إنّ التربية الإيمانية على محبة الله- عز وجل- وتعظيمه ورجائه والخوف منه والتسليم لأمره ونهيه، لتأتي على رأس الأولويات والواجبات التي ينبغي لأولياء الأمور والمربين أن يعتنوا بها، سيّما في عصرنا الحالي الذي كثرت في الفتن، وازداد تربص أعداء الأمة بالنشء والشباب، فضلا عن طغيان الحياة المادية والثورة الصناعية والعلوم التجريبية التي تركت أثرها في إضعاف الإيمان وغرور الإنسان بعقله والتركيز على الأمور المحسوسة.
وفي بحث أعده الدكتور محمد عمر الحاجي، فقد رأى أنّ الشريعة الإسلامية تُركّز على فكرة مهمة مفادها تعويد الطفل منذ الصغر على فهم أصول الإيمان وأركان الإسلام، بحيث يفهم حقائق الإيمان بالغيبيات كالإيمان بالله سبحانه، وبالملائكة، وبالكتب، وبالرسل والأنبياء عليهم السلام، وبالبعث والحساب، والجنة والنار، إضافة إلى التركيز على التمسك بالعبادات وأمور العقيدة والسلوك والآداب والأحكام والأخلاق.
التربية الإيمانية المبكرة
وثمة إرشادات وتوجيهات ووصايا عدة وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال السلف الصالح، تحض على التربية الإيمانية المبكرة، فمن ذلك ما رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس – رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله))، وذلك حتى تكون بدايات معرفته كلمة التوحيد.
وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما- أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع”، وذلك حتى يعتاد الولد أداء العبادات التي تُهذب جسمه وروحه وعقله.
وروى الطبراني عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه”.
ويقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق.
وبالتالي، فالمنهج التربوي له مقدمات توصل إلى نتائج.
ولهذا فعلى المُربين أن يرتبوا مسألة التعامل التربوي مع الأولاد على الشكل التالي:
- أن يرشدوهم إلى الإيمان بالله، وذلك من خلال التفكر في آلائه ونعمه، وما بث في هذا الكون الفسيح من محسوسات، تجعل العاقل يسجد بين يدي الخالق سبحانه، معترفًا بتقصيره وعجزه.
- أن يغرسوا في نفوسهم روح الخشوع والتقوى والعبودية لله رب العالمين، وذلك من خلال اتباع الوسائل التي تقوي في النفس الخشوع والتقوى، مثل: الخشوع في الصلاة، والتعود على التباكي عند سماع القرآن الكريم.
- أن يربوا فيهم روح المراقبة لله سبحانه في كل تصرفاتهم وأحوالهم، وذلك من خلال ترويضهم على أن الله سبحانه يعلم السر وأخفى، ويعلم ما تخفيه الصدور، وأنه مراقب لكل تصرفاتنا ومطلع عليها.
- ففي العمل يجب أن يراقب الإنسان ربه، ويكون مخلصًا فيه، قاصدًا من خلاله وجه الله سبحانه، كما قال تعالى: {ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} (البينة: 5).
أهمية التربية الإيمانية
وتتلخص أهمية التربية الإيمانية للنشء والشباب في عشرة أمور، على النحو التالي:
الأول: الإيمان هو أفضل الأعمال، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن: “رسول الله – صلى الله عليه وسلم- سئل أي العمل أفضل، فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور”.
الثاني: الإيمان مناط النجاة يوم القيامة، عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم”.
الثالث: تفاوت الناس يوم القيامة علي أساس الإيمان وهذا، يتفاوت من ميدان إلى ميدان، فمثلا أهل الجنة يتفاوتون فيما بينهم من درجات وكذلك أهل النار يتفاوتون فيما بينهم من دركات.
الرابع: الإيمان هو الأساس والأصل في التربية الإسلامية.
الخامس: الإيمان هو الزاد للمرء في مواجهة الشهوات.
السادس: قوة الإيمان هو العلاج الأنجح لكثير من المشكلات، فمثلا (قسوة القلب، الفتور، العناية بالعبادات…) وغيرها من المشكلات لا يعالجها إلا قوة الإيمان.
السابع: قوة الإيمان هي أهم ما يعين المرء على الثبات على دين الله، خاصة ونحن اليوم نعاني من كثير من حالات التقهقر والتراجع، لذا فحين سأل هرقل أبا سفيان عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل؟ فيه قلت: لا. فكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
الثامن: قوة الإيمان هى أقوى حاجز بين المرء وبين مواقعة الحرام والمعاصى، وحتى حين يواقعها العبد، فالمؤمن هو أقدر الناس على الإقلاع والتوبة.
التاسع: الشباب فى مرحلة المراهقة يعيش قوة وفراغاً، ولذا فاغتنام ذلك في العبادة أمر فى غاية الأهمية، والله يعجب من شاب ليست له صبوة.
العاشر: إننا فى آخر الزمان، وقد عُرف فضل العبادة والالتزام بالدين، فيجب على المربين الاهتمام بالتربية الإيمانية.
