لا شكّ أنّ الأسرة المسلمة التي تحرص على ثوابت الدين وتُحافظ على القيم هي بيئة صحيّة تتوفر فيها أسس التربية الأخلاقية للطفل منذ ولادته، فالنقاشات العائلية عن العقيدة والعبادة والسنة النبوية، تغرس أصول التصرّف الصحيح والقيم الإنسانية والأخلاقية الحميