لقد أصبحنا في زمن يحتاج فيه أولياء الأمور والمربّون للعودة إلى التربية النبوية للأطفال في مراحل عمرهم المختلفة، حيث إن هذه التربية هي القادرة على صناعة قادة من جيل الصحابة والتابعين، لأنها تشتمل على الاهتمام بجميع جوانب الطفل النفسيّة والصحيّة والأخلاقيّة.
وفي هذا الصّدد أشار الباحث محمد شعبان أيوب، إلى الوسائل النّبوية في التّربية بأركان الدين، ووسائل صحابته من بعده في تربية الأولاد وربطهم بالفروض وأركان الدين، الذي بدت آثاره فيما بعد واضحة في عظمة الجيل الذي تربّى تلك التربية، وخضع لتلك المعايير التربوية العظيمة.
التربية النبوية للأطفال في الإسلام
اهتم الإسلام بغرس التربية النبوية للأطفال منذ الصغر، فأمر الوالدين وحثهم على ذلك، يقول الله- تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]، وقال عليٌّ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي تَفْسِيرِ هذه الآية: “عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ” (رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين).
والمتأمل في سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم- يجد أَنّ الأطفال من الفئات التي أَوْلاها عنايته التربوِية، وأنه رَبَّاها بِتوجِيهاته القوليَّة والفعليَّة تربِية قوِيمة، ثُمَّ وَجَّه الوالدينِ والمُرَبِّين إِلى تربِيتهِم التربِية الرشيدة التي تحفظ على الأُسْرَة والمجتمعِ والْأُمَّة دينها وأَخلاقها، قال- صلَّى اللهُ علَيْه وَسلَّمَ: “كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ”(رواه البخاري).
وحَمَّل الرسُول الكريم- صلَّى اللهُ عليْه وسلم- الوالديْنِ المَسؤولية العظيمة بِقَوْله: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” (رواه البخاري ومسلم).
أساليب التربية النبوية للأطفال
تعددت أساليب التربية النبوية للأطفال وربطهم بأركان الدين منذ نعومة أظافرهم، فكان لتلك التربية أثر عظيم في تخريج جيل رائد من الصحابة والتابعين، حمل لواء نشر الإسلام وقيادة العالم نحو النور، ومن هذه الأساليب:
- القدوة الحسنة: وهي من أهم الأساليب التربوية؛ لذلك ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم عن المربي الأول للأمة نبينا محمدٍ- صلى الله عليه وآله وسلم- فقال تبارك وتعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21]؛ فعن طريق القدوة الحسنة يطبع الوالدان في أولادهم أقوى الآثار الحسنة والطيبة.
- تحين الوقت المناسب للتوجيه والتعليم: ومن الأوقات المناسبة في أثناء الخروج إلى النزهة، أو السير في الطريق، أو خلال ركوب السيارة، فعن ابن عباسٍ- رضي الله عنهما- قال: كنت خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما فقال: “يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف” (رواه الترمذي).
- وأثناء الطعام يُمكن التوجيه إلى الطريقة الصحيحة في الأكل والشرب؛ فعن عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنهما- قال: كنت غلاما في حجر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكانت يدي تطيش في الصحفة؛ فقال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك” (متفق عليه).
- العدل بين الأطفال: وهو أسلوب مهم في تقويم الأطفال، وغرس المحبة بينهم، وإبعادهم عن الحقد والحسد، وكراهية الوالدين؛ لأنهم إن رأوا من آبائهم أو أمهاتهم ميلًا لبعضهم دون بعضٍ في العطايا، وإظهار المحبة والإكرام؛ فإن ذلك يؤدي إلى نتائج غير محمودة؛ فعن النعمان بن بشيرٍ- رضي الله عنهما- قال: انطلقَ بي أبي يحمِلُني إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ أشهد أنِّي قد نَحلتُ النُّعمانَ مِن مالي كذا وَكَذا . فقالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أَكُلَّ ولدِكَ نحَلتَ قالَ: لا، قالَ: أما يُسرُّكَ أن يَكونوا لَكَ في البرِّ سواءً . قالَ: بلى، قالَ: فلا إذًا. (رواه مسلم).
