تهتم التربية الجماعية في الإسلام بتنمية جميع جوانب الشخصية تنمية شاملة متوازنة، وَفق كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-، وهذه التنمية قد تتحقق بتدريس العلوم الشرعية، أو بأساليب غيرها.
ولا يُمكن أن تُبنى هذه التربية إلا من خلال جماعة يتربّى معهم الفرد، ورغم أهمية التربية الذاتية، فلا بُد من تربية الفرد وسط جماعة، حتى تكتمل تربيته، ولأهمية هذا النوع من التربية وكونها يحتاج إليها في جميع طبقات المجتمع، كان مُهمًّا أن نشير إلى تأصيلها شرعًا والأساليب التي تُحققها في البيت والمدرسة.
مفهوم التربية الجماعية وأهميتها
يتلخص مفهوم التربية الجماعية في أنها عبارة عن اتفاق مجموعة من الأفراد في مكان ما، على فكرة واحدة وتربط بينهم مفاهيم وعلاقات مشتركة، على أن يجتمعوا على منهج يرتقي بهم ويُعدّل من سلوكهم ويُظهر هذه الفكرة للآخرين، ويخضع هذا النوع من التربية إلى المتابعة والتقويم المستمرين على فترات زمنية مناسبة.
ومن هذا المفهوم، فإن أثر ومردود هذا النوع من التربية يمكن أن نلخصه في عدة نقاط على النحو التالي:
- سبب في استجلاب عون الله تعالى وتأييده ونصره “يد الله مع الجماعة”.
- تقوية صِلات الفرد الاجتماعية والاقتصادية.
- تقوية الرغبة في الآخرة.
- إمداد الفرد بحظ وافر من الثقافة الإسلامية.
- إطلاق طاقات وقدرات الفرد، وتوظيفها التوظيف الجيد الذي يخدم الإسلام.
- لها دور إيجابي على أسرة الفرد وأهل بيته.
- مساعدة الفرد على اكتشاف شخصيته بكل ما فيها من قوة وضعف.
- إصلاح وتقويم ودعم هذه الشخصية.
- توظيف الطاقات، والعمل على إحداث التوازن لهذه الشخصية.
- تجديد النشاط بما يقوي العزم ويُعلي الهمة.
- تزويد الفرد بالخبرات والتجارب التي تعينه على أداء دوره في الحياة خاصة الدعوة إلى الله تعالى.
- حفظ هيبة الفرد وحرمته وكرامته.
- فتح مجالات عديدة من الأجر والثواب، ومضاعفة الحسنات أمام الفرد.
أساليب التربية الجماعية
وتتنوع أساليب التربية الجماعية في الإسلام، وعلى رأسها التربية بالقدوة، سواء في البيت أو المدرسة، فالله تعالى يقول: ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21).
وفي قصة ابن عباس- رضي الله عنه- وصلاته مع النبي- صلى الله عليه وسلم- تأكيد على التربية بالقدوة في العبادة، فعن ابن عباس- رضي الله عنه- قال: “بِتُّ عِنْدَ خَالَتي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا كانَ في بَعْضِ اللَّيْلِ، قَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَتَوَضَّأَ مِن شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا – يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو ويُقَلِّلُهُ جِدًّا -، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ، فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا ممَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقُمْتُ عن يَسَارِهِ، فَحَوَّلَنِي، فَجَعَلَنِي عن يَمِينِهِ، ثُمَّ صَلَّى ما شَاءَ اللَّهُ …” (البخاري).
تطبيق أسلوب القدوة في البيت: على الوالدين اتباع السلوك الإيجابي في التعامل مع بعضهما أو مع الأبناء، ويمكن استخدام مصطلحات معينة مثل: “جزاكم الله خيرًا، وشكرا، ومن فضلك”، فيتعلمها الطفل ويدرجها في حياته اليومية.
