تأليف: الدكتور يوسف القرضاوي (رحمه الله تعالى).
الناشر: مكتبة وهبة- القاهرة- الطبعة الخامسة- 1425هـ/ 2004م.
يركز هذا الكتاب على جانب واحد من جوانب هذه الحركة الضخمة، ألا وهو: جانب التربية، كما فهمه الإخوان من الإسلام، وكما طبقوه. كما يهدف إلى إبراز المعالم وإعطاء الملامح التي تكفي لإيضاح فكرة الجماعة عن التربية وجهودها في ممارستها، ونقلها إلى واقع حي يتمثل في بَشر أحياء. فقد كان للتربية الإسلامية في فهم الإخوان وتطبيقهم خصائص بارزة، ومميزات ظاهرة، أهمها: التأكيد على الربانية، والتكامل والشمول، والاعتدال والتوازن، والإيجابية والبناء، والأخوة والروح الجماعية، والتميز والاستقلال.
يقول الكاتب: فلا يخفى على دارس أو مراقب أن حركة الإخوان تمثل- في الدرجة الأولى- مدرسة نموذجية ناجحة للتربية الإسلامية الحقَّة. وأن أهم ما حققته هو تكوين جيل مسلم جديد، يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا، ويؤمن به إيمانًا عميقًا، ويعمل به في نفسه وأهله، ويجاهد لإعلاء كلمته، وتحكيم شريعته وتوحيد أمته.
كانت تربية هذا المسلم هي المهمة الأولى لحركة الإخوان؛ لأنه هو وحده أساس التغيير، ومحور الصلاح والإصلاح. ولا أمل في استئناف حياة إسلامية، أو قيام دولة إسلامية، أو تطبيق قوانين إسلامية، بغيره.
وصف عام للكتاب
تناول الكتاب عددا من القضايا ذات الصلة بالتربية الإسلامية لدى الإخوان، كما أسسها وأرسى دعائمها مرشدها الأول الإمام حسن البنا. وجاءت هذه المسائل التربوية على النحو الآتي: الربانية- التكامل والشمول- الجانب العقلي- الجانب الخلقي- الجانب البدني- الجانب الجهادي- الجانب الاجتماعي- الجانب السياسي- الإيجابية والبناء- الاعتدال والتوازن- الاعتدال في النظرة إلى المجتمع وتحديد هويته- موقف الدعوة من الوطنية والقومية وغيرها (وطنية الحنين- وطنية الحرية والعزة- وطنية المجتمع- وطنية الفتح- وطنية الحزبية) حدود وطنيتنا- غاية وطنيتنا- أصناف الناس في موقفهم من الدعوة- الأخوة والجماعة- الخاتمة.
الربانية
الجانب الرباني أو الإيماني في التربية الإسلامية كما فهمها الإخوان وطبقوها هو أهم جوانب التربية وأشدها خطرًا وأعمقها أثرًا؛ وذلك أول هدف للتربية الإسلامية، ألا وهو تكوين الإنسان المؤمن. والجانب الإيماني أو الرباني كان- ولا يزال- يحتل في مناهج التربية الإخوانية مساحة واسعة، وينال اهتمامًا بالغًا. فالدعوة دعوة ربانية قبل كل شيء، والدعوات الربانية إنما توجه وجهها إلى الله وحده، وتجعل رضاه غاية المراد. وقد أكد الإخوان في تربيتهم على معاني “الإخلاص” لله وحده، والإخلاص أحد أركان البيعة في رسالة التعاليم، وحذروا كل التحذير من حب الظهور الذي طالما قصم الظهور. من هنا كان من المقومات الأساسية التي قامت عليها التربية الربانية الإخوانية: العبادة لله تعالى، فهي الغاية الأولى من خلق المكلَّفين. ومن المعاني الأساسية التي حرص الإخوان عليها في العبادة: 1- التزام السنة، واجتناب البدعة 2- الاهتمام بالفرائض 3-الترغيب في صلاة الجماعة 4-الترغيب في التطوع والنوافل 5- الترغيب في ذكر الله. وكان من ثمرات هذه التربية الإيمانية الربانية أن قدَّم الإخوان ما قدَّموا لأوطانهم وفي سبيل دعوتهم دون أن يمنُّوا على أحد. بل الله يمن عليهم أن هداهم للإيمان. وإن صبَّت عليهم سياط العذاب في محن متلاحقة؛ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا. ووهبوا كل ما أصابهم من أذى وما قدموه من تضحيات لله جل جلاله، ولهذا لم يفكر الإخوان في الانتقام ممن سجنوهم وعذبوهم وشرَّدوهم وصادروا أموالهم وجوّعوا أسرهم. وكان طابع الربانية المشرقة هو الغالب عليهم والمهيمن على أكثرهم.