- الاستجابة لحقوق الأطفال المشروعة: مثل حق التقدير والتقدم؛ فعن سهل بن سعد- رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتِيَ بشَرَابٍ، فَشَرِبَ وعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ، فَقالَ لِلْغُلَامِ: إنْ أذِنْتَ لي أعْطَيْتُ هَؤُلَاءِ، فَقالَ: ما كُنْتُ لِأُوثِرَ بنَصِيبِي مِنْكَ يا رَسولَ اللَّهِ أحَدًا، فَتَلَّهُ في يَدِهِ. وهذا الأسلوب أسلوب مؤثر على نفسية الطفل؛ حيث يشعر بأنه قد صار كبيرا، وشخصا محترما، له حقوقه.
- الدعاء لهم: وهو أسلوب له أثره على حاضر الأطفال ومستقبلهم، وذلك رغم إزعاج الأطفال وعنادهم وميلهم عن الطاعة.
- شراء اللعب والهدايا: فعن عائشة- رضي الله عنها-: “أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت: وكانت تأتيني صواحبي فكن ينقمعن من رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قالت: فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسربهن إلي” (رواه مسلم). والمراد بالبنات اللاتي كانت تلعب بهن عائشة- رضي الله عنها-: التماثيل التي كانت تسمى بلعب البنات.
- الابتعاد عن كثرة اللوم والعتاب: فعن أنسٍ قال: خدمت النبي-صلى الله عليه وسلم- عشر سنين- فما قال لي: أفٍّ، ولا لم صنعت؟ ولا ألا صنعت؟” (رواه البخاري).
- التوجيه المباشر: فعن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال له: “يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد فافعل، ثم قال: يا بني! وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحياني، ومن أحياني كان معي في الجنة”، وهذا حديث عظيم من نبي عظيم لصحابي عظيم، نتعلم منه حكما وقيما وآدابا عظيمة في طريق تربيتنا لأبنائنا، فقد جمع فيه أمرين مهمين، وهما: سلامة القلب من الغش، وإحياء سنة الرسول- صلى الله عليه وسلم.
لماذا نربي أولادنا على المنهج النبوي؟
وتتمثل أهمية التربية النبوية للأطفال في العديد من المميزات التي لا نجدها في أي منهج تربوي آخر، ومنها:
- أنّ التربية النبوية صالحة في كل زمان ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
- تقوم على الإيمان بالله تعالى ومراقبته والإيمان باليوم الآخر والجنة والنار والاقتداء بسيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم.
- تربية عملية وليست نظرية، فهي حقيقة واقعية.
- وتقوم على استشعار الأبوين دورهما ووظيفتهما، وتحثهما على تنشئة ورعاية الطفل.
- تقوم على التهذيب الجنسي للطفل والمحافظة عليه من الوقوع في الفاحشة.
- كما تبدأ بتدريب الطفل على التكاليف الشرعية في السابعة من عمره وحتى سن البلوغ.
- تنظر إلى أن كل ما يقدم من خير للطفل على أنه عبادة يثاب عليها الكبار، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
- تنمي في الطفل العقيدة الصحيحة السليمة التي تتحطم معها كل شبهة وكل شهوة.
- وتقوم على الحق والصدق ودعوة الآخرين إلى الكتاب والسنة وما يترتب عليها في الدنيا والآخرة.
- توزع المسؤولية بين الأب والأم تجاه تربية الأولاد.
- تنمي الخيال عند الأطفال بحقائق موجودة كأخبار الرسل وقصص القرآن وأوصاف الجنة والنار.
- وترسخ في الطفل الخوف من الله تعالى، وسؤاله كلَّ شيء، والاستعانة به في قضاء الحاجات ومواجهة الأحداث.
- تجعل الرسولَ صلى الله عليه وسلم القدوةً في كل شيء، فالطفل يتفاعل مع قدوة واحدة وشخص واحد.
- تنمي في الطفل بر الوالدين وطاعتهما.
- وتنشئ الطفل نشأة متوازنة تلبي حاجات الروح والجسد والعقل والقلب.
ختامًا
يتضح مما سبق أن التربية النبوية للأطفال كانت على قدرٍ عالٍ من الرحمة والرعاية والحرص على ما يُصلح دينهم ودنياهم، وكيف لا! وهو النبي الذي وصف ربُّه خُلقَه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عِظِيمٍ}.
المصادر والمراجع:
- محمد نور عبد الحفيظ سويد: منهج التّربية النّبوية للطفل.
- أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال .
- التربية النبوية.. لماذا؟ .