تميزّت التربية الإسلامية بأساليب تنسجم مع خصائص النفس البشرية المتنوعة في الطباع؛ ومن هذه الأساليب وأهمها أسلوب التربية بالأحداث والمواقف المختلفة، التي يتفاعل معها الإنسان، ففي كل حدث درس وعبرة، وقد تترك بعض الأحداث أثرًا في النفس، وقد يمر كثير منها دون إفادة.
إن طريقة تربية هذا الدين للبشر عظيمة شامخة، وممتدة باقية، وغير محددة بزمان أو مكان. ونتعرف من خلال هذا الموضوع إلى كيفية تطبيق هذا الأسلوب في السياق التربوي المعاصر، انطلاقًا من معطيات الفكر الإسلامي.
خصائص التربية بالأحداث
تمر على القلب لحظات يكون فيها أكثر تقبلًا للوعظ عن غيرها؛ فيكون من المناسب التوجيه في بعض الأحداث فتصل الموعظة والنصيحة من أقرب طريق، ومن مميزات أسلوب التربية بالأحداث ما يلي:
- قوة تأثيره، وشدة سيطرته على النفس والفكر.
- ملموس في حياة الناس، ومعطياته تطبيقية، وليست مجرد محاضرات أو دروس نظرية.
- يفتح الحوار بين المُربي والمتربي؛ ما يؤدي إلى تنامي الأفكار.
- يُتيح الفرصة لإثارة الأسئلة، والإجابة عنها؛ وهو ما يُسمى بالأسلوب العلمي لحل المشكلات.
- يحقق الأهداف السلوكية الثلاثة للتعليم: (المعرفي- الوجداني- النفس الحركي).
- يحول المفاهيم من شعور فردي ساكن إلى حركة.
- فيه دروس بالعقيدة والتربية، واستفادة من التجارب السابقة والآنية.
- يساعد على كشف جوانب في الشخصية لا تكتشف في الأوضاع العادية.
- يُمكّن من خلال هذا الأسلوب تعلم منهجية التعامل مع عدد من القضايا، وذلك إذا وُظِّفت الأحداث بطريقة صحيحة.
- يربط الشخص بالعمل لا بالنتيجة، وهذا يستمد قيمته من الإخلاص وإصلاح النية، وله- أيضًا- نتائج عظيمة في واقع الحياة، فأمر النتيجة يوكل إلى علام الغيوب فهو أعلم بحكمته الوقتَ المناسبَ لقطف الثمرة.
تطبيقات تربوية لأسلوب التربية بالأحداث
حتى يكون أسلوب التربية بالأحداث ناجحًا وفعالًا، وحتى يُؤتي ثماره، لا بُد من أن تتوفر فيه بعض الملامح وتكون له بعض التطبيقات؛ من أهمها:
- التواصل مع المتربين: فعلى المربي أن يُعودِّ نفسه الحركة؛ فيحتك بالناس، ويزورهم، ويقصد أماكن تجمعاتهم.
- معرفة مشكلات المجتمع، وملاحظة الحدث: فالمُربي الناجح ينبغي له أن يكون مستوعبًا لمشكلات مجتمعه، وما فيه من أحداث ومستجدات.
- أن يحذر المربي المناسبات والأحداث غير المشروعة، فليس المقصود بالتواصل مع الناس أن ينخرط معهم، ويُجاريهم في المناسبات غير المشروعة.
- اهتمام المربي بواقع المسلمين؛ فالعالم الإسلامي- اليوم- يموج بأحداث ساخنة ومضطربة ومتعددة، والعقل المسلم يعاني من بعض تحليلات الإعلام المضلل؛ لذا فإنّ الناس ينتظرون سماع الكلمة الصادقة من المربي الصدوق.
- المربي لا يستطيع أن يفتعل الأحداث؛ فهي تجري بقدر الله تعالى، ولكن منهج التربية الإسلامية يقتضي منه أن ينتهز الفرص المناسبة ليلقي دروسه التربوية في الأحداث التي تقع والتي يرى أنها صالحة لتوجيه تربوي معين.
- التدريب التربوي ضرورة لكل مربٍّ لمعرفة كيفية التطبيق؛ ذلك أنّ معرفة كيفية تطبيق أساليب التربية الإسلامية أهم من مجرد حصرها، وأسلوب التربية بالأحداث يحتاج في تنفيذه إلى حسن تطبيق، وصدق عزيمة، وتوقُّد همة.
- الاهتمام بربط المتربي بأحداث وطنه الإسلامي، وبالعالم كله، ثم ربط هذه الأحداث بقدرة الله- عز وجل- في سبيل تحقيق غاية التربية العليا.