ولا يتطلَب من الأهل أن يكونوا “مثاليين” لأن الأمر ليس بهذه الصعوبة، فالأطفال يحتاجون للحب والحنان ووضع بعض الحدود، لذا وظيفة الأهل الأساسية هي أن يكونوا أفضل قدوة، وحتى يستطيعوا تحقيق ذلك عليهم أولاً إلقاء نظرة على حياتِهم الخاصة وتقييم تصرفاتهم اليومية.
تطبيق أسلوب القدوة في المدرسة: ينبغي أن يكون المعلم قدوة حسنة لطلابه، فعليه أن يحسن استخدام الألفاظ مع الطلاب، حتى يتخذوه قدوة في ذلك، كما عليه الالتزام بالمواعيد، وتعظيم شعائر الإسلام، فيمكنه أن يتوقف عن الشرح حتى انتهاء الأذان.
ولا شك أن المدرسة هي البيئة الأفضل لغرس القيم إذا وُجد المعلم القدوة الذي يملك القدرة على ابتكار طرق تجمع بين التنظير والممارسة بهدف غرس القيم وليس بهدف اجتياز الاختبار، والتعاون بين البيت والمدرسة هو من الأساسيات في اكتساب المعرفة وغرس القيم.
أسلوب القصة
وأسلوب القصة من أهم أساليب التربية الجماعية في الإسلام، فهو يفيد في تربية الكبار والصغار على حد سواء، وهو مع الصغار أفعل. ويستخدم بوجه خاص مع المتعلمين ذوي الحساسية العالية الذين يتضررون من النصح المباشر والنقد الصريح.
تأصيل الموقف: كثرة القصص القرآن؛ ففي القرآن الكريم: قصص: نوح وإبراهيم ويوسف، وموسى، وعيسى (عليهم السلام)، وغيرهم كثير من الأنبياء، وفي القرآن الكريم أيضًا قصة أهل الكهف، وقصة صاحب الجنتين، وقصة أصحاب الجنة. وفي الحديث الشريف: قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار، وغيرها كثير.
تطبيق أسلوب القصة في البيت: يمكن تطبيق أسلوب القصة في المنزل باختيار الآباء القصص المناسبة لأبنائهم حسب مستوياتهم وأعمارهم وميولهم ومشكلاتهم، ويحسن التنويع في وسائل تقديم القصة. كما يجب تزويد مكتبة الأسرة بالقصص المناسبة، وخاصة القصص الدينية للكتاب المجيدين المعروفين بأمانتهم وعلمهم.
تطبيق أسلوب القصة في المدرسة: الاهتمام بمكتبتي الفصل والمدرسة، وتزويدهما بالقصص المتنوعة؛ المناسبة لأعمار التلاميذ ومستوياتهم، والمُلبية لاهتماماتهم وميولهم المختلفة؛ المتضمنة قيمًا إسلامية. كما ينبغي الاهتمام بتطوير أداء المعلم في تقديم القصة، وتشجيع التلاميذ على الاهتمام بالقصة: قراءة، واستماعًا، وإلقاء، وتأليفًا.
أسلوب المشكلة
هو أحد أساليب التربية الجماعية التي اشتهرت حديثًا، وإن كانت موجودة في تراثنا الإسلامي؛ فالتربية بالمشكلة أحد أساليب التي استخدمها النبي- صلى الله عليه وسلم- في تربية أصحابه.
تأصيل الأسلوب: روى الإمام البخاري عن سعد بن أبي وقاص قال: جاءني رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي ، فقلت : يا رسول الله ! قد بلغ بي من الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ، ولا يرثني إلا ابنة لي ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : لا ، فقلت : فالشطر ؟ قال : لا ، ثم قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : الثلث والثلث كثير ، إنك إن تذر ورثتك أغنياء ، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله ، إلا أجرت حتى ما تجعل في في امرأتك …”.
