لا توجد أسرة خالية من الخلافات الزوجية والمشكلات اليومية، لكن هناك حياة زوجية قوية يستطيع طرفاها التغلّب على العقبات، وحماية الأبناء من التأثر بالمواقف السلبية والشجار الذي يهدم أركان البيت، لأسباب قد تكون واضحة، وفي كثيرٍ من الأحيان ليس لها قيمة ولا وزن.
ويظل العناد والجهل وعدم احترام الآخر والتكبر والنشوز، أبرز الأسباب التي تؤدي إلى حدوث زلزال في بنيان الأسرة، وفقدان الثقة بين الزوجين، وتصدع جدار المودة والرحمة بينهما، الذي يُعد السياج الآمن ضد المشكلات النفسية والاجتماعية والأخلاقية.
ومن هذا المنطلق تبحث الدكتورة براءة علي اليوسف – جامعة اليرموك، إسطنبول، في المعنى الحقيقي للخلافات الأسرية وأثرها على الأبناء وسلوكهم، وانعكاسات تلك الخلافات على المجتمع الإسلامي.
أسباب الخلافات الزوجية
وتتنوع أسباب الخلافات الزوجية بين الجهل والنقد والبطالة ونشوز المرأة، وغيرها الكثير من الأسباب التي تضعف البنيان الأسري:
- الجهل: إذا أردنا حياة زوجية ناجحة لا بُد من العلم بشؤون الحياة الزوجية.
- المرض: فإصابة أحد الزوجين بعاهة جسدية تؤدي إلى الشعور بالنقص وإظهار الضعف والعدوان ضد الطرف الآخر.
- النقد اللاذع المتواصل والغيرة الحاسدة التي يملؤها الشك بين الزوجين.
- عدم عناية الرجل بمظهره وعدم عناية المرأة بمظهرها إلا في بداية الحياة الزوجية.
- البطالة: وتؤدي إلى عدم احترام الزوج أو زيادة العدوان الموجه نحوه.
- الإسراف في الأمور المادية.
- العامل الجنسي: له أهمية كبرى في تحقيق التكيف وعدم وجود الشقاق.
- اتخاذ القرارات الأسرية بطريقة فردية.
- التكبر: أحيانًا يتعالى الزوج على زوجته، أو تتكبر الزوجة على زوجها، والتكبر معول يهدم السعادة الزوجية.
- الغياب الطويل: ما دامت الزوجة بحاجة لزوجها كي تسكن إليه، وما دام الزوج بحاجة إلى زوجته كي يسكن إليها، فإن الغياب يدمر ذلك السكن وتلك المودة.
- سوء الظن والشك من الزوج لزوجته والعكس.
- نشوز المرأة، بأن تظهر المرأة الكراهية لزوجها وتعلن عصيانها لأوامره وتمردها على قوامته وتجنح إلى معاملته بأسلوب سيء.
آثار الخلافات الزوجية على الأبناء
وتتسبب الخلافات الزوجية في آثار خطيرة على الأبناء، على رأسها عدم الشعور بالأمان وفقدان الثقة بالنفس، واهتزاز صورة القدوة، وزيادة العصبية والتمرد:
- اختلال عملية الانضباط: عندما يحصل النزاع بين الوالدين، فإنه يؤثر على انضباط الأطفال وعدم اكتراثهم بأوامر الوالدين.
- تشتت الأبناء: يتشتت الأطفال بين الأب والأم، حيث تنقسم الأسرة إلى معسكرين أو صفين؛ فيتبنى كل طفل موقفًا معينًا يكون إلى جانب أمه أو أبيه ويدافع عنه، وهذا ليس في مصلحة أي من الوالدين.
- توقف عملية النمو: أشارت بعض الدراسات في المجتمعات الغربية إلى أن نزاع الوالدين في محيط الأسرة يؤدي إلى توقف عملية نمو الطفل وظهور مشكلات جديدة في هذا المجال، وقد تقل شهية الطفل للطعام، أو يحصل تباطؤ في عملية الهضم بسبب حدوث خلل في إفرازات بعض الغدد، وهذا كله بسبب شعور الطفل بالغم والحزن، ويؤدي نزاع الوالدين – أيضا- في حال مرض الطفل إلى تباطؤ عملية شفائه واستعادته لصحته وسلامته.
- السلوك الاجتماعي المنحرف: يؤدي نزاع الوالدين وعدم توافقهما، إلى تمهيد الأجواء لأن يسلك الطفل سلوكًا اجتماعيًّا منحرفًا فيلجأ إلى الجريمة.
- تحطيم المعنويات: يؤدي النزاع إلى تحطيم معنويات الأولاد ويُجذّر في نفوسهم حالات القلق والاضطراب، فيصاب الأطفال بعدة أمور؛ منها: التشنج، وعقدة الانطواء، ونظرة السخط لما حولهم.
- عدم شعور الأطفال بالأمان: في الوقت الذي تكون فيه الحاجة للشعور بالأمن من أهم الحاجات النفسية التي ينبغي توفيرها للطفل نجد أن الخلافات الزوجية تتعارض مع إشباع هذه الحاجة فالطفل نتيجة للخلافات سيفقد من يرعاه ويهتم به.
