لا يُكتب النّجاح لأي علاقة زوجية إلا إذا بدأت عن رغبة حقيقية ورضا تام من الرجل والمرأة، لذا رفض الإسلام الزواج الإجباري بكل صوره وأكد أنّ رضا الفتاة من شروط صحة عقد النكاح، ولا مجال لمخالفة هذا الأمر.
ومَن ينظر إلى تجارب الحياة يرى أنّ كل زواج بدأ بالإكراه ولم تسبقه أو تصاحبه رغبة جامحة من طرفي العلاقة الزّوجية انتهى بالفشل، ورغم ذلك لا يكف الآباء والأمهات والأهل عن التّدخل للتأثير في قرار من يقبلون على الزواج، وبخاصة الفتيات.
حكم الزواج الإجباري في الشرع
ويُعرف الزواج الإجباري أو القسري بأنه الزواج الذي يتم دون موافقة حرة وتامة لأحد الأفراد أو كليهما، وعادةً ما يُفرض على الفتيات وبصورة أقل على الشبان، وهو يتسبب في آثار مؤلمة على الحياة الزوجية والأسرية.
وقد حرّم الإسلام الزّواج القسري، واشترط موافقة طرفي الزواج لكي يكون زواجًا صحيحًا، فبالنّسبة للمرأة لا يصح عقد نكاحها إلا برضاها، لِمَا في إجبارها من فَقْد الحياة المطمئنة والراحة النفسية والمودة والسكن والرحمة، وتلك من أهم أهداف الزّواج في الشريعة الإسلامية.
وفَسَخَ النبي- صلى الله عليه وسلم- نكاح الإجبار، فعن خنساء بنت خذام الأنصارية، أنَّ أبَاهَا زَوَّجَهَا وهْيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذلكَ، فأتَتْ رَسولَ- اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فَرَدَّ نِكَاحَهُ (البخاري).
وجعل الإسلام للمرأة الحق في اختيار زوجها، أو الموافقة عليه؛ لأنّها هي التي ستعاشره وتشاركه الحياة، فكيف نفرض عليها من تأباه؟، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه-، قال: “لا تُنْكَحُ الأيِّمُ (هي المرأةُ الَّتي سبَقَ لها الزَّواجُ) حتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتَأْذَنَ. قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وكيفَ إذْنُها؟ قالَ: أنْ تَسْكُتَ” (البخاري).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: “وأمَّا تزويجها مع كراهتها للنكاح، فهذا مخالف للأصول والعقول، والله لم يُسوِّغ لوليها أن يُكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها، ولا على طعام، أو شراب، أو لباس، لا تريده، فكيف يكرهها على مباضعة ومعاشرة من تكره مباضعته!، ومعاشرة من تكره معاشرته!. والله قد جعل بن الزوجين مودةً ورحمة، فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له ونفورها عنه، فأيُّ مودةٍ ورحمةٍ في ذلك!”.
أسباب الزواج الإجباري
وتتعدد أسباب الزواج الإجباري التي تدفع بعض الأسر إلى الوقوع فيه وتزويج أبنائهم بالإكراه، ومن بين هذه الأسباب:
- البعد عن المنهج الرباني: حيث ينتشر هذا الزواج في ظل قلة العلم بأحكام الشريعة، وعدم تحاكم الناس إلى شرع الله في شؤون حياتهم الخاصة والعامة.
- عوامل دينية وطائفية: حيث تلجأ بعض الأسر إلى اختيار الشخص المناسب لأبنائها أو بناتها- من وجهة نظرهم- بناء على معايير دينية وطائفية، ورفض عروض الزواج من أشخاص ينتمون إلى طوائف مختلفة.
- الخوف على شرف العائلة: فقد يشعر الأهل بالخوف على أبنائهم من المغامرات العاطفية التي قد تجلب لهم السمعة السيئة، فيلجؤون إلى تزويج أبنائهم في سنّ مبكرة معتقدين أن هذا سيضع حدًّا للمشاعر العاطفية لأبنائهم، ومتجاهلين المشكلات الأسرية التي قدّ يعانون منها في المستقبل.
- تدني مستوى المعيشة: حيث تكون الحاجة المالية للعائلة أو انتشار الجهل من أسباب إجبار الفتاة على الزواج، لتحسين وضع الأسرة، أو الارتباط بشخصيات نافذة في المجتمع ما يضمن وضع أفضل للفتاة وأسرتها.