التكامل والشمول
من خصائص التربية الإسلامية، كما فهمها الإخوان وطبقوها: التكامل والشمول الذي تميز به الإسلام، فليست التربية الإسلامية مقصورة على جانب واحد من جوانب الإنسان؛ ذلك أنها تربية للإنسان كل الإنسان: عقله وقلبه، روحه وبدنه، خُلقه وسلوكه، كما أنها تعد هذا الإنسان للحياة بحلوها ومرها.
الجانب العقلي
للإخوان عناية كبيرة بهذا الجانب تبعًا لعناية الإسلام نفسه به، فالإسلام يريد أن يكون المسلم على بينة من ربه، وأن تكون دعوته (على بصيرة)، ولا يقبل إيمان المقلد، ولا يرضى ممن آمن به أن يكون إمّعة، يفكر برأس غيره، بل الواجب أن يفكر وينظر ويتفقه؛ فلا غرو إذن أن تكون التربية العقلية لازمة لزوم التربية الإيمانية أو الروحية، ولهذا جعل الأستاذ البنا “الفهم” أول أركان البيعة، لأن المرء لا يخلص للحق ويعمل له، ويجاهد في سبيله إلا بعد أن يعرفه ويفهمه. والقرآن يجعل العلم سابقًا على الإيمان والإخبات، وهما نتائج له: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الحج:54]. فهم الإخوان فهما جديدًا قديمًا، أما جدّته فلغرابته على كثير من الناس حتى من أبناء المسلمين أنفسهم، حتى اعتبروا الإسلام نظامًا شاملًا يتناول مظاهر الحياة جميعًا، فهو دين ودولة، وعبادة وقيادة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف، وصلاة وجهاد، كما أعلن مؤسس الحركة. في الأصل الأول من أصوله العشرين. كان هذا الفهم جديدًا على الناس حتى سماه الإمام الشهيد حسن البنا: “إسلام الإخوان المسلمين”، ولكنه في الواقع فهم قديم قدم الإسلام ذاته، لأنه فهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان لإسلامهم: القرآن والسنة.
الجانب الخلقي
ومن أهم جوانب التربية لدى الإخوان” الجانب النفسي” أو الخلقي، فقد اشتد اهتمامهم به، وتأكيدهم عليه، واعتباره هو المحور الأول للتغيير الاجتماعي، فالسر في كل كفاح ناجح، يكمن أول ما يكمن في تلك التهيئة النفسية، والتعبئة الشعورية، والتربية الأخلاقية، التي تغير الأفراد، فتتغير المجتمعات من حال إلى حال. ومن أهم ما عني الإخوان بغرسه في أنفس رجالهم من الفضائل الخلقية:
1- الصبر: سواء أكان صبرًا على طول الطريق، أم كثرة الأشواك فيه، أم على كثرة قطاعه بطريق الخوف، أم على كثرة قواطعه بطريق الطمع. فلابد من الصبر على هذا كله.
2- الثبات: وجعله الإمام البنا أحد أركان البيعة العشرة. وآفة كثير من المنتسبين إلى الدعوات قصر النفس أو ضيق النفس؛ فينقطعون في وسط الطريق، أو يرجعون القهقرى، أو ينحرفون يمنة أو يسرة.
