تُعد المحاضن القرآنية من أهم المؤسسات التي تجيد فن التربية على الرحمة والتمسك بالأخلاق والتحلي بالفضائل، وفيها تظهر أشكال من الممارسات والسلوكات التي تبرز نماذج لرحمة المسلمين بعضهم بعضًا، ورغم ذلك فهذه المحاضن تحتاج دومًا إلى المراجعة والترشيد والتوجيه، لتحقيق أهدافها التي وضعت من أجلها، ومن أهم الوسائل لبلوغ ذلك التزام خلق الرحمة.
ويرى الدكتور هاشم بن علي الأهدل أنّ غرس معاني الرحمة في النشء الصغير يحتاج إلى أساليب تربوية كالموعظة والقصة والحوار والقدوة وغيرها، كما أنّ المؤسسات التربوية في المجتمع، كالأسرة والمدرسة يُمكن أن تتعاضد مع المحاضن القرآنية في تعزيز الرحمة لدى المنتسبين إليها.
أهمية التربية على الرحمة في القرآن
لقد أكد القرآن الكريم أهمية التربية على الرحمة والأخلاق الحسنة، لأنه لا يُمكن أن تصلح حياة البشر بدونها، وبها يعم الإحسان والعطف والرأفة بين الناس.
والرحمة رقة في النفس، تبعث على سوق الخير لمن تتعدى إليه، وهي خُلُق خاص في طبيعة النفس السوية، وهي خلق متعدٍ يحث على نفعٍ للآخرين، وتقتضي الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة.
واقترنت الرحمة بالقرآن الكريم، فقال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس: 58)، بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا، فإنه أولى ما يفرحون به، ففي الآية تربية على ميادين الفرح الحقيقي، وهو التمسك بالقرآن، والعمل به، فهو الرحمة، وهو الفضل من الله.
وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (العنكبوت: 51)، فالقرآن فيه الكفاية والرحمة، وذلك لما يحصلون فيه من العلم الكثير، والخير الغزير، وتزكية القلوب والأرواح، وتطهير العقائد، وتكميل الأخلاق، والفتوحات الإلهية والأسرار الربانية، ومن أهم دلالات الرحمة في القرآن ما يلي:
أولًا: تربية عقدية، فمن الأصول العقدية التي يربى عليها المتعلمون، أن رحمة الله واسعة، قال تعالى: {… وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ …} (الأعراف: 156)، فهي تشمل جميع المخلوقات، من العالم العلوي والسفلي، البر والفاجر، المؤمن والكافر، فلا مخلوق إلا وقد وصلت إليه رحمة الله، وغمره فضله وإحسانه.
ثانيًا: تربية إيمانية، فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، لذا كانت التربية المستمرة على الإنابة والتوبة، قال تعالى: {…كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَة أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنعام: 54)، فهي دعوة من الرحيم سبحانه لكل من ارتكب المعاصي أن يبادر للتوبة، أوجبها على نفسه الكريمة، تفضّلًا منه وإحسانًا وامتنانًا.
ثالثًا: تربية خلقية، ففي آيات الرحمة، تربية على العطف والمودة في المجتمع المسلم، وتقوية أواصر المحبة بين أفراده، ويضرب القرآن مثلًا بالنبي القدوة محمد بن عبد الله- صلى الله عليه وسلم، وصحبه الكرام- رضي الله عنهم-، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29)، يقول ابن سعدي: “أي: متحابون، متراحمون، متعاطفون كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق”.
وأكد نبينا- صلى الله عليه وسلم- على هذا المعنى، في قوله: “مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى”. يقول النووي: تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم، والتعاضد، في غير إثم ولا مكروه.
