البيئة هي إجمالي الأشياء التي تُحيط بنا وتُؤثر في وجود الكائنات الحيّة على سطح الأرض، متضمنة الماء والهواء والتربة والمعادن والمناخ، وهي الإطار الذي يعيش فيه الإنسان، ويُؤثر فيه ويتأثر به، ويحصل منه على مقومات الحياة من غذاء، ومأوى، وغيرها، وهو ما يجعلنا نعمل على الحفاظ عليها جيلًا بعد جيلٍ، حتى لا تتدمر أو يحدث بها أي خلل يُؤدي إلى فناء الناس.
لذا، فإن التربية البيئية تلعب دورًا مهمًّا في توعية وتنمية الإنسان سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، ولها دور كبير في استشعار قيمة وأهمية البيئة وخطر العبث بها أو تدميرها، وأولياء الأمور والمربّين في حاجة ماسّة إلى وجود استراتيجية ناجحة لوسط بيئي سليم يسمح بتطوير وتنمية الموهبة ورعايتها لدى الأطفال لإنتاج أجيال تقود المستقبل.
مفهوم التربية البيئية
اجتهد كثيرٌ من الباحثين في تعريف مفهوم التربية البيئية ومنها أنها: عملية تعلّم تهدف إلى زيادة معرفة الناس وَوَعيهم بالبيئة والتحديات المرتبطة بها، التي تُسهم في تطوير المهارات والخبرات اللازمة لمواجهة التحديات وتعزيز المواقف والدّوافع والالتزامات على اتخاذ قرارات مسؤولة.
ويراها البعض أنها جانب من جوانب التربية الذي يُسهم في مساعدة البشر للعيش بنجاح على الكرة الأرضيّة، كما أنها عملية تعلّم أسلوب إدارة وتحسين علاقة الإنسان ببيئته، وبتكوين القِيَم والمهارات البيئيّة وتنميتها على أساس من مبادئ الإسلام وتصوراته عن الغاية التي من أجلها خُلِقَ الإنسان، ومطالب التقدم الإنساني المتوازن(1).
التربية البيئية في الإسلام
حظيت التربية البيئية باهتمام كبير في الإسلام، الذي كان له السّبق في وضع القواعد والتشريعات التي تضمن سلامة البيئة واستقرارها وجمالها، والحفاظ على مواردها المختلفة، فقال الله تعالى :{أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا* وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا*مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [النازعات:31-33].
ولقد حرّم الإسلام كل أسباب الفساد الحسّي، ومنه تلويث البيئة، حماية لها وصيانة لحق الإنسان من الضرر، فقال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}[الأعراف:56].
وتجلى ذلك في وصايا الرسول- صلى الله عليه وسلم-، ومن بعده الخلفاء الراشدين لأمراء الجيوش في المحافظة على البيئات التي ينتشر الإسلام فيها، وبخاصّة بعدم قطع الأشجار أو إفساد الزروع.
فالبيئة كلها بأرضها وسمائها ومائها وهوائها وجمادها ونباتها وحيواناتها، قد خلقها الحق تبارك وتعالى وسخّرها للإنسان لينتفع بها، فهي خُلِقَت له ومن أجله، وهنا تكمن أهمية خَلْق وعي بيئي وإبراز الحضور الإسلامي في تفسير ماهية البيئة ووظيفتها للحفاظ عليها.
وهذا هو المعنى الذي رواه جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- بقوله: “ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كانَ ما أُكِلَ منه له صَدَقَةً، وما سُرِقَ منه له صَدَقَةٌ، وما أكَلَ السَّبُعُ منه فَهو له صَدَقَةٌ، وما أكَلَتِ الطَّيْرُ فَهو له صَدَقَةٌ، ولا يَرْزَؤُهُ أحَدٌ إلَّا كانَ له صَدَقَةٌ” (مسلم).
بل إن التأكيد النّبوي على إعمار البيئة حتى لو قامت الساعة دليلا على عناية الإسلام بها، فيقول النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم-:”إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها” (صحيح على شرط مسلم).
وتجلّت عظمة التربية النبوية في نهيه- صلى الله عليه وسلم- عن التبوّل في الماء الدائم الثابت في مكانه، الذي يستخدمه الإنسان، حتى لا يتأثر بنجاسته والأمراض التي قد يحملها، فقال: “لا يَبُولَنَّ أحَدُكُمْ في المَاءِ الدَّائِمِ الذي لا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ” (البخاري).
وحذّر الإسلام من الإسراف في الموارد الطبيعية، خصوصًا الماء حتى لو في الأمور التعبدية، التي قد تزيد في تضخم مشكلة تدهور البيئة، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنهما- “أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ”(2).
وتتميز العلاقة بين الإنسان المسلم والبيئة بخصائص وأبعاد أهمها أنها علاقة توازن وألفة وانسجام لمصلحة الحياة والأحياء، بمن فيهم البشر الذين هُم قِمّة الأحياء، وليست أبدًا علاقة حرب وقلق وتنافر وعداء وصراع، كما يزعم بعض الماديين الطبيعيين.
