تُوفّر التربية الجنسية الصحيحة على الآباء والأمهات الوقوع في مزيدٍ من الإحراج والارتباك وتفادي المشكلات التي من الممكن أن يقع فيها الأولاد، نتيجة لإهمال تلك الجزئية المهمة في العملية التربوية.
وربما يُصاب الأب بحيرة من سؤال طفله عن معنى قوله تعالى: {… وَلَا يَزْنُونَ …}، فيردد في نفسه: أأزجر الولد عن ذلك التساؤل، أم أتجاوزه وأغير الموضوع وألفت انتباهه لشيء آخر؟! وحتى لو شرح له، كيف سيدرك الابن الصغير ذلك الأمر المعقد، وهل إدراكه لمثل هذا سيضره، حيث إنه علم ما لا يعنيه، أم سينفعه حيث إنه علم سر الحياة؟!
تعريف التربية الجنسية وأهميتها
تُعرف التربية الجنسية بأنها المعلومات المتعلقة بالجنس وتتصل بالغريزة وترتبط بالزواج، التي يجب مصارحة الولد بها في إطار قيمي وأخلاقي وشرعي، وبطريقة مناسبة لعُمره، لبناء قواعد صحيحة تضمن صحة تعامله مع الأمور الجنسية بطريقة سليمة.
ويجب إمداد الفرد بالمعلومات العلمية، والخبرات الصحيحة، والاتجاهات السليمة، إزاء المسائل الجنسية، بقدر ما يسمح به النمو الجسمي الفسيولوجي والعقلي الانفعالي والاجتماعي، وفي إطار التعاليم الدينية والمعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع؛ ما يؤدي إلى حُسن توافقه في المواقف الجنسية، ومواجهة مشكلاته الجنسية مواجهة واقعية، تؤدي إلى الصحة النفسية.
وتتمثل مقاصد وأهمية هذه التربية، في النقاط الآتية:
- تأسيس قواعد وتصورات صحيحة تجنب الولد الوقوع في انحرافات أو أذى أو اعتداء.
- تجنبه أن يكون فريسة للمعلومات المشوهة التي من الممكن أن يستقيها من مصادر غير مسؤولة.
- لم يعد هناك أي مكان في وقتنا الحاضر للتحفظ على نقل المفاهيم الجنسية الصحيحة لأولادنا.
- التقدم التكنولوجي المخيف يفرض علينا تحديا صعبا، فبضغطة زر واحدة يكون الولد في وسط العالم بكل سهولة ويسر تتلقفه أمواج الفساد، وإن لم يكن محصنا ضدها فسيغرق.
- حفظ الأعراض والسلامة من الأمراض.
- سلامة المجتمع وبقاء العمران.
ضوابط التربية الجنسية في الإسلام
لقد اشتمل القرآن الكريم على تفاصيل الحياة عموما ولم يسقط منها شيئا، ومن الأمور التي شملها الأمور التي تتعلق بالتربية الجنسية وأحكامها.
يقول الدكتور عبد الله ناصح علوان في كتابه (تربية الأولاد في الإسلام) أنه يجوز للمربي أن يصارح ابنه أو ابنته في القضايا التي تتعلق بالجنس وترتبط بالغريزة، بل أحيانا تكون المصارحة واجبة إذا ترتب عليها حكم شرعي.
ومن الضوابط الشرعية المنظمة للتّربية الجنسيّة، اتباع أسلوب الوسطية، فلا إباحية بغيضة ولا كبت ممرض، خصوصًا أنّ الجنس في حياة الإنسان المسلم غريزة وفطرة وضرورة لاستمرار الحياة يحكمها إطار شرعي وأخلاقي، وهو ليس أمرا سيئ الذكر أو قذرا.
لذا، سعى الإسلام إلى الجمع بين طرفي هذه الثنائية (التوعية بالقضايا الجنسية، في مقابل المحافظة على الحياء المحمود) جمعا لا تضاد فيه، من حيث توعية المسلمين بأهمية البعد التربوي للقضية الجنسية من جهة، وكذا البعد عن مسار التميع ونشر الفاحشة بين المسلمين.
ومن ذلك، ما قصّه الله تعالى في كتابه من مواضيع جنسية مهمة؛ مثل: الحيض، وبيان تحريم العلاقات الجنسية أثناء فترته، مع تعليل هذا الحكم الشرعي ببيان أضراره. وهو حكم بالنهي دائر مع علته وجودا وعدما، مع التأكيد على أن خصوصية العلاقات الجنسية بين الزوجين، ببيان وضعيات الجماع المشروعة، مع التأكيد على أن ذلك من جملة القربات والطاعات الشرعية. ولذلك، يقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ} الآيتان [البقرة، 222 – 223].