- تشويه صورة الأبوين أو أحدهما عند الطفل: إن الشجار بين الوالدين يؤذي الطفل ويشوه الصورة التي يحملها عنهما؛ ما يجعل لها آثارا سلبية على حياته.
- ضعف الثقة في النفس: ينشأ هذا نتيجة لضعف الروح الاستقلالية عند الطفل، والشعور بالعجز والنقص.
- زيادة عصبية الأبناء وتمردهم في المنزل: إن كل الانفصالات تفرض الحزن والاكتئاب عندما يكون الطفل ضحية الآباء الذين تساءُ معاملتهم، وينغلق على نفسه في الاكتئاب.
- بقاء الأبناء الأكبر سنًا، خارج المنزل لأطول وقت ممكن: إن استمرار الخلافات بين الزوجين يجعل الأطفال، خصوصا المراهقين يعمدون إلى محاولة قضاء أكبر وقت ممكن خارج البيت حتى لا يعودوا إلى الأجواء الخلافية المشحونة، وهذا قد يدفعهم إلى مرافقة أصحاب السوء.
وصايا نبوية للخلافات الزوجية
ترك النبي – صلى الله عليه وسلم- وصايا غالية لحل الخلافات الزوجية وتحقيق قانون المودة والرحمة بين الزوجية، من ذلك:
«خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»: وفي هذا الحديث دليل عظيم على محاسن الإسلام التي جاء بها، ومن جملتها أنه جعل الإحسان إلى الزوجة والعيال من أفضل الأعمال والقربات، وفاعله من خيرة الناس، قال صاحب تحفة الأحوذي في شرحه لهذا الحديث: قوله: خيركم خيركم لأهله: أي لعياله، وذوي رحمه، وقيل لأزواجه وأقاربه، وذلك لدلالته على حسن الخلق، “وأنا خيركم لأهلي” فأنا خيركم مطلقا، وكان أحسن الناس عشرة لهم، وكان على خُلُقٍ عظيمٍ.
«لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر»: وهو حديث رواه مسلم، والمقصود منه أن الرجل يوازن بين صفات زوجته والعكس، ويتغاضى عما يجده منها من شيء غير محمود لأجل ما اتصفت به من الصفات والأخلاق المحمودة، فإن الكمال لا يصل إليه أحد، وقال النووي – رحمه الله-: أَيْ يَنْبَغِي ألا يُبْغِضَهَا، لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ”.
«استوصوا بالنساء خيرًا»: وهذا حديث صحيح رواه الشيخان في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه-، وهو أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيرًا، وأن يحسنوا إليهن وألا يظلموهن وأن يعطوهن حقوقهن ويوجهوهن إلى الخير، وهذا هو الواجب على الجميع، وينبغي ألا يمنع من ذلك كونها قد تسيء في بعض الأحيان إلى زوجها وأقاربها بلسانها أو فعلها، نظرًا لطبيعتها.
«إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته»: أخرجه أبو داود، وهو يعني أنه إذا نظر الرجل إلى أحوال زوجته وكيف تقضي وقتها، وكيف تطيع ربَّها وتتقرَّب إلى الله تعالى بحسن تبعُّلها لزوجها وبقوامته عليها، دخل عليه السرور والبهجة بهذه الأحوال.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبح المرء زوجته وأن يلطمها على وجهها.
كما نهى أن يمنعها الطعام والشراب أو أن يؤذيها في نفسها.
أخلاق مهمة وقت الخلافات الأسرية
هناك بعض الأخلاق المهمة التي يجب الالتزام بها في أثناء الخلافات الزوجية والمشكلات اليومية بين الزوجين، منها:
- العدل، فكثير من الأزواج يطلب حقّه وينسى واجباته.
- العطاء، عليهما أن يذكرا سابق الحسنى، وأن يحسنا إلى الأولاد.
- أن يجعلا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم نبراسًا لهما في لحظات الخلاف.
- كظم الغيظ وعدم الإقدام على سب الزوجة أو الانتقاص منها.
- الوفاء وتذكر لحظات الفضل والمودة حتى تلين القلوب.
- العفو، وهو مُذيب لكل خلاف.
توصيات عامة
- الاختيار السليم للزوج أو الزوجة عند بدء الحياة الزوجية.
- دعوة أولي الأمر، والمسؤولين إلى توجيه أبنائهم وبناتهم، وتوعيتهم دينيا وأخلاقيا وثقافيا لتحقيق السعادة لهم.
- الدعوة إلى تحكيم شرع الله كمنهج حياة طاعة لله ولرسوله لتحقيق سعادتنا كأفراد وكمجتمع.
- توعية المقبلين على الزواج بمسؤولياتهم وحقوقهم وواجباتهم التي تصون الحياة الزوجية.
- تفعيل مكاتب التوجيه والإرشاد الأسري للقيام بدورها في حل النزاع الأسرية.
المصادر
- الخلافات الزوجية وأثرها على تربية الأولاد
- فيديوجراف: أخلاقيات غائبة في خلافات الزوجين
- الشيخ ابن باز: مجموع فتاوى ومقالات 5/298.