بعد موجة من التوتر الأسري عند الاختبارات في كل عام، تُعلن النتائج ويُكشف المستور، فإما إلى التوفيق، وإما إلى الإخفاق، الذي يعقبه في بعض الأحيان، المرض والإعياء والغثيان، وربما وصل إلى الهذيان، وكذلك التأثيرات النفسية والأمراض العصبية.
ولا شك أنه مع الإيمان والإحسان لا يحدث مثل هذا الخلل والاضطراب، ولمناقشة هذه القضية من جميع جوانبها مناقشة شرعية، لنعرف كيف نتجاوز الاختبارات، وكيف نستفيد منها للدنيا والآخرة، كانت هذا البحث الذي أعدّه جمال عبد الرحمن.
أسباب التوتر الأسري عند الاختبارات
من البديهي أن كل إنسان جاد في عمله وأهدافه، حينما يقبل على اختبار؛ فإنه على أقل تقدير يكون مهمومًا ومهتمًا بإعداد العدة التي بها يصل إلى ما يريد، فيخشى التراجع والتردي، لكنه قد يريد شيئًا والله يريد شيئًا آخر، وقد يتمنى أحدنا الأماني، ويحدثه قلبه بنيلها، ويحول الله سبحانه بينه وبين ما يشتهي، وقد يعطيه الله ما أراد، ولله الحكمة البالغة في العطاء والمنع، جل في علاه.
والذي يباشر الاختبارات، ويعتريه الخوف والفزع من العاقبة، ينبغي له أن يعلم ويفهم أن كل اختبارات الدنيا- عظمت أو قلت- هي دون الاختبار الذي نحياه ونعيشه، وستظهر نتيجته وعاقبته في الآخرة، قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ} [الملك: 2]، ثم ليذكر كل إنسان أن اختبارات الدنيا لمن أخفق فيها يمكن تدارك هذا الإخفاق بتعديله أو تبديله، لكن الإخفاق في الآخرة لا يملك الإنسان ذرة في تداركه، إلا أن يدركه الله برحمة من عنده.
ويحدث التوتر الأسري عند الاختبارات في كل عام، نتيجة الشحن الاجتماعي والإعلامي؛ الذي يصور التراجع وتغير المسار بنهاية العالم ونهاية الحظ ونهاية السعادة، إضافة إلى:
- المشكلات الزوجية التي تعكر صفو الأولاد، وتجعلهم يعيشون هموم الأسرة؛ فيذهب تركيزهم.
- الإهمال وعدم الجدية في طلب العلم والدراسة، وعدم الاستفادة بالوقت الذي يضيع بلا فائدة.
- غياب القدوة، سواء في البيت أو في كثير من دور العلم، وإيقاع الظلم والتعسف على كثير من المتعلمين بتقديم من لا يستحق.
- الاعتماد على الغش وممارسته بطريقة جعلته كالحق المكتسب المفروض.
- الخوف من حكم الأهل أو الأساتذة أو الأصدقاء، والخوف من نظرتهم السلبية، وشعور الطالب بالدونية وبأنه ليس على المستوى المطلوب، فتكون ثقته بنفسه غائبة.
- عدم المذاكرة والاجتهاد طوال العام الدراسي بالشكل الكافي يوصل الطالب إلى الشعور بالضغط والقلق عند الامتحان، ما يؤثر على الأسرة بأكملها.
- التطلعات العالية في نتائج الامتحانات التي تجعل الابن أكثر قلقًا وتوترًا، والقلق الزائد في شخصية الابن؛ نتيجة الرهبة والخوف التي يزرعها الأهل في نفسه.
علاج التوتر الأسري عند الاختبارات
وهناك نصائح لعلاج حالة التوتر الأسري عند الاختبارات التي في كثير من البيوت كل عام، وهي:
- النظرة الإيجابية من الأهل تجاه أبنائهم؛ الأمر بالنسبة للطالب لا يرتبط فقط بالتحصيل العلمي، بقدر ارتباطه بنظرة أهله وثقته بنفسه.
- لا نؤجل عمل اليوم إلى الغد؛ حتى لا تتراكم الأعمال وتتزاحم الأشغال.
- تنظيم الوقت وعدم إضاعته، والاستفادة بالأوقات التي أرشد الشرع إلى بركتها.
- تحديد الأهداف، وإتقان الوسائل، والأخذ بجميع أسباب النجاح والفلاح، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
- الصبر والمصابرة، وبذل المجهود في تقوى الله تعالى الذي قال: {إنَّهُ مَن يَتَّقِ ويَصْبِرْ فَإنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ}.
- تحسين النية، بأن ينوي الإنسان بعمله- ولو كان دنيويًّا- وجه الله، ويقصد نفع المسلمين وخدمتهم، وتطوير بلادهم، ولا يكون همه نفسه وحسب.
- تهيئة الجو المناسب للمذاكرة والدرس؛ بالراحة الكافية وبالبعد عن المشكلات والمعاصي، والبعد عن الرفقة السيئة.
- متابعة الأولاد في دخولهم وخروجهم ودروسهم، وعدم الإفراط في الثقة بهم.