تطبيق أسلوب المشكلة في البيت: ينبغي ألا نبادر بتقديم حل لأية مشكلة يعرضها علينا أبناؤنا، بل علينا أن نوجههم لممارسة مواجهة هذه المشكلة؛ متبعين في ذلك خطوات حل المشكلة؛ لأننا أن قدمنا لهم الحلول فور لجوئهم إلينا عودناهم أن يرجعوا إلينا دائمًا في حل مشكلاتهم؛ وبذلك نحرمهم من فرصة التفكير في حل المشكلة.
تطبيق أسلوب المشكلة في المدرسة: يمكن تطبيق هذا الأسلوب باستثمار المعلم المواقف التي تمثل مشكلات بالنسبة للتلاميذ، أو بوضعهم في مواقف حقيقية تمثل مشكلات، ويوجههم إلى تحديد المشكلات وإدراك جوانبها، وفرض الفروض (الحلول)، واختبار صحتها، وتجريب الحل المختار. كما يمكن استخدام مدخل المشكلة في تدريس الدروس المقررة
أسلوب النشاط
وهو من أساليب التربية الجماعية الذي يقوم على وضع المتعلم في نشاط أو خبرة مباشرة، ويتعلم من خلال ممارسة النشاط واستخدام كل قدراته في ممارسة هذا النشاط.
تأصيل الأسلوب: قال رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم-: “لَأَنْ يأخذَ أحدكم حَبْلَهُ، فيَأْتِي بحِزْمَةِ الحطبِ على ظهرِهِ فيَبيعها، فيَكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ، خيرٌ لهُ من أن يسألَ الناسَ، أعطوهُ أو منعوهُ”، رواه البخاري.
تطبيق أسلوب النشاط في البيت: يمكن تطبيق أسلوب النشاط بالبيت في عدة مواقف؛ منها على سبيل المثال اصطحاب الوالد ابنه المسرف في النفقات إلى مكان العمل وتكليفه بعض الأعمال في حدود قدراته.
تطبيق أسلوب النشاط في المدرسة: يمكن استخدام أسلوب النشاط في علاج سلبية التلاميذ بضمهم إلى جماعات النشاط الحر، وتكليفهم واجبات محددة؛ كجماعة الرحلات، والصحافة المدرسية، وجماعة إحياء المناسبات الدينية والوطنية، كما يمكن علاج مشكلة الانطواء بإشراكهم في تمثيل بعض الدروس المقررة.
الثواب والعقاب
ومن أساليب التربية الجماعية في الإسلام، الثواب والعقاب؛ فالثواب عبارة عن أثر يُحدثه المربي فور سلوك المتعلم سلوكًا إيجابيًّا؛ فيسبب له راحة نفسية أو مادية؛ والعقاب أثر يحدثه المربي في المتعلم فور سلوكه سلوكًا سلبيًّا غير مرغوب فيه، فيسبب له ألمًا نفسيًّا أو ماديًّا؛ بهدف منعه عن تكرار هذا السلوك السلبي.
تأصيل الأسلوب: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يثيب أصحابه بخلع الألقاب والصفات المحببة عليهم، التي تعبر بصدق عن قدرة أو مهارة أو تميز في العبادات والطاعات؛ ومن ذلك قوله عن أبي بكر رضي الله عنه: “لو وضع إيمان الأمة في كفة وإيمان أبي بكر في كفة لرجحت كفة أبي بكر”، وقوله عن عمر رضي الله عنه: “لو كان نبيًا من بعدي لكان عمر” (الترمذي).
تطبيقات أسلوب الثواب والعقاب في البيت: يمكن للآباء إثابة أبنائهم فور وقوع السلوك الإيجابي إما إثابة معنوية؛ مثل: “هذا عمل عظيم، حياك الله، بارك الله فيك، عافاك الله، ممتاز، هذا جهد طيب.. إلخ” وإما إثابة مادية؛ مثل: “الحلوى، المال، الهدية، القصة، إلخ”.
وكذلك الحال بالنسبة للعقاب فور وقوع السلوك السلبي من الابن ومن صور العقاب المعنوي: “هذا سلوك غير محبوب، أنا غاضب عليك، لا يصح منك أن تفعل هذا.. إلخ”. ومن العقاب المادي: “الحرمان من: المصروف، والهدية، والقصة والنزهة الأسبوعية، إلخ”.
تطبيقات أسلوب الثواب والعقاب في المدرسة: يُمكن للمعلم تطبيق الثواب المعنوي بقوله للتلميذ المجيد: “هذه إجابة جيدة هذا فهم عميق، تحية لك على هذه الطلاقة، أشكرك على هذه الإجابة، ممتاز، عظيم، أنا سعيد بك لمواظبتك على الصلاة.. إلخ”.
الترغيب والترهيب
والترغيب والترهيب أحد أساليب التربية الجماعية في الإسلام، ويقصد بالترغيب وعد من المربي للمتعلم بالإثابة والجزاء الحسن؛ بهدف دفعه إلى السلوكيات الإيجابية المحببة، أما الترهيب فهو وعيد من المربي للمتعلم بالعقاب؛ بهدف منعه عن أن يسلك سلوكًا سلبيًا غير مرغوب فيه.
تأصيل الأسلوب: يكثر أسلوب الترغيب والترهيب في القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ ومن ذلك في القرآن الكريم على سبيل التمثيل قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} ( الليل).
تطبيق أسلوب الترغيب والترهيب في البيت: يمكن استخدام الترغيب بأن نعد الابن المتكاسل عن أداء واجباته المنزلية، أو هدية، أو رحلة… إلخ، وكذلك عندما نريد ترغيبه في أداء الصلاة لوقتها، وحفظ القرآن الكريم، ومساعدة المحتاجين.. إلى غير ذلك من السلوكيات المحببة المرغوب فيها. وفي الترهيب يمكن أن نحذره من التكاسل بحرمانه من المصروف، أو من الرحلة، وكذلك الحال في بقية السلوكيات السلبية.
تطبيق أسلوب الترغيب والترهيب في المدرسة: يمكن للمعلم أن يستخدم الترغيب في مواقف متعددة؛ منها: تفعيل الفصل إن لم يستجيبوا لأسئلة المعلم وحواره؛ بأن يعدهم بأن من يجيب عن السؤال الآتي- مثلًا- سأضع له الدرجة النهائية في الاختبار.
الأسلوب النظري والعملي
وهو من أساليب التربية الجماعية المهمة، ويعتمد على مناقشة فكرة أو مبدأ؛ على أن تنتهي المناقشة بتوصية عملية ينبغي أن تنفذ من قبل المتعلم. وهذه المناقشة- بالطبع- بين المعلم والمتعلم، والمعلم هو الذي يصوغ أسئلة الحوار، ويوجهها للمتعلم، ويصدر في النهاية قرارًا يجب أن ينفذه المتعلم، على أن يتابع المعلم المتعلم بعد ذلك؛ ليتأكد من تنفيذ القرار.
تأصيل الأسلوب: نجد هذا الأسلوب في موقف بين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما. فقد خرج أمير المؤمنين- رضي الله عنه- ذات يوم في جولة تفتيشية؛ فرأى إبلًا سمانًا تمتاز على بقية الإبل بنموها وامتلائها؛ فسأل عمر رضي الله عنه: إبل مَنْ هذه؟ قالوا: إبل عبد الله بن عمر. فانتفض أمير المؤمنين، وقال: عبد الله بن عمر! بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين!
وأرسل عمر يطلب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ فلما جاء سأله: ما هذه الإبل يا عبد الله؟
فأجابه: إنها إبل أنضاء- أي هزيلة- اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى الحمى أتجر فيها، وأبتغي ما يبتغيه المسلمون.
فغضب عمر في تهكم لاذع، وقال لعبد الله بن عمر: يقول الناس حين يرونها- أي الإبل- ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين. اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين وهكذا تسمن إبلك، ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين، ثم صاح يا عبد الله بن عمر: خذ رأس مالك الذي دفعته في هذه الإبل، واجعل الباقي في بيت المسلمين.
تطبيق الأسلوب النظري والعملي في البيت: كثيرًا ما تظهر أفكار يقتنع بها الأبناء والبنات في حين أنها خطأ في معيار الإسلام. ومن ذلك طغيان الطفل وسيطرته على لعبة أخيه بغير حق؛ ظنًا منه أنه أحق بها. وربما تقول البنت إنها حرة في ارتداء الحجاب أو تركه. وهنالك ينبغي استخدام الأسلوب النظري في مناقشة الفكرة؛ لتنتهي المناقشة بقرار عملي، يلزم المتعلم بتطبيقه وتنفيذه.
تطبيق الأسلوب النظري والعملي في المدرسة: قد يستولي التلميذ على أدوات زميله قسرًا، ويبرر ذلك بأي مبرر، فعلى المعلم هنا أن يناقش ذلك؛ مستخدمًا الأسلوب النظري والعملي، الذي ينتهي بقرار عملي يجب تنفيذه.
الأسلوب العقلي والحسي
الإيمان يعتمد على وسيلتين: العقل، والحس؛ لذا كان من الضروري أن نربى لدى أبنائنا العقل والحس معًا، بمعنى أن نسعى إلى تدريب عقولهم وإثارة مشاعرهم بدعوتهم إلى التأمل في خلق الله وإبداعه ومظاهر قدرته؛ فننمي بذلك التفكر بالعقل، وترق المشاعر والأحاسيس وتسمو.
تأصيل الأسلوب: نجد في سورة (ق) دعوة ربانية للتربية الحسية العقلية؛ وذلك في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)}.
تطبيق الأسلوب العقلي والحسي في البيت: إذا أردت أن تستخدم هذا الأسلوب في تربية العقل والحس مع أولادك، يمكن أن تنتهز فرصة قدوم العيد مثلًا، وقد دخلت على أولادك بملابس العيد والهدايا، فيستقبلونك بفرحة غامرة، ويقبلونك وتقبلهم، وبعيد ذلك تقول لهم: “هل تعرفون جاركم الطفل فلان اليتيم؟ فيجيبون: نعم نعرفه يا أبي، فتقول: إنه يحتاج إلى من يقدم إليه ملابس العيد والهدية؛ لأن أباه غير موجود”.
وهنالك يكون الأبناء قد تفاعلوا وتجاوبوا مع رفيقهم المحروم اليتيم.. فيحسن بالأب أن يسألهم: ما رأيكم في أن نجعله يفرح مثلكم لننال الثواب العظيم من الله الذي رزقنا؟ ثم يصحب الأب أولاده لشراء ملابس العيد لهذا الطفل ولأسرته، ويشتري الهدايا، وحبذا يجعل أولاده يقدمون الهدايا لرفاقهم بأنفسهم، وأن تقدم الزوجة هدية للسيدة الأرملة؛ فبذلك نسلك السلوك العملي في تربية أبنائنا.
تطبيق الأسلوب النظري والعملي في المدرسة: يمكن للمعلم أن يصحب تلاميذه في زيارة إلى إحدى دور اليتامى؛ لتقديم الهدايا والعطايا لهؤلاء الأطفال، وذلك بعد أن يهيئ تلاميذه لذلك؛ بنفس الطريقة التي ذكرناها آنفًا عند حديثنا عن تطبيق الأسلوب في البيت.
هكذا فإن التربية الجماعية تقوم على تأصيل شرعي، وأساليب تربوية استخدمها النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام في تربية أعظم جيل في التاريخ، كما يمكن للآباء في المنازل والمعلمين في المدارس استخدامها في تربية النشء.