لا يصل إلى مقام الرضا إلا خاصة عباد الله الصالحين، لأنّ الوصول إليه يتطلب أولا تحقيق الصبر، ثم معالجة النفس وترويضها حتى ترضى، فتحصل الطمأنينة والسرور والانشراح حتى في أحلك الظروف والأزمات ومصائب الدهر.
وتُعد هذه العبادة القلبية “الصعبة” أعلى منازل التّوكل على الله تعالى، ولم يُوجبها الله سبحانه على خلقه؛ رحمةً بهم، وتخفيفًا عنهم، لكنه- عز وجل- نَدَبَنا إليها، وأثنى على أهلها، وأخبر أنَّ ثوابها رضاه تعالى عنهم كما قال سبحانه: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [التوبة: 72]، فَرِضَا اللهِ عن أهل الجنة أكبرُ وأجلُّ من الجنة وما فيها.
معنى الرضا وتأصيله شرعا
ويُعرّف الّلغويّون الرضا بأنه من مادة (ر ض و) على خلاف السّخط، يُقال: رضي يرضى رضًا، والرضوان هو الرضى الكثير. فالرّضا ضد السّخط، وفي الحديث: “اللهمّ إنّي أعوذ برضاك من سخطك” (أبو داود والترمذي والنسائي).
وفي المعنى الاصطلاحي، يقول المناويّ: “الرّضا طيب نفسيّ للإنسان بما يصيبه أو يفوته مع عدم التّغيّر، وقيل: هو سرور القلب بالقضاء، وعدم الجزع. فهو إذًا يدور حول قبول النفس للأمر، وعدم التسخط منه، وهو بذلك لا يختلف عن معناه اللغوي.
وأكد القرآن الكريم أنّ رضا الله تعالى هو أكبر الجزاء وأعظم النّعيم في الجنة، وهو الغاية التي ليس وراءها غاية، قال سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [البقرة: 207].
وقال سبحانه وتعالى: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].
ورضا الله جزاء، كما جاء في قوله جل وعلا: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة: 119].
وبيّن القرآن الكريم إكمال الله تعالى للمؤمنين دينهم الذي ارتضى لهم بالقرآن، وإتمام نعمته عليهم بالإسلام، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3].
وجاء في رضا الله تعالى عن المؤمنين، قوله سبحانه: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح:18].
وذكر القرآن الكريم رضا الله تعالى عن الأعمال الصّالحة: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) [النمل: 19].
وأوضح القرآن الكريم أن من صفات المؤمنين الرّضا بقدر الله، وعدم الاعتراض عليه، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36].
ومن الآيات التي جاءت بشأن هذه العبادة، ما يخص الرّضا بحكم الله تعالى الذي هو واجب شرعًا، يقول سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65].
ووافقت السنة النبوية كلام الله تعالى عن رضا المسلم وتسليمه لأوامر الله- سبحانه تعالى- وقدره، بطيب نفس من العبد وحسن نية، فعن ابن عباس- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا” (مسلم).
وروى أبو هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، ويَكْرَهُ لَكُمْ: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةِ المالِ. وفي رواية: مِثْلَهُ، غيرَ أنَّه قالَ: ويَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا، ولَمْ يَذْكُرْ: ولا تَفَرَّقُوا” (مسلم).
وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “يا أبا سَعِيدٍ، مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وجَبَتْ له الجَنَّةُ، فَعَجِبَ لها أبو سَعِيدٍ، فقالَ: أعِدْها عَلَيَّ يا رَسولَ اللهِ، فَفَعَلَ، ثُمَّ قالَ: وأُخْرَى يُرْفَعُ بها العَبْدُ مِئَةَ دَرَجَةٍ في الجَنَّةِ، ما بيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كما بيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، قالَ: وما هي يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ، الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ” (مسلم).
وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: “دَخَلْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وكانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ، فأخَذَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عليه بَعْدَ ذلكَ وإبْرَاهِيمُ يَجُودُ بنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- تَذْرِفَانِ، فَقالَ له عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: وأَنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَقالَ: يا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بأُخْرَى، فَقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ” (البخاري)
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ، والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ، والخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ” (البخاري)
وروى عن جرير بن عبد الله، أنه جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأعْرَابِ إلى رَسولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فَقالوا: “إنَّ نَاسًا مِنَ المُصَدِّقِينَ يَأْتُونَنَا فَيَظْلِمُونَنَا، قالَ: فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ. قالَ جَرِيرٌ: ما صَدَرَ عَنِّي مُصَدِّقٌ مُنْذُ سَمِعْتُ هذا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إلَّا وَهو عَنِّي رَاضٍ” (مسلم)، والمُصَدِّقِين: عمال جمع الزكاة.