- تقوية الروابط العائلية: ويحدث الإجبار على الزواج في إطار العائلة الكبيرة الواحدة ويعرف بزواج الأقارب، بهدف منع إدخال شخص من خارج العائلة ليتقاسم معهم الأموال والأرزاق، فيلجأ الأهل إلى زواج الأقارب إما للحفاظ على ثروتهم أو الحفاظ على ثروة أقاربهم، وقد يكون قسريًّا للرجال والنساء على حدٍّ سواء.
- الحفاظ على الطبقة الاجتماعية: وفي هذه الحالة يكون الهدف من الزواج القسري الحفاظ على الطبقة الاجتماعية، ومنع اختلاط الفئات والطبقات الاجتماعية مع بعضها البعض عبر الزواج، وعادةً ما يتم رفض زواج الشاب أو الفتاة من طبقة أو فئة أخرى، وإجبارهم على الزواج من الطبقة الاجتماعية التي ينتمون لها.
آثار سلبية
ويترتب على الزواج الإجباري آثار مأساوية عديدة على الأسرة والمجتمع، نذكر منها ما يلي:
- المعاملة السيئة بين الزوجين: فلا مودة ولا رحمة بينهما لذا تسوء العلاقة بين الطرفين وتكون المعاملة سيئة في معظم الأوقات.
- تدني مستوى الصحة: ويكون ذلك لدى الزوجة بشكل خاص بسبب ما قد تتعرض له من عنفٍ.
- اضطرابات نفسية للأطفال: فهم الضحية الأكبر في هذا النوع من الزيجات، ويكبرون في وضع متوتر يجعلهم يبحثون بالخارج عن حاجاتهم العاطفية دون وجود مُرشد لهم ما قد يسبب بدمار حياتهم.
- الخيانة الزوجية: وهي من النتائج السلبية للزواج القسري.
- زيادة معدلات الطلاق: وهي نتيجة حتمية في كثير من حالات الزواج القسري.
- الانتحار: وهو ليس بعيدًا عن المرأة أو الرجل الذي يعيش حياة زوجية بُنيت على الإجبار والإكراه.
- صعوبة الانخراط في المجتمع: وقد يُواجه ضحايا الزواج القسري صعوبة في الانخراط في المجتمع، بسبب شعورهم بالخوف والقلق من نظرة المجتمع لهم.
- الفقر: قد يُعاني ضحايا الزواج القسري من الفقر، وبخاصة إذا كانوا لا يملكون مهارات أو شهادات علمية تُمكنهم من العمل.
- الشعور بالظلم والاضطهاد: حيث يُعاني ضحايا الزواج القسري من شعور عميق بالظلم والاضطهاد، نتيجة فرض قرار مصيري دون مراعاة والمشاعر والرغبات.
- الاكتئاب والقلق: يُعاني العديد من ضحايا هذا النوع من الزواج من أعراض الاكتئاب والقلق، بسبب شعورهم باليأس والإحباط من حياتهم الزوجية.
- الشعور بالوحدة والعزلة: وقد يشعر ضحايا هذا الزواج بالوحدة والعزلة، وبخاصة إذا كانوا يعيشون في بيئة جديدة مع زوج لا يعرفونه.
- الاضطرابات النفسية: في بعض الحالات، قد يُصاب ضحايا الزواج القسري باضطرابات نفسية خطيرة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة.
- انقطاع الدراسة: ويُضطر العديد من ضحايا الزواج القسري، وبخاصة من الفتيات، إلى ترك الدراسة والتركيز على حياتهم الزوجية.
فالزواج القسري لا يجوز شرعًا، ونتائجه معروفة لا يجهلها أحد، وهي الفشل في الغالب الأعم، لأنه لم يُبنَ على الرّغبة والود والرحمة، بل على التنافر والبغض والخلاف والكراهية، لذا على الآباء والأمهات والأهل جمعا إقامة حوار مع أولادهم وبناتهم واحترام اختياراتهم للوصول إلى زواج آمن، ليس متعلقا بتسلط أولياء الأمور، وفي الوقت نفسه على الفتاة أو الشاب اختار شريك الحياة بناءً على رؤية واضحة ومواصفات وشروط تحقق الرحمة والمودة.
مصادر ومراجع:
- إسلام أون لاين: حكم الزواج بالإكراه.
- سامي بلال: الزواج بالإكراه وحلول الإجبار على الزواج القسري.
- د. مسعود صبري: موقف الإسلام من الزواج الإجباري!
- البيان: الزواج بالإكراه مشاكل ونهايات مأساوية.
- إسلام ويب: الإكراه على الزواج.. حكمه.. أسبابه.. ونتائجه.
- ابن تيمية: مجموع الفتاوى 32/25.