخص باحثون تطور تدوين الحديث عند أهل السنة من خلال المراحل الآتية: 1- مرحلة الجمع 2- مرحلة المسانيد 3- مرحلة الصحيح (إفراد الصحيح من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من غير الصحيح مما روي عنه صلى الله عليه وسلم).
نشأة علم الحديث: يطلق اسم(علم الحديث) ويراد منه معنيان: الأول: العلم بالقوانين التي يعرف بها حال الراوي للحديث، وحال الحديث نفسه. الثاني: العلم بما نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا، وبضبطه وتحريره.
أنواع السنة: تنقسم السنة من حيث صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أنواع: سنة قولية، وسنة فعلية، وسنة تقريرية. وللحديث تقسيم معروف باعتبار عدد الرجال الذين رووه، وينقسم إلى: المتواتر لفظا ومعنى، والآحاد: ويشمل المشهور والغريب والعزيز. ومن حيث الدرجة ينقسم الحديث إلى: الصحيح والحسن والضعيف.
منزلة السنة بالنسبة للقرآن ووجوب العمل بها: السنة هي الأصل الثاني من الأصول الإسلامية للتربية، فالقرآن مقدم، وهي تالية له. ولكي نعرف مكانة السنة النبوية في بناء التربية الإسلامية، مما يوجب العمل بها، يجب أن نعرف مهمة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، والتي تتمثل في ثلاث مهام: تلاوة آيات الله، والتزكية، وتعليم الكتاب والحكمة؛ فهذه المهمات الثلاث يجب على المؤمنين معرفتها؛ لأنها ترسم الطريقة الصحيحة في فهم التربية وتطبيقها، وليس لها مصدر يرجع إليه إلا في السنة النبوية. والبراهين على وجوب العمل بالسنة عديدة، منها: آيات القرآن الكريم التي توجب العمل بالسنة، والسنة نفسها كما في حديث معاذ، وإجماع الصحابة على وجوب اتباع سنته صلى الله عليه وسلم.
الفصل الثاني: البنية التربوية للشخصية المحمدية؛ تعني التوقف أمام الشخصية المحمدية لنتبين كيف أنها تجسيد حيّ ونموذج فعلي لكل ما كانت تدعو إليه من أسس وتوجهات ومبادئ ووسائل لابد منها، حتى يمكن أن نربي الإنسان كي يحقق ما كلف بها من خالقه سبحانه وتعالى. نتوقف أمام بعض الجوانب و الأحداث والوقائع بغرض الوقوف على كيفية تشكيلها لشخصية ننظر إليها على أساس أنها نموذج وقدوة مطلوب من كل مسلم أن يتأسى بها، بل من كل من يبتغي النهج على الصراط المستقيم أن يحذو حذوها ويهتدي بما كانت عليه.
المقوم المكاني: حيث إن معظم الرسالات الإلهية كانت في أرض على مقربة من البوادي، لأن أولئك تكون نفوسهم قابلة للجديد من الرسالة، وغير متخلفة في مداركها.
الأصول الاجتماعية: شاءت إرادة الله عز وجل أن يختار محمدا صلى الله عليه وسلم من أفضل القبائل العربية شرفا ومكانا بين العرب، وأفضل البطون وأطهر الأصلاب.
فتناول فيه أثر المكان والبيئة المجتمعية، والأصول الاجتماعية للرسول الكريم- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، في تشكيل هويته، والابتلاءات التي تعرض لها بعد تكليف الله عز وجل له بالبعثة، والتوجيه الرباني له في كل موقف عُرِضَ عليه. ولقد توسَّع الفصل في تناول بعض الأمور الأخرى من السيرة النبوية، مثل أساليب الدعوة المختلفة التي تبناها الرسول الكريم- عليه الصلاة والسلام-، بما فيها الجهاد المسلح في سبيل الله، ومظاهر الحكمة والرشادة التي أبداها الرسول- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-. كذلك عرج على الكيفية التي تبناها النبي- عليه الصلاة والسلام-، في مجال تربية المسلمين، وتكوين الجيل الأول منهم، استجابة لأعباء الدعوة، وعملية تأسيس الدولة، والبناء الأُسَري، باعتبار أن الأسرة هي النواة الأهم للمجتمع الإسلامي.
الفصل الثالث: قضايا ومبادئ تربوية؛ اشتقها الكاتب من السُّنَّة النبوية، مثل: التقدير النبوي للعلم والتعلُّم، كأساس لعملية البناء الحضاري، وما يتطلبه ذلك فيما يخص عملية بناء الإنسان المسلم في العصر الحديث. ولقد استغل المؤلف محتوى هذا الفصل، من أجل التأكيد على أهمية العلم وقيمة العلماء، وضرورة تطوير قطاعات التعليم والبحث العلمي ضمن عملية البناء الحضاري. كما تناول أهمية تعليم النساء، ودوره في استكمال عملية التنمية البشرية والمجتمعية.
