لا تقل التربية البدنية والرياضية أهمية عن التربية الأخلاقية، نظرًا لفَوائدها العديدة التي من بينها تنمية مهارات العمل الجماعي وحلّ المشكلات، والوصول بالجسم إلى درجة لياقة مناسبة ووزن صحي، وتقليل الضغط والتوتّر والعنف في المجتمع، وتفريغ طاقات الشباب في أعمال هادفة، وتنمية الأخلاق الحميدة والروح الرياضيّة لدى ممارسيها.
وتُنمي التربية الرياضية حبّ التقدّم والسعي نحو النجاح وتحقيق الأهداف، بالإضافة إلى تحسين المستوى الأكاديمي للطلّاب، وإمدادهم بالعديد من المهارات التعليميّة مثل الحفظ والتكرار، وبالتالي فهي ضرورة وليست مجرد ترفيه.
مفهوم التربية البدنية وفوائدها
وتعني التربية البدنية مجموعة الأنشطة البدنية المختارة لتحقيق حاجات الفرد من الناحية البدنية والعقلية بهدف تحقيق النمو المتكامل له، ويعرفها البعض بأنها هي جزء متكامل من التربية العامة، وتهدف إلى إعداد المواطن اللائق في الجوانب البدنية والعقلية والانفعالية والاجتماعية، عن طريق ألوان النشاط الرياضي المختارة بغرض تحقيق هذه الخصال.
وعرفها آخرون بأنها مجموعة من القيم والمهارات والمعلومات والاتجاهات التي يُمكن أن يكتسبها برنامج التربية البدنية للأفراد، فهي عملية تهدف إلى تحسين الأداء الإنساني من خلال الأنشطة البدنية المختارة لتحقيق ذلك، ومن خلالها يكتسب الفرد أفضل المهارات البدنية والعقلية والاجتماعية واللياقة البدنية عبر النشاط البدني.
وترى هذه التربية أن الإنسان عبارة عن وحدة متكاملة عقلًا وجسمًا ووجدانًا، لذلك فهي تهدف إلى تنمية الفرد تنمية متكاملة من جميع الجوانب ليصبح عضوًا نافعًا في مجتمعه، ومن فوائدها:
- تنمية الكفاية البدنية للجسم بما يُناسبه من تدريبات، وتنمية وتقوية العضلات والمفاصل، وتنمية القدرة الحركية وتأهيل الجسم للقيام بجميع حركاته بكفاءة منقطعة النظير، وبخفة ورشاقة ومرونة وقوة في التحمل وسلامة في جميع الأجهزة الحيوية.
- القدرة على استيعاب المعلومات ونمو القوى العقلية والتفكير العميق الهادف الذي لا يتأتى بصورة مُرضية إلا إذا كان الجسم سليمًا، لأنه الوسيط للتعبير عن العقل والإرادة واكتساب الكثير من المعارف والمعلومات التي تتعلق بطريقة اللعب وقوانين الألعاب.
- تكوين الشخصية الناضجة السوية، ومعالجة الكثير من الانحرافات النفسية بغرض تحقيق التوافق النفسي.
- إدماج الفرد في المجتمع بفرض حقوق له وواجبات عليه وتعليمه التعاون والمعاملات وكيفية التوفيق بين ما هو صالح له فقط وما هو صالح للجميع.
- تطوير قدرات الطالب، بتحسين صحته التي تؤدي في النهاية إلى زيادة إنتاجه في الدراسة والتحصيل.
- إشغال الطاقة الزائدة للفرد، ليتحرر من الكبت والانفعال اللذان يتحولان بمرور الزمن إلى مرض نفسي حاد.
التربية البدنية في الإسلام
ولقد حثّ الإسلام على التربية البدنية والرياضية للرجال والنساء، وجعلها أداة مهمة لتقوية الجسم، لأنه يريد أن يكون المسلم قوي الجسم والعقل والأخلاق والروح، لذا نجد أن الله- عز وجل- مدح القوة في كتابه ووصف نفسه، فقال تعالى: (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 58].
ومدح أمين الوحي جبريل- عليه السلام- بالقوة فقال: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) : [التكوير: 19-21]. وأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالاستعداد للأعداء بكل ما يستطيعون من قوة، فقال جل في علاه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ …) [الأنفال: 60].
واهتمت السّيرة النبوية المطهرة ببناء المؤمن القوي، سليم الجسم لأنه أحب عند الله من المؤمن الضعيف، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم-: “الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كلٍّ خير” (أحمد، ومسلم، والنَّسائي)؛ وهذا لأن الجسم القوي أقدرُ على أداء التكاليف الدينيّة والدنيويّة.
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحث أصحابه دائمًا على ممارسة الرياضة، وينتهز الفرص لتطبيق ذلك عمليًّا، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِك- رضي الله عنه- قَالَ: “كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- بِتُرْسٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ، فَكَانَ إِذَا رَمَى يُشْرِفُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-، فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ نَبْلِهِ”. (أحمد، والبُخَارِي).
وعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: “كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ، فَهُوَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ، إِلاَّ أَرْبَعٌ: مُلاَعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُهُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ”. (النَّسَائِي، والطبراني – صححه الألباني).
ضوابط التربية الرياضية
لم يُشرّع الإسلام التربية البدنية والرياضية دون وضع حدود وضوابط لها تحميها من الانحراف عن الطريق الصحيح، وهذه الضوابط تشمل الرجال والنساء على حد سواء، ومن ذلك:
- إخلاص النية لله: فيجب على الطلاب وغيرهم ممّن يمارسون الرّياضة أن يعرفوا بأن كل عمل لا إخلاصَ فيه لا أجر عليه.
- أن توصِّل المسلم إلى القوة المرجوة: بحيث تبعث في قلوب أعداء الإسلام الرهبةَ والخوف، وهو المستفاد من قول الله تعالى: (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ [الأنفال: 60].
- وألا يكون فيها إسراف: حتى لا تشغلُ الطلاب وغيرهم عن تأدية واجباتهم الدِّينية من صلاة وصيام وغيره، أو واجباتهم الوطنية والاجتماعية، أو غير ذلك من الواجبات.
- ألا تكون مصحوبة بالكِبر أو المَخِيلة: فالإسلام لا يقر العُجب والكِبْر، سواء على الأقران الممارسين للعبة، أو على الجماهير.
- ألا تكون مصحوبة بالإفساد: بحيث يجري فيها إعاقة أحَد الطرفين للطرف الآخر، بل لا بُد من أن تعمل الرياضة على نشر الحب والرحمة بين الممارسين لها، ومن أشكال الإفساد- أيضًا- تعطيل المرور أو حاجات الناس، أو اللعب في أوقات ينبغي أن توفر فيها الراحة للمحتاجين إليها، وما يحدث بين المشاهدين والمشجعين من التعارك أو التنابز بالألقاب.
- موافقتها لعقيدة الولاء والبراء: فلا يُشجع المسلم رياضيًّا مخالفًا له في العقيدة، ويحبه ويحاول أن يتقمص شخصيته، في هيئته وهندامه وما إلى ذلك، فهذا لا يقرّه الإسلام، ولا مانع أن يتعلم المسلم من الكافر ما دام أن الرياضي يعرف أسرار مهارات تلك الرياضة.
- ليس بها اختلاط: فالألعاب الجماعيّة التي يشترك فيها الجنسان، ويحدث فيها كشف للعورات أو أمور يَنهَى عنها الدِّين لا تجوز.
- لا تثير الشهوة والفتنة: فكل الألعاب التي تسبب ذلك مثل: رياضة الرّقص من النساء حين تُعرَض على الجماهير غير جائزة.
- لا تكشف العورة: سواء في اللعب أو عند تغيير الملابس، بل الواجب سترالعورة على كل حال.
- ممارسة كل جنس ما يوافقه من ألعاب رياضية: فلا يقوم الرجال برياضة النساء ولا العكس.
- لا تجوز الألعاب التي يدخل فيها الميسر (القمار): فإنه قرين الخمر في كتاب االله، وهو رجس من عمل الشيطان.
الرياضة والنساء
والرياضة محمودة للنساء كما هي للرجال، بالضوابط التي سبق ذكرها، وهي تمنح المرأة فوائد عديدة صحيًا ونفسيًا وتربويًا، منها:
- تعزيز الجهاز المناعي بالجسم والوقاية من الإصابة بالأمراض المزمنة، والتي منها القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري وسرطان الثدي والرحم.
- التقليل من خطر الإصابة بأمراض السمنة وهشاشة العظام.
- التخفيف من أعراض آلام الدورة الشهرية، وتساعد على نزول الدم، والتخلص من آلام الظهر.
- تفيد المرأة بعد الولادة الطبيعية أو القيصرية، لشد منطقة البطن، وزيادة إفراز الحليب.
- تقي من الإصابة بمشكلات الجلد؛ وتعمل على إفراز الكولاجين الذي يعطي نضارة للبشرة باختلاف أنواعها.
- تحفيز الجهاز الهضمي ما ينعكس بالإيجاب على صحة الجسم.
- فقدان الوزن والتخلص من الدهون؛ إذ تعمل ممارسة الرياضة على زيادة معدلات حرق السعرات الحرارية بالجسم، وتحسين عملية التمثيل الغذائي، وتحويل الأنسجة الدهنية إلى أنسجة عضلية.
- تحمي المرأة من الإصابة بالاكتئاب والتوتر، وبالتالي يعود عليها بالنفع في القدرة على تحمل أعباء المنزل وتربية الأبناء.
