إن الرياضة مرتبطة بشكل وثيق بالجماهير والمناصرين، فلا يمكن تخيل أن كرة القدم مثلًا تُلعب بلا جماهير أو مشجعين الذين يضيفون الكثير من الطقوس الحماسية إلى اللعبة، التي إن زادت عن حدها ودخلت في الموالاة الشديدة والتعصب الأعمى انقلب المرح غمًا وصارت الرياضة الممتعة مصدر حزن وتعاسة لمحبيها ومن حولهم.
وإذا اتسعت مساحة هذا السلوك المرفوض الذي يتنافى مع قواعد الضبط الاجتماعي والقيم الأخلاقية، أسهم في ظهور أنماط من السلوكيات والعلاقات غير السوية بين الأفراد والأسرة الواحدة عند تبنّيها اتجاهات مختلفة؛ الأمر الذي يستوجب الاهتمام بهذه الظاهرة فهمًا وتفسيرًا للحد منها وضبطها.
مفهوم التعصب الرياضي
ويُعرف التعصب الرياضي بأنه اتجاه نفسي مشحون انفعاليًّا، نحو أو ضد لاعب أو فريق أو هيئة رياضية معينة، وغالبًا ما يتحكم فيه الشعور والميول لا العقل.
ويراه البعض أنه مرض الكراهية العمياء للمنافس، وفي الوقت نفسه هو مرض الحب الأعمى لفريق المتعصب، وحالة يتغلب فيها الانفعال على العقل فيعمي البصيرة حتى إن الحقائق الدامغة تعجز عن زلزلة ما يتمسّك به المتعصب فردًا أو جماعة(1).
خصائص المتعصب رياضيا
يرى عدد من الباحثين أنّ هناك مجموعة من الخصائص العامة التي تُميز المصابين بداء التعصب الرياضي بغض النظر عن نوعية هذا التعصب؛ منها:
- الانفعالية الزائدة، والانغلاق الفكري، والعدوان الشديد، والاستئثار بالحديث، واللجوء إلى الصوت المرتفع، والرغبة في السيطرة على الحديث والحساسية المفرطة، وتشوش الأفكار.
- تتضمن الجوانب المعرفية للاتجاهات التعصبية الرياضية الاعتقاد بأنّ النادي أو الفريق المعين أفضل من سائر الأندية الأخرى، وأنّ لاعبيه ذو مهارات فنية تفوق الموجودة لدى لاعبي الأندية الأخرى، والاعتقاد بأن الرياضة مكسب على طول الخط، وعدم الاقتناع بالهزيمة، ومحاولة تبريرها بإرجاعها إلى الحظ وليس إلى كفاءة المنافس، والاعتقاد بأن هناك مشاعر كراهية متبادلة بين لاعبي الفرق المختلفة.
- تتمثل الجوانب الوجدانية في الميل لتشجيع الفرق الرياضية لنادٍ معين دون سواه، والشعور بالانتماء له، والشعور بالسعادة عند مشاهدة المباريات، والشعور بالحزن والضيق عند الهزيمة، وصعوبة تقبل نجوم الأندية الأخرى، وعدم القدرة على إخفاء التعبيرات الحماسية أثناء مشاهدة المباريات، والشعور بمشاعر الكراهية نحو بعض النجوم البارزين في الأندية الأخرى.
- أمّا الجوانب السلوكية للتعصّب في الرياضة فهي تتضمن حرق أعلام الفريق المنافس، والسب والقذف بين الجماهير، والدعاء على الفريق المنافس والشّجار والعراك، إضافة إلى المسيرات والتظاهرات المنددة بالفريق المنافس، وأخيرًا تخريب وإفساد المتاجر، والمكاتب والمصالح العامة(2).
حكم التعصب الرياضي في الإسلام
منذ نزل الإسلام وأخذ في الانتشار بين الناس وشعاره المحبة والوحدة والسلام ونبذ التعصب والخلاف، لكون التعصب جاهلية مقيتة حسمها الإسلام وقضى عليها من جذورها وذم القرآن الكريم العصبية حينما قال: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ}[الفتح:26].
وهو ما ذمّه- أيضًا- النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- في كثير من أحاديثه، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: “مَن قُتِلَ تَحْتَ رايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فقِتْلَةٌ جاهِلِيَّةٌ” (صحيح مسلم).
والشريعة الإسلامية لا تُمانع من تشجيع فريق معين، أو التعاطف معه؛ ما دام منضبطًا بالضوابط الشرعية، وبعيدًا عن التعصب الرياضي الأعمى، فعملية الميل القلبي التي لا تُخرج المسلم عن دينه ومعتقداته وشريعته ليست مذمومة، فكل واحد منا يحب مسقط رأسه وبلدته التي نشأ فيها، وأهله وعشيرته التي ينتسب إليها، وقد يحب فريقًا ما، أو لاعبًا معينًا؛ فهذا لا يضره.