- أن يتيقن المُربّي من أنه ليس المقصود من منهج التربية بالمواقف والأحداث مجرَّد متعة ثقافية كونه يقوم على المواقف والمناسبات والأحداث، ولكن الذي ينبغي عليه ألا يقف عند ظاهر الموقف، بل يغوص في باطنه ليخرج بالدروس العملية.
- الأحداث والمواقف التي تمر تحتاج إلى مَن يستثمرها في التربية والتوجيه بذكاء، وبقدر ما تكون المشاركة النفسية والفكرية والبدنية من المربي، بقدر ما يكون التصاق المتربين به وتقبلهم لما يقوله، والتزامهم به.
- يستحسن إشراك المتربي في التفاعل مع الأحداث؛ بمطالبته بعمل ملخص للحادثة، ومردودها على نفسه؛ إما كتابيًّا أو شفهيًّا، ومن ثم إعطائه النصائح والإرشادات والتوجيه والتحذير أو العتاب.
نماذج وأمثلة من القرآن والسنة
وقد كانت تَرْبِية القُرْآنِ الكريم للمؤمنين بِالْأحداث منهجًا بدأ مع بِداية الدَّعوة والبلاغِ لهذا الدِّينِ، قَالَ تَعَالَى: (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) [الرُّومِ: 1-4]، فنزلت هذه الْآياتُ فِي مكّة والمسلمون يتعرَّضُون لأَنوَاعٍ من التَّعْذيب والاضطِهاد، فبيَّنت هذه الْآياتُ قدرة اللَّهِ وَسِعَة سُلطانه، وأَن الْأَمر له- سُبْحَانَهُ- وَأَنَّ النّصر حليف المؤمنين الموَحّدِينَ.
ومن ينظر في كتاب الله ويتدبر آياته يتضح له أسلوب التربية بالمواقف جَلِيًّا، في كثير من السور، ومن ذلك ما حدث يوم بدر بين المسلمين والمشركين قبل المعركة وأثناءها وبعدها، قَالَ- تَعَالَى-: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)[الْأَنْفَالِ: 7-8].
ويوم حنين عندنا دخل الغرور وَالْعُجْبُ فِي نُفُوسِ ضِعَافِ الْإِيمانِ واعتقدوا أن النصر حليفهم واعتقدوا بكثرة العدد والعدة، فجاء القرآن والحدث أمام أعين المسلمين ليربيهم ويصحح تصوراتهم أَنَّ النَّصْر لَا يَأْتِي إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ- تَعَالَى-: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)[التَّوْبَةِ: 25].
فالقرآن الكريم كان يتنزل على المؤمنين حسب الأحداث والوقائع حتى في الأمور الاجتماعية، كالزواج والطلاق، والبيع، والشراء، والصدقة، والإنفاق، والإرث، والهبة، وعلاقة المسلمين مع بعضهم ومع غيرهم، وغيرها من قضايا.
وسيرة النبي- صلى الله عليه وسلم- مليئة بأسلوب التربية بالمواقف، فهي واقعٌ حافلٌ بالمَشاهد والصور الداعيةِ للاستفادة والاعتبار، والانتفاع والاستثمار للأحداث، ومنها هذه الأمثلة:
- عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنه-، “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَنْقُلُ معهُمُ الحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وعليه إزَارُهُ، فَقالَ له العَبَّاسُ عَمُّهُ: يا ابْنَ أخِي، لو حَلَلْتَ إزَارَكَ فَجَعَلْتَ علَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الحِجَارَةِ، قالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ علَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عليه، فَما رُئِيَ بَعْدَ ذلكَ عُرْيَانًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ” (البخاري).
- وعن معاوية بن الحكَم السُّلميِّ، قال: بيْنَا أنَا أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي القَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ، فَقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ علَى أفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فَبِأَبِي هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي، قالَ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ …” (مسلم).
- وأخرج البخاري في صحيحه عن حكيم بن حزام قال: “سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فأعْطَانِي، ثُمَّ قالَ: يا حَكِيمُ، إنَّ هذا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فِيهِ، ومَن أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ له فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى…”، فلما رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- الحرص الشديد على المال من حكيم بن حزام، استغل هذا الحدث بإعطائه نصيحة يربيه فيها، فكانت هذه النصيحة مؤثرة فيه غاية التأثير.
- وذكر البخاري- أيضًا- “أنَّ أعْرَابِيًّا بَالَ في المَسْجِدِ، فَثَارَ إلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا به، فَقالَ لهمْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: دَعُوهُ، وأَهْرِيقُوا علَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِن مَاءٍ -أوْ سَجْلًا مِن مَاءٍ- فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ”، فهذا حدث أزعج الصحابة- رضي الله عنهم- فقاموا لتغيير هذا المنكر العظيم، الذي حدث في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لكن النبي- عليه الصلاة والسلام- استغل هذا الحدث في تربية الصحابة الكرام- رضي الله عنهم- فأراد أن يعلمهم الأسلوب الأمثل في تغيير المنكرات، وهو ألا يغير المنكر بمنكر أكبر منه.
