تأليف: مجدي الهلالي
بيانات النشر: دار السراج، توزيع مؤسسة اقرأ –الطبعة الأولى- القاهرة- 1430هـ – 2009م.
اختار المنتدى الإسلامي العالمي للتربية عرض هذا الكتاب، لأنه يعالج موضوعًا مهمًّا لكل مسلم، وهو: التوازن التربوي؛ وتستطيع أن تقول إن هذا الكتاب يحاول أن يجيب عن الأسئلة الآتية:
- ما التربية؟ وما أهدافها؟ وما مجالاتها؟
- ماذا يعني التكامل التربوي والرؤية التربوية؟
- هل تتوقف التربية عند حدٍّ ما؟
- ما الأسباب التي تؤخر ظهور ثمرة التربية؟
الوصف العام للكتاب
يتكون الكتاب من مقدمة، وتمهيد يشمل الحديث عن: معنى التربية، وحاجة الإنسان إلى التربية، وحاجة الأمة الماسَّة إلى التربية. ثم يعقب ذلك أربعة محاور: المحور الأول: العقل والتربية المعرفية، والمحور الثاني: القلب والتربية الإيمانية، والمحور الثالث: النفس وضرورة تزكيتها، والمحور الرابع: بذل الجهد في سبيل الله.
ثم ينتقل المؤلف إلى الحديث عن عدد من الموضوعات المكملة لمادة الكتاب، فيتناول التكامل التربوي، والرؤية التربوية، واستمرارية التربية، ولماذا لا تظهر ثمرة التربية، والخطوة الأولى: عزم وتوكل.
معنى التربية
ينقل المؤلف تعريفًا للتربية للدكتور عبد الرحمن النحلاوي، يركز فيه على التعريف اللغوي الذي يحصره في أصول لغوية ثلاثة: 1- ربا يربو بمعنى زاد ونما 2- ربِيَ يَربى ومعناها: نشأ وترعرع 3- ربَّ يَرُبُّ بمعنى أصلحه، وتولى أمره، وساسه، وقام عليه ورعاه. وقال الإمام البيضاوي في تفسيره: “الرَّبُّ في الأصل بمعنى التربية، وهو تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا”.
ويورد تعريفًا اصطلاحيًا للتربية نقلًا عن د. ماجد الكيلاني، وهو: يعرف علماء التربية الحديثة “التربية” بأنها تغيير في السلوك، شريطة أن يفهم من السلوك حلقاته الثلاث: حلقة الإرادة، وحلقة الفكرة، وحلقة الممارسة.
ويتوصل المؤلف إلى تعريف يختاره بناء على التعريفات السابقة، فيقول: “التربية إحداث تغيير أو أثر دائم في الشيء”.
الفارق بين التعليم والتربية:
هدف التعليم إيصال المعلومة إلى المتعلم واستيعابه وفهمه لها دون النظر إلى تطبيقه أو عدم تطبيقه لمقتضاها. أما هدف التربية فهي إيصال المعلومة مع الممارسة المستمرة لمقتضاها حتى تنشئ تغيُّرًا في السلوك.
حاجة الإنسان إلى التربية:
الإنسان يبدأ رحلته على الأرض منذ خروجه من رحم أمه بأربعة مكونات أساسية رئيسية، هي: العقل والقلب والنفس والجسد، ولا بد لهذه المكونات من تربية وإنماء، حتى تكتمل وتصلح ويساهم كل منها بأثره في تنشئة المسلم الصالح المصلح الذي يقوم بوظيفته الأساسية، ألا وهي معرفة ربه وعبادته وخشيته بالغيب، وإقامة دينه في نفسه، ثم في نفوس المسلمين، وأن يجتهد في تبليغه للبشر جميعًا.
ومن هنا تبرز أهمية التربية الصحيحة، فالمسلم لن ينصلح حاله، ولن يكتمل نموه، ولن يرى الثمار الصحيحة لعبوديته لربه عز وجل إلا إذا اهتم بالجوانب الأربعة التي تشكل كينونته. فإنماء العقل والقلب والنفس، وتوجيه حركة الإنسان توجيهًا صحيحًا أمر بالغ الأهمية، والتكامل بينها ضروري لتكون الثمرة نضيجة، ومن ثم يتمتع المرء بالعافية في الدنيا، ويحيا حياة سعيدة، حيث السلام الداخلي والطمأنينة والسكينة، ثم يستكمل هذه السعادة في قبره.
حاجة الأمة الماسَّة إلى التربية:
أكرم الله أمتنا المسلمة واختصها برسالة الإسلام، وهذه النعمة العظيمة تستوجب من أبناء الأمة أمرين عظيمين، الأول: أن يقوموا بأداء تكاليف الرسالة في ذواتهم، الثاني: أن يعملوا على توصيل هذه الرسالة وتبليغها للبشرية جميعًا، وأن يبذلوا في ذلك غاية جهدهم، مهما كلفهم من تضحية بالغالي والنفيس، وصبر وثبات على المحن والعقبات في سبيل ذلك، إذ لا راحة للمسلم حتى يكون الدين كله لله. والتفريط في هذين الواجبين يضعهما في دائرة العتاب والغضب الإلهي.
لماذا نعاقَب؟
كلما ازداد حال الأمة سوءًا، وتعالت عليها هجمات أعدائها، يأتي السؤال: لماذا نعاقب بهذه العقوبات المتوالية؟!
والرؤية الإيمانية لهذه العقوبات تنطلق من عدة أمور: أولها: أنها بعلم الله وإذنه ومشيئته. وثانيها: أن هذه العقوبات صورة من صور العتاب الإلهي للأمة؛ لأنها تخلت عن رسالتها، وثالثها: أن هذه العقوبات تعد بمثابة وسيلة قوية لإيقاظ الأمة، وإفاقتها وإعادتها إلى رشدها.
إصلاح الداخل أولًا ولا بديل عن التربية
لا يمكن للأمة أن تؤدي أمانة البلاغ، ومن ثم الشهادة على الناس؛ إلا إذا تمثلت في أبنائها معاني “الرسالة” فيستمدون منها القوى الروحية الدافعة للعمل والجهاد، حتى يتحقق مراد ربهم بأن يكون الدين كله لله. وحين يهملون تطبيق الرسالة؛ تنحط اهتماماتهم، وينكفئون على ذواتهم، وتسيطر عليهم متطلبات الطين وشهوات النفس. ولهذا فإن نقطة البداية الصحيحة لرفع العقوبات، وتغيير ما حاق بها، هو إصلاحها من الداخل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. ولن يُرفع البلاء إلا إذا سرنا في طريق التغيير. والتغيير المنشود يشمل كيان الإنسان بمحاوره الأربعة:
- المعرفية: تغيير وإصلاح المفاهيم والتصورات وإعادة بناء اليقين الصحيح فيها.
- والإيمانية: إصلاح الإيمان في القلوب وتقوية الإرادة.
- والنفسية: ترويض النفس وجهادها على لزوم الصدق والإخلاص لله عز وجل، ونكران الذات، والتواضع غير المصطنع.
- والحركية: التعود على بذل الجهد في سبيل الله.
والتغيير المطلوب هو التغيير الذي يحدث أثرًا إيجابيًا دائمًا، وهذا يستلزم التربية الصحيحة لأفراد الأمة. ويكون بتواجد الدعاة بين الناس، وممارسة معاني الإسلام معهم. ولابد لهؤلاء الدعاة والعاملين للإسلام من أن يبدؤا مع أنفسهم أولًا (أصلح نفسك)، فتتمثل فيهم معاني الإسلام التي يريدون أن يربوا الناس عليها. وليس مطلوبًا أن يكون جميع الأفراد في الأمة على مستوى عالٍ ورفيع من الصلاح، لكن يبقى أنه من الضروري أن يتوفر الحد الأدنى للصلاح في الأمة. فالمطلوب هو صلاح المجتمع بأن تشيع فيه روح الإسلام ومعانيه.
ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى الحديث عن المحاور الأربعة للكتاب:
المحور الأول: العقل والتربية المعرفية
يتحدث المؤلف عن أن الله عز وجل خلق الإنسان، وأسكنه الأرض، وأتاح له حرية الاختيار، وطالبه بعبادته، وجوهر العبادة هو استسلام العبد لله تعالى، وطاعة أوامره، ودوام الاستعانة به، والتوكل عليه في الأمور كلها، مع حبه وإجلاله وتعظيمه وهيبته وخشيته.