ولقد وصل الصحابة الكرام إلى منزلة الرّضا في كل أمور حياتهم، وكان ذلك حال التابعين من بعدهم والصالحين، فها هو عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: “لأن يعضّ أحدكم على جمرة حتى تبرد، أو يمسك عليها حتى تبرد، خير من أن يقول لأمر قضاه الله ليته لم يكن”.
وعن أبي الدرداء- رضي الله عنه- أنه قال: “ذروة الإيمان أربع: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب- عز وجل-“.
وروي عن مالك أنه بلغه أنّ أبا الدرداء، دخل على رجل وهو يموت ويحمد الله، فقال أبو الدرداء: “أصبت؛ إن الله إذا قضى قضاء أحب أن يرضى به”.
وقال زمعة بن صالحٍ: كتب إلى أبي حازمٍ بعض بني أمية، يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه، فكتب إليه: “أما بعد، فقد جاءني كتابك تعزم علي أن أرفع إليك حوائجي، وهيهات، قد رفعت حوائجي إلى ربي، ما أعطاني منها قبلت، وما أمسك علي منها قنعت”.
وعن علي بن الحسين: “كان رجل بالمصيصة ذاهب النصف الأسفل لم يبق منه إلا روحه في بعض جسده ضرير على سرير مثقوب فدخل عليه داخل فقال له كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: “ملك الدنيا منقطع إلى الله ما لي إليه من حاجة إلّا أن يتوفاني على الإسلام”.
ومات ابن لرجل، فحضره التابعي الجليل عمر بن عبد العزيز، فكان الرجل حسن العزاء فقال رجل من القوم: هذا والله الرّضا، فقال عمر بن عبد العزيز: أو الصبر، قال سليمان: “الصبر دون الرّضا، الرّضا أن يكون الرجل قبل نزول المصيبة راضيًا، بأي ذلك كان والصبر أن يكون بعد نزول المصيبة يصبر”.
وقال ابن عون: “ارضَ بقضاء الله على ما كان من عسر ويسر؛ فإن ذلك أقل لهمك وأبلغ فيما تطلب من آخرتك، واعلم أنّ العبد لن يصيب حقيقة الرضا حتى يكون رضاه عند الفقر والبلاء كرضاه عند الغنى والبلاء”.
ولما أصابت عروة بن الزبير إصابة في قدمه، فقالوا له: “ألا ندعوا لك طبيباً؟، فأخبرهم أنه لا بأس، فقالوا له: نسقيك شراباً يزول فيه عقلك، فلم يعجبه ذلك وقال: “ما كنت أظن أن خلقاً يشرب ما يزيل عقله حتى لا يعرف به” فوضع المنشار على ركبته اليسرى، فما سمعنا له حسًا؛ فلما قطعها، جعل يقول: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت لقد عافيت”، ولم يترك ورده من قراءة القرآن.
ثمرات الرضا
وتتعدد ثمرات الرضا وفوائده على النحو التالي:
- سببٌ لمغفرة الذنوب: كما جاء في الحديث: “مَنْ قَالَ- حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا؛ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ” (مسلم).
- سببٌ لوجوب الجنة: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “يَا أَبَا سَعِيدٍ! مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا؛ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ” (مسلم).
- الراضي بقضاء اللهِ أغنَى الناس: لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: “اتَّقِ الْمَحَارِمَ؛ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ. وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ؛ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ” (الترمذي).
- الرَّاضي يتذوَّق طعمَ الإيمان: لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: “ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ؛ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً” (مسلم).
- السلامة من الاعتراض على أحكام الله الشرعية وأقداره الكونية: فإبليس لم يرض بِحُكم الله الكوني؛ من تفضيل آدم وتكريمه، ولا بِحُكمه الشرعي؛ من أمره بالسجود لآدم، فكان جزاؤه الطرد من الجنة.
- يُورّث حُسنَ ظنِّ العبد بربِّه: لعِلْمِه أنَّ الله تعالى لا يقضي قضاءً إلاَّ وفيه تمام العدل والرحمة والحكمة.
- يغرس الحقائقَ الإيمانيةَ في القلوب: كالاستعانة بالله تعالى، والتوكل عليه، والاستغاثة، والخشية، والإنابة، ونحوها.
- يُحقِّق الأمن النفسي لصاحبه: فهو يُزِيل الهمومَ، ويُخَفِّف المآسي، ويطرد القلق والضجر؛ عند فوات مُرادٍ، أو حصول مكروه.
- يُحوِّل المِحَنَ إلى مِنَح، والمصائبَ إلى أجور: قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن:11].
- يُثمر القناعةَ وعِزَّةَ النفس: فالمؤمن يعلم أنَّ رزقه مكتوب، وأنه لن يموت حتى يستوفيَ رِزقَه، وأنَّ العباد مهما حاولوا إيصال الرزق له، أو منعه عنه فلن يستطيعوا إلاَّ بشيء قد كتبه الله، فينبعث بذلك إلى القناعة وعِزَّةِ النفس، وتركِ التكالب على الدنيا.