ومن الواضح أن افتقاد البشرية لهذا البعد الإيماني والشعور النفسي القائم على المعرفة الصحيحة لطبيعة العلاقة بين الإنسان والبيئة (الكون)، كما يعرضها المنهج الإسلامي المتفرد، هو الذي يدلنا على طبيعة الحرب التي شنّها الإنسان على نفسه في غمرة انشغاله بثورة العلم والتقنية، فهي حرب ضد الحياة على كوكب الأرض، والإنسان المتورط فيها هو ذاته الذي يسعى جاهدًا الآن ليكسبها: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب: 72).
البيئة والاقتصاد
تكمن أهمية الاقتصاد البيئي في حقيقة أن جميع الأنشطة الاقتصادية التي يقوم بها الإنسان ترتبط بالبيئة التي تقدم أنواع الموارد المختلفة، لذا فمن الضروري تقدير أهمية المنتجات والخدمات التي تقدمها لنا الأنظمة البيئية على الأرض للحفاظ على استدامة الموارد والطاقة دون الإخلال بتوازن البيئة الطبيعية الهشة.
وقد حدث خلل في انتهاك الدول والشعوب للطبيعة والبيئة بقطع الأشجار وتدمير الغابات، ما أدى إلى الخلل البيئي بارتفاع درجات الحرارة وحدوث أزمات غذائية، وحدا ذلك بالجميع إلى تحويل البيئة لاستثمار اقتصادي من أجل رعايتها والحفاظ عليها.
وبهذه الطريقة، يصبح الاستثمار في البيئة حاجة وعملاً وصفقات وعقودًا وأموالًا بمليارات الدولارات تتداول في الحسابات المصرفية العالمية، وتدرّ عوائد مرتفعة على الجميع، وبهذه الطريقة يخرج موضوع الحفاظ على البيئة من قوقعة النظريات والتمنيات والأيديولوجيا والمجتمع المدني ومنظمات الأمم المتحدة، إلى عالم الاقتصاد المفتوح على كل الاحتمالات، الذي يحقق نتائج ملموسة مباشرة على أرض الواقع، ويدعم صحة الإنسان والحيوان والكواكب، ويحسّن نوعية الحياة، ويخلق فرص عمل (3).
الأهمية العلمية والأخلاقية للبيئة
إن علم البيئة يُفيد الإنسان في معرفة كيفية التعايش بين الكائنات الحية بطرق سليمة وسلمية، وذلك حتى تظل البيئة محمية من التدهور والانهيار، ويساعد هذا العلم في وقف استنزاف الموارد الطبيعية، كما أنه يُساعد على الحفاظ على موارد الطاقة للكائنات الحية مثل الغذاء للإنسان والحيوان والمياه والضوء للنباتات.
ولا غنى عن التربية البيئية القائمة على الأخلاق، إذ يتعامل بها الأفراد والمجتمعات مع مواردهم الطبيعية، وكيفية استغلالها الاستغلال الأمثل، بما يحافظ عليها من التلوث، وعلى نصيب الأجيال القادمة منها، سيما الموارد غير المتجددة.
لذا، تُوجد واجبات تجاه البيئة، مع ضرورة ترسيخ الأخلاقيات البيئية، نظرا لارتباط السلوك البشرى بمجموعة من القيم الأخلاقية تجاه الكائنات الحية في الطبيعة، وتقرير حقوق الحياة البرية في قيمنا الأخلاقية والمعنوية(4).
أهمية الأخلاق البيئية للطفل
لا شكّ أنّ التقدم الذي تشهده البشرية شيء مهم، إلا أن له آثار سلبية على البيئة بسبب غياب الوعي بأهمية التربية البيئية التي تخلق إرادة ذاتية للحفاظ عليها، وهو ما يدفعنا لإيجاد منظومة تربوية تشمل الكبير والصغير لتعديل سلوكيات البشر نحو بيئتهم لكونها موطن حياتهم.
ومواجهة مشكلة الحفاظ على البيئة تُعد أمانة في عُنق المربين بجميع المواقع والمراحل من آباء وأمهات ومعلمات ومعلمين وأجهزة إعلامية وصحافة، وغيرها، بما يملكونه من قُوى مؤثرة في تشكيل وتنمية السلوك الإنساني أو مواجهة مشكلة الحفاظ على البيئة.
ومن أجل تهيئة الطفل للمساهمة في عدم تلوث البيئة والحفاظ عليها لا بُد من:
- البدء مبكرا في السنوات الأولى من عُمر الطفل بالتركيز على التعلم الاجتماعي والعاطفي لمساعدته على تبنّي عقلية ضميرية وبناء المهارات الاجتماعية والعاطفية الإيجابية التي يحتاج إليها لمعرفة حقيقة البيئة.
- الحديث مع الطفل عن الدور الحيوي الذي يقوم به كل كائن على هذه الأرض؛ فالأشجار مثلاً تعطينا الظل وتنقي الهواء إضافة لثمرها وخشبها وغيرها.
- يجب أن يجد الطفل القدوة العملية في والديه ومعلميه نحو بيئتهم لكونه يقتدي بالكبار في كل شيء.
- تعريف الطفل بالطبيعة والبيئة من حوله وكيفية الاستفادة منها وعدم الإضرار بها.