لكن كيف يمارس الإنسان هذه الصورة من العبودية لله عز وجل وهو لا يراه؟ الإجابة تتركز في أن الله سبحانه هيأ للإنسان من الأسباب والإمكانات ما يعينه على أداء وظيفته كعبد له سبحانه، وذلك من خلال أمرين عظيمين: الأول- أن الله عز وجل أودع في الكون المحيط بالإنسان- بل في الإنسان ذاته- الكثير من المعلومات التي تدل عليه سبحانه. الثاني- أنه- جل ثناؤه- قد أعطى للإنسان الوسيلة التي من خلالها يستطيع جمع تلك المعلومات عن ربه، ليتسنى له معرفته، ومن ثمَّ عبادته. ومن هنا ندرك أهم حكمة لخلق “العقل” في الإنسان. وتعد نقطة البداية الصحيحة لتحقيق العبودية والتجلبب بها هي “معرفة الله” عز وجل. وكلما تعرف المرء على ربه أكثر ازدادت عبوديته له سبحانه.
ثم ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى الحديث تحت عنوان: ” الكل يعمل من أجلك”؛ وهو يقصد أن الإنسان كريم على الله تعالى، ولذلك خلق الله عز وجل له ما في الكون، وسخره له، لكي ينجح في عبادة الله عز وجل – بالغيب. وإذا كان العقل هو محل العلم والمعرفة، فإن العلم الحقيقي النافع، هو الذي يؤدي إلى تحقيق التوحيد قولًا وعملًا، فيزداد المرء لله تعالى خشية وطاعة ومحبة وإنابة واستقامة على صراطه المستقيم.
أشار المؤلف إلى أن غاية العلم هي: “التعرف على الحقائق التي تصل بالمرء إلى تحقيق العبودية لله عز وجل بمعانيها المختلفة”. وأن علم التوحيد الحقيقي هو “الباب الأعظم” الذي ينبغي أن ندخل منه جميعًا، وبعد ذلك ندخل إلى العلوم المختلفة، حتى نتمكن من الاستفادة الحقيقية منها في تحقيق العبودية لله عز وجل. وما ينطبق على العلوم الكونية والتطبيقية ينطبق على العلوم الإنسانية والاجتماعية.
ونلفت الانتباه إلى أن حضارة الإسلام جمعت بين العلم والإيمان، ولم يعرف في حضارة الإسلام الصراع بين الدين والعلم، كما عرف في حضارات أخرى. فأصول الإسلام تتفق مع العلم والمدنية. ثم يشير المؤلف أن المطلوب من المسلم دومًا أن يقوم بتنمية عقله، وتوسيع مداركه، وفتح نوافذ المعرفة لديه، وأن يبتعد عما يتسبب في تعطيل عقله؛ فيصرفه عن حقيقة وجوده وغايتها. ومن هنا ندرك فضيلة التفكر التي تفتح نوافذ العقل تجاه المعرفة، وأهمها معرفة الله عز وجل، معرفة تَرسخ في العقل الباطن، وتشكل اليقين. إن هدف التربية المعرفية- كما يراها المؤلف- هو: إنماء العقل وتوسيع مداركه، وفتح نوافذه، وإكسابه التلقائية في التفكير في كل شيء يحدث حوله، والاعتبار به، والتعرف من خلاله على الله عز وجل، وعلى حتمية العودة إليه.
المحور الثاني: القلب والتربية الإيمانية
يشير المؤلف إلى أنه لو كان العقل هو الذي يحرك الإنسان، لكانت المعرفة العقلية وحدها تكفي كدافع للسلوك، إلا أن ذلك لا يكون، فالمسؤول عن الحركة الإرادية داخل الإنسان هو القلب وليس العقل، فالقلب يعد بمثابة مركز الإرادة واتخاذ القرار، ومنه تنطلق الأوامر بالأفعال الإرادية، وما على الجميع إلا التنفيذ. وهذا القلب تتجاذبه قوتان: “قوة الهوى”، و”قوة الإيمان”، والأقوى منهما عند اتخاذ القرار هو الذي يستولي على الإرادة، ويوجه القرار لصالحه. فالإيمان هو الدافع للسلوك الإيجابي، والهوى هو الدافع للسلوك السلبي. ولا يكفي المرء اقتناعه بالفكرة لكي يمارس مقتضاها في واقعه العملي، بل لا بد من تحويل هذه الفكرة إلى إيمان عميق في القلب ينتصر على الهوى المضاد لهذه الفكرة. مع تغذية هذا الإيمان بصورة دائمة حتى يستطيع الانتصار على الهوى. فالمعرفة وحدها لا تكفي، فلا بد من تعانق الفكر بالعاطفة لينشأ الإيمان بإذن الله ويَرسخ في القلب. وقد أخبرنا القرآن عن أناس يقرون بربوبية الله-سبحانه- ومع هذا الإقرار فهم لا يخشونه، ولا يستسلمون له. وهذا يؤكد أن إقرارهم كان إقرارًا عقليًا محضًا، ولم ينشأ به إيمان في القلب. ومن هنا تظهر أهمية التربية الإيمانية، فتربية القلب الصحيحة تهدف إلى: تمكين الإيمان حتى يقهر الهوى؛ فيسهل على المرء القيام بأعمال العبودية بصورها المختلفة.