- توجيه الأولاد إلى الاستعانة بالله في كل أمر.
- الدعاء للأبناء، وعدم الدعاء عليهم.
كيف ندعم الطالب نفسيًّا في الامتحانات؟
ولا بد من دعم الأهل لابنهم والتمسك بالنظرة الإيجابية له بغضّ النظر عن تحصيله العلمي، وهو ما يسهم في علاج مشكلة التوتر الأسري عند الاختبارات ويكون ذلك من خلال:
- تجنب ربط محبة الأهل لأبنائهم بالتفوق الدراسي.
- تجنب التعليقات السلبية والابتعاد عن التأنيب والعقاب والكلام الجارح.
- نظرة الأساتذة وإدارة المدرسة مهمة، وتجنب التمييز في الاحترام بناءً على العلامات المدرسية ونتائج الامتحانات.
- الإعلاء من عوامل التفوق الإنساني والأخلاقي والمهاري في شخصية الطالب، وعدم تركيز معنى التفوق فقط على العلامات المدرسية ونتائج الامتحانات.
تأثير قلق الامتحان على الطالب
- التأثير على الذاكرة: تنقسم الذاكرة إلى ثلاث عمليات رئيسية وهي: الاستقبال، التخزين، الاسترجاع. والقلق يؤثر على كفاءة العمليات الثلاثة، لذلك حين يكون التلميذ قلقًا يشعر بأنه لا يستطيع التركيز، ولا يستطيع الاحتفاظ بالمعلومات الواردة للمخ، ولا يستطيع بالتالي استعادة المعلومات المخزنة.
- التأثير على التفكير: بما أن التفكير عملية معقدة تحتاج لقدرات عقلية متعددة فإن القلق يؤثر كثيرًا في قدرة التلميذ على التفكير السليم، لذلك يمكن أن تحدث حالة تسارع للتفكير دون سيطرة أو تحدث حالة انغلاق وتوقف.
- ظاهرة فراغ العقل: بعض التلاميذ يبذلون جهدًا كافيًا في المذاكرة، ولكنهم في بعض الأوقات- وخاصة قبل الامتحان بأيام قليلة أو أثناء الامتحان- يشعرون وكأن عقولهم أصبحت فارغة تمامًا من المعلومات، وهذا ما يؤدي بهم إلى حالة من الانزعاج تصل أحيانًا إلى درجة الهلع، وبعضهم يرى ورقة الأسئلة كأنها بيضاء تمامًا أو سوداء تمامًا، وهذه الحالة نتيجة لدرجة عالية من القلق، ويكفي التلميذ أن يجلس لبعض الوقت ويحاول استعادة هدوئه وسوف يجد أن باب الذاكرة ينفتح بالتدريج، وأنه أصبح قادرًا على استرجاع المعلومات شيئًا فشيئًا، فالأسئلة نفسها تعتبر مفاتيح للذاكرة المختزنة.
إجراءات عملية لخفض قلق الامتحان
يقترح بعض الأخصائيين النفسيين بعض الإجراءات العملية لخفض قلق الامتحان وسوف نستعرض أهم هذه الإجراءات كالتالي:
- عدم السهر طويلا؛ لأن السهر يرهق الجسم ويتعبه ويخرج الإنسان عن التركيز في الدراسة.
- الابتعاد عن شرب المنبهات كالشاي والقهوة لأن مثل هذه المنبهات تأخذ من قدرة الطالب وتركيزه واستيعابه.
- عدم تناول الأقراص المنبهة فهذه أمور غير طبيعية تدفع الطالب إلى السهر ومن ثم عدم قدرته على المواصلة في الدراسة.
- أخذ قسط من وافر من النوم؛ لأن النوم يريح الجسم وكذلك العقل من التفكير وبالتالي يتجدد نشاط الإنسان وتعود إليه حيويته.
- المحافظة على وجود حالة من التهيؤ النفسي الطيب للتعامل الجيد والفعال مع موقف الامتحان وكذلك المحافظة على الاتزان الانفعالي والابتعاد عن التوتر والقلق.
- تطوير قدرات الطالب على الفهم وحل المشكلات.
- مساعدة الفرد على الشعور بالأمن والثقة بالذات.
- التدرب على الاسترخاء.
- الحديث الإيجابي مع الذات.
- تقديم المساعدة في الدراسة.
- تشجيع التعبير عن الانفعالات.
- تحسين عادات الدراسة السيئة.
- التدريب على مهارات الامتحان ومهارات استدعاء المعلومات.
إن التوتر الأسري عند الاختبارات مشكلة تؤرق الكثير من الأسر، خصوصا في الدول العربية، إذ ما زال التعليم والمنهج يفتقد إلى التشويق وحسن العرض، وما زال نظام الامتحان يقوم على ثقافة القهر والتحكم من طرف يملك زمام التقييم وَفق معايير لا تراعي فروقًا بيئية أو نفسية أو جنسية أو اجتماعية، فالكل في التقييم سواء، لا فرق بين الذي تلقى بجودة أو الذي أخذ بأقل أو لم يأخذ!