عاشت المرأة المسلمة في صدر الدعوة الإسلامية حياةً كريمةً في ظل تطبيق تعاليم القرآن الكريم والسُّنة النَّبوية المطهَّرة، ثمّ امتد هذا التكريم إلى عصر الخلفاء الراشدين الذين ساروا على الدّرب، إلى أن بدأت عوامل التفكُّك تنخر في جنبات الدولة الإسلامية، لبُعدها عن منهج الإسلام، والانسياق خلف أوهام الأعداء.
ولقد انتشر الإسلام من مشرق الأرض إلى مغربها، واستطاع بتعاليمه السَّمحة أن يتجاوز الحدود، ويُكوّن له دولة على أطراف القارة الأوروبية، وشكّل خطرًا على الأعداء الذين نصّبوا سهامهم نحو النساء المسلمات لكونهن ركيزة ثبات الأمة، حتى قال أحدهم: “كأس وغانية يفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات”.
والمرأة تميّزت عبْر العصور القديمة والحديثة بمشاركتها الفعّالة في شتّى المجالات؛ فلعبت دور الشاعرة، والملكة، والفقيهة، والمحاربة، حتى أنشد الشاعر أحمد شوقي معبرًا عن أهمية دورها فقال:
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعبًا طيّب الأعراق
مكانة المرأة المسلمة في الشريعة
إنّ المرأة المسلمة هي محور بناء المجتمع الإسلامي، فالأفراد يتلقون التربية والتعليم على يديها، وبدونها لا يكون هناك مجتمع أبدًا، والحديث عن بيان مكانة المرأة ليس بدعًا من القول، بل هذا كتاب ربنا، سبحانه وتعالى، ليس فيه سورة، ولا آية، إلا وللمرأة فيها نصيب (1).
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء:1].
وقال عز وجل: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} [آل عمران:195].
وروى أبو هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله: “واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا؛ فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا” (البخاري).
ورفع النبي من شأنها وحفظ ضعفها بقوله: “إِنَّي أُحَرِّجُ عليكم حقَّ الضعيفينِ: اليتيمُ، والمرأةُ” (ابن ماجه).
لماذا الحرب على المرأة المسلمة؟
مُنذ أن خلق الله – سبحانه وتعالى- الأرض وأنزل إليها آدم وحواء، وطالب أبناءه بتعميرها، ثمّ انتهك قابيل أول قواعد الشرع بقتل أخيه من أجل نفسه، والصراع محتدمٌ بين بني آدم ويُغزيه الشيطان الرجيم، حيث يسعى كل واحد لمعرفة نقاط ضعف الآخر ليأتيه منها ويُسدد رميته.
ولمّا نَزَلَ القرآن الكريم رافعًا من شأن المرأة المسلمة التي أعدّها نصف المجتمع، أيقن الأعداء أن المنفذ لهذه الأمة سيكون عبر المرأة، فوضعوا أطروحاتهم وخططهم لإضعاف تربيتها وإبعادها عن تعاليم دينها، وتقديم الإسلام في صورة عصريّة يقطع صلتها بالماضي، بل وتشويه أوامر ربها والاستهانة بها، ورفع شعار حقوق المرأة، وأن الإسلام استعبدها وفرض عليها سلطة الرجال، واستعمل في سبيل ذلك كل الوسائل وأنفق الأموال لسلخها من دينها، حتى أتت حملتهم ثمارها، فوَهَنَت الأمة وضعفت المرأة وانهارت الأسرة.
ويزعم المُبشّر الأمريكي هنري هريس جسب، قائلا: “إن الإسلام مبنيٌّ على الأحاديث أكثر مما هو مبني على القرآن، ولكننا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شيء، فالإسلام ناقص والمرأة فيه مستعبدة” (2).
أمّا القس صموئيل مارينوس زويمر، فقال: “إنكم أعددتم نَشْئا لا يعرف الصلة بالله ولا يُريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي فقد جاء النشء طبقا لما أراده الاستعمار لا يهتمُّ بعظائم الأمور.. فإذا أردت هدم شيء فاهدمه من داخله، وعمود الأسرة هي المرأة”.
