إن المتأمِّل في أغلب أفلام الرسوم المتحركة التي تعرضها شاشات التلفزيون في البلدان العربية والإسلامية يجدها قد خرجت عن الأهداف النبيلة، وابتعدت عن الغايات الجليلة التي من أجلها وُضِعَت؛ فلم تترك رذيلة إلا أباحتها، ولا قبيحة إلا نشرتها وأذاعتها؛ فصارت بذلك سلاحًا فتّاكًا يستهدف عقيدةَ الأطفال وعقولَهم ونفسياتِهم وممارساتِهم في كل بلدان العالم الإسلامي.
مخاطر الرسوم المتحركة
وتشمل أفلام الرسوم المتحركة على مخاطر متعددة على عقول الأطفال، على رأسها الخطر العقدي، الذي له معالم عدة، وذلك على النحو التالي:
- زعزعة العقيدة: فهذه الرسوم التي توجَّه إلى أبناء المسلمين هي أشد فتكًا بهم؛ لأنها لا تُعير العقيدة الإسلامية أي وزن، ولأن منبعها غربي مسيحي أو صهيوني غالبًا؛ لذلك فهي تهدف إلى إزالة العقيدة الإسلامية الصحيحة الصافية من النفوس عبر زعزعتها، وإدخال الشك فيها وفي مبادئ الإسلام، وغرس المعتقدات المنحرفة في المقابل: كعقيدة التثليث، وعبادة الأصنام؛ فحين يُظهر الفيلم نجْمًا يُدخِل السعادة على الناس، أو شجرةً تحفظ من الكوارث والآفات، أو يعرض شخصية تقبِّل الصليب وتضعه على الصدر لتجد الراحة والأمان والطمأنينة، أو تسجد لصنم، أو تُوهِم بأن الكون تدبِّر شؤونَه كائنات خيالية وليس الله، عز وجل.
والطفل يشاهد ذلك ويتأثر به، ويعتقد أنه هو الحق والصواب، فتنعكس المشاهد على سلوكه، فتجده يقبِّل الحجر، أو ينحني ساجدًا له، أو يتوسل إلى الشمس من أجل تحقيق رغبة مَّا.
- تصديق السحرة والكهان: تعمل هذه البرامج على ترسيخ الإيمان بالسحرة والمشعوذين، وتصديق ما يدَّعون، والخوف منهم، عوض الخوف من الله؛ فهي تُظهِر الساحر قادرًا على إسعاد الناس أو إشقائهم، وتأمينهم أو ترويعهم، وأنه قوة لا تُقهَر وليس الله، تعالى.
وهو الشيء الذي يؤدي إلى حصول تناقض في عقيدة الطفل المسلم. فيقدِّس الساحر ويتقرب إليه، عوض تقديس الله وفعل ما يقرِّب منه.
- ترسيخ القيم الفاسدة: ومن القيم التي يتجلى فيها الأثر السيء للرّسوم المتحرّكة على الطفل المسلم: القيم الأخلاقية، والقيم الثقافية، والعلمية والسلوكية، ومنها الميل إلى العنف، حيث تتضمن الكثير من مشاهدَ العنف والصراع، وهذا يرسخ في وجدان الطفل الميل إلى القسوة والعنف، سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو في الشارع.
- التطبُّع مع الفاحشة: إن الطفل المسلم يتلقى قيم البلدان التي أنتجت هذه الأفلام والمسلسلات؛ وهي قيم بعيدة عمَّا هو موجود داخل البلدان الإسلامية والعربية من قيم وآداب، ولا تعكسها من قريب أو من بعيد، وتقضي على الحياء؛ حيث ينطق الأطفال بالكلام النابي، وبكل الألفاظ الرديئة.
- تقليص التواصل الأسري: إن هذه البرامج تقضي على علاقة التواصل بين الأطفال وبين آبائهم، وبين باقي أفراد الأسرة. وقد يكون الأطفال قبل سن المدرسة هادئين وهم أمام الشاشة، فتسرُّ الأمهات لذلك؛ لأنه يساعدهن على إنجاز خدمات البيت، ولكن طول المكث أمام التلفزيون يؤثر على أولادهنَّ فيستغنون بما تقدِّمه الرسوم عن حكايات الأم والأب والجدَّة.
- تعلُّم الأخلاق السيئة: فمن خلالها يتطبع الطفل على العادات السيئة؛ فيسرق ويحتال ويخادع، ويدخن، ويكذب ويعتدي على الغير، ويسخر منه؛ ناهيك عن الأنانية والحقد والكراهية، وحب الانتقام وغيرها من أمراض القلوب.
- اضطراب المفاهيم والأفكار: إن اعتماد هذه الرّسوم على الكائنات والأحداث الخيالية يأسر عقول النشء ولا يتركها تتحرر، فيفقد بذلك توازنه الفكري؛ فتضطرب لديه المفاهيم، وينعكس ذلك على الفكر بشكل واضح.
- استلاب الثقافة: وعندما يصبح الطفل مولعًا بمشاهدة برامج هذه الرسوم المبنية على الخرافة والخيال الجامح، فيصدّقها؛ تنقطع صلته بثقافته الأصلية، وتهيمن عليه الثقافة الغربية الصليبية؛ فيتكلّم بلغاتها، ويتمسك بعاداتها، ويهمل اللغة العربية والثقافة الإسلامية.