3- الأمل: ومعناه الرجاء في انتصار الإسلام والثقة بأن المستقبل له وأن نصر الله قريب.
4- البذل: وهو من أبرز الأخلاق التي ربي عليها الإخوان، وقد يعبر عنه بالتضحية، وهي ركن من أركان البيعة العشرة.
الجانب البدني
لم يغفل الإخوان في تربيتهم الجانب البدني للأخ المسلم، فالبدن هو مطية الإنسان للوصول إلى أهدافه، والقيام بأعبائه الدينية والدنيوية. وهدف الإخوان من هذه التربية:
أولًا:صحة الجسم وسلامته من الأمراض.
ثانيًا: قوة الجسم ومرونته.
ثالثًا: خشونته وتحمله.
ولهذا اهتم الإخوان بإنشاء الأندية الرياضية، والفرق الكشفية، والرحلات والمعسكرات، للتدريب على حياة الخشونة والتحمل والصبر على المكاره. وكان لهذه التربية أثرها الإيجابي في تحمل قسوة السجون والمعتقلات.
الجانب الجهادي
ومن جوانب التربية التي تميزت بها حركة الإخوان: التربية الجهادية، وقد أحيت حركة الإخوان مفهوم الجهاد، بعد أن كان شبه غائب عن التربية الإسلامية، ونوَّهت به، واعتبره الإمام البنا أحد أركان البيعة العشرة، وأحد هتافات الجماعة المعبرة عنها. وكانت ثقافة الإخوان وتربيتهم في المعسكرات وغيرها بصفة عامة، تنمي فيهم شعور العزة والكرامة، وخلق البذل والعطاء وروح الفداء وحب الاستشهاد، كما تجلى ذلك في حرب 48 في فلسطين. وقد تعلم الإخوان أن مفهوم الجهاد أوسع وأشمل من مفهوم القتال، فالجهاد الكبير هو جهاد الدعوة والثبات على تبليغها، والصبر على مرارتها، وتحمل مشاقها وطول طريقها. ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد. وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها تكون عظمة الجهاد في سبيلها، وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها، وجزالة الثواب للعاملين.
الجانب الاجتماعي
ولقد رُبّي الإخوان على أن العمل لخير المجتمع جزء من رسالة المسلم في الحياة، فقد أشار القرآن إلى أن هذه الرسالة ذات شعب ثلاث: شعبة تجسد العلاقة بالله في العبادة، وشعبة تجسد العلاقة بالمجتمع في فعل الخير، وشعبة تجسد العلاقة بالأعداء في الجهاد ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج:77-78]. وكانت شعب الإخوان كلها دورا للإصلاح الاجتماعي، ومركزا لخدمة الشعب. وكانت أقسام البر والخدمة الاجتماعية في شعب الإخوان تنشئ المستوصفات الخيرية لتقديم الخدمة الطبية بأجور رمزية لغير القادرين، وتجمع الزكوات والصدقات لتوزيعها على المستحقين، وتفتح فصول محو الأمية، وتنشئ المدارس لتحفيظ القرآن، وتعليم الكبار، وتبني المساجد الجديدة وترمم القديمة، وتؤلف اللجان لإصلاح ذات البين، وتسهم في حل المشكلات التي تواجه الجماعة.
الجانب السياسي
ومن الجوانب المهمة التي عنيت بها التربية الإخوانية: الجانب السياسي، ونعني به ما يتصل بشؤون الحكم، ونظام الدولة، والعلاقة بين الحكومة والشعب، والعلاقة بين الدول وغيرها، والعلاقة بالمستعمر الغاصب، وغير ذلك من القضايا المتعددة. وكان على ” حسن البنا” أن يخوض معركة حامية الوطيس، لمطاردة المفاهيم الخاطئة عن العلاقة بين الدين والسياسة. تلك المفاهيم التي غرسها الجهل والهوى، وتعهدها الاستعمار الثقافي بالسعي والرعاية، حتى تغلغلت جذورها وامتدت فروعها. وتقوم التربية السياسية لدى مدرسة حسن البنا على جملة دعائم أهمها:
1- تقوية الوعي والشعور بوجوب تحرير الأرض الإسلامية من كل سلطان أجنبي.