- وروى البخاري عن جرير بن عبد الله البجلي- رضي الله عنه-، قال: “كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَنَظَرَ إلى القَمَرِ لَيْلَةً – يَعْنِي البَدْرَ – فَقَالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ، لا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ الغُرُوبِ} [ق: 39]”.
- واستفاد النبي- صلى الله عليه وسلم- من مناقشة أصحابه لأمر الساعة، ليعلمهم ويغرس في قلوبهم الإيمان، فعن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: “كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في غُرْفَةٍ وَنَحْنُ أَسْفَلَ منه، فَاطَّلَعَ إلَيْنَا، فَقالَ: ما تَذْكُرُونَ؟ قُلْنَا: السَّاعَةَ، قالَ: إنَّ السَّاعَةَ لا تَكُونُ حتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ: خَسْفٌ بالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَالدُّخَانُ، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأرْضِ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِهَا، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِن قُعْرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ. قالَ شُعْبَةُ: وَحدَّثَني عبدُ العَزِيزِ بنُ رُفَيْعٍ، عن أَبِي الطُّفَيْلِ، عن أَبِي سَرِيحَةَ، مِثْلَ ذلكَ، لا يَذْكُرُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وقالَ أَحَدُهُما في العَاشِرَةِ: نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وقالَ الآخَرُ: وَرِيحٌ تُلْقِي النَّاسَ في البَحْرِ” (مسلم).
- وكان التوجيه النبوي لترسيخ العقيدة في نفوس المسلمين حاضرًا في كثير من المواقف، فعن المغيرة بن شعبة، قال: “كَسَفَتِ الشَّمْسُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ، فَقالَ النَّاسُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا، وادْعُوا اللَّهَ” (البخاري).
- وفي جانب العبادات، روى أبو هريرة- رضي الله عنه-، “أنَّ رَسولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- دَخَلَ المَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَسَلَّمَ علَى النبيِّ- صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَرَدَّ وقالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كما صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ علَى النبيِّ- صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَقالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا، فَقالَ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقالَ: إذَا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ معكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وافْعَلْ ذلكَ في صَلَاتِكَ كُلِّهَا” (البخاري).
- وربى النبي- صلى الله عليه وسلم- أصحابه على الأخلاق من خلال الأحداث والموافق، فعن أنس بن مالك، قال: “كُنْتُ أمْشِي مع رَسولِ اللَّهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ برِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ أثَّرَتْ بهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِن شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ له بعَطَاءٍ” (البخاري).
- وكان النبي يربي أصحابه على الحلم– أيضًا-، فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو، قال: “كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لي بالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِن خَلْفِي، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الغَضَبِ، قالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إذَا هو رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَإِذَا هو يقولُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، قالَ: فألْقَيْتُ السَّوْطَ مِن يَدِي، فَقالَ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، أنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ علَى هذا الغُلَامِ، قالَ: فَقُلتُ: لا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا. [وفي رواية]: فَسَقَطَ مِن يَدِي السَّوْطُ مِن هَيْبَتِهِ” (مسلم).
إنّ التربية بالأحداث من أفضل الوسائل التربوية وأعمقها أثرًا؛ وفقد استخدمه القرآن الكريم في تربية العصبة المؤمنة من خلال أحداث غزوة بدر، وغزوة أحد، وغزوة حنين، وحادثة الإفك، وغيرها من الحوادث، كما زخرت السُّنة النبوية بالكثير من النماذج لتربيته- صلى الله عليه وسلم-، أهله وأصحابه وأمته بالمواقف والأحداث.
والتربية بهذا الأسلوب تفتح الحوار بين المربي والمتربي ما يؤدي إلى إثراء الأفكار وإغنائها، كما يجعل المُتربي يرغب في الاستمرار بالتعلم دون ملل، ويتيح الفرصة للمربي لإثارة الأسئلة والإجابة عنها وهو الأسلوب العلمي لحل المشكلات.
المصادر والمراجع:
- د. حنان بنت عطية الطوري الجهني: بحث عن (التربية بالأحداث وتطبيقاتها).
- د. محمد أمحزون: التربية النبوية بالأحداث.
- علي فقيهي: التربية بالأحداث.
- محمد العسلي: فعالية التربية بالأحداث والمواقف.
- الغريب علي خبتي الغمري: التربية بالأحداث في السنة النبوية وتطبيقاتها، ص 107.