بل أيقن هؤلاء أن الحرب المباشرة لن تؤتي ثمارها، ولذا لا بُد من “وكيل” يُحارب المسلمين نيابة عنهم، وهو ما عبّر عنه القِس صموئيل مارينوس زويمر بقوله: “تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم؛ لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها” (3).
خطة استهداف النساء المسلمات
النساء أمام الفتن التي تحاك لهن أصناف أربعة:
- صنف على الفطرة لا يُحب الرذيلة، لكنه لا يعلم ما يُكاد له من مكرٍ فهم على خطر.
- صنف استجاب لما يخطط لهن، فكانت أُلعوبة في أيدي أعداء الإسلام.
- صنف علم بمكر الأعداء لكنه اكتفى بالصبر والدعاء دون العمل على الرسوخ في أمور دينهم.
- وصنف عرف وتعلم وعمل على تحصين نفسه مما يحاك له فهو كالجبال الرواسي.
ولقد مرّ سيناريو إفساد المرأة المسلمة بأربع مراحل، كما ذكر الدكتور عبد الله بن محمد الداوود”، بقوله:
1- مرحلة التنظير.
2-مرحلة التطبيق غير الرسمي.
3-مرحلة التطبيق الرسمي.
4-التأييد الإعلامي ومباركة الانحلال (4).
ومِن ثمّ لا يكل الأعداء ولا يملون من التفنّن في تغيير أساليب الفتنة وأوراق الضغط عليها سواء دعوتهن للاختلاط، وخداعهن بالملابس العارية، ودعوات حقوق المرأة، وإعلاء شأن الرويبضة من النساء، وتحقير شأن العفيفات، بل وتشويه صور أمهات المؤمنين والصحابيات، وإظهار صور الانحلال في وسائل الإعلام حتى تألف النساء الفاحشة وتظن أنها أمور من الإسلام.
بل وصل بهم الأمر إلى تحسين العلاقات المحرمة، وسعوا من أجل ذلك للاستدلال بالأقوال الشاذة والآراء الغريبة، وساعدهم على ذلك علماء من بني جلدتنا، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:204]، وغيرها الكثير من الوسائل الواضحة وضوح الشمس إلا أن القلوب والنفوس غلّفها الرّان (5).
خطورة الحرب على المرأة
يرى بعض العلماء أن نظرية دارون شكّلت قاعدة انطلاق لدول الغرب نحو التحرّر من القيود الدينية والتعامل في كل الأمور بحرية، وهو ما دفع المرأة الأوروبية للخروج – راضيةً أو مكرهة – إلى سوق العمل، بل والحرية الجنسية، وبخاصة بعد الحرب العالمية الأولى والثانية التي قضت على ملايين الرجال.
ونتج عن ذلك تفكك ارتباط الأُسْرة، لكثرة انشغال المرأة والبعد عن بيتها، وأيضا فساد أخلاق المرأة وانجرافها إلى مستنقع الانحلال.
وترتب على ذلك اكتفاء المرأة اقتصاديا، فأصبحت لا تُريد مَن يفرض عليها إرادته، بل تحررت جنسيًّا، فأصبحت الأُسرة لا تُمثل لها عقيدة، وهو ما أدى إلى تفكك المجتمع وانهيار منظومة الأخلاق وتفكك الأسرة وضعف بنيتها.
كل هذه التّطورات والمتغيّرات السريعة، عَمَدَتْ الدول الغربية على نقلها إلى المرأة المسلمة والمجتمعات الإسلامية، للسيطرة على الشعوب والتحكم في إرادتها وسيادتها وثرواتها.