أسس التربية على الإيمان
إن المقصود بالأسس، أي الأصول السليمة التى يبنى عليها منهج التربية الإيمانية الذي لا يقوم بدونها، وينحرف سيرها إذا فقدت إحداها، وعلى القائمين بهذه التربية الاهتمام بتلك الأسس قبل أي شيء آخر، والتأكد من تثبيتها فى قلب كل مترّبٍ ومتعلم.
ولقد كان من أهم أسباب الخلل الحادث فى التربية على الإيمان إهمال أحد جوانبها الأربعة التالية:
1- العقيدة: هي الأساس الذى ينبنى عليه المنهج التربوي لتطهير القلب، وتزكية النفس، ومن مفاهيم العقيدة: معرفة الله تعالى وترجمة معنى لا إله إلا الله، ومعرفة مداخل الشرك والنفاق إلى القلب، وتأصيل الولاء والبراء، وضبط سلوكيات النفس على ما جاء به الشرع المطهر.
2- العلم: والمقصود به هنا العلم الشرعى أو ما يزيد قربه من الله، فإذا الشاب وجد منهجا علميًّا واضحًا بيتًا متكاملاً قل خطؤه، وعظم فقهه، توسعت مداركه وأدرك أهمية الشريعة، وعرف مقتضاها، وعمل بها.
3- العبادة: وهي التطبيق العملي لجميع المعلومات النظرية التي يتلقاها القلب والعقل، فإمّا أن يعمل الإنسان بما علم فيحسن عمله فتقبل منه عبادته ويرقى فى مقامه عند ربه، وإما ألا يعمل بما علم فلا تقبل منه أعماله فيسقط عن ربه.
4- الذكر: هو أساس عظيم إذ يستوى فيه جميع الناس من حيث القدرة، لذا نرى عظم تواتر الأمر بالندب له في الكتاب والسنة، وشدة ملاصقته لحياة المؤمن في يومه وليلته، والذكر من أجل الأعمال وأعظمها عند الله، وبه تختم الأعمال الصالحة، ويفتتح به العبد يومه ويختتمه به، ويكون حفظاً وحرزاً من كل شر ومكروه.
أهداف التربية على الإيمان
إنّ الهدف العام من التربية الإيمانية هو تعاهد الإيمان في نفوس الناشئة والسعي لتنميته وزيادته، وتعميق معاني الإيمان والارتقاء بالقلوب حتى تجد حلاوة الإيمان، وتحب طاعة الرحمن، وتنأى عن الفسوق والعصيان.
وتتمثّل الأهداف الفرعية للتربية الإيمانيّة في الآتى:
- تقوية تعظيم الله في النفوس.
- الاعتناء بتلاوة القرآن الكريم وتدبر آياته.
- التفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى.
- تحرير القلب من التعلق بغير الله.
- تقوية التقوى في النفس، والمراقبة لله تعالى في النفوس.
- العناية بأعمال القلوب والفرائض والسنن.
- تعظيم حرمات الله واجتناب المعاصي، والورع واجتناب الشبهات.
وتتمثل وسائل التربية على الإيمان في العناية بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة وتدبرا، والتفكر في المخلوقات، وجلسات الذكر المواعظ والرقائق، والتعاون على أداء العبادات، وتذكر الموت والدار الآخرة، والتنافس والتسابق في الخير، والقدوة الحسنة، والاعتناء بدراسة سير السلف، والحج والعمرة لمن استطاع مع الرفقة الصالحة.
كيف نربي الشباب النشء إيمانيا؟
ليكن في ذهن الداعية المربي أنه إذا عجز عن إصلاح القلوب وتزكية النفوس، فقد عجز عن أهم وظيفة، ومن الوصايا في التعامل مع المراهقين وغرس التربية الإيمانية في قلوبهم ما يلي:
- أن يكون الحث والتوجيه إلى هذا الجانب عفويا، وبطرق غير مباشرة ما أمكن.
- مخاطبة العقول، إلى جانب العواطف والمشاعر، نظراً لما يتمتع به الصغار والمراهقون من تفتح عقلي، وقدرة منطقية، وحيوية فكرية.
- أن يبدأ المربي فى مناقشة هذا الجانب والتوجيه على ممارسته مبكرا.
- توظيف القدرات في التأمل والتساؤل والتفكر حول الكون والنفس والحياة.
- استثمار مواقف الضعف والضيق والشدائد والنوازل عند تربية الناحية العبادية.
- التدرج والصعود شيئا فشيئا، فيبدأ بالأسس والمهمات.
- التلازم بين العلم والعمل ضرورة ملحة، فلا يطغى جانب على آخر، وإذا كان المربى لما يدعو إليه قدوة صار أمة يقتدى بها.
- ليحذر المربي من حصر المتربين بسياج من حديد عن العالم المحيط، وليكن متوسطًا معتدلاً في تأطير منابع أخذهم.
- لتكن العلاقة بين المربي والمتربي قائمة على الحب في الله دون مبالغة في ذلك بشيء من المعاشرة الزائدة، وبذل العواطف الجياشة، إذ ذلك مدعاة لمزالق منها السكوت عن الخطأ وذهاب الأثر التربوي.
المصادر:
- التربية الإيمانية.. مفاهيم أساسية.
- بالتربية الإيمانية نحلّق مع أبنائنا.. والعقيدة جناح .
- ما هي التربية الإيمانية، وما أهميتها؟ .