عندما يضعف الإيمان:
يبين المؤلف الآثار المترتبة على ضعف الإيمان؛ وأنه كلما ضعف الإيمان تمكَّن الهوى. فمن آثار ضعف الإيمان أن المرء لا يستطيع تغيير واقعه السيء، لأن هواه قد سيطر على إرادته واستولى عليها. ومن آثار ضعف الإيمان الترخص فيما لا ينبغي فيه الترخص، والبحث عن الرخص والأعذار. ومن آثار ضعف الإيمان شدة الاهتمام بالدنيا والحرص على تحصيلها. ومن مظاهر ضعف الإيمان: عدم الاكتراث بتضييع الوقت في توافه الأمور، والمجالس الفارغة، ومشاهدة الفضائيات و(وسائل التواصل الاجتماعي). ومن مظاهر ضعف الإيمان: عدم الانضباط بضوابط الشرع في المعاملات المادية بين الأفراد، وبخاصة بين الشركاء، ومنها كذلك: عدم الحزن على فوات الطاعة أو الوقوع في المعصية. وفي المقابل؛ فإن الإيمان يصنع المعجزات، فكلما قوي الإيمان تحسَّن السلوك بشكل تلقائي. فالإيمان الحي يقوي الوازع الداخلي لدى الإنسان. وتقل المشكلات بين الناس، لأنهم أصبحوا يراقبون الله وحده في معاملاتهم وسلوكهم.
الهدف القريب الذي ينبغي أن تحققه التربية الإيمانية هو زيادة الإيمان في القلب حتى يعلو على الهوى. والهدف البعيد المتمم للهدف القريب، هو: تمكين وهيمنة الإيمان على القلب، للوصول إلى مرحلة الإحسان.
المحور الثالث: النفس وضرورة تزكيتها
يتحدث المؤلف عن تعريفات النفس، وأنها مجمع الشهوات داخل الإنسان، وأنها تطمح دائمًا إلى تحقيق ما تهوى وترغب، دون النظر إلى عواقب ذلك. وأشد ما يسعدها شعورها بالتميز عن الآخرين. والنفس ميدان التكليف من يزكيها يفلح، ومن يتركها دون تزكية يخيب ويخسر. والنفس تهوى وتميل دومًا إلى تحصيل الشهوات؛ سواء كانت شهوة جلية كاللذة الناتجة عن الطعام والشراب وغيرهما، أو شهوة خفية كاللذة الناتجة عن مدح الناس وثنائهم والشعور بالتقدم عليهم. ولا ينتبه كثير من الناس لخطورة النفس وما تمليه على الإنسان فيسترسل في تحصيل الشهوات، وبخاصة الخفية، دون أن يدرك أنه يظلم نفسه. إن النفس هي العقبة الكؤود بيننا وبين الله عز وجل، ومن أخطر أمراضها الرضا عنها والإعجاب بها، لأن هذا يحبط العمل الملازم له. فالعُجب يؤدي إلى الخذلان وقلة التوفيق. لأن العمل لم يكن خالصًا لوجه الله تعالى. ولهذا وجب علينا الاهتمام بتزكية النفس وترويضها. على التواضع فهو نهج الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، فهو سيد المتواضعين. إن التربية النفسية تهدف إلى: تحقيق نكران الذات وممارسة التواضع بصورة تلقائية غير متكلفة (لا تستصغر أحدًا فإن العاقبة منطوية، والعبد لا يدري بم يختم له).