رابعًا: تربية اقتصادية، تربي آيات الرحمة على طلب النعم والرزق من الله، قال تعالى: {قلْ لوْ كنتم تمْلكُونَ خَزائنَ رحْمةِ رَبّي إذًا لَأمْسَكْتمْ خَشْيةَ الِإنْفَاقِ وكَانَ الِإنسَانُ قَتورا} (الإسراء: 100) فيها- أيضًا- التربية على طلب المنافع والأرزاق بأنواعها من الرزاق سبحانه وتعالى، قال تعالى: {مَا يفْتحِ الله للناسِ مِنْ رحْمةٍ فلَا مُمسِكَ لَها وَمَا يُمسِكْ فلَا مُرسِلَ لهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ العَزيزُ الْحَكِيمُ} (فاطر: 2)، يقول الطبري: “وهو العزيز في نقمته، بحبس رحمته عنهم وخيراته، الحكيم في تدبير خلقه وفتحه لهم الرحمة، إذا كان فتح ذلك صلاحًا، وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة”.
التربية على الرحمة في المحاضن القرآنية
ينبغي لمعلم القرآن أن يمارس أنشطة ومهارات التدريس الفعال في الحلقات القرآنية، ويراعي جانب الرحمة في أدائها؛ لكي ينجح في مهمته أيما نجاح، وينبغي أن يكون تعليمه سهلًا ميسرًا، وألا يشدد على طلابه، وألا يكون عسيرًا في توجيهاته وإرشاداته، ويعمل بطلب نبي الله موسى لأستاذه الخضر عليهما السلام، حين قال له: {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} (الكهف: 73)، ومن مظاهر التربية على الرحمة في العملية التعليمية:
- الرحمة في التخطيط للدرس: لأن الخلل في الإعداد يؤدي إلى حدوث بعض المشكلات والعوائق التي تحول دون تحقيق الأهداف، ويؤثر على استيعاب الدارسين وإقبالهم على الحلقات القرآنية.
- الرحمة في إعطاء المنهج المقرر: ومن ذلك الاهتمام بشرح الدروس، ومساعدة الدارسين على الاستيعاب الجيد للآيات المطلوب دراستها أو حفظها.
- الرحمة في اختيار الوسيلة التعليمية المناسبة: فالوسيلة لها أثرها في تسهيل العملية التعليمية، وهي تقلل من الجهد المبذول من المعلم، فيرحم نفسه، وهي أيضًا رحمة للمتعلمين، يقول ابن جماعة: “على المعلم أن يصور المسائل ثم يوضحها بالأمثلة، وذكر الدلائل”.
- الرحمة في التقويم: فيراعي إتقان الحفظ عند تسميعه للطلاب، ولا يَأمل على حساب الجودة، أما إن كان حفظه ضعيفًا، فمن الرحمة به أن يُعطى فرصة للمراجعة وتثبيت الحفظ. ومن الرحمة المطلوبة أن يكون المعلم حازمًا في متابعة الحفظ والتسميع، ولا ينبغي بحال من الأحوال أن يقوم المعلم بالتهاون في عملية التسميع، فلا يحاسب على الأخطاء، أو يَكِل المهمة إلى الطلاب.
- الرحمة في التكليف بالواجبات المنزلية: فالواجبات المنزلية تساعد في تثبيت المعلومات، وتنمية المهارات القرائية والكتابية، ولكنها ينبغي أن تكون بقدر معقول، وأن تعطى باعتدال؛ لأنه ربما كان عند التلاميذ واجبات مدرسية أو ارتباطات أسرية أخرى، ومن الرحمة ألا يكون هدفها التهديد أو العقوبة، وإنما وظيفتها إفادة التلاميذ وتحقيق الأهداف التربوية.
- الرحمة في طرح الأسئلة في اللقاءات القرآنية: فالأسئلة تقوي الانتباه، وتُذهب الشرود والغفلة أثناء الدرس، ولكن ينبغي أن تكون مغلفة بالرحمة، والحرص على تحفيز التلاميذ وإقبالهم على التعلم، فمن الرحمة أن تكون الأسئلة مناسبة لقدراتهم المعرفية وخبراتهم العملية، فلا تكون صعبة أو معقدة أوغامضة، فيصابون بالإحباط والعجز، ومن الرحمة أن تكون الأسئلة متنوعة، ومختلفة الصياغة، وتناسب جميع المستويات، فتراعي قدرات الطلبة ضعيفي القدرات الذهنية، وتستثير مواهب وطاقات المتفوقين.
