تهدف نظرية التربية باللعب إلى توعية المربين وأولياء الأمور بأهمية هذه القضية ودورها في حياة الطفل، فاللعب بالنسبة له ليس ضياعًا للوقت، بل هو أسلوب حياة يتعلم فيه ويتربى ويستمتع، ويُشكل مداركه وفهمه، وبالتالي فإن اللعب لا يقل أهمية عن الأكل والشرب والنوم والنظافة، سيّما في الفترة قبل الالتحاق بالمرحلة الابتدائية.
ويُمكن للمربي أو ولي الأمر أن يفهم عن طريق اللعب مراحل النمو المختلفة للطفل، بل هو من أهم الوسائل التي يمكن من خلالها التعرف إلى طرق التعليم وكيفيتها، فهو مفتاح التربية ومفتاح حياة الطفل الذي يعيش في إطار من اللعب والحيوية والنشاط والتكيف مع الظروف المحيطة به. وبالجملة فإنّ اللعب ضرورة حيوية لنمو الجسم وتطويره واستغلال طاقته الحركية والذهنية.
تعريف التربية باللعب
يمكن أن نُعرّف التربية باللعب في سياق ما ذُكر عن معاني اللعب وأهميته بالنسبة للصغار، فقد عرّفه عبد العزيز القوص – عالم نفس مصري- عام 1978، على أنه من أقوى الدوافع وأهمها في تكوين خلق الطفل، وبخاصة في أثناء اللعب الجماعي، حيث يجد أن من الضروري قبول المستويات الخلقية للجماعة والالتزام بها.
ويرى أحمد زكي صالح، المتخصص في علم النفس التربوي- أنّ اللعب نشاط سيكولوجي سلوكي مهم يقوم بدور رئيس في شخصية الفرد، وتأكيد ذات الجماعة أحيانًا، وهو ظاهرة سلوكية في الكائنات الحية، وتتميز بها الفقاريات العليا ومنها الإنسان على وجه الخصوص.
أما “فرويد” فقد رأى أنّ الطفل من خلال اللعب يكتسب الراحة النفسية، ودافع اللعب عند الطفل إنما هو دافع للسيطرة على الأحداث ويعد اللعب مظهر لتكرار إجباري، لذل استعان “فرويد” باللعب في علاج بعض حالات الإعاقة والانفعالية عند الأطفال.
ويؤمن “بياجيه” بأن اللعب طريقة مهمة لتعلم الأحداث الجديدة واكتساب المفاهيم والمهارات، ويسهم في تكامل الفكر مع الأعمال.
وتشير ليلى يوسف في عام 1964م إلى أنّ اللعب من مراحل التوافق الاجتماعي عند الطفل ووسيلة لتكوين الاتجاهات لديه نحو الآخرين، كما يرى حامد زهران في عام 1971م أن اللعب سلوك يقوم به الفرد دون غاية مسبقة، وأكد أهميته النفسية في التعليم والتشخيص والعلاج.
أهمية التربية بالألعاب
لقد اهتم الإسلام بالتربية باللعب في حياة الصغار والكبار، ففي سورة يوسف، ذكر الله تعالى على لسان أخوة يوسف عليه السلام: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف: 11-12].
وسبقت السنة النبوية المطهرة جميعَ الآراء المنبهة على أهمية اللعب للطفل، فعن أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه- أنه قال: دخلت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم- والحسنُ والحسينُ – رضي الله عنهما- يلعبان بين يديه أو في حِجْره، فقلت: يا رسول الله، أتحبهما؟ فقال: “وكيف لا أحبهما وهما رَيْحَانَتَىَّ من الدُّنْيَا أشمهما”.
وكل ما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم- في هذا الصدد يوضح تأكيدَ الإسلام أهميةَ اللعب للطفل، وجواز شراء اللُّعَب له؛ فعلى الآباء والمربين أن يراعوا ذلك، فيعطوا لصغارهم الفرصة للعب والترويح عن أنفسهم، ولكن مع توجيههم إلى أنواع اللعب الملائمة لهم؛ بحيث يمكن من خلالها تحقيقُ الفوائد المرجوة من اللعب، والتي من أهمها:
- إزالة التوتُّر النفسي والجسمي.
- إدخال المتعة والتنوع في حياة الطفل.
- استكشاف الطفل نفسه والعالم المحيط به.
- استخدام الطفل جميعَ حواسه، وذلك يزيد قدرته على التركيز؛ ومن ثَمَّ زيادة الفهم.
- عمل اللعب على تطبيع الطفل اجتماعيًّا؛ لتقويم الخلق لديه والتضامن مع رفاقه، خاصة في اللعب الجماعي.
- القضاء على الملل؛ إذ يوفِّر اللعب فرصة القضاء على (الروتين) اليومي لأحداث الحياة.
- تعلُّم الطفل أشياء جديدة.
- تعلم الطفل حلَّ مشكلاته الخاصة.
- تعبير الطفل من خلال اللعب عن حاجاته ورغباته التعبيرَ الكافي في حياته الواقعية.
- تمرين الطفل وتدريب عضلاته عن طريق ألعاب الحركة.
- الرغبة في التعلم؛ لأن اللعب نشاط ممتع لا إكراه فيه.
وأظهرت دراسات حديثة أهمية تأثير لعب الأطفال على نموّهم العقلي والجسدي وتشكيل شخصيتهم، خصوصًا إذا أُحسن التخطيط والتنظيم له، كما أثبتت الدراسات أهميته بالنسبة للأطفال في اكتساب المعرفة ومهارات التوصل إليها. فها هو الفيلسوف أفلاطون قال: “ساعة لعب تعرفك بالشخص أكثر من سنة محادثة”.
وأفادت أبحاث تربوية أنّ من أهم مسؤوليات المهتم بالشأن التربوي والتدريبي محاولة فهم أفراده واستكشاف مكنوناتهم وطاقاتهم، وتلمس جوانب الضعف والقوة في شخصياتهم، والتعرف إلى جوانب الخلل في ذواتهم التي بحاجة إلى إصلاح، والألعاب التربوية تتيح له فرصا كثيرة لمراقبة سلوك أفراده في مواقف تحاكي الواقع وتقترب منه.
وذكرت دراسة أمريكية حديثة أن الآباء الذين يشاركون في تنشئة أبنائهم يسهمون في الحد من قابلية الأطفال للسمنة. كما درس باحثون حجم مشاركة الآباء في أنشطة رعاية أطفالهم الصغار مثل إعداد الطعام لهم أو اللعب معهم خارج المنزل وتأثيرهم على القرارات المتعلقة بالتغذية والصحة والنظام للأطفال بين عامين و4 أعوام.
وتوصلت الدراسة أنه بحلول سن الرابعة كان الأطفال الذين أمضى أباؤهم وقتاً أطول معهم بالخارج في اللعب أو التنزه أقل عرضة للسمنة بنسبة 30% بالمقارنة بالذين لم يسهم الآباء في تنشئتهم أو خفضوا مشاركتهم في تربية أولادهم خلال هذه الفترة العمرية.
أنواع اللعب التربوي
ومن الممكن ممارسة التربية باللعب وَفق نوعين من الألعاب، وهما:
- التعليم باللعب الموجه: ويعتمد على وجود برنامج تعليمي وعلى خطة موجهة مسبقًا، وبالطبع يحتوي على العديد من النشاطات التعليمية، وفي العادة يرتبط هذا النوع بالنوادي التعليمية والتعليم بالمدارس.
- والتعليم باللعب غير الموجه: وهو الذي لا يعتمد على خطة مسبقة أو على وجود برنامج تعليمي فهو عكس التعليم باللعب الموجه، فكل ما يعتمد عليه هو أن الأطفال يحددون الألعاب التي تناسبهم ويحددون أيضًا طريقة اللعب، وفي العادة يستخدم في المنزل بمساعدة الأم والأب.
وهناك العديد من أنواع اللعب المنمية لمدارك الطفل دون أن يكون مقصودها التعليم بطريقة مباشرة، وقد صنفها الباحثون في أصناف عدة، هي:
- الألعاب التلقائية: وتمثل الأشكال الأولية للعب، وفيها تغيب القواعد والمبادئ المنظمة للعب، وهي في معظمها انفرادية، ولا تتم ضمن مجموعات، ويلعب الطفل كلما رغب، ويتوقف عنه حين لا يهتم به، ومعظم ألعاب هذا النوع هي استقصائية واستكشافية.
- ألعاب تمثيل الأدوار: يعتمد هذا النوع من الألعاب على خيال الأطفال الواسع ومقدرته الإبداعية، وفيه يتقمص الأطفال نماذج الحياة الإنسانية والمادية المحيطة بهم، ونشأ هذا النموذج من اللعب استجابة لانطباعات انفعالية قوية يتأثر فيها الطفل بنموذج حياة من الوسط المحيط به.
- الألعاب الترويحية والرياضية: يشمل هذا النوع من الألعاب جميع الأنشطة التي يقوم بها الأطفال والتي تنتقل من جيل إلى جيل، ومنها الألعاب الشعبية.