وهو المعنى الذي أكده شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: “فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان؛ فهم مؤمنون، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم؛ وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل: التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم، سواء أكان على الحق أم الباطل؛ فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله”(3).
ويقول ابن القيم: “ولا يكونوا من الذين يَقبلون ما قاله طائفتهم وفريقهم كائنًا من كان، ويردون ما قاله منازعوهم وغير طائفتهم كائنًا من كان، فهذه طريقة أهل العصبية وحَمِيَّة أهل الجاهلية، ولَعَمْرُ الله، إن صاحب هذه الطريقة لمضمون له الذم إن أخطأ، وغير ممدوح إن أصاب، وهذه حال لا يرضى بها من نصح نفسه وهُدِيَ لرشده”(4).
نتائج التعصب في الرياضة
التعصب الرياضي له أثاره على الفرد والأسرة والمجتمع، بل وعلى التربية الإسلامية حيث يؤدي إلى:
- الانشغال عن الواجبات، والتفريط في الطاعات، والغفلة عن الذكر والقرآن.
- شغل الشباب عن القضايا الكبرى للأمة، وحشرهم في ميادين الكرة واللهو لا في ميادين العمل والإنتاج.
- إحداث الفتن والقلاقل بين الشعوب والإسهام في زيادة معدل العنف والعدوان والاعتداء على الآخر وربما الجريمة، فكثيرًا ما يتشاجر جماهير الفريقين قبل وبعد المباراة.
- الآثار النفسية السلبية كالانفعال الشديد والغضب والتوتر والقلق والانكسار النفسي عند الهزيمة.
- انتشار الشائعات التي تعد أحد أهم أسلحة الحرب النفسية الهدامة على الروح المعنوية.
- كذلك الأمراض كالسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، وكثيرًا ما تحدث حالات من الإغماء أو السكتات القلبية والجلطات الدماغية بين صفوف الجماهير المتعصبة سواءً في أرض المباراة أو أمام التلفاز، وقد تحدث بعض الوفيات.
- لا يخلو التعصب الرياضي، من كلمة بذيئة، أو سبة شنيعة.
- الاستبداد بالرأي والتوتر والقلق النفسي وعدم قبول رأي الآخرين أو امتلاك الروح الرياضية.
- انصراف الأصدقاء وضعف ثقافتهم وتقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة(5).
أسباب التعصب في الرياضة
إن التعصب الرياضي له أسباب كثيرة يمكن أن نلمسها في النقاط التالية:
- قلة الوعي الرياضي، وعدم الإلمام الكافي بالمعاني الحقيقية للتنافس الرياضي الشريف.
- حب الذات (الأنانية) التي لا تقبل النقد أو الاستماع لوجهات نظر الآخرين.
- التأثر السريع بالإعلام غير الهادف من خلال أعمدة الكتّاب المتعصبين، أو الإعلاميين المتعصبين في بعض القنوات الرياضية الذين يؤججون الشارع الرياضي ويغالطون الحقائق.
- تربية الأطفال في جوّ من التعصب وتعويدهم على تشجيع فريق معين وإلزامهم بذلك.
- قلة وندرة وجود القدوة في اللاعبين والإداريين والرياضيين في الأندية للمساهمة في تقليل حدة التعصب، أو التي تستطيع أن تُؤثر إيجابًا في سلوكيات الجمهور(6).
وتُوضح الدكتورة أسماء عبد الله العطية- كلية التربية جامعة قطر- أسباب مشكلة التعصب الرياضي بصورة أعمق، تتمثل في:
- الغيرة والميل للتطرف في الاعتقاد والرأي، وتفضيل المألوف والحلول القاطعة التي تختار بين الأبيض والأسود.
- القلق النفسي وعدم الشعور بالأمان، وهو أحد أسباب حدوث التصلب، وعدم تحمل الغموض، وبالتالي يُمكن اعتباره محددًا من محددات الشخصية المهمة لنشأة الاتجاهات العصبية.
- المستوى التعليمي والمستوى الاقتصادي والاجتماعي الذي يرتبط ارتباطًا موجبًا مع التعصب.
- المجاراة لمعتقدات أو سلوك الفرد نحو جماعة معينة نتيجة لضغوط يتعرض لها من جماعته التي ينتمي إليها، سواء أكانت هذه الضغوط واقعية أو وهمية، والمجاراة سِمة أساسية للشخص للمتعصب وترتبط باتجاهاته التعصبية ارتباطًا موجبًا.
- وهناك أسباب اجتماعية تفرز هذا التعصب، منها انتقال الفرد من طبقة اجتماعية لأخرى في المجتمعات التي تسمح بذلك، ما تسهم في إيجاد نوع من الخوف من المنافسة حول هذا الانتقال.