- الرحمة في الإجابة عن أسئلة الطلاب: فعلى المعلم المربي أن يتيح المجال لطلابه أن يطرحوا أسئلتهم، وذكر ما يدور في خواطرهم من إشكالات وتساؤلات، سواء عما جهلوه، أو لم يفهموه في موضوع الدرس، أو في مواضيع أخرى يحتاجون إليها، ومن الرحمة بهم ألا يكبت في نفوسهم هذه التساؤلات، وألا ينهرهم أو يوبخهم.
جوانب تربوية
تعد الجوانب التربوية في التعليم من الأسس الضرورية المكملة لتكوين شخصية المتعلم، وتساعد في تنمية مهاراته وميوله واستعداداته؛ لأنه أصبح من المقرر أن المعلم لا يُعلم بقدرته على الحفظ، وفهم مادته وإتقانه مخارج الحروف فحسب في مادة القرآن مثلًا، وإنما يعلم بطريقته وأسلوبه وشخصيته، وعلاقاته مع تلاميذه داخل الحلقات القرآنية وخارجها.
وهناك مجالات عديدة في التربية على الرحمة بالمحاضن القرآنية، ومنها:
- الرحمة في مراعاة الحاجات الفطرية: وهي الحاجات العضوية؛ وتتمثل هذه الحاجات في الطعام، والشراب، والراحة، وقضاء الحاجة، وألا تكون الفصول الدراسية والحلقات شديدة الحرارة أو البرودة، أو شديدة الازدحام بكثرة الطلاب.
- الرحمة في مراعاة الحاجات النفسية: وهذه الحاجات تجعل المتربي متوافقًا مع نفسه، ومع من حوله، وقادرًا على مواجهة المشكلات وحلها، وتتمثل الحاجات النفسية في الحاجة إلى الأمن والحب والتشجيع، والتوجيه والنصح والانتماء الاجتماعي، والمعرفة.
- الرحمة في مراعاة التدرج التربوي: فهو يراعي اختلاف القدرات والمواهب والأعمار، ويكون التوجيه بحسبها، يقول الإمام الماوردي: “واعلم أن للعلوم أوائل تؤدي إلى أواخرها، ومداخل تفضي إلى حقائقها، وليبتدئ طالب العلم بأوائلها لينتهي إلى أواخرها، وبمداخلها ليفضي إلى حقائقها، ولا يطلب الآخر قبل الأول، ولا الحقيقة قبل المدخل”.
- الرحمة في مراعاة الفروق الفردية: هناك فروق واضحة في طلاب المحاضن القرآنية، من حيث القدرات، والاستعدادات، والذكاءات، والخبرات، وهناك فروق بينهم في الطبائع والأجسام والعادات، يقول النووي: “وينبغي أن يكون المعلم حريصًا على تفهيمهم، وأن يعطي كل إنسان منهم ما يليق به، فلا يكثر على من لا يحتمل الإكثار، ولا يقصر لمن يحتمل الزيادة”.
- الرحمة في الثواب والعقاب: فالرحمة في الثواب أن يكون بقدر مناسب؛ حتى لا تكون له آثار عكسية، والرحمة في العقاب بألا يكون هدفه التشفي والانتقام، وإنما من أجل تعديل السلوك، وبعد استنفاد الوسائل السلمية كالعفو والتغافل.
تقول غادة الطاهر: “ولا يُفهم من هذا الدعوة إلى التساهل مع الطالبات وتدليلهن، وتجاهل أخطائهن، ولكن المعنى أن التوجيه وإن كان قاسيًا فلا بد أن يكون مصحوبًا بالمحبة، والرحمة، والشفقة، لتشعر المتعلمة أن المعلمة تعمل لمصلحتها، فلا تنصرف حسيًا أو معنويًا عن الحلقة، نتيجة شعورها بالخوف والرهبة، ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله”.