- يُوجب التواضع: فإذا رَزَقَ اللهُ المؤمنَ مالاً أو جاهاً أو علماً، أو غيرَ ذلك تواضَعَ لله؛ لأنَّ ما به من نعمة فمن الله، ولو شاء لانتزعها منه.
- يُثمر الشكر: وهو أعلى مقامات الإيمان، بل هو حقيقة الإيمان، فإنَّ غاية العبادة هي شُكْر المولى، ولا يشكر اللهَ مَنْ لا يرضى بمواهبه وأحكامِه، وصُنعِه وتدبيره، وأخْذِه وعَطائِه.
- فيه مُحاربةٌ لليأس: فالذي لا يرضى بما قدَّره الله عليه؛ رُبَّما يصيبه اليأس والقنوط، فإذا أُصيب بِبَليَّة ظنَّ أنها قاصمةٌ لظهره، فاليأس سُمٌّ قاتل، وسِجن مُظلم، يصد النفس عن الخير.
- سببٌ لسلامة الصدر ونقاء القلب: فيجعل القلبَ سليما، نقيًّا من الغش والحقد، والحسد والشحناء؛ لأنه يوقن بحكمة الله ورحمته في كُلِّ أقضيته الكونيةِ والشرعية، يعلم أنَّ لله تعالى الحِكمةَ البالغة في إعطاء مَنْ يشاء، ومنعِ مَنْ يشاء، وإعزازِ مَنْ يشاء، وإذلال مَنْ يشاء.
- يُورِثنا الاتزان في السراء والضراء: فيجعل المسلم يمضي في حياته على منهج سواء، لا تُبطره نعمة، ولا تُيَئِّسُه مصيبة.
- سببٌ لنيل رِضوان الله الأبدي: لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ! فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: يَا رَبِّ! وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا” (البخاري ومسلم).
وسائل تربوية
والطريق إلى تحقيق الرضا في حياة المسلم، يتطلب الالتزام بوسائل تربوية أبرزها ما يلي:
- علم العبد بأن الله سبحانه وتعالى مستوجب لذلك، مستحق لنفسه.
- علمه بأن اختيار الله لعبد المؤمن خير من اختياره لنفسه.
- الثقة بالله تعالى وحسن تدبيره.
- يتذكر أنه مسلم، والمسلم من سلّم نفسه لله، ولم يعترض عليه في جريان أحكامه عليه.
- يتذكر أنه عبد محض، والعبد المحض لا يعترض على جريان أحكام الله عليه.
- أن يتذكر أنه محب، والمحب الصادق من رضي بما يعامله به محبوبه.
- النظر في النصوص الواردة في حق أهل الرّضا، وهي كثيرة في القرآن والسنة.
- استحضار الثواب والجزاء لأهل الرّضا.
- النظر عند وقوع المكروه إلى ما هو دونه.
- العلم بالله تعالى ومعرفته معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته.
- وأن يعلم بأن الله هو الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء، والمظهر لكل شيء، والمالك لكل شيء، وهو الذي يخلق ما يشاء ويختار.
- اليقين الراسخ بأنه لا تبديل لكلمات الله، ولا راد لحكمه، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
- أن يعلم بأن حكم الله ماض في عبده وقضاءه عدل فيه.
- أن يعلم بأن حظه من المقدور إنما هو ما يلقاه به من الرضا والسخط حقيقة، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
- أن يعلم أن تمام العبودية الحقة في رضاه عن جريان ما يكرهه من الأحكام عليه.
- وأن يعلم أن كل قدر لا يلائم العبد مما تنفر منه نفسه لا يخلو أن يكون عقوبة على الذنب، فهو دواء للعلة والمرض، تداركه به ربه تبارك وتعالى، لئلا يسترسل به هذا المرض فيعطب ويهلك.
فالرّضا منزلته عظيمة، ومَن رضي بربوبية الله وإلهيته، وبدينه، وبرسوله- صلى الله عليه وسلم- وبالقضاء والقدر، وبرزقه الذي خصصه الله له، فقد ذاق طعم الإيمان، وغُفرت ذنوبه، وبلغ مبلغ السعداء في الدنيا والآخرة.
المصادر والمراجع:
- ابن فارس: مقاييس اللغة 2/402.
- ابن منظور: لسان العرب 14/323.
- الجوهري: الصحاح 6/2357.
- الكفوي: الكليات ص 478.
- الجرجاني: التعريفات، ص 111.
- المناوي: التوقيف على مهمات التعاريف، ص 178.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء، ص 430.
- الطبراني: المعجم الكبير، ص 239.
- ابن أبي الدنيا: الرضا عن الله بقضائه، ص 75-92.
- ابن القيم: مدارج السالكين 2/206.