ويدخل الحياء المحمود ضمن جملة الضوابط، فقد اهتم الإسلام بقضايا جنسية في غاية الدقة والحساسية، لكن بمنهج ينفي عنه التميع السافر الفاضح، كما يسلب منه مظاهر التكتم المقيت.
ولذلك، فلا غرابة أن يتناول القرآن الكريم قضايا جنسية ذات حساسية كبرى، مثل: الحيض وتحريم الوطء فيه، وإباحته بعده، ووصف حال دعوة زليخا ليوسف- عليه السلام- للفاحشة، على أن هذا الحياء المحمود مؤسس على مشروعية مناقشة وتدارس القضايا الجنسية، لكن بأسلوب لا يكشف العورات، ولا تثير الغرائز، ولا يهيج اللذات، عن طريق التوسل بالكناية، كما في الأمثلة السابقة، وغيرها في القرآن والسنة كثير.
إرشادات تربوية
إن من يتصدى لعملية التربية الجنسية للأطفال، يمكنه استنباط إرشادات عديدة من تعاليم الإسلام الحنيف، ومنها:
- تعويد الولد أصول الاستئذان على الأهل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النور: 58).
- تعليم الولد الأحكام الشرعية التي ترتبط بميله الغريزي قبل أن يشرف على البلوغ وينضج جنسيا.
- تعليمه أحكام الاحتلام، وكيفية التطهر من الجنابة، والفرق بين المني والمذي والودي، إضافة إلى سنن الفطرة المتعلقة بهذا الأمر، كالاستحداد ونتف الإبط. كما أن الفتاة يجب أن تصارحها أمها بأمور الاحتلام والحيض وأحكامهما الفقهية.
- المصارحة بتلك المعلومات يجب أن تكون قبل حدوثها، كي لا يتعرض الولد أو البنت إلى صدمة من رؤية هذه التغيرات ويقدرها تقديرا خاطئا، فكم من ابن ظن أن احتلامه مرض! وكم من بنت ظنت أن حيضها نزيف! فالتّربية الجنسيّة للطفل يجب ألا تترك للصدفة، بل لا بد أن تبدأ في المنزل.
- تجب التوعية ضد الانحرافات الجنسية وأضرارها وأحكامها، فذلك يعد من أعظم الوسائل الإيجابية للبعد عن هذه الانحرافات، فالوقاية خير من العلاج.
- فتح الطريق أمام الولد ليطرح أسئلته، وعدم إشعاره أن مجرد السؤال في تلك الأمور من باب العيب أو الحرام.
- المصارحة تكون حسب العمر والاستيعاب، فعند سؤاله عن كيفية وجودنا في هذه الحياة، من الممكن تقريب الأمر له عن طريق شرح طريقة التلقيح في النبات، وأنه لا ثمرة بغير تلقيح كما أنه لا حمل إلا بهذا الاتصال الجنسي، ووضع الأب بذرة تجعل الطفل ينمو في بطن الأم، وهكذا حتى تكمل عنده الصورة. فحاول قدر استطاعتك أن تكون إجاباتك بسيطة ومباشرة وصحيحة غير معقدة.
الإجابة عن الأسئلة المحرجة
ويتعرض الآباء والأمهات والمربين أثناء عملية التربية الجنسية إلى أسئلة مختلفة، فلا مانع من الإجابة عنها، لكن هناك عدة شروط يفضل توافرها فيما يلي:
- أن تكون مناسبة لسن وحاجة الابن: فيجب التجاوب مع أسئلة الابن في حينها وعدم تأجيلها لما له من مضرة فقدان الثقة بالسائل، وإضاعة فرصة ذهبية للخوض في الموضوع، حيث يكون الابن متحمسًا ومتقبلًا لما يقدم له بأكبر قسط من الاستيعاب والرضا.
- أن تكون متكاملة: بمعنى عدم اقتصار التربية هنا على المعلومات الفسيولوجية والتشريحية، لأن فضول الابن يتعدى ذلك، بل لابد من إدراج أبعاد أخرى كالبعد الديني، وذلك بشرح الأحاديث الواردة في هذا الصدد، مثل سؤال الصحابة الكرام: يا رسولَ اللهِ، أيأتي أحدنا شهوتَه ويكون لهُ فيها أجرٌ؟ قال: “أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان لهُ أجرًا”، بمعنى ألا نغفل بُعد اللذة في الحديث، ولكن يربط ذلك بضرورة بقاء هذه اللذة في ضمن إطارها الشرعي “الزواج” حتى يحصل الأجر من الله تعالى.
