لا ريب أنّ الأسرة والمدرسة من أهم المؤسسات التربوية التي تُشكل لبنة المجتمع، ونجاح الاتصال والشراكة بينهما عملية ضرورية في التنشئة الاجتماعية للأبناء، والواقع يؤكد الحاجة إلى إقامة علاقة بين المؤسستين يكون فيها جميع الأفراد على علاقة تبادلية، مع توضيح وتحديد الأدوار المطلوبة، فالآباء يُريدون مساعدة أبنائهم، والمجتمع يريد الإعداد الجيد لهؤلاء الأبناء، لأنهم يتحملون نهضة المجتمع في المستقبل.
وقد بات من المعروف أنّ كثيرًا من المشكلات التربوية والتعليمية تنشأ نتيجة الاختلاف بين البيت والمدرسة، فكثيرًا ما يُعارض الآباءُ المعلمِين أو إدارة المدرسة، وكثيرًا ما يعترِض المُعلّمون على طريقة تربية الوالدين.
أهمية الشراكة التربوية بين الأسرة والمدرسة
إن التواصل بين الأسرة والمدرسة مطلب ضروري نحن في أمسّ الحاجة إليه، فرغم كون المدرسة مؤسسة اختصاصية، فالبيت لا يفقد صفته التربوية، بل يظل محافظًا عليها، ويمد إلى المدرسة يد المعونة كلما اقتضت الحاجة؛ فالاثنان متكافلان ومتضامنان فيما يتعلق بتربية الأولاد.
ويُعد البيت أول “مدرسة” ينشأ فيها الطفل ويتأدب بآدابها، وتعد الأم أول مُعلّم له يُحبّه ويُطيعه ويحاكيه، وهو ما فطن إليه السابقون فأكدوا أهمية الشراكة بين الأسرة والمعلم ومن بعده المدرسة، لأن العملية التعليمية تشاركية ومسؤولية جماعية.
والأسرة هي أكثر مؤسسات التنشئة الاجتماعية أهمية، ففيها يجري التفاعل بين النمو والتعلم، كما تُعد حَجَر الزاوية في إصلاح النُّظم الاجتماعية ولها تأثير مباشر في عملية التنشئة في مراحل الحياة.
وتُعدّ الأسرة المكان الطبيعي لنشأة العقائد الدينية واستمرارها، وهي التي يتعلم فيها الطفل لغته القومية، وهي المسؤولة إلى حدّ كبير عن التنشئة والتوجيه، وتلقي مبادئ التربية والسلوك وآداب المحافظة على الحقوق والقيام بالواجبات.
أما المدرسة فهي مؤسسة اجتماعية تُؤدي مهمة التربية ونقل التراث الثقافي إلى الأجيال ولا تقف وظيفتها في نقل المعارف والتدريب على المهارات، بل تتعدّاها إلى اكتساب الأنماط السلوكية والمفاهيم والأسس الأيديولوجية لتراث المجتمع والتفاعلات الاجتماعية بداخله(1).
والمدرسة تسهم مع البيت في مهمة مساعدة الأطفال على النمو الذهني والبدني والانفعالي والاجتماعي وتزداد أهمية الدور الذي تقوم به في نمو شخصية الطفل بازدياد تحرره من البيت.
ومن وظائف المدرسة- أيضا- العمل على تربية الفرد كله، وترقية كل مواهبه واستعداداته وإيقاظ ميوله الخاصة والعامة، وتدريب سلوكه وتعديله تعديلًا يجعله ملائمًا للحياة الاجتماعية العامة(2).
التأثير والتأثر بين الأسرة والمدرسة
ويتأثر تحصيل المتعلم ومستوى طموحه، بالمستوى التعليمي والاقتصادي والاجتماعي للأسرة، كما أن المشكلات والتفكك الأسري أحد العوامل القوية في التأثير على مستوى تحصيل الفرد للدروس داخل المدرسة، بل إن معيشة الطفل مع أحد الوالدين وافتقاره إلى عطف الآخر وحمايته قد يكون ذو تأثير كبير في تحصيله للجانب التعليمي والتفاعل المدرسي.
وفي كثير من الأوقات يقف المربون ليُذكّروا أنفسهم بأن الطفل يتأثر بعوامل التربية خارج جدران الفصل أكثر من داخله، وقد يكون هذا التأثير أكثر أهمية لمستقبل الفرد من الخبرات التي يكتسبها من المدرسة.
وحُسن عمل المدرسة ومدى نجاحها يتوقفان إلى حد كبير على عمل البيت ونظامه، ونوع الحياة التي يحياها المتعلم فيه، فعناية المدرسة بالأحوال الخلقية والأدبية كثيرًا ما يفسدها عليها حال البيت وإهماله(3).
والتكامل بين الأسرة والمدرسة رهين مجموعة من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، والتحدي الحقيقي الذي تواجهه الأسرة في العصر المعلوماتي وعصر القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي يتجلى في دورها الرئيس في أن تظل بمثابة القلعة والقاعدة التي يحتمي بها الطفل ضمانًا لتوفير الأمن والاطمئنان والدعم العاطفي اللازم لنموه السّوي في عصر مادي متغير.