- السيطرة على الغضب والقلق في المواقف الصعبة.
- تُساعد الرياضة في النوم والاسترخاء، سيّما لدى النساء اللاتي يعانين من الأرق.
أهمية الرياضة بالأرقام
وأثبتت دراسات علمية حديثة أهمية التربية البدنية للرجال والنساء، فهي تقوي العضلات والمفاصل، وتنمي القدرة الحركية وتؤهل الجسم للقيام بجميع حركاته بكفاءة، وبخفة ورشاقة ومرونة وقوة في التحمل وسلامة في جميع الأجهزة الحيوية، إضافة إلى تنمية القدرة على استيعاب المعلومات ونمو القوى العقلية والتفكير العميق الهادف، وبالتالي تكوين الشخصية الناضجة السوية، ومعالجة الكثير من الانحرافات النفسية.
وفي شهر يونيو من عام 2020م، كشفت دراسة أجريت في أسكتلندا، عن أن ممارسة الرياضة تساعد على تفادي ما يقارب أربعة ملايين وفاة سنويًّا في مختلف دول العالم، نظرا إلى دورها في الوقاية من عدة اضطرابات صحية.
وأكد باحثون من جامعة أدنبرة، المنافع الكبرى لممارسة الرياضة، بعدما درسوا بيانات صادرة عن 168 دولة في العالم، إذ أظهرت النتائج أن ما لا يقل عن 3.9 ملايين وفاة مبكرة يمكن تجنبها كل سنة في العالم، بين أشخاص تتراوح أعمارهم بين 40 و74، بفضل ممارسة الرياضة.
وفي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية- على سبيل المثال-، تبيّن أن ممارسة الرياضة تُساعد على حماية أرواح ما يقرب من 140 ألف شخص لفوائدها الصحية.
وبعد هذه الدراسة بأشهر، كشفت دراسة بريطانية، عن أن نحو 30 إلى 40 دقيقة يوميًّا من التمارين الرياضية المعتدلة إلى الشديدة يمكن أن تُعوض الآثار الصحية السلبية للجلوس على مكتب طوال اليوم.
وأشار الباحثون إلى إن ما يصل إلى 40 دقيقة من “النشاط البدني المعتدل إلى القوي” كل يوم هو المقدار الصحيح لموازنة 10 ساعات من الجلوس بلا حراك- على الرغم من أن أي قدر من التمارين أو حتى مجرد الوقوف يساعد إلى حد ما.
وبالنسبة لأهمية الرياضة للأعمار الصغيرة، فقد وجدت دراسة أمريكية أن 60 دقيقة من الحركة البسيطة كل يوم لمن هم في عمر 12 عامًا كانت مرتبطة بانخفاض متوسط الاكتئاب بنسبة 10٪ عندما يصبحون في عمر 18 عامًا، وتراوحت أنواع الحركة بين الركض وركوب الدراجات وحتى المشي والقيام بالأعمال المختلفة.
ومن هنا، فإن التربية البدنية مهمة لا غنى عنها، ولا بد من أن نحفز أبناءنا على ممارسة نوع من الرياضة بحيث تتناسب مع قدراتهم ومهاراتهم، على أن تكون مضبوطة بالضوابط الشرعية، وأن نحفزهم على تحمل هذه الرياضة والصبر عليها، سيما أن هذا استجابة لأمر الله من الأخذ بالقوة.
إن التربية البدنية والرياضية للطلاب مهمة لا غنى عنها، ولا بد من أن نحفز أبناءنا على ممارسة نوع من الرياضة بحيث تتناسب مع قدراتهم ومهاراتهم، على أن تكون مضبوطة بالضوابط الشرعية، وأن نحفزهم على تحمل هذه الرياضة والصبر عليها، سيما أن هذا استجابة لأمر الله من الأخذ بالقوة، وبالتالي فلا بُد من أن تكون خالصة لوجه الله- عز وجل- وينبغي بممارستها التقرب إليه سبحانه.
المصادر والمراجع:
- موقع مفاهيم: مفهوم التربية البدنية وفوائدها للصحة العامة للجسم.
- مفهوم التربية البدنية والرياضية.
- بدر عبد الحميد هميسه: الإسلام والروح الرياضية.
- محمد سلامة الغنيمي: رياضة البدن.
- ابن القيم: زاد المعاد، 3/210.
- عطية صقر: الرياضة البدنية.. التعريف والحكم والآداب.
- سعود بن عبد الله الروقي: الرياضة من منظور إسلامي، ص 87.
- د. نورة مسلم المحمادي: رياضة المرأة البدنية.. أحكام وضوابط، ص 365- 366.
- بالأرقام.. العالم يتفادى ملايين الوفيات سنويا بفضل الرياضة.