- توضيح أهمية البيئة في حياتنا ودورها في تزويدنا بما نحتاجه من طعام وشراب وهواء.
- ترسيخ الوعي بالعوامل البيئية وارتباطها بصحة الإنسان وسلامته.
- تنمية الثقة في نفس الطفل وتشجيعه على السؤال والاستفسار عما يراه في بيئته.
- يجب أن يكون هناك تعليم بيئي في جميع المدارس، لينشأ جيل واع بأهمية البيئة السليمة ودورها في خلق الإبداع وتنمية المهارات والقدرات لتحقيق تنمية دائمة.
- توثيق علاقة مناهج التعليم المدرسي بالبيئة، التي توجه وتنمي الطفل جسديًّا وعقليًّا، وبالتالي ينمو وهو يحمل معلومات وسلوكيات بيئية صحيحة.
- شراء الألعاب والمقتنيات الصديقة للبيئة وتصنيف النفايات حتى يتمكن جامعوها من التخلص منها حسب طبيعتها بطرق لا تؤذي البيئة قدر الإمكان.
- تربيته على حب الطبيعة من خلال الاستماع للفيديوهات أو اصطحابه إلى الحدائق العامة الخضراء أو الحقول أو المعسكرات البيئية والكشفية وتوضيح أهمية الحفاظ عليها وقيمتها للإنسان.
- تحبيبه في الأطعمة الطازجة واقتنَائها في البيت وتوضيح أهميتها وقيمتها الغذائية(5).
ما أثر تربية الطفل بيئيًّا؟
إن التربية البيئية لها تأثير كبير وفعّال في حياة الطفل وتكوين شخصيته، فالإنسان منذ طفولته يتأثر وينفعل بكل ما يحدث حوله من أعمال وممارسات، والأطفال يكتسبون أخلاقهم وسلوكياتهم من البيئة والأشخاص المحيطين بهم.
والبيئة الطبيعية تُساعد الطفل على استكشاف العديد من الأشياء ما يُسهم في تفتّح طاقاته ونمو قابلياته الذهنية والنفسية والمهاراتية، بل البيئة تلعب هذا الدور بحقّ الراشدين، ومن هنا دعانا القرآن الكريم إلى التفكّر والنظر والتأمّل والتدبّر في الآيات الآفاقية المنتشرة في البيئة الطبيعية وذكر عدّة نماذج وأمثلة في هذا المجال، لما له من دور في تكوين عقائد واتّجاهات ومشاعر خاصّة عند الإنسان، فالإنسان يتأثّر بالبيئة الطبيعية المحيطة به وينفعل عنها حتى في أمزجته وطباعه وأنماط تفكيره ومشاعره النفسية، بل على صحته الجسدية، وهو ما يجعلنا حريصين على توفير بيئة نظيفة يتشارك الجميع في حمايتها(6).
أخيرًا
فإن التربية البيئية لها دور مهم في تمكين البشر من إدارة سلوكهم والنّظام البيئيّ، ليعيشوا بطريقة مستدامة، إذ إن هذه التربية تُوعّي الإنسان بما يتعلق بالبيئة والتّحديات التي ترتبط بها، والمساهمة في تطوير الخبرات والمهارات المطلوبة لمواجهة الصّعوبات والتّحديات والمعوّقات، وفي الوقت نفسه تُعزز المواقف والدّوافع لاتّخاذ قرارات مستنيرة ومسؤولة.
ولقد حمى المنهج الإسلامي البيئة، حينما حارب التّصحر، وحثّ على تعمير الأرض، ونهى عن قطع الشجر ولو في الحروب، وشجّع على الاستزراع واعدًا المؤمن بالأجر الدنيوي والأخروي، كما نهى عن التوقف عن الغرس حتى مع نهاية الحياة بقيام الساعة، وأمر بإماطة الأذى عن الطريق حتى تظل الأرض نظيفة خالية من العوائق والمكدرات، وحثّ على النظافة في الساحات والبيوت والمنازل والطرقات، وأمر بالمحافظة على المياه وحرّم هدرها أو الإسراف فيها لغير حاجة، كما حرم الصيد في أزمنة وأماكن محددة ليتيح الفرصة للحيوانات والطيور بالتكاثر.
المصادر والمراجع:
- صلاح عبد السميع عبد الرزاق: التربية البيئية (تعريفها ــ أهدافها ــ أهميتها)، 18 سبتمبر 2020.
- خالد محمود عبد اللطيف: التلوث البيئي والتلوث المعنوي أيهما أخطر؟، 30 أبريل 2019.
- فيديل سبيتي: الحفاظ على البيئة يضخ مبالغ طائلة في الاقتصاد العالمي، 21 يوليو 2021.
- محمود أمين: «الأخلاقيات البيئية» ضرورة لتحقيق التنمية المتوازنة، 13 يوليو 2016.
- ميس نبيل طمليه: طرق تعليم الأطفال الحفاظ على البيئة، 28 ابريل 2021.
- عدنان عبد العزيز الوحيدي: تأثير العوامل البيئية على صحة ونمو الأطفال، يناير 2013.