الخوف عند الأطفال
ابني عُمره سبع سنوات، كلما حدثت له مشكلة مع أي شيء يظل خائفا منه ويصبح عقدة دائمة في نفسه ويقاطع التعامل معه، فمثلا حدثت لنا بعض المشكلات في منطقة كنا نعيش بها في السابق، فكان يخاف أن يقترب من الباب ولا يحب التجوّل في المنطقة إلا بالضغط الشديد منا، وبعد أن تركنا المكان عُدنا ذات مرة لزيارة أصدقاء لنا فيه وكان ابني معي فظل خائفًا ومتشبثًا بي بخوف شديد حتى غادرنا المكان، وبمجرد رحيلنا عن المنطقة تحوّل إلى طفل طبيعي.
ومؤخرًا كان يلحّ عليّ أن أذهب به إلى حمام السباحة كي يتدرب على السباحة، واتفقت مع مدرب ليُدربه، وبالفعل بدأ التدريب، لكن عند عودته وجدته منهارًا باكيًا مرتعدًا من السباحة وكان يتوسّل إليّ ألا أعود به إلى التدريب ثانية، وعندما سألته ما إذا كان قراره بالتوقف عن السباحة مؤقتًا أم نهائيًا، قال إنه لن يسبح أبدا.
القضية أن موضوع السباحة لم يكن الأول في قائمة الأشياء المهجورة في حياته نتيجة الخوف الذي جعل الأشياء في حياته عبارة عن نقاط سوداء يجب تجنبها بتاتًا، وقائمة المخيفات في حياته تزيد يومًا بعد يوم.. فهل هذا الخوف عادي؟ أم أن هناك مشكلة تحتاج إلى علاج نفسى؟ وكيف نتعامل كأسرة مع مخاوف ابننا؟
الإجابة:
بداية: يجب التعامل مع الخوف على أنه شعور إنساني فطري طبيعي، يلزمه التقبل وتعلم كيفية التعامل معه، ربما تزيد درجته من شخص لآخر حسب الطباع الشخصية والتجارب الحياتية.
ويجب أن نعمل على تقبل مشاعر خوف الأبناء، والحديث معهم عن مشاعر الخوف التي تنتابنا كآباء حتى يفهموا أنّ الأمر طبيعي ولا حاجة للشعور بالخجل منه، بل إن الأنبياء قد خافوا، وعبّر القرآن عن مخاوفهم البشرية بعدما تعرضوا لما لم يتعرضوا له من قبل، فقد أخبر القرآن عن نبي الله موسى- عليه السلام- لما رأى سحر السحرة فقال: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى)، وأخبر عن خوف نبي الله إبراهيم- عليه السلام- لما جاءه الملائكة المبشرون بهلاك قوم لوط فقال: (… نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً)، ولما خاطب رب العزة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائلًا: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) كان هذا بسبب خوفه الشديد لما رأى جبريل- عليه السلام- للمرة الأولى عند نزول الوحي.
بل إن مشاعر الخوف ليست فقط طبيعية، فهي- أيضًا- مهمة ومفيدة كي يستطيع الإنسان حماية نفسه من المخاطر المحتملة، وتحدث المشكلة عند رفضنا هذا المشاعر في أبنائنا أو إظهار قلقنا من وجودها، لأنّ ردود فعلنا لن تتسم حينها بالحكمة.
فليس من الحكمة إرغام الطفل على فعل شيء يخاف منه، صحيح أن جزءًا من المعالجة يكون بالمواجهة التدريجية، لكن ليس بالإرغام، كذلك ليس من الحكمة التعنيف أو الصراخ في وجه الطفل الخائف لجعله أكثر شجاعة، ويجب الابتعاد تمامًا عن وصمه بالجبن أو الخوف، لأنّ كل هذا سيرسخ مشاعر الخوف فيه، ويجب التوقف عن إمداد الطفل بأي معلومات أو تصورات خاطئة؛ كأن نقول إن شيئًا ما مخيفًا غير مخيف أو أنّ الرجال مثلًا لا يخافون.
أما عن الطريقة البديلة في التعامل فتكمن في بدائل عدة، منها أن يبدأ الابن في ممارسة بعض الألعاب أو المهارات التي تكسبه الثقة بالنفس، لأنّ ربما تكرار هذه التجارب نال من ثقته بنفسه وأضعف من تصوراته عن نفسه وقدراته.
ويفضل- أيضًا- تمهيد الابن قبل خوض أي تجربة جديدة، بأن ينال قسطًا وافيًا من المعلومات ويتعرض لمشاهد آمنة للتجارب التي سيخوضها بحيث نجنبه عنصر المفاجأة، ونضع توقعاته بصورة مقاربة للحقيقة فلا يرفضها لمجرد اتساع الفجوة بين ما توقع وما وجد. كما أنه بالإضافة للتمهيد من المهم خوض التجارب الجديدة بشيء من التدرج، مع صحبة من يثق فيهم ويطمئن إليهم ما استطعنا.
أما عن المواجهة التدريجية للمخاوف، فلا غنى عنها مع الأمور التي خلفت هجرها بسبب خوفه كما أسمتها الرسالة، وذلك بعد ترتيبها حسب الأهمية، فمثلًا يمكن أن يتم اصطحابه إلى أماكن السباحة دون الحديث عن نزول المَسبح والاكتفاء بالجلوس حوله، ثم مع الوقت قد نبدأ في الجلوس على الحافة وتركه يشاهد، ثم نعرض عليه أن يشاركنا، وهكذا إلى أن يكسر هذا الخوف، مع فتح نقاشات على فترات معه أو أمامه حول أهمية الموضوع وفوائده وتجاربه الناجحة، دون أن يشعر أننا نوجهه لفعل هذا الشيء، ومن المهم أن يرتبط كل هذا بأجواء من المرح والفكاهة لربط هذه الأشياء المهجورة بالسعادة بعدما ربطت بالخوف.
من المهم- أيضًا- أن نحكي عن تجاربنا الشخصية كآباء مع المواقف التي سببت لنا شعورًا بالخوف مع توضيح كيف تعاملنا حينها وكيف فكرنا، وهناك من القصص والمطبوعات التي تعلم كيفية التعامل مع المشاعر المختلفة، ومنها الخوف، فيمكن إحضار سلاسل من هذا النوع ومن ضمنها الخوف بالتأكيد، مع اللجوء إلى التشجيع بشكل مستمر إذا تغلب الابن على أحد مخاوفه، أو قام بأي خطوة صغيرة في هذا الاتجاه.
كذلك يحتاج إلى أن نختار له بعناية الأفراد المتواجدين في محيطه والمسؤولين عن تعليمه وتوجيهه، بعض مدربي السباحة على سبيل المثال يُهدد الطفل بإغراقه إن أخطأ في الخطوات المطلوبة، أو يهدده بتركه، ما يؤدي إلى فساد تجربة السباحة، وبخاصة أن الأطفال يبدون استجابات مختلفة تجاه تهديدات كهذه وكثير منهم يأخذها على محمل الجد. وهنا مراقبة الابن والتواجد معه مهمة جدًّا لفهم إن كان شيئًا ما قد تم من هذا القبيل.
يجب- أيضًا- أن يُراعى خلق بيئة منزلية آمنة قدر المستطاع للابن فيما يتعلق بطريقة معاملة الأب والأم والإخوة، بحيث تكون بيئة خالية من الصراخ والتهديد والنقد والسخرية وتتسم باحتواء المخاوف والقدرة على الإنصات والنقاش، بحيث يتم مناقشته حول مخاوفه ومحاولة فهم أسبابها دون الحكم بأن لا شيء يدعو للخوف، بحيث يكون الهدف هو فهم ما إن كان لديه بعض الأفكار أو المعلومات الخاطئة.
يمكن- كذلك- تعليم الابن بعض الأدعية والأذكار التي يقولها عند الشعور بالخوف مثل دعاء رسول الله: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) وقراءة الإخلاص والمعوذتين وغيرها من الأذكار، وكلما نضج فكره؛ تناولنا معه معانٍ مثل: التوكل على الله واستلهام القوة من الله وأنه سبحانه النافع والضار، والاستعانة بالله وغيرها.
في النهاية، إن كان الابن قد تعرّض في صغره إلى واقعة أو حادثة بعينها سببت له نوعًا من (العقد) أو لم يكن لدى الآباء قدرة على تفسير أسباب هذا الخوف الزائد فلا بُد من عرضه على مختص لمحاولة تفنيد هذه المشاعر وتحديد ما هو طبيعي منها وما هو زائد عن الحد، ومن ثم التوجيه للعلاج الصحيح، فبعض المخاوف يزول بشكل طبيعي مع التقدم في السن بسبب النسيان أو النضج الفكري وبعضها قد يستمر حتى مع مرور الوقت وهذا ما قد يفيد في معالجته المختصون.