وانهيار القِيم لدى المرأة، دمارٌ للمجتمع الذي حرص الإسلام على بناء قواعده بسواعد النساء، فحارب من أجلهن الرأسمالية والاحتكار، وشدد على حقهن في الإرث، ولم يُكلفهن بالإنفاق، بل أمر ولي الأمر بالإنفاق والإحسان إليهن، ولو امتلكن مالا أصبح مِن حقهنّ، كما جعل لهن أعمالا خاصة تناسب طبيعتهن (6).
دور الدعاة في حماية المرأة من المؤامرات
لن تتوقف حملات الأعداء على المرأة المسلمة أبدًا، لإبعادها عن حقيقة دينها، مستفيدين في ذلك من الجهل المنتشر، وضعف الثقافة الدينية لدى النساء، وما يُروجه الإعلام الغربي لتقديم نموذج المرأة المتحررة.
وهو ما أوجب على الدعاة والمصلحين والعاملين في الشأن الإسلامي من نشر الوعي والثقافة الإسلامية الحقيقية، وتعريف المرأة بحقوقها التي حفظها لها الإسلام، بل وتعريفها بما يُحاك لها وأثره الضار عليها وعلى أسرتها ومجتمعها.
كما يجب الاستفادة من الإعلام الإسلامي في تبسيط صورة الإسلام الحقيقي أمام المرأة، وحثّ الرجال على احترامها واحترام حقوقها والتحذير من استعبادها أو هضم حقوقها التي كَفَلَها لها الشرع الحيف، بينما يستغلها الأعداء للنفوذ إليها.
والإسلام اعترف بوجود فوارق نفسية واجتماعية وذهنية وجسدية بين الجنسين، وتلك الفوارق لا تُعد عوامل للتمييز بقدر ما تؤكد أنهما متكاملان في العلاقة والدور الإنساني الذي حدّدته الفطرة والعقل.
ولا بُد للمصلحين من عدم التغافل أو التكاسل عمّا يجري، ويجب التذكير دائمًا بمكانة المرأة في الإسلام، وتصحيح المفاهيم لديها بشأن معنى المساواة، وتربية الرجال والنساء على معرفة الفوارق بين الطرفين.
تقول أمة الملك الخاشب: “الوعي والثقافة القرآنية الإسلامية، لیست مجرد نظریات وملازم تُدرس وحسب، وإنما هي مجموعة من المبادئ التي تتبلور من خلال سلوکیات وتصرفات ینطبع المجتمع الإسلامي بها، وعليها تتحطم كل طموحات العدو في استهداف أي مجتمع إذا كانت النساء فيه محصنات بالوعي والبصيرة والعفة والعلم والثقافة” (7).
أخيرا
إن المرأة المسلمة مستهدفة من الأعداء وأفراد من بني جلدتها، لتغيير قيم المجتمع وثقافته، بسلب الأخلاق والقيم، وصلاح المرأة هو نجاح للأسرة والمجتمع، وفسادها وانحرافها عن القيم والعادات الحميدة، انحراف ودمار للجميع.
المصادر
1. إسماعيل صديق عثمان: المرأة تحت مظلة الإسلام مكانتها وصون حقوقها، مجلة جيل حقوق الإنسان، العدد الرابع، 17 مارس 2017م.
2. ألفريد لوشاتليه: الغارة على العالم الإسلامي، ترجمة مُساعد اليافي، مُحبُّ الدين الخطيب، طـ2، منشورات العصر الحديث، 1387 ه.
3. صموئيل زويمر: كتاب العالم الإسلامي اليوم، 1926م.
4. عبدالله محمد الداوود: هل يكذب التاريخ؟ مناقشات تاريخية وعقلية للقضايا المطروحة بشأن المرأة، دار الرواد، طــ8، 2012م.
5. صالح بن ساير المطيري: وسائل الأعداء في إفساد المرأة وأساليبهم: 24 مارس 2014،
6. عمرو جلال: المرأة والعمل وانهيار المجتمعات، 30 أغسطس 2017،
7. أمة الملك الخاشب: الحرب الناعمة وخطورتها على قيم الأمة، 28 ديسمبر 2018،