الثواب والعقاب في التربية
العصا أم الجزرة؟
خياران يحتار بينهما كثير من المربين
البعض منهم لا يحتار!
لأنه يطلق العنان لطبيعته كي تتصرف
فلا تجد بين يديه إلا العصا
والآخر لا يمسك إلا بالجزرة
وكلاهما أداتان تعبران عن ردود فعل المربين
حين يسيء فلذات أكبادهم أو يحسنون
والأصل الذي يحسم كل حيرة
هو أن تكون ردود فعل المربين ردودًا مدروسة
يسبقها هنيهة للتفكير وتقليب الأمور
ليس فيها انتقام ولا انفعال
بل تربية وتقويم
وقبلهما حسن اتصال ووصال
مع أم ضد العقاب
والظاهر أن ثمة جدل حول عقاب المسيئين
بين من يفضل تسميته بالعاقبة وليس العقاب
وبين رافض له تمامًا
وبين معتقد أن التربية يلزمها الغلظة والشدة
عملًأ بالقول المعروف
من أمن العقوبة أساء الأدب
والحقيقة أن كل خلاف يحسمه فهم لجوهرالأمور وأهدافها
فكل وسيلة لا تحسّن من الخلق ولا تغير من السلوك هي وسيلة غير مجدية
ناهيك عن أن بعضها يخلف في النفس جرحًا و غضبًا
فالإهانة والسب والضرب
وكثرة الانتقاد و التهديد
هي وسائل تعطل قدرة العقل على العمل
ولا تحرك إلا مشاعر الخوف والغضب
قد يتوقف فورًا معها السلوك الذميم
لكن تظل جذوره ضاربة في نفوس صغارنا
بعرض سريع لسلوكيات أبنائنا الخاطئة المتكررة
وبعرض مقابل لكل وسيلة نتّبعها لتقويمها
يجب ألا تسير وسائلنا بمحاذاة سلوكيات أبنائنا
بل يجب أن تقطعها
وكل طريقة تقطع ثم لا يلبث أن يعود
يجب إعادة التفكير فيها من جديد
التربية قبل العقاب
جوهر الأمر أن يفهم الصغير مسبقًا قوانين البيت وأصوله
لا أن يعيش في بيئة لا يفهم حدودها ولا قواعدها
فيعرف الصواب والخطأ
الحلال والحرام
وما هو مقبول وما هو غير مقبول
وأن تتسم هذه القواعد بالثبات
فلا يرى اليوم نهيًا عن أمر
ثم لصفاء بال الوالدين في اليوم التالي يجد تجاهه ضحكًا وقبولًا
أن يفهم مسبقًا عواقب الأمور
وكيف سيتصرف الأبوان تجاهها
حين أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم
ألم يرى عاقبة أولئك الذين يخوضون في أعراض الناس؟!
وعاقبة أولئك الذين يأمرون بالبر وينسون أنفسهم؟!
وعاقبة الذين يأكلون الربا؟!
ألسنا على دراية بعاقبة كل تقصير أو ذنب في حق الله؟
هذا هو جهد النبي حتى ترك أمته على المحجة البيضاء
فهل بيّن كذلك المربون طريق السير لأبنائهم؟
ثم إن عليك أن تجرب معاقبة ابنك
ثم ناده بعد أن يهدأ واسأله
هل تعلم لم عاقبتك؟!
كرر هذا مرارًا
سيدهشك عدد المرات التي لم يفهم فيها صغيرك لم قد عوقب!
و كم فهم أنه يعاقب لسبب آخر غير الذي قصدت
المدهش أكثر أنك قد تتفاجأ أنت أنك لا تعلم لم عاقبته!