- أن تكون مستمرة: هناك خطأ يرتكب ألا وهو الاعتقاد بأن التربية الجنسية هي معلومات تعطى مرة واحدة، أو دفعة واحدة، وينتهي الأمر، وذلك إنما يشير إلى رغبة الوالدين أو المربي في الانتهاء من واجبه “المزعج” بأسرع وقت، لكن يجب إعطاء المعلومات على دفعات بأشكال متعددة، مثلا مرة عن طريق كتاب، أو شريط فيديو، أو درس في المسجد، كي تترسخ في ذهنه تدريجيًا ويتم استيعابها وإدراكها بما يواكب نمو عقله.
- أن تكون في ظل مناخ حواري هادئ: المناخ الحواري من أهم شروط التربية الجنسية الصحيحة، فالتمرس على إقامة حوار هادئ مفعم بالمحبة، يتم تناول موضوع الجنس من خلاله- كفيل في مساعدة الأبناء للوصول إلى الفهم الصحيح لأبعاد “الجنس” والوصول إلى نضج جنسي، متوافق مع شريعتنا الإسلامية السمحاء، وأحكام ديننا الحنيف.
متى تبدأ تربية الأبناء جنسيًّا؟
ذهب البعض مذهبًا بعيدًا في التربية الجنسية بحيث اعتبروها تبدأ منذ الولادة – اعتقادًا منهم أن لهم قصب السبق في ذلك- غير أن الحقيقة التي تقض مضاجعهم هي أن الإسلام هو السباق إلى ذلك، إذا اعتنى بالطفل منذ الولادة فجعل ختانه من خصال الفطرة، ومن سنن الهدي النبوي، وبعدها توصل إلى أهمية الختان في مقاومة الأمراض والتعفنات التي يمكن أن تصيب الرجل والمرأة على حد سواء.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “الفطرةُ خمسٌ (أو خمسٌ من الفطرةِ) الختانُ، والاستحدادُ، وتقليمُ الأظفارِ، ونتفُ الإبطِ، وقصُّ الشَّاربِ”. ويرى البعض أنه يمكن توزيعها على المراحل الآتية:
المرحلة الأولى: ما بين سن (7-10 سنوات) وهي مرحلة ابتدائية، وذلك بتعليم الصبيان ومن هم قبل البلوغ الأحكام- خاصة العملية- وتدريبهم عليها، سواء الصلاة والوضوء لها، ونواقض الوضوء وأحكام الطهارة، وكذلك الصوم.. إلخ، طبعًا الطهارة والوضوء يترتب عليه بيان نواقضه، ووسائل رفع الحدث.
المرحلة الثانية: ما بين سن (18-10) يتم استحضار المقدمات السابقة بشكل دائم، وشرح ما يطرأ على المراهق والمراهقة من تغيرات فسيولوجية، وفي هذه المرحلة لابد من تضافر مجهودات الآباء والمدرسين في توصيل المعلومات الصحيحة إلى الابن المراهق.
المرحلة الثالثة: من 18 سنة فما فوق، وهنا يظهر دور الآباء والعلماء والوعاظ في شرح معنى الزواج والعلاقات الجنسية شمولية، فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: جاء عمر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، هلكتُ، قال: “وما أهلكك؟”، قال: حولت رحلي الليلة، قال: فلم يرد عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئًا، قال: فأنزل الله على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُم} (البقرة:223 )، أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة”، إلى آخر هذه العبارات المغلفة بغلاف الأدب والوقار. وقوله: “هلكت”؛ أي أنه أتى امرأته في قبلها من ظهرها.
إن التربية الجنسية من أهم ما يجب تلقينه للأبناء وهم صغار وأيضا وهم شباب، غير أن هذه التّربية لها شروطها وآدابها وضوابطها، وآلياتها التي تتطلب من الوالدين الكثير من الحكمة والتروي والتؤدة باعتبار الجنس موضوعا ذا تشعبات وتفرعات قد لا تُحمد عقباها إن لم يحسن الأب أو الأم إبلاغ أبجدياته وآدابه لأبنائهما.
وأكثر الآباء والأمهات لا يربون أبناءهم جنسيا لعدة أسباب، إما لعدم معرفتهم بكيفية توصيل المعلومة لهم، أو يمنعهم حياؤهم في فتح مثل هذه المواضيع أمام أبنائهم، أو لأنهم ليس لديهم المعلومة الصحيحة لتوصيلها لهم ويتركونهم لتلقي المعلومات من الخارج أو من الأجهزة الذكية وقد تأتيهم المعلومة بطريقة خاطئة أو قد تكون المعلومة نفسها خاطئة، لذا لا بد من الاطلاع على ما كتب في هذا الموضوع وفق ضوابط الشريعة الإسلامية.