أساليب تربوية
الأساليب هي الطرق والوسائل التي يتبعها المربي لغرس القيم والعادات في نفوس المتربين، وهناك أساليب مهمة قبل اعتماد التربية على الرحمة، منها ما يلي:
- الدعاء: يبذل العقلاء الأسباب لنيل مُرادهم، ولا شكّ أن جميع الأمور تتحقق بإرادة الخالق سبحانه، فكما أن المربي يدعو لنفسه، فهو كذلك يدعو لمن يربيهم ويحرص على هدايتهم ورقيهم الدنيوي والأخروي، وخُلُق الرحمة من أهم الصفات التي يحرص على تربيتهم عليها، وتحليتهم بها، وقد علمنا القرآن ذلك في قصة أصحاب الكهف، قال تعالى: {…رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} (الكهف: 10)، وقال تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} (آل عمران: 8).
- تدبر آيات الرحمة في القرآن الكريم: فالطلاب في المحاضن القرآنية يتلون الآيات ويحفظونها، ولا بد من التركيز على آيات الرحمة بصيغها المختلفة، والوقوف عند ألفاظها، وتدبرها، لمعرفة معانيها، وفهم مدلولاتها، واستنباط الفوائد والعبر منها، وبيان ما فيها من الأحكام والدلالات.
واستفاضت السنة النبوية والسيرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، بالقصص والمواقف المتنوعة، التي تبين أحداثها خلق الرحمة الذي اتصف به نبينا- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام، أو تدعو إلى الرحمة وتحث عليها، فهو- صلى الله عليه وسلم- كما وصفه ربه سبحانه وتعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128)، ومن هذه الأساليب التربوية:
- أسلوب القدوة: فلا بد من أن يكون المعلم قدوة حسنة لطلابه، بأن يكون رحيمًا في تعامله معهم، ويتجنب الشدة والغلظة، فيستميل قلوبهم، ويتجاوز عن أخطائهم، ويتغافل عن مثالبهم، ويوجههم بأسلوب الأب الرحيم المشفق، والرحمة من المعلم القدوة تكون في الصبر على تعليمهم، واحتمال الصبر في تأديبهم، سواء كانوا من أصحاب القدرات الذهنية المحدودة، أو كانوا من الدارسين غير العرب، الذين يعانون في إخراج الحروف العربية من مخارجها.
- أسلوب التربية الذاتية: فلا بُد من وجود الدافع الذاتي للتحلي بهذه الصفة، ودور المربي أن يحث طلابه على مجاهدة النفس، واتباع السبل لتحصيل هذه القيمة الخلقية، فالرحمة خُلُقٌ يكتسبه العبد بسلوكه كل طريق ووسيلة تجعل قلبه على هذا الوصف.
- الممارسة العملية: لا يكفي أن تُعطى المعلومات النظرية عن أهمية الرحمة وفضلها، بل ينبغي أن تكون هناك برامج عملية، وأنشطة واقعية، للقيام بممارسات تطبق مفهوم الرحمة، والممارسة تُكسب المتربي التعود والاستمرار، ولو كان الأمر شاقًا في بدايته.
- الترغيب والترهيب: فمن الأساليب التربوية حث المتربي على التحلي بالصفات الإيجابية، والتخلي عن الصفات السلبية، فالمربي يحث طلابه على الاتصاف بالرحمة، ويرغبهم فيها، ويبين لهم النصوص الحاثة على ذلك، ويبين لهم الأجر العظيم والثواب الجزيل للرحماء، كما يبين لهم سوأة عدم الاتصاف بالرحمة، ويكفي أمثال هؤلاء القساة أنهم مبغوضون من الله والخَلْق.