- الألعاب الإيهامية: من أكثر الألعاب شيوعا في عالم الطفولة المبكرة، وهي من الألعاب الشعبية أيضا، وفيها يتعامل الطفل مع المواد أو المواقف كما لو أنها تحمل خصائص أكثر مما تتصف به في الواقع.
- الألعاب الثقافية: من خلال هذه الألعاب يكتسب الطفل معلومات ومعارف وخبرات متنوعة، ويدخل ضمنها الأنشطة القصصية المختلفة كالمطالعة والكتابة.
- الألعاب التركيبية البنائية: يمثل هذا النوع ألعاب البناء والتشييد بالطرق والمواد المختلفة.
- الألعاب الفلاحية: وهي أوجه النشاط المختلفة التي توجه للأطفال الذين يعانون اضطرابات نفسية مختلفة لتخليصهم مما يعانون.
- الألعاب الفنية: وهي إحدى أنواع الألعاب التركيبية، وتعد من الأنشطة الفنية التعبيرية التي تنبع من الوجدان والتذوق الجمالي، ومنها الرسم بالمواد المختلفة.
- الألعاب الاستطلاعية الاستكشافية: يشمل هذا النوع من الألعاب كل عملية يقوم بها الطفل لمعرفة المكونات التركيبية لشيء ما وكيف يعمل ذلك الشيء.
- الألعاب اللغوية: تمثل نشاطا متميزا للأطفال يحكمه قواعد موضوعية، وله بداية ونهاية محددة، ويمكن من خلالها تنمية كفاءة الاتصال اللغوي بين الأطفال وتدريبهم على الاستخدام الصحيح لكثير من أدوات اللغة حروفا أو أسماء أو أفعالا، كما أنها تمنح الأطفال فرص الإبداع اللغوي عن طريق التدريبات الشفوية الحرة.
خطورة كثر اللعب أو التقصير فيه
وتتجلى أهمية التربية باللعب في تعريف المربي وولي الأمر خطورة تقليص وقت اللعب بالنسبة للصغار، ففي الفترة الأخيرة قارن علماء النفس في الولايات المتحدة درجة الانتباه في أثناء الدرس والنتائج المدرسية لأطفال يدرسون بمدارس تعطي أهمية لفترات الراحة وأخرى لا تقدر أهمية ذلك، وتبيّن أن الأطفال يتعلمون بشكل جيد بعد فترات الراحة.
وأشارت دراسات أخرى إلى أن الأنشطة الفنية أو الرياضية، التي لا تلقى درجة كبيرة من الأهمية في عدد كبير من المدارس؛ تعد أنشطة جيدة بهدف تطوير الوظائف التنفيذية للمخ لدى الأطفال.
وإضافة إلى كل ذلك، لم تُظهر أي من التجارب أن حذف فترات اللعب أو ممارسة الرياضة أو الفنون أو التقليص فيها بهدف تخصيص مزيد من الوقت للتعليم التقليدي؛ يسهم في تحسين النتائج المدرسية، بل على العكس، فإن كل التجارب أثبتت أن إدماج هذه الأنشطة والألعاب بالبرامج المدرسية يحسن فعلًا في النتائج المدرسية.
وعلى النقيض فإن كثرة اللعب على حساب باقي الجوانب الأخرى، يؤدي إلى نتيجة عكسية، فقد أكدت دراسة أمريكية نشرتها صحيفة التليجراف البريطانية، أن كثرة الألعاب تُعدّ سلبيةً على الأطفال وتؤثر على سلوكياتهم وتعيق من إبداعاتهم.
وكانت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة توليدو في أوهايو بالولايات المتحدة، أكدت من خلال بحثها الاستقصائي، أن الأطفال الذين يمتلكون الكثير من الألعاب هم أقل استمتاعًا بها، وأقل إبداعًا عند استخدامها، من أقرانهم الذين يمتلكون ألعابًا أقل.
ويتفق الخبراء على أن إعطاء عدد أقل من الألعاب للطفل، يجعله ينخرط في اللعب لفترات أطول في اللعبة الواحدة، مما يسمح له بالتركيز بشكل أفضل لاستكشاف اللعبة واللعب بشكل أكثر إبداعًا.
المصادر:
- فن التربية باللعب .
- وفاء محمد كمال عبد الخالق: نمو الشخصية نظرية وتطبيق، ص 81.
- آمنة أرشد بنجر: أصول تربية الطفل المسلم: ص 176.
- محمد نور بن عبد الحفيظ سويد: منهج التربية النبوية للطفل، ص 346 و347.