المحور الرابع: بذل الجهد في سبيل الله (التربية الحركية)
ينتقل المؤلف بالحديث عن التربية الحركية، وبذل الجهد في سبيل الله تعالى، فالإنسان لم يخلق عبثًا، بل خلق لأداء اختبار العبودية له سبحانه- بالغيب. ولذلك فإن من أهم واجبات المسلم نشر دعوة الإسلام لاستنقاذ كل ما فيه خير وشوق إلى الهداية. ولهذا فإن دعوة الخلق إلى الله تعالى، وبذل الجهد في سبيله من أحب الأعمال إليه سبحانه. والمرء في نفس الوقت يحافظ على متطلبات الفطرة ولا يصادمها، دون إفراط أو تفريط. والحركة وبذل الجهد في سبيل الله يكون من خلال محورين: الأول- العمل الصالح، والثاني- دعوة الخلق إلى الله عز وجلَّ. ولئن كان بذل الجهد في سبيل الله مطلوبًا من المسلم في كل وقت؛ إلا أن الحاجة تشتد إليه في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى، في ظل الضعف والانكسار الذي تمر به الأمة، وتغلغل المشروع الصهيوني (والماسوني) في ديار الإسلام. إن مستهدف التربية الحركية أن يكون للمسلم أثر طيب في كل مكان يحل فيه، وأن يساهم مساهمة بنَّاءة في إقامة المشروع الإسلامي الذي يهدف إلى استئناف الحياة الإسلامية الصحيحة وإنقاذ البشرية من الضياع وإسعادها بالإسلام.
التكامل التربوي
يتناول المؤلف في هذا الجزء من الكتاب تكامل التربية في الإنسان المسلم، وتشمل الأمور الأربعة السابقة: العقل، والقلب، والنفس، والحركة. أو التربية العلمية، والتربية الإيمانية، وتزكية النفس، والتربية الحركية. ويشير إلى أن تربية المسلم يجب أن تهتم بهذه المحاور الأربعة، وعدم التركيز على محور دون الآخر. ولو حدث هذا لكان النتاج: تشوه الشخصية وعدم ظهور ثمرة التربية المتكاملة ألا وهي تحقيق العبودية لله عز وجل بمفهومها الصحيح.
فالذي يهتم بالعلم دون غيره، صار منظرًا فيلسوفًا، والذي يهتم بالإيمان دون علم، صار فهمه ضيقًا، والذي يهتم بتزكية النفس مع إهمال التربية الإيمانية السليمة صار شخصًا كثير النقد لذاته حزينًا على حاله، والذي يهتم بالعلم والإيمان مع عدم تزكيته لنفسه، فسيكون نتاج ذلك شخصًا متورمًا في ذاته. ولو لم يتحرك المسلم ويعلم الناس ما تعلمه سيصاب بالفتور والكسل. وقعد عن أداء الواجب في تبليغ دعوة الله تعالى. لكن هذه الحركة وبذل الجهد في سبيل الله تحتاج إلى زاد متجدد وإلا ستلحق بصاحبها عواقب وخيمة. ولا استثناء لأحد في ذلك مهما علا قدره: {فِإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}. إن المصلحين الذين كان لهم دور إيجابي في حياة الأمة حققوا التوازن والتكامل بين الاهتمام بتحصيل الزاد والحركة وبذل الجهد في سبيل الله. يقول الإمام البنا: “أيها المسلمون.. عبادة ربكم، والجهاد في سبيل التمكين لدينكم وإعزاز شريعتكم هي مهمتكم في الحياة”.
وعلى المربين ومن يقومون بالتربية أن يكون حاضر لديهم الرؤية التربوية: التي هي المنظار الذي من خلاله يتم تحديد جوانب النقص التربوي عند الفرد أيًّا كان موقعه أو عمره أو ثقافته، وعلى ضوء هذه الرؤية يتم تحديد الاحتياجات التربوية”.
والتربية مستمرة لا تنقطع ولا تتوقف عند فترة معينة، ولا ينصرف الناس عنها إلى أمر آخر؛ لأن الأمر الذي استوجبها دائم لا ينقطع ولا يتوقف. فمهما تقدم عمر المرء، ومهما ارتقى في سلم المسؤولية فلا بد من الاستمرار في التربية حتى يستمر قيامه بحقوق العبودية لله عز وجلّ، وأن تشمل هذه التربية المكونات الأربعة السابق ذكرها.
لماذا لا تظهر ثمرة التربية؟ ثمرة التربية هي ظهور المسلم الصالح المصلح؛ هذه هي الثمرة ينبغي أن تكون نتاج الجهد الذاتي الذي يبذله الفرد مع نفسه، ويبذله معه المربون على مسار حياته. ومن الأسباب الحقيقية لعدم ظهور ثمرة التربية: عدم وجود الاستعداد الكافي لدى الفرد للتربية والتغيير. ومنها كذلك اكتمال ملء الفراغات التكوينية الرئيسية في شخصيته- سواء كان ذلك بطريق صحيحة أو خاطئة- مما يحول بينه وبين حسن التلقي لأي جديد، ومن ثم يصعب التغيير. ولكن هذا لا يدفع المربين إلى التوقف عن التربية، فالتربية أمر لا بديل عنه إذا أردنا تغيير ما بأنفسنا وإصلاح حال الأمة.
والخطوة الأولى في سبيل استكمال نواقصنا التربوية هي الصدق في طلب ذلك والعزم الأكيد على تزكية عقولنا وقلوبنا وأنفسنا وجهدنا. ومن الأسباب التي تعين المرء على الاستمرار في تربية المرء لنفسه وبذل جهده في سبيل الله هو وجوده في وسط صالح، وصحبة طيبة.
من ثمرات الكتاب وفوائده
- هدف التربية إيصال المعلومة مع الممارسة المستمرة لمقتضاها، حتى تنشئ تغيُّرًّا في السلوك.
- الإنسان في حاجة إلى التربية، فمنذ أن يولد يتربى لديه مكونات أربعة أساسية: العقل، والقلب، والنفس، والجسد. ولابد لهذه المكونات من تربية حتى تكتمل وتصلح وتسهم في تنشئة المسلم الصالح المصلح.
- حاجة الأمة إلى التربية أمر لا مناص عنه للقيام بأداء تكاليف الرسالة في ذواتهم، وتوصيل هذه الرسالة وتبليغها للبشرية جميعا.
- إن ما يقع بالأمة من عقوبات إلهية هو صورة من صور العتاب الإلهي للأمة، وتعد بمثابة وسيلة قوية لإيقاظ الأمة وإفاقتها وإعادتها إلى رشدها. وكل ذلك يقع بعلم الله ومشيئته.
- لا يمكن للأمة أن تؤدي أمانة البلاغ، ومن ثم الشهادة على الناس إلا إذا تمثلت في أبنائها معاني الرسالة.
- لن يرفع الله البلاء إلا إذا سرنا في طريق التغيير، والتغيير المنشود يشمل كيان الإنسان بمحاوره الأربعة: المعرفية، والإيمانية، والنفسية، والحركية.
- غاية العلم هي التعرف على الحقائق التي تصل بالمرء إلى تحقيق العبودية لله عز وجل بمعانيها المختلفة.
- القلب هو المسؤول عن الحركة الإرادية داخل الإنسان، وهذا القلب تتجاذبه قوتان: قوة الهوى، وقوة الإيمان. والإيمان هو الدافع للسلوك الإيجابي في الإنسان.
- إذا ضعف الإيمان تمكن الهوى، فوقع الإنسان في المعصية.
- تهدف التربية الإيمانية إلى زيادة الإيمان في القلب حتى يعلو على الهوى، ويصل المرء إلى مرحلة الإحسان.
- التربية النفسية تهدف إلى تحقيق نكران الذات، وممارسة التواضع بصورة تلقائية غير متكلفة.
- بذل الجهد في سبيل الله من أحب الأعمال إلى الله عز وجل.
- من الأسباب الحقيقية لعدم ظهور ثمرة التربية في الإنسان، عدم وجود الاستعداد الكافي لدى الفرد للتربية والتغيير، واكتمال ملء الفراغات التكوينية الرئيسية في شخصية الفرد، مما يحول بينه وبين حسن التلقي لأي حديث، ومن ثم يصعب التغيير لديه.
- الخطوة الأولى في سبيل استكمال نواقصنا التربوية هي الصدق في طلب ذلك، والعزم الأكيد على تزكية عقولنا وقلوبنا وأنفسنا وجهدنا.
- وجود الفرد في وسط صالح وصحبة طيبة يعينه على الاستمرار في تربيته نفسه، وبذل الجهد في سبيل الله تعالى.