2- إيقاظ الوعي والشعور بفرضية إقامة (الحكم الإسلامي) وضرورته، فهو فريضة شرعية، وضرورة قومية وإنسانية.
3- إيقاظ الوعي والشعور بوجوب الوحدة الإسلامية وضرورتها، فهي أيضا فريضة دينية، وضرورة دنيوية. وهو لا يرى تنافيا بين الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، والدعوة إلى الوحدة الوطنية أو الوحدة العربية. ولهذا فالإخوان يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس منهاجهم، وأن هذه الخطة تسبقها خطوات.
الإيجابية والبناء
تميزت دعوة الإخوان بحقيقة مهمة، هي الاتجاه إلى الإيجابية والبناء؛ فقد حرص حسن البنا على تربية الإخوان وتجنيبهم السلبية والتواكل والاستسلام والتشاؤم، والبعد عن المراء والجدل العقيم، وفتح لهم مجالات العمل ليصرفوا كل أوقاتهم وطاقتهم فيها. يقول الإمام البنا: وأريد بالعمل ثمرة العلم والإخلاص، ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق: إصلاح نفسه، وتكوين بيت مسلم، وإرشاد المجتمع، وتحرير الوطن، وإصلاح الحكومة، وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه. ووجه الإخوان إلى الاعتناء بالكليات قبل الجزئيات وبالأصول قبل الفروع، وأن يهتموا بالواقع وقضاياه، وبالمسائل العلمية. ولا يستغرقهم البحث فيما لا ثمرة له، أو لا طائل تحته. فالواجب في تربية المسلم أن يجعل الدعوة أكبر همه، ومحور حياته، وغاية سعيه، وأن من معاني الإيجابية في تربية المسلم ألا يكون همه التلذذ بالعبادات الشخصية، والانحصار في الأنس والذكر، والمتعة بالفكر، من غير التفات إلى أمراض المجتمع ومشكلات الناس. ومما أعان الإخوان على الإيجابية والإنتاج: تربيتهم على الإحساس بقيمة الوقت، والحرص على الانتفاع به. هكذا أراد حسن البنا لدعوته وحركته: أن تكون دعوة عمل وبناء وإنتاج.
الاعتدال والتوازن
ومن خصائص التربية الإسلامية، كما دعا إليها حسن البنا وعلَّمها لرجاله: الاعتدال، وإن شئت فسمِّه: التوازن أو الوسطية. فالإخوان يوازنون بين العقل والعاطفة، وبين المادة والروح، وبين النظر والعمل، وبين الفرد والمجتمع، وبين الشورى والطاعة، وبين الحقوق والواجبات، وبين القديم والجديد. وقد انتفعت الحركة بالتراث الإسلامي كله، فأخذت من علماء الشريعة العناية بالنصوص والأحكام، ومن علماء الكلام الاهتمام بالأدلة العقلية ورد الشبهات، ومن علماء التصوف العناية بتربية القلوب وتزكية النفوس، مع الحرص البالغ على التحرر مما علق بهذا التراث من شوائب ومحدثات، والرجوع إلى النبع الصافي من كتاب الله وسنة رسوله. وكانت مزية حسن البنا الجمع بين عقل السلفي المتبع، وقلب الصوفي المتذوق، وكذلك أراد لأصحابه. ويقول المؤلف: ويبدو لي من تتبع حياة حسن البنا ومراحل تفكيره ودعوته: أنه بدأ أقرب إلى الصوفية، وانتهى أقرب إلى السلفية، ولكنه لم يقم يوما بينها حربا؛ بل طعَّم صرامة السلفية بروحانية التصوف، وضبط مواجيد التصوف بالتزام السلفية. وكان ذلك هو الطابع الغالب على أتباعه إلا ما ندر.