- التربية بالأحداث: إن بقاء المتربّين في تلك المحاضن القرآنية، يؤثر في سلوكهم وأخلاقهم، سواء من خلال المعايشة القرآنية المستمرة، أو من خلال الاختلاط بالأساتذة والأقران، والمربي الناجح يستثمر الأحداث والأحوال التي يعايشها مع طلابه في توجيههم وتربيتهم.
- أسلوب الوعظ: للوعظ دور مهم في تعديل السلوك، وتحريك القلوب، ومن خلاله يكتسب المتربي السلوك المرغوب، والمربي يستخدم أسلوب الموعظة مع طلابه، كما استخدمها لقمان مع ابنه، وفي الالتزام بمواعظ القرآن، تكمل أخلاق الإنسان، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء: 58).
الآثار التربوية للرحمة
إن التربية على الرحمة في المحاضن القرآنية، لها آثار إيجابية نذكر منها ما يلي:
- محبة الله سبحانه وتعالى، ونيل رحمته: فإذا التزم أهل القرآن بالرحمة وأحسنوا في تعليمهم وتربيتهم وإدارتهم للمحاضن القرآنية، نالوا رحمة الله، قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف: 58)، وهم المحسنون في عبادة الله، المحسنون إلى عباد الله، والإحسان إلى الخلق أثر من آثار رحمة العبد بالخلق.
وبشر النبي- صلى الله عليه وسلم- من يرحم غيره برحمة الله له، فقال: “الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ” (أبو داود والترمذي وأحمد).
- العمل بالقرآن، والتأسي بآدابه، وبخاصة أهل القرآن، فإن من يعلم القرآن ينبغي أن يكون أول المؤدين لأوامره المنتهين عند نواهيه، ومعلم القرآن يستخدم أسلوب الرحمة في تعليمه وتربيته، ولا يكون تعليمه مجردًا من العواطف والأحاسيس.
- تقوية أواصر المجتمع المسلم، وتَماسكه، وتعاونهم لخدمة أنفسهم ومجتمعاتهم، فالرحمة في المحاضن القرآنية تعد نموذجًا يُحتذى به، ومنها يتخرج القدوات والمبدعون.
- تربية النفس على الرحمة: عن عائشة رضي الله أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل عليها وعندها امرأة، قال: “من هذه؟ قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تَملوا، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه” (صحيح ابن ماجه).
- تحقيق الأمن النفسي: فمن عاش في رحاب المحاضن القرآنية، وتربى على الرحمة، فإنه يتشربها في شخصه، ويتمثلها في سلوكه، ويستشعر أثرها في حياته كلها، ويجد الراحة النفسية والحلول الناجعة لكل ما يواجهه من معضلات وأزمات، قال تعالى: {…وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89).
إن التربية على الرحمة يجب أن تسود بين شخصيات المنتسبين والمسؤولين في المحاضن القرآنية، سواء كانوا من المعلمين، أو المشرفين، أو أعضاء الهيئة الإدارية، أو غيرهم، وينبغي أن يتواصوا بالرحمة في جميع الأنشطة والبرامج الصفية وغير الصفية، ويظهر أثرها في جميع من يتعاملون معهم من الأقارب والأباعد.
وقد أثنى الله على عباده المتصفين بالرحمة، في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} (البلد: 17-18)، قال الطاهر بن عاشور: “خص بالذكر من أوصاف المؤمنين، تواصيهم بالصبر، وتواصيهم بالمرحمة، لأن ذلك من أشرف صفاتهم بعد الإيمان، فإن الصبر ملاك الأعمال الصالحة كلها، لأنها لا تخلو من كبح الشهوة، وذلك من الصبر، والمرحمة، ملاك صلاح الجماعة الإسلامية، والتواصي بالرحمة فضيلة عظيمة”.
المصادر والمراجع:
- النووي: شرح النووي على مسلم، 16/139.
- الطبري: تفسير الطبري، سورة فاطر، الآية 2.
- .
- .