- والتغير الاجتماعي السريع وما يصاحبه عادة من اختلال ملموس في النظم والمؤسسات الاجتماعية والقيم التي يؤمن بها الفرد، وعدم الاتزان وحدوث القلق، ويلجأ إلى التعصب كوسيلة لتغطية هذا القلق.
- الجهل وعدم وجود فرص للاتصال بين الجماعات المختلفة في المجتمع الواحد(7).
دور الإخوان في الحد من العصبية داخل الملاعب
دعم الإخوان المسلمون الرياضة، عن طريق زيارة الأندية وتشجيعها وحثّها على استيعاب الشباب، وعدم نشر التعصب الرياضي بين الناس، وقد شاركوا في الألتراس من أجل تهذيب السلوك والحد من التعصب.
يقول شادي صبري: نحن لدينا بالفعل مشجعين داخل الألتراس وهم شباب الإخوان ويشجعون معهم وكل تجمع ممكن في مختلف المستويات والمجالات تجدنا متداخلين.
وأضاف: ليس لنا مصلحة سوى مصلحة الوطن وندعم الرياضيين في الانتخابات الذين ينطبق عليهم شرط الفائدة لمصر ونثق في شباب الألتراس المنتمين للإخوان أنهم لن يخرجوا عن الآداب، ففرد ألتراس الإخوان داخل المدرجات لا يسب أو يخرج عن الآداب العامة(8).
علاج التعصب الجماهيري في الملاعب
لا بُد لكل أسرة أن تحرص على عدم غرس التعصب الرياضي في أبنائها صغارًا أو كبارًا، من خلال:
- تربية الأطفال على حرية التفكير واختيار النادي المحبب إليهم دون الإساءة للنوادي الأخرى.
- تعويد الطفل مُنذ صغره على تقبل ثقافة الاختلاف.
- تسليط الضوء على بعض النماذج الرياضية ليقتدي بهم الشباب في أفعالهم وأقوالهم.
- ترسيخ المفاهيم الإسلامية التي تُهذّب السلوك وتُجرّم التعصب للباطل.
- توجيه الشباب إلى معالي الأمور بزيادة العلم والوعي وتغيير تطلعاته وطموحاته.
- تربيتهم على التنافس الشريف الحقيقي الذي يصل بالمرء إلى رضا الله في الدنيا والآخرة.
- سنّ العقوبات الرادعة: فمن لم تصلح معه التوجيهات والنصائح والإرشادات، ولم يردعه خوفه من الله تعالى عن الوقوع في التعصب الجماهيري؛ فهنا يأتي دور سن القوانين الرادعة لمن تسول له نفسه إظهار هذه الظاهرة البغيضة.
- ربط الأفراد والمجتمعات بالخالق- سبحانه وتعالى-، وتنمية الرقابة الذاتية في نفوسهم، واستضافة أهل العلم الشرعي ممن لهم القبول في أوساط الشباب في البرامج الرياضية لتوجيه الشباب نحو التنافس الشريف، يعصم المجتمع من التعصب الرياضي الأعمى(9).
إن مشاهدة الرياضة أو تشجيعها يعد أحد طرق التسلية والترفيه لدى الشعوب، لكن أحيانًا ينعكس الأمر فيؤدي التّشجيع إلى سلوكيات مشينة بسبب التعصب الرياضي الأعمى، وهو ما يتنافى مع تعاليم الإسلام التي ترفض الشتائم والتخريب وانتشار الكراهية بين الناس، لذا فإن الأسرة عليها دور كبير في تنشئة الأبناء بعيدًا عن التعصب في كل أمور الحياة.
المصادر والمراجع:
- حنان عبد المنعم عبد الحميد: البناء العاملي للتعصب الرياضي لدى المشجعين، رسالة ماجستير، كلية التربية الرياضية جامعة حلوان، 1999م.
- أيمن محمد أبو الخير: التعصب الرياضي من منظور علم الإجتماع الرياضي، 21 فبراير 2020، .
- ابن تيمية: مجموعة الفتاوي، المجلد السادس، مكتبة العبيكان، الرياض، 1998، صـ55.
- ابن القيم الجوزية: اعلام الموقعين عن رب العالمين، جـ1، دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، لبنان، طـ1، 1997، صـ334.
- حسين القحطاني: التعصب الرياضي.. الأسباب والحلول، 20 نوفمبر 2014م، .
- يعقوب المطير: أسباب التعصب الرياضي.. وموقف النيابة العامة، 10 أغسطس 2020، .
- أسماء عبدالله العطية: سيكولوجية التعصب الرياضي وعلاقته بالتنشئة الاجتماعية والأمنية مدخل نفسي معرفي متكامل، مؤتمر الرياضة في مواجهة الجريمة، دبي، نوفمبر 2013، .
- شادي صبري: الاخوان المسلمين: نعم شباب الجماعة بداخل مجموعات الألتراس، 4 أكتوبر 2012، .
- ليلى جبريل: مقال عن التعصب الرياضي قصير، 30 ديسمبر 2021، .