فربما مدير قاس غير مزاجك في الصباح كان سببًا وراء هذا
أو زوجة سئمت طبعها في المساء
فلم تجد أمامك إلا هذا المسكين الصغير
تعلم من آي القرآن
فما من عقاب إلا وأعقبه رب العزة بتوضيح لسببه
العاقبة: يوم يحمى عليها في نار جهنم
والسبب: هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون
العاقبة: فأعقبهم نفاقًأ في قلوبهم إلى يوم يلقونه
والسبب: بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون
فبيان السبب أدعى إلى صرف الأنظار إليه فتتحاشاه
و تعرف ما الذي عليها فعله كي تتجنب هذه العاقبة
الحقيقة ليست ما تبصر
وأنت تسعى للوصول لسبب العقاب الذي تقرره على ولدك
سيحتاج الأمر منك أن تفهم أولًا السبب وراء فعله
فما يظهر من أفعال صغارنا
مثله كمثل الذي يظهر من جبل الجليد
ثلثه ثم باقي الثلثين تحت الأرض ضاربًا
كذلك لابنك ما خفي من الدوافع
فلا تنشغل بالظاهر واسأل نفسك فورًا عن الدافع؟
شعور بالخوف أم رغبة في الشعور بالانتماء أم جذبًا لاهتمام مفتقد؟
كيف يؤدب الله عباده
إن أدبًا كاملًأ للعقاب تتعلمه مما فعله رب العزة مع بني إسرائيل حين عاقبهم بالتيه
فقد كان تأديبًا لا انتقامًا
رفضوا دخول بيت المقدس فعوقبوا بتيه لا يوصلهم إليه
هذه قاعدة مهمة في العقاب
أن يكون من جنس العمل ما استطعت
رعاهم الله في التيه، فرزقهم الطعام والشراب والظل
وأبقى على الرحمة والكرم في معاملتهم
وأنت ماذا يفعل بك خطأ ابنك؟!
هل تكرمه وترحمه أم تعتبر أنه أهانك وعصاك؟
فتقسو عليه وقد تتخلى عن رعايته؟!
ما يمتلكون أم ما يفتقدون؟
إن حققت كل ما فات من شروط للعقاب
فلا أجدى من إبصار نقاط تميز الأبناء وتشجيعها
بل والتركيز عليها
لتطوير شخصياتهم وتصويب أخطائهم
تمامًا كمن يقلب السكر الراكد في قاع الكوب
هذا ما يعرفونه بعلم النفس الإيجابي
دعنا نقل أن هذه هي الحسنات اللاتي يذهبن السيئات
فتصلح بحسنات ابنك ما اعتراه من سيئات
حين ترى عيوننا منهم الحسن
ويعلمون عن أنفسهم منا كل جميل
يصدر منهم حينها كل طيب
أتعلم حين شبه رسول الله المؤمن بالنحلة؟
لا تأكل إلا طيبًأ ولا تضع إلا طيبًأ
ووقعت فلم تفسد ولم تكسر
هكذا هي عيون المربين على أبنائهم
وهذا كفيل أن يصحح فيهم كل اعوجاج
بكثير من التشجيع وإن صغر سببه
وتجاه أي بادرة حسنة لما تعود ابنك أن يسيء التصرف فيه
التشجيع الملهم وليس المدح
لا يكون التشجيع بإطلاق أحكام تصف الابن بالبراعة والنباهة
بل بالتركيز على ما قام بفعله
إما بوصفه بالقول
لقد نظفت حجرتك بإتقان في وقت قصير
و لقد استطعت أن تكظم غيظك تجاه أخيك
فهذا الوصف أكثر إلهامًا من منح ألقاب يسجن فيها الأبناء
ولو كانت ألقابًا حسنة
ينتظرون طيلة حياتهم من يصفهم بها
ويصدمون حين يصدر منهم سلوكُا عكسها
أو أن يشجعه بتوجيه الأسئلة
فيقول كيف استطعت أن تنظف حجرتك في هذا الوقت القصير؟
2 comments
قرات النص و غضبت منه. نتحدث عن التربية الحقة و التربية خاصة بالصغار. ثم ربطه صاحب النص بالدين.
علما أن الدين يعاقب الكبار و لا يعاقب الصغار. لماذا نربي اولادنا على الخوف الالاهي و عقابه المتوحش حتى نترك في نفوسهم فكرة الذنب مدى الحياة.
النص لا يركز على طريقة إنزال العقاب بالأطفال بقدر تركيزه على “فلسفة العقاب” وكيف أنه مسبَّب، والأمثلة مذكورة في هذا السياق، وبالتالي النص موجه للكبار.
كما يؤكد النص على فكرة أن العقاب يتحقق حين نخرج عن الإطار أو القواعد المفروضة (دينيا) أو المتفق عليها مسبقا (في البيت على سبيل المثال)،
لكن لعل التصاميم المستعملة في الفيديو رسخت الإيحاء بأن الأطفال هم المقصود الأول بالكلام، سنراعي ذلك في تقاريرنا اللاحقة بإذن الله.
نشكر مرورك وتعليقك، ونسعد بمقترحاتكم لمحتوى أفضل في التربية.