والأسر اليوم تعاني جفافًا في المشاعر من قبل الأبناء؛ بسبب الانكفاء على وسائل الاتصال وما تقدمه لنا من خدمات معلوماتية واجتماعية وترفيهية، وأصبح كل رب أسرة يعاني الأمرين يوميًّا مع أولاده نتيجة عدم التحكم في التدفق المعلوماتي وكيفية استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، وهو ما يجب على الأب والأم إعادة النظر في الاهتمام بعناصر الأسرة وأن يؤدي كل أب دوره في مواجهة هذه التحديات بالتعاون مع المؤسسات التعليمية.
وتتعدد مظاهر صراع الأدوار التربوية داخل الأسرة، بتعدد المواقف والسلوكيات المتضاربة بين الشركاء في العملية التربوية، ما نتج عنه عدم تجانس مستوى التفكير بينهم وبين أطفالهم.
واعتماد الطفل على شبكة الإنترنت كمصدر لمعلوماته على حساب أولياء الأمور ومؤسسات التنشئة الأخرى أحدث هوة بين الطرفين، وهو ما أوجب بالضروري تطوير فكر أولياء الأمور والمربّين ومهاراتهم التكنولوجية بما يتواكب مع المتغيرات الحديثة التي أصبحت تهيمن على الطفل(4).
محفزات للتفاعل
ولكي يكون عمل المدرسة مؤثر في تكوين وتربية الطفل وجب أن توثق الصلة بينها وبين البيت، وأن تتعرف أحواله وسلوكه ومعيشته قبل أن يأتي إليها، والهدف من ذلك هو محاولة التعرف إلى ما خفي على المدرسة من حياة الطفل، ومن ذلك:
- بذل المدرسة جهدها في تعليم الآباء أنفسهم وتوقيفهم على ما يجب عليهم نحو أبنائهم ونحو المدارس.
- دعوة الآباء وأولياء الأمور إلى حفلات خاصة بهم، ليعقد فيها التعارف بين المدرسين وآباء التلاميذ ويتحدثون جميعًا في شؤون الأبناء.
- حرص المدرسة على حُسن متابعة الأولاد وإرسال تقارير إلى الآباء عن مدى تقدم أبنائهم أو تأخرهم في المواد المختلفة، وفي الأخلاق والسلوك والنشاط المدرسي.
- زيارة الأولاد في بيوتهم إذا اقتضت الضرورة بقصد الوقوف على البيئات المنزلية وهو أمر تقوم به معظم المؤسسات التعليمية في الغرب ودول شرق آسيا(5).
- أن تُشجع المدرسة أولياء الأمور وتُثمّن مشاركتهم في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بتعليم أطفالهم، وتعزز التواصل المتبادل مع أولياء الأمور، من خلال توفير وسائل اتصال متنوعة تتناسب مع الأسر وظروفها المختلفة.
- أن تُشجّع المدرسة عملية تبادل المعلومات مع أولياء الأمور الذين يمتلكون مهارات واهتمامات ومعارف معينة يمكن استغلالها لتعزيز تعلم الأطفال في المدرسة.
- سعي المعلمين إلى تعزيز الارتباط بين ما يتعلمه الأطفال في المدرسة وما يمارسونه من أنشطة في حياتهم اليومية من خلال توفير أنشطة وواجبات تعليمية تؤكد فكرة انتقال أثر التعلم المدرسي على حياة الطفل وتطبيقها في حياته اليومية.
- أن تعمل الأسرة على توفير البيئة المنزلية المهتمة بالتعلم وتسهم في تحقيق أهدافه وتدعم الطفل وتعزز طموحاته وتوفر له فرص التعلم المتنوعة.
- اهتمام المدرسة بشكل مقصود بعملية تعزيز العلاقة ما بين المدرسة وأولياء الأمور، من خلال اعتبارها أولوية في خطط المدرسة وأهدافها(6).
ويجب ألا يغيب التواصل الإيجابي بين المؤسستين، بحيث لا يقتصر على الحديث عن الرسوم الدراسية، أو المشكلات السلوكية أو تحصيل الطلاب وعلاماتهم في الاختبارات، إذ لا بد من تفعيل رسائل الشكر بين الجانبين، وعقد اجتماعات دورية تتخذ فيها قرارات لمصلحة الطلاب، وإجراء تكريم رمزي لأولياء الأمور وكذلك بالنسبة للمعلمين.
المصادر والمراجع:
- محمد أبحير: أهمية العلاقة بين الأسرة والمدرسة، 12 أكتوبر 2016م.
- د كلير فهيم: المدرسة والأسرة والصحة النفسية لأبنائنا، دار الهلال، القاهرة، العدد 396 ،1404 / 1983، ص 9.
- محسن علي عطية: أسس التربية الحديثة ونظم التعليم، دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان الأردن، 2010، ص 42.
- د. إيكوفان شفيق: صراع الأدوار التربوية بين الأسرة، المدرسة والتكنولوجيا الحديثة، قسم الإعلام جامعة مولود معمري الجزائر، مجلة علوم الإعلام والاتصال، عدد 3 السنة الثانية، 2019.
- أمين مرسي قنديل: أصول التربية وفن التدريس، جـ1، دار الكتاب، الدار البيضاء، ط 1 ،1375 / 1955، صـ 70- 80.
- د. أسامة مهدي المهدي: تعزيز العلاقة ما بين البيت والمدرسة، صحيفة الأيام البحرينية، العدد 10997، الأحد 19 مايو 2019.