الاعتدال في النظرة إلى المجتمع وتحديد هويته
ومن دلائل الاعتدال والتوازن في تربية الإخوان، كما فهمها حسن البنا ونفَّذها: نظرته إلى المجتمع وعلاقة الإخوان به؛ فهي نظرة وسطية معتدلة، تنظر إلى المجتمع من أفق رحب، ومن زوايا متعددة، وبمنظار سليم لم يَشبه الغبش والقتام. ورغم كل الانحراف والفساد في المجتمع، لم يذهب حسن البنا يوما إلى أنَّه مجتمع جاهلي كافر. لقد كان حسن البنا يربي أتباعه على الاحتراز من خطيئة ” التكفير” للمسلمين، والوقوع فيما وقع فيه الخوارج من قبل. فتكفير الأفراد والمجتمعات الذي تبناه بعض الدعاة إلى الإسلام فيما بعد- خطأ ديني، وخطأ علمي، وخطأ حركي. في تحديد علاقة الإخوان بالمجتمع، قامت تربية الإخوان على هذه النظرة المتزنة من الاهتمام بالمجتمع، والتفاعل مع أحداثه، والإحساس بآلامه وآماله. ومن القضايا التي تحدث فيها الإمام البنا وبيّن فيها موقف الإخوان قضية الوطنية والقومية وما شاكلها.
موقف الدعوة من الوطنية والقومية وغيرها
ومن مظاهر الاعتدال الذي ربى عليه حسن البنا رجال دعوته: موقفه من الدعوات والأفكار الأخرى التي كانت مطروحة في المنطقة حين ظهرت دعوته؛ كالوطنية، والقومية، والعروبة، والشرقية، والعالمية. فهو لا يصدم أصحاب هذه الدعوات برفضها رفضا مطلقا، كما لا يقبلها قبولا مطلقا، لكنه -عادة- يقسمها ويصنفها إلى ما هو مقبول لموافقته الفكرة الإسلامية، وما هو مرفوض لمنافاته لها. ومن ذلك حديثه عن: وطنية الحنين، ووطنية الحرية والعزة، ووطنية المجتمع، ووطنية الفتح، ووطنية الحزبية. ثم يقول إننا من دعاة الوطنية، بل مع غلاتهم في كل معانيها الصالحة التي تعود بالخير على البلاد والعباد. وأن تلك الدعوى الوطنية الطويلة العريضة لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم الإسلام.
حدود وطنيتنا
أما وجه الخلاف بيننا وبينهم، فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية. فكل بقعة فيها مسلم يقول: ” لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وطن عندنا له حرمته، وقداسته، وحبه، والإخلاص له، والجهاد في سبيل خيره. وكل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية أهلنا وإخواننا، نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم.
غاية وطنيتنا: أما نحن فنعتقد أن المسلم في عنقه أمانة، عليه أن يبذل نفسه ودمه وماله في سبيل أدائها.. تلك هي هداية البشر بنور الإسلام، ورفع علمه خفّاقا على ربوع الأرض، يبغي بذلك وجه الله وحده، وإسعاد البشرية ب\ينه وإعلاء كلمته.
أصناف الناس في موقفهم من الدعوة
يبين حسن البنا أصناف الناس في موقفهم من الدعوة، فيجعلهم أربعة:
1- مؤمن: بالدعوة معجب بمبادئها، فندعوه إلى الانضمام إلينا.
2- متردد: فندعو أن يتصل بنا عن كثب، ويتعرف إلى إخواننا.
3- نفعي: لا يريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة دنيوية ومغنم مادي. والله غني عمن لا يرى لله الحق الأول في نفسه وماله ودنياه وآخرته وموته وحياته.
4- متحامل: ساء فينا ظنه، وأحاطت بنا شكوكه وريبه، ولا يزال يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم، فهذا ندعو الله لنا وله الهداية والرشد، وسنظل نحبه، ونرجو فيئه إلينا.
الأخوة والجماعة
ومن المعاني الأساسية التي رُبِّي عليها الإخوان المسلمون “الأخوة والمحبة في الله“، بل جعل الإمام البنا، الأخوة ركنا من أركان البيعة العشرة. لقد أزالت التربية الإخوانية كل الحواجز، وأسقطت كل الفوارق التي تفصل بين الناس، ولم يبق إلا أخوة الإسلام، ونسب الإسلام.
من ثمرات الكتاب وفوائده:
- الجانب الرباني أو الإيماني في التربية الإسلامية كما فهمها الإخوان وطبقوها هو أهم جوانب التربية وأشدها خطرا وأعمقها أثرا.
- كان من ثمرات التربية الإيمانية الربانية أن قدّم الإخوان ما قدموا لأوطانهم، وفي سبيل دعوتهم، دون أن يمنُّوا على أحد، على الرغم مما لاقوه في سبيل ذلك من أذى ومحن متلاحقة.
- وهب الغخوان كل ما أصابهم من أذى وما قدموه من تضحيات لله عز وجل، ولهذا لم يفكروا في الانتقام ممن سجنوهم، وعذبوهم، وشردوهم، وجوَّعوا أسرهم.
- التربية العقلية للمسلم لازمة لزوم التربية الإيمانية، ولهذا جعل الإمام البنا ركن الفم أول أركان البيعة؛ لأن المرء لا يخلص للحق إلا بعد أن يعرفه ويفهمه.
- السر في كل كفاح ناجح يكمن في التهيئة النفسية، والتربية الأخلاقية، وعلى هذا تربى الإخوان.
- اهتم الإخوان بالتربية البدنية، وكان لهذا أثره في تحمل مشاق الدعوة وابتلاءاتها.
- أحيت حركة الإخوان مفهوم الجهاد، وكان أحد أركان البيعة لديهم، وتجلى جهادهم في حرب 48 في فلسطين.
- رُبِّي الإخوان على أن العمل لخير المجتمع جزء من رسالة المسلم في الحياة.
- تقوم التربية السياسية لدى مدرسة حسن البنا على تقوية الوعي بوجوب تحرير الأرض الإسلامية من كل سلطان أجنبي، وإيقاظ الوعي بفرضية إقامة الحكم الإسلامي، وإيقاظ الوعي والشعور بوجوب الوحدة الإسلامية وضرورتها.
- تميزت دعوة الإخوان بالاتجاه إلى الإيجابية والبناء، والبعد عن السلبية والتواكل والاستسلام والتشاؤم.
- من خصائص التربية الإسلامية كما دعا إليها حسن البنا وعلّمها لرجاله التوازن والوسطية.
- ربَّى حسن البنا أتباعه على الاحتراز من خطيئة” التكفير” للمسلمين.
- كان حسن البنا من دعاة الوطنية، بل مع غلاتهم في كل معانيها الصالحة، وكانت الوطنية لديه معتبرة بالعقيدة، وليس بالتخوم الأرضية والجغرافية.
- أسقطت دعوة الإخوان كل الفوارق والحواجز التي تفصل بين الناس، ولم يبق إلا أخوة الإسلام.
خاتمة
مَن زعم أن مجتمع الإخوان مجتمع مبرأ من العيوب، نظيف مائة في المائة، فقد جهل الإخوان، وجهل الواقع، وجهل التاريخ، وجهل طبيعة البشر.
يقول الكاتب: وغاية ما أقول: إن الإخوان المسلمين في مجموعهم كانوا يمثلون الصفوة من أبناء هذه الأمة، من حيث تحرر عقولهم، وطهارة قلوبهم، وزكاة أنفسهم، واستقامة أخلاقهم، ونظافة سلوكهم، وحماستهم لدين الله، وحبهم لخير الناس، وغيرتهم على الإسلام، وعملهم على استعادة مجده، وتحكيم شرعه، وسيادة أمته.