الفصل الرابع: طرق التعليم وأساليبه؛ وتناول فيه المؤلف بعض القضايا المتعلقة بدور القدوة والوسائل الأهم التي تساعد في العملية التعليمية. كذلك أكد على أهمية طرائق التفكير السليم، ودور الحوار والمناقشات في الخروج بنتائج إيجابية خلال عملية التعليم والتعلُّم.
الفصل الخامس: تعليم السُّنَّة وتعلُّمها؛ أكد الكاتب فيه أهمية وضرورة تعلُّم السُّنَّة النبوية، في المجالات العقدية والتربوية والأخلاقية، وغير ذلك من المجالات الأهم في حياة المسلم. وأشار إلى أنّ التعليم ما قبل الجامعي يستهدف من تدريس السنة ما يلي:
- تعرف الطلاب السنة النبوية من حيث طبيعتها، أنواعها، مصادرها، تدوينها، روايتها، رتبتها..إلخ.
- التعرف على مكانة السنة النبوية ومرتبتها من التشريع.
- الوعي بالفرق بين الحديث النبوي والحديث القدسي، والفرق بين الحديث القدسي والقرآن الكريم.
- التعرف على الأحاديث المردودة، وعلل الرد فيها، ومعارضتها بصحيح السنة.
- التدريب على استخدام مصادر الحديث المختلفة، وسهولة التعامل معها.
- إتقان قراءة الحديث وضبط حركاته وسكناته، وإظهار المعنى في قراءته.
- سلامة الفهم لمعاني الحديث، بالاعتماد على قواعد اللغة العربية، وعلى آي القرآن الكريم، وعلى الأحاديث النبوية الأخرى.
- التأكيد على الجانب العقلي، والتحليل المنطقي، أثناء شرح الأحاديث، إضافة إلى الاستعانة بالنصوص وواقعية الحل.
أما بالنسبة للسيرة النبوية، فإن المؤلف يؤكد على الأمور التالية:
- أن السيرة النبوية معين لا ينضب لكل العناصر التي تسعى التربية الإسلامية إلى تحقيقها؛ ففيها إشباع قوي لحاجات التلاميذ.
- أن السيرة النبوية فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر مناقبه ومآثره، وعظيم أخلاقه، والحديث عن رسول الله أمر محبب ويملأ النفس تقديرا واحتراما.
- أن النماذج التي تعرض على التلميذ ليست مثاليات نظرية، وإنما مواقف عملية، فيها النقاء الخلقي وحسن التصرف، وجمال السلوك، مما يجعل تأثر التلميذ بها أمرا قويا.
- أن مواقف السيرة تمثل مواقف عالية من الإنسانية التي لا ترقى إليها مواقف أخرى، وعرض هذه المواقف تعطي التلميذ انطباعا بمحاولة التشبه والتأثر، وبخاصة إذا كان السلوك صادرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أحد صحابته و حوارييه.
ولعل أهم ما في هذا الفصل؛ هو ما ذهب إليه المؤلف في شأن ضرورة تبني طرائق العلم الحديث في مجال تعليم السُّنَّة النبوية وتعلُّمها، بما في ذلك تقنيات المعلومات، وهي التي صارت لغة العصر، ولكنها للأسف غائبة عن مجالات التعليم في العالم الإسلامي. ويمكن لهذه التقنيات أن تساعد في أمرين: حصر المفاهيم والمصطلحات التربوية من كتب علم النفس والتربية والقواميس، وحصر مفاهيم التربية كما وردت في كتب المهتمين بالتربية الإسلامية.
من ثمرات الكتاب وفوائده
- اختيار المؤلف نهج المحدّثين الذين يعنون بالسنة كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- التوقف أمام الشخصية المحمدية، وتبيين كيف أنها تجسيد حي ونموذج فعلي لكل ما كانت تدعو إليه؛ حتى يساعد ذلك في تربية الإنسان المسلم الذي يقوم بواجبات التكليف الإلهي.
- بيان الكيفية التي تبناها النبي- صلى الله عليه وسلم- في مجال تربية المسلمين، وتكوين الجيل الأول منهم، استجابة لأعباء الدعوة وعملية تأسيس الدولة.
- بيان الاهتمام النبوي بالأسرة التي هي النواة الأهم في تكوين المجتمع الإسلامي.
- توضيح كيف كان التقدير النبوي للعلم والتعليم كأساس لعملية البناء الحضاري، وحاجة المسلم المعاصر لذلك.
- كيف وجهت السنة النبوية إلى الاهتمام بتعليم المرأة، ودوره في استكمال عملية التنمية البشرية والمجتمعية.
- بيان طرائق التعليم وأساليبه المستمدة من السنة النبوية.
- التأكيد على ضرورة تعلم السنة النبوية في المجالات العقدية والتربوية والأخلاقية، وغيرها من المجالات.
- بيان أهداف تدريس السنة النبوية في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي.
- إبراز دور التقنيات الحديثة في خدمة المجالات التربوية في السنة النبوية.