أثر الرسوم المتحركة على نفسية الطفل
وتتمثل أهمية دراسة أثر الرسوم المتحركة على الأطفال، في أنّ قطاعًا كبيرًا من الآباء والأمهات، لا ينتبه إلى خطورتها، ويلجأ إلى شغل أوقات الصغار بها هربًا من عُري الفضائيات وتفسخها والتماسًا لملاذ أمين وحصنٍ حصين.
وينتقد كثير من علماء النفس هذا التصرف من الآباء والأمهات، إذ يحذر الدكتور نادر ياغي، أستاذ علم النفس التربوي، من ترك الأطفال أمام التلفاز أو منصات العرض الحديثة المخصصة لهم دون الانتباه إلى تأثيراتها السلبية على سلوكياتهم.
وقال إن هناك نوعيات من البرامج بعضها يقوم على الإثارة، لاجتذاب المراهقين، تُؤثر على الطفل ويُمكن أن تصيبه باضطرابات، وأخرى تقوم على الجريمة والعنف وتكون مليئة بالدماء والجريمة مثل (قاهر الأوغاد) و(رومبي آكل اللحوم) تزيد من عدوانية الطفل وقد تدفعه إلى الجريمة.
وأشار “ياغي” إلى أنّ نتائج الدراسات التي أجريت على الأطفال من مدمني مشاهدة المسلسلات الكرتونية، التي تحتوي على مشاهد العنف، أثبتت ارتفاع نسبة أفكارهم الإجرامية إلى 44%، عن أقرانهم، وأنّ من هذه الجرائم حرقهم لزملائهم أو ضربهم لأخواتهم، بالإضافة إلى إصابتهم بالاكتئاب والانزعاجَات الليلية واحتياجهم لوقت طويل للخلود للنوم.
وأكد أن مدمني مشاهدة هذه الأفلام القائمة على العنف يصابون بحركات عصبية تظهر في حركة الرقبة وارتعاش الأصابع وآلام أسفل الظهر وضعف البصر واحمرار العينين والصداع والدوار والقلق عند النوم، بالإضافة إلى التشتت الذهني والانطوائية والعزلة.
وينصح الآباء والأمهات بضرورة تحديد أوقات لمشاهدة قنوات الكرتون والإشراف على اختيار مضمونها وما تقدمه لأبنائهم.
رسائل تربوية لحماية الأطفال
إن للأبناء حقوقا يجب أن تُوفى، فدور الوالد ليس توفير الطعام والشراب لهم فحسب، ولا دور الأم هو تجهيز طعامهم والقيام على خدمتهم، لكن هناك الجانب التربوي الذي يضع النقط فوق تساؤلاتهم الكثيرة عن دينهم وعقيدتهم، لذا يجب على الآباء الآتي:
- توفير أسلوب حياة متوازن للأطفال.
- عدم ترك الأطفال لأفلام الكرتون أو الرسوم المتحركة تُشكل شخصياتهم.
- متابعة تربيتهم ودفعهم لمعلمي القرآن والأنشطة الهادفة.
- السعي الحثيث للبحث عن بدائل لأطفالهم تناسب أعمارهم، وقدراتهم ومهاراتهم.
- استغلال ساعات التصفح ووسائل التواصل الاجتماعي في تربية وتوجيه الأبناء.
- تعويد الأبناء على ممارسة الرياضات البدنية والذهنية والبرمَجة وأساسيات العلوم والفنون وحفظ القرآن والسُنة، وتعليمهم أصول دينهم.
- تبني المجتمع مشاريع إنتاج مواد كرتونية ذات جودة عالية، وبُعدٍ ديني وقيمي وأخلاقي، وفيها إبهار وتشويق وحبكة وتسلية وأخلاق.
إيجابيات مشاهدة أفلام الكرتون
ورغم سلبيات مشاهدة الرسوم المتحركة وأفلام الكرتون على الأطفال، فإن لها إيجابيات، خصوصًا لو كانت أفلام هادفة، تتمثل هذه الإيجابيات في:
- تنمية خيال الطفل، وتغذية قدراته، إذ تنتقل به إلى عوالم جديدة لم تكن لتخطُر له ببال، وتجعله يتسلق الجبال ويصعد الفضاء ويقتحم الأحراش ويسامر الوحوش، كما تعرفه بأساليب مبتكرة متعددة في التفكير والسلوك.
- تقدم للطفل لغة عربية فصيحة لا يجدها في محيطه، ما ييسر له تصحيح النطق وتقويم اللسان وتجويد اللغة.
- تلبي بعض احتياجات الطفل النفسية وتشبع له غرائز عديدة مثل غريزة حب الاستطلاع؛ فتجعله يستكشف في كل يوم جديدا، وغريزة المنافسة والمسابقة فتجعله يطمح للنجاح ويسعى للفوز.
- تزود الطفل بمعلومات ثقافية منتقاة وتسارع بالعملية التعليمية: فبعض الأفلام تسلط الضوء على بيئات جغرافية معينة، الأمر الذي يعطي الطفل معرفة ومعلومات وافية، والبعض الآخر يسلط الضوء على قضايا علمية معقدة.
إنّ علينا أن نعي خطورة الرسوم المتحركة على عقول أطفالنا وأوقاتهم واهتماماتهم، وأن نقدر حاجتهم لها بقدر ما يشبع رغباتهم في المشاهدة، وألا نستهين بما تقدمه لهم من برامج وعروض مختلفة، ويجب أن يدرك الوالدان أن عليهم أمانة عظمى في السعي بأولادهم إلى أماكن الأمان، وحمايتهم من كل ما يؤثر فيهم سلبًا في حياتهم، وتربيتهم بأن يكونوا عدة لدِينهم ومجتمعاتهم.
المصادر والمراجع: