التوجيه من المهام الأصيلة للمربي لكي يمكنه القيام بمهامه المطلوبة منه تجاه أفراد الأسرة، سواء لتحقيق وظائف الأسرة، أو الالتزام بأركانها وآدابها، كما أنه يساعد في تحقيق الأهداف المخططة، إضافة إلى أنه يساعد في تربية القيادات والكفاءات، كما أنه يساعد -من ناحية أخرى- في حل مشكلات الأفراد أولاً بأول، وتقليل الأخطاء أو عدم التعود عليها.
ويقصد بالتوجيه: النصيحة وحث الأفراد على العمل بصورة طبيعية وعن طيب خاطر في اتجاه ما، أو على الترك للسلوك غير المقبول، فالتوجيه له وجهان، حث الأفراد وتشجيعهم على القيام بوظائفهم، والالتزام بما هو مطلوب منهم، ومعالجة أخطائهم وحل مشكلاتهم أولاً بأول؛ أي أن التوجيه غير قاصر على حل المشكلات وعلاج الأخطاء فقط.
آداب التوجيه
1ـ أن يكون المربي قدوة فيما يوجه إليه أفراده، وأن يمارس عملياً ما يدعوهم إليه قدر استطاعته؛ فهذا يمنحهم الثقة به وبتوجيهه.
2 ـ أن يسبق توجيهه لهم حبه لهم وحبهم له، وإلفه لهم وإلفهم له؛ فهذا أهم عون له على تقبل نصحه، ولهذا ينبغي على المربي أن يأخذ أولاً بالوسائل التي تحقق الحب والألفة بينه وبين أفراده، مثل:
– السؤال عنهم وعن أولادهم وأهليهم، وتفقد أحوالهم خصوصاً في حالة غياب أحدهم أو مروره بمشكلة تخصه هو أو أحد أفراد أسرته.
– الهدية في المناسبات المختلفة.
– أن يعامل الجميع معاملة واحدة بلا تمييز.
– أن يكون في خدمة إخوانه وليس سيداً عليهم.
– ألا يفشى سراً استأمنه أحدهم عليه.
– ألا ينتهي اللقاء وفى صدر أحدهم شيء منه أو بين الأفراد وبعضهم البعض.
– التخلق بخلق العفو والتجاوز عن الزلات وعدم التركيز على الأخطاء (خاصة إن كانت في حقه هو).
3 ـ أن يرفق بمن يوجه، دون غلظة ولا جفاء.
4 ـ أن يوجه النصح دائماً بالتعميم (ما بال أقوام…) كخطوة أولى في التوجيه، أو في حال كان من غير المناسب أو المفيد القيام بالتوجيه المباشر، وتعالج الحالات الخاصة على انفراد.
5 ـ الصبر على ثمرة التوجيه، فلا ينتظر تغييراً مباشراً في أفراده، وإنما عليه أن يصبر عليهم ويستمر في تربيتهم وتوجيههم حتى يصل بهم إلى المطلوب منهم.
6 ـ للاستماع وعدم التعجل في إصدار الأحكام قبل الإلمام بالظروف والملابسات التي مرت بالفرد.
7 ـ يفضل اتباع صيغة (نحن) بدلاً من (أنت) عند التوجيه، ففي ذلك تخيف من وطأة الرسالة، واحتمالية أعلى لقبولها.
8- أن يكون التوجيه ربانياً؛ أي أن يربط المربي العمل المراد من الفرد فعله أو تركه بالله عز وجل وليس به، وهذا هو دور المربي عند كل نصح أو توجيه.
قواعد حاكمة في عملية التوجيه
1ـ أن يدرك المربي أن الأصل في التعامل مع المقصرين هو الاحتواء لا المفاصلة، ومع المفرط هو المعالجة لا التجريح، لأننا نبنى لا نهدم.
2 ـ عدم نسيان سوابق الفرد و حسن بلائه عند حدوث الخطأ، مع التدرج في النصح والمصارحة باللطف واللين، فإن تكرر الخطأ واضطر المربي إلى تأنيب الفرد فليبدأ بالتأنيب العابر اللطيف، فإن عاد فهذا يقدر بقدره، ولكن بشرط عدم التأخر في التأنيب، وعدم القسوة في جميع الأحوال.
3 ـ ألا يعامل المربي أحد أفراده معاملة المقصر دائماً -وإن كان كذلك بالفعل- حتى لا تصبح السلبية ركناً في حياة الفرد كأن يقول له: (دائماً مقصر….. لا تأتي في الميعاد من يوم أن عرفتك).
4 ـ الابتكار في وسائل التوجيه حتى تلقى النصيحة قبولاً، ولا يشعر الأفراد بالملل (رسالة إيمانية ـ تليفون ـ لقاء عابر ـ إهداء كتاب معين.. الخ).
5ـ أن يعترف المربي بخطئه إذا أخطأ، ولا يجادل عن نفسه، فهذا يرفعه في أعين إخوانه، ويجعلهم يقتدون به في الاعتراف بأخطائهم.
سلوكيات تتنافى مع التوجيه الصحيح
1ـ إحراج المتأخر عن موعده بكلمة أو حركة لحظة دخوله؛ فهذا قد يجعله شارد الذهن متأثراً طول الوقت، ولكن ليحسن المربي لقاءه والترحيب به، ثم ينتظر نهاية اللقاء ويسأله فلعل له عذراً مقبولاً.
2ـ التراخي في حسم الأمور والتهاون في التعامل مع المشكلات، فبعض المشكلات لا تحتاج لأكثر من كلمة أو زيارة أو لقاء أو اعتذار أو نصيحة أو مواساة أو توضيح أو مكاشفة أو غير ذلك من التكاليف السهلة البسيطة، أما حين تترك وتؤجل المشكلة فقد تأخذ جهداً كبيراً وقد لا تنجح الجهود، بل تزداد المشكلات.
3 ـ تقريع المقصر على تقصيره من غير سماع حجته، وخاصة أمام إخوانه.
4 ـ استخدام العبارات التقريرية التي تفيد الحسم مثل: (دائماً تأتى متأخر، لا تقوم بتنفيذ أي تكليف…) فهذا الأسلوب يضطر الفرد للدفاع عن نفسه، أو الصمت، مما يجعله غير مهيأ للتحدث في أي موضوع آخر، أو المشاركة الفعالة في أنشطة الأسرة، ولكن ينبغي على المربي أن يختار العبارات التقريبية المناسبة مثل: (لاحظت في الفترة الأخيرة بعض التأخير في حضورك… وهذه ليست عادتك لعل المانع خير…).
5 ـ أن يستأثر المربي بالحديث ولا يعطى فرصة للتعليق أو المناقشة أو التوضيح.
6 ـ أن يلجأ المربي لأسئلة الاستدراج، وهو أسلوب مباحثي لا يجب أن يصدر عن المربي، مثل: ( طبعاً أنت ندمان وتشعر بتقصيرك وخطأك؟ ) (أنت توافقني أن ما فعلته هو خطأ؟) فهذا الأسلوب يشعر الفرد بالغضب ويجعله يفقد الثقة في المربي.
حاجة المربي إلى الثواب والعقاب
يحتاج المربي وهو يقوم بتوجيه أفراده إلى الأخذ بمبدأ الثواب والعقاب، والمقصود بالثواب: مكافأة المحسن بكلمة أو إشارة أو ابتسامة أو هدية، وهى من الأمور المهمة التي تغيب عن بعض المربين الذين يعتقدون أن قيام الفرد بدوره هو الأصل ولا يحتاج إلى ثناء أو حتى كلمة شكر، وهو مفهوم يحتاج إلى تصحيح.
وقفة مع قضية التعزير
إذا كان مفهوم الثواب يحتاج إلى لفت نظر المربي فقط، فإن مفهوم العقاب (التعزير ) يحتاج إلى وقفة:
فالعقوبة وسيلة لإصلاح الفرد والتخلص من أخطائه، وليست وسيلة لإلصاق الخطأ أو التقصير بالفرد باستمرار، وإلا اعتقد أنه مستهدف ومرفوض دائماً، فلا ينهض أبداً، والإسلام يعلمنا أن حياة المخطئ أو المقصر تبدأ من جديد بمجرد انتهاء العقوبة مباشرة.
وتتخذ التربية الحديثة من اللين والتسامح أسلوباً سائداً في تربية الفرد، وإذا اضطر المربي إلى العقاب أو التعزير فينبغي أن يكون في أضيق حدود، وبصورة لا تترك أثراً في نفسية الفرد وشخصيته.
قواعد أساسية في التعزير
1ـ لا يوقع التعزير إلا في حالة حدوث الأخطاء المتكررة، حيث إن العقاب ليس هدفاً في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لتصحيح سلوك خاطئ.
2 ـ أن يدرك الفرد الهدفَ من وراء التعزير وهو الحرص على مصلحته والأخذ بيده، وذلك من خلال الطريقة التي يعزر بها المربي والحالة النفسية العامة له حين يشرع في التعزير، وليحذر المربي أن يستشعر الفرد منه نية الانتقام.
3 ـ أن يتناسب التعزير مع حجم الخطأ الذي ارتكبه الفرد ونوعه، دون زيادة في القسوة أو نقصان.
4 ـ أن يكون التعزير على تكليف يستطيع الفرد فعله لا على تكليف يفوق قدراته.
5 ـ يجب تصحيح الأخطاء وإرشاد الفرد للسلوك القويم قبل التعزير.
6 ـ لا تؤخذ الشورى في التعزير.
7 ـ أن يدرك المربي أن الأفراد متفاوتون، فكل فرد يناسبه أسلوب في التعزير قد لا يتناسب مع غيره؛ فهناك من يناسبه النظرة الغاضبة، وهناك من يناسبه الإهمال المتعمد في بعض المواقف، وهناك من يناسبه الإشارة، وهناك من يناسبه ترك أسلوب الرد المألوف بينه وبين مربيه، وهناك من يناسبه التعريض، وهناك من يناسبه المواجهة والتصريح، وهناك من يناسبه الغرامة المالية، وهناك من يناسبه السير على الأقدام لمسافة معينة.. وهكذا ينبغي مراعاة ذلك كله مع الوضع في الاعتبار أنه أحيانا قد يكون التعزير بترك التعزير!
8 ـ ألا يتسرع المربي في إنزال التعزير دون أن يتأكد من استحقاق الفرد له.
9 ـ نسيان الأخطاء السابقة، فهي جروح قد التأمت فلا يجب أن تثار من جديد، فذلك من شأنه أن يثبط الهمم، وذلك حين يشعر الفرد أنه في قائمة المخطئين مهما حاول الإصلاح.
10 ـ تجنب التعزير في حالة الغضب أو الانفعال، وترك العبوس في وجه الفرد أثناء إنزال العقاب.
11 ـ عدم التأخر في التعزير، حتى لا يعتقد الفرد أن تصرفه في البداية قد قبله المربي.
12 ـ عدم معاقبة الفرد المسئول أمام من هم تحت مسؤوليته إلا أن يكون ذلك ضرورياً.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.