تحت أستارَ الظلامِ.. يتحسّس كل ما حوله
يهرب ويتخفى حتى لا يراه أحدٌ
يخشى أن تراه أُمُّهُ أو أباهُ أو صاحبُهُ
تعدّدت المشاهدُ والأفعالُ والتصرفات والمسمى واحد “ذنبٌ في حقّ الله”
ورغم عِلمه بأنّ ربه يراهُ ويرى الخلقَ جميعًا
لم يخجل منه سبحانه.. بل تمادى في معصيته وذنبه
لكن رحمة الله شملته ، وسَتَرَ العَفوُّ الغَفُورُ عنه أفعاله
ولأنَّ اللهَ رحيمٌ بعبادِه ، يجب أن يستغفرونَه ويدعونَه
لم يرفعْ عن عبادِه “السِّتْرَ”.. لم يفضحْ أفعالَهم وآثامَهم
تركَ لهم البابَ مفتوحًا حتى إذا تابوا وأنابوا قَبِلَهم وغفرَ لهم
ما أرحمَ الله بنا.. وما أحلمَه علينا
رأى معصيتَنا حين أخفَيناها عن أعيُنِ الخلقِ.. ولم يقبضْ أرواحَنا عليها
بل تركَنا لنطلبَ منه الرحمةَ والمغفرةَ.. نندمُ ونعزمُ ألا نعودَ للمعاصي أبدًا
فماذا لو كشَف الله سترَه عنّا؟
وماذا لو كانت للذنوب رائحةٌ؟
وماذا لو كُتِبت ذُنُوبنا على جباهِنا فاطَّلع الناس عليها؟
هل يستطيع بعضنا أن يُجالس بعضًا؟
“السِّترُ” نعمةٌ كبيرةٌ، وعلى المؤمنُ أن يرعاها في نفسِه وغيرِه
فلا يُجاهرُ بمعصيةٍ اقترفها، ولا يفضحُ مُسلمًا وقعَ في محذورٍ
وعن “السِّتر” يقولُ الإمامُ ابنُ القيِّمِ: “للعبدِ سِتْرٌ بينه وبينَ اللهِ، وسِتْرٌ بينه وبين النَّاسِ فمن هتكَ السِّتْر الذي بينه وبين اللهِ، هتكَ اللهُ السِّتْرَ الذي بينه وبينَ النَّاس”.
فما هي هذه النعمة؟ وما أنواعُها؟
السَّتْرُ: بفتحِ أولِه وسكونِ ثانيهِ؛ مصدرُ الفعلِ (سَتَرَ)
أما السِّترُ: بكسر أوَّلِه وسكونِ ثانيه؛ فهو: الشيءُ الذي يُخفي ما خلفَه
وعندما نقول: “هتكَ اللهُ سِتره” أي: “كشف للناس مساوئَه”
فالسِّتر يعم كل ما يُفتضحُ به المسلمُ من الذنوب وسائر الزَّلات
أو يفضحُ به غيرَه إلا أن يكونَ المُذنِبُ مشهورًا بالفساد وتعمَّد الإفسادَ ونشرَ الفاحشةِ والسِّترُ ليس مقتصرًا على المعاصي، بل هناك أنواعٌ أخرى يغفلُ عنها الكثيرُ
فعندما تكون مريضًا، لكنك قادرٌ على المشيِ فهذا سَتر من مذلة المرض
وعندما يكونُ لديك ملابسُ – ولو كانت مرقّعةً – فهذا سَتر من مذلّةِ البرد.
وعندما تكون قادرًا على الضَّحِكِ وأنتَ حزين، فهذا سَتر من مذلّة الانكسار.
وعندما تكون قادرًا على قراءةِ الصحيفةِ، فهذا سَتر من مذلّة الجهل.
وعندما تستطيعُ التواصل مع أهلك فهذا سَتر من مذلّة الوَحدة.
وعندما يكون لديك عملٌ يُغينكَ فهذا سَتر من مذلةِ السؤال.
وعندما تمتلك خُبزًا، فهذا سَتر من مذلّة الجوع.
وعندما يكون لديكَ زوجةٌ صالحةٌ، فهذا سَتر من مَذلّة انكسارِ الزوجِ أمامَ زوجتِه
هذا وأكثرُ، دليلٌ وافٍ وشاملٌ على تلك النعمةِ الكبيرةِ التي أنعمَ اللهُ علينا بها
فعلينا أن نشكرَ الله عليها بالبعدِ عن المعاصي، لننعمَ في الدنيا وننجُو يومَ الحسابِ
و”السَّتر”.. نعمةٌ وأمرٌ رباني
الجميعُ ينعمُ بسَترِ الله تعالى عليه
فكلما صافحنا الناسَ وتبسموا في وجوهِنا
علينا أن نتذكر نعمةَ سَتر الله تعالى علينا
وهذه النعمةُ تقتضِي الحياءَ منه سبحانه وتعالى
وتستوجبُ العملَ على شُكرِها وصيانتِها من الزِّوالِ
ومن أقربِ الأعمالِ للحفاظِ على نعمةِ السِّترِ
هي سَترُ الآخرينَ وإخفاءُ عيوبِهم، والإعراضُ عن فضحِهم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا… [الحجرات: 12].
وعن أبي هريرةَ – رضيَ اللهُ عنهُ – أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلمَ – قال: “مَن سَتَر على مسلمٍ، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة”، (رواه مسلم).
فسَتر اللهِ – عز وجل- على الناس مقترنٌ بسَترهم على غيرهم
ومرهونٌ بالكفِّ عن الخوضِ في الأعراضِ وتتبُّعِ العَورات
أثرُ نعمةِ السَّترِ على الفردِ والأمة
ولولا سَتر الله تعالى علينا ما طابت الحياة
وما هَنَأ أحدٌ بالعيشِ في الدُّنيا
فالسِّتر يصوُنُ العاصِي، ويفتحُ له بابًا للتوبةِ الصادقةِ
كما يحفظُه من الوقوع في مزيدٍ من الذنوبِ
ويجعلُ المجتمعَ مثل البنيانِ المرصوصِ، لا تهزُّه ريحٌ ولا تعصفُ به عاصفةٌ
يقول ابن الجوزي رحمه الله: “اعلم أن الناس إذا أعجبوا بك فإنما يعجبون بستر الله عليك”، ولو أن الله نشر ما ستر لما نظر أحد إلى أحد، ولما استمع أحد إلى أحد.
فهنيئًا لمن سَتر غيرَه فسَترَه اللهُ في دُنياهُ وآخرَتِهِ.