إن غاية ما يسعى إليه الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة هو التفوق الدراسي وتحقيق أعلى الدرجات، لأنّ الواقع العملي لا يعترف إلا بنوابغ المجتمع، فالكل بالإجماع يسعى صوب المهنيّ الماهر، أو العامل الحاذق، كالطبيب الأمهر والصانع الأجود والخبير المحنك، ولتحقيق هذه الغاية فمن الضروري التغلب على المعوقات التي قد تواجه الطلاب، وفي الوقت نفسه الالتزام بأسرار ووسائل تربوية لتحقيق هذا الهدف.
والتّفوق في الدّراسة عمليّة منظمة، تتبع برامج وتوجيهات ولا تعتمد فقط على عامل الذكاء وحده، بل هو منظومة متناسقة من ترتيب الأولويات واستخدام القُدرات الذاتية والبيئية للوصول إلى قمة الشّرف، وما أجملها من قمة وما أعظمها من رحلة تشوبها مِحن وصعوبات لكن ثمرتها عبقها يفوح وشذاها يدوم.
مفهوم التفوق الدراسي
ويعرف التفوق الدراسي في اللغة بأنه العلو والارتفاع في الشأن، والتفوق من الفوق، والفوق نقيض لـ(تحت)، يُقال: رجل فاق في العلم، أي مُتفوّق على قومه في العلم، ونقول: فلان يفوق قومه، أي يعلوهم.
والطالب المتفوق هو الذي يتميّز بالتحصيل الدراسي المرتفع في مجالات الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، والعلوم الطبيعية والرياضيات، ويتميز بقدرات عقلية مرتفعة مع سمات نفسية معينة ترتبط بالتحصيل الأكاديمي المرتفع مع قدرات عالية في التفكير الابتكاري.
وفي الاصطلاح، يعد التحصيل الدراسي أحد المظاهر الأساسية للنشاط العقلي الوظيفي عند الأفراد، حيث لاحظ عدد من العلماء والباحثين أنّ بعض الأفراد يظهرون تفوقًا في التحصيل الدراسي والأداء في مختلف المجالات ولكنهم لا يصلون إلى معامل ذكاء مرتفع إذا ما قيس ذكاؤهم بمقياس محدد، الأمر الذي دفع بعض الباحثين والمشتغلين في التفوق إلى اتخاذ المستوى التحصيلي المرتفع محكًا للتفوق الدراسي.
أسرار التفوق الدراسي
والوصول إلى التفوق الدراسي يتطلب الالتزام بتطبيق بعض الأسرار والوسائل التربوية، أبرزها ما يلي:
- تحقيق التوازن بين العلم والعبادة: فلا خير فيمن يجتهد فى طلب العلم ويفرط في العبادة، يقول الإمام الحسن البصري: “العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلبًا لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبًا لا يضر بالعلم، فإن قومًا طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- (الخوارج)، ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا”.
- البدء بأعمال روتينية: مثل مراجعة درس سابق أو استكمال نقل درس ناقص، ليكون ذلك بمثابة استعداد وشحذ على المذاكرة، ومن المهم استغلال بواكير الصفاء الذهني في مذاكرة الدروس الصعبة وترك المواد السهلة في نهاية فترات المذاكرة.
- التجديد في طريقة المذاكرة: ويكون بالكتابة والشرح الذاتي بصوتٍ مرتفع نسبيا مع المشي في الغرفة، أو استخدام الرسوم، أو عمل تلخيص للموضوع، وتغيير أماكن المذاكرة سواء في البيت أو حتى الذهاب إلى بعض الحدائق أو شاطئ البحر إن تيسر ذلك.
- المحافظة على الوقت وترتيب الأولويات: ولا بد أن نحذر من معوقات الوقت ولصوص الطاقة ومنهم الزوار والطفيليون، والتسويف، وعدم التنظيم، والانشغال بأهداف فرعية أو ثانوية، والمشاكل العائلية.
- حل أسئلة في نهاية الدرس: لأن اختتام المذاكرة بحل أسئلة من شأنه أن يرسخ المعلومات في الذهن ويدرب فعليا على أجواء الامتحانات.
- الالتزام بدعائم المذاكرة الثلاث: وهي التكرار، والربط والخيال، والتنظيم.
- التسميع: فهو مرآة الذاكرة، وخير دليل على اختبار مدى رسوخ المعلومة في الذهن، وهو يكشف مواضع الضعف والأخطاء التي نقع فيها، وهو الوسيلة القوية لتثبيت المعلومات وزيادة القدرة على تذكرها لفترة أطول.
- اختيار الوقت المناسب للمذاكرة: فلا نذاكر وقت الإرهاق، أو النعاس، أو انشغال الفكر، أو في الضوضاء، أو في الضوء الخافت، وعلينا اختيار مكان جيد الإضاءة والتهوية، وأن تكون المعدة بين الشبع والجوع.
- تحضير الدرس مسبقا: وهومن شأنه أن يجعل الدرس مجرد تعزيز للمعلومات في الذهن، ويفعل المشاركة أثناء الشرح مع المعلم، ويستجلب الانتباه له، وسؤاله عن النقاط الصعبة في الموضوع، وقد قيل لابن عباس- رضي الله عنهما-: “بم تحصلت على هذا العلم؟” فقال: “بلسان سؤول، وقلب عقول”.
- تحديد الهدف: فمن الأهمية بمكان تحديد أهداف واضحة في حياتنا، لكي نحقق النجاح بالمستوى المطلوب.
- مكافأة النفس: فأفضل طريقة للحصول على المزيد من النجاح هي مكافأة النفس على إنتاج السلوك المطلوب.
- زيادة المهارات: بحضور بعض الدورات الخاصة اللازمة للنجاح الدراسي إلى جانب قراءة الكتب، فهناك دورات خاصة لتنمية المهارات المختلفة ودورات للقراءة السريعة مع التركيز ودورات لاجتياز الاختبارات بنجاح.
- حل المشكلات الشخصية: لأنه يصعب التركيز إذا كان هناك مشكلات شخصية.
- تنمية الصبر: فالنصر مع الصبر، والصبر لا يعدله شيء في الحياة، فهناك الكثير من الموهوبين غير الناجين في حياتهم بسبب عدم الصبر.
- تطبيق الخطوات الدراسية: وهي تشمل التحضير المُسبق للدراسة، وحضور الحصص الدراسيّة، ومراجعتها، والتأكّد من صحة فهم جميع المعلومات المطروحة.
- التدّرب على تقديم الاختبارات: ويكون ذلك من خلال نماذج اختبارات المحاكاة التدريبيّة تحت ذات الظروف للامتحانات الفعلية.
- اتباع أسلوب الدراسة الاستنباطية: فهي دعامة التفوق والإبداع، وتتمحور حول تحليل المعلومة والوصول إلى النتائج ليس بالطريقة النمطية والطرق المملة والعقيمة.
- التزود بمعلومات أكثر: فلا نعتمد على من مجرد القراءة في الكتاب المقرر، بل لا بد من التوسع في المصادر وتحليل أو استنتاج أو التطبيق خارج التمارين الموجودة بالكتاب المدرسي.
- الجلوس في المقدمة: حتى نصبح بمنأى عن مشوشات الزملاء وحيث يكون المدرس قريبا، فكلما ابتعدنا عن المدرس زادت فرصة الانشغال.
- البحث عن صديق بارع ننافسه: فالصاحب ساحب، والمنافسة الشريفة تؤجج الهمة وتقضي على بواعث الكلل والملل.
- تخصيص وقت مناسب لممارسة الرياضة: فهذا يريح النفس ويبعث الأمل من جديد.
- وإلى جانب وجود بعض خطوات التفوق الدراسي والتميز والنجاح، فإن هناك بعض المُعوِّقات التي قد تحول دون أن تكون الدراسة بالشكل الذي يحقق أفضل النتائج، ومن أبرز هذه المعوقات ما يلي:
- الخوف من الفشل: فهو يؤدي إلى تزعزع الثقة، وزيادة التشتيت ما يؤدي إلى الابتعاد عن الدراسة المُركَّزة التي تؤدي إلى النجاح.
- عدم تقدير التعليم: حيث يؤدي قلة شعور الطالب بأهمية التعليم إلى الإهمال الدراسي وعدم إعطاء المواد حقها، ما يؤدي إلى تراكم المواد الدراسية وانخفاض التحصيل الدراسي.
- المشكلات النفسية والعاطفية: مثل القلق والتوتر والاكتئاب، والتي يمكن أن تؤثر على الأداء الدراسي.
- البيئة الأسرية: عدم الاهتمام بالدراسة من الأسرة أو وجود مشكلات أسرية يمكن أن تؤثر على الطالب.
- البيئة المدرسية: ضعف مستوى التعليم أو وجود مشكلات في إدارة المدرسة يمكن أن تؤثر على الطلاب.
- البيئة الاجتماعية: الانخراط في الأنشطة غير الهادفة أو السلبية يمكن أن يؤثر على التحصيل الدراسي.
- المشكلات الصحية المزمنة: مثل أمراض القلب والسكر والربو، والتي يمكن أن تؤثر على القدرة على التركيز والانتباه.
- اضطرابات التعلم: مثل عسر القراءة وعسر الكتابة، والتي يمكن أن تجعل الدراسة أكثر صعوبة.
- اللامسؤولية الدراسية: تدخل اللامسؤولية الدراسية في باب عدم تقدير الذات، حيث لا يُلقي الطلاب بالًا لمستقبلهم الدراسي، ما قد يتسبب في الفشل الدراسي.
- عدم وجود هدف أو دافع للدراسة: وهو ما يؤدي إلى عدم بذل الجهد المطلوب للنجاح.
- الكسل والتسويف: فهما يؤديان إلى تأخير الواجبات والمذاكرة، ما يؤثر على التحصيل الدراسي.
- ضعف التركيز والانتباه: وهو ما يُؤثر على القدرة على استيعاب المعلومات.
- ضعف التنظيم: وهو ما يؤدي إلى عدم استغلال الوقت المتاح للدراسة بشكل فعال.
إنّ أهمية التفوق الدراسي تكمن في الإعداد للمستقبل، إذ يَسمح للطلاب بالحصول على خيارات أفضل بعد التخرج، والدخول لسوق العمل بقوة تنافسية، حيث تشير الدراسات إلى أن الطلاب المتفوقين لديهم فُرص أعلى في الحصول على الوظائف ذات الرواتب العالية مقارنة بمن لم يحققوا أي تفوق أكاديمي، ويترك التفوق في الدراسة الأثر الإيجابي على المستوى النفسي، والاجتماعي، إذ يتمتع المتفوقون دراسيا باحترام عالٍ للذات، وانخفاض مستويات القلق واليأس، والابتعاد عن السلوكيات المنحرفة التي من أهمها تعاطي المخدرات أو ظهور السلوكيات الاجتماعية غير المتوقعة.
مصادر ومراجع:
- آية أحمد زقزوق: مفهوم التفوق ومكوناته.
- د. خالد سعد النجار: التفوق الدراسي .. فن المنافسة على القمة.
- ليلى بنت سعد بن سعيد الصاعدي: التفوق والموهبة والإبداع واتخاذ القرار، ص 28.
- محمد مسلم حسن وهبة: الموهوبون والمتفوقون.. أساليب اكتشافهم ورعايتهم-خبرات
- عالمية، ص17.
- أبو معاذ: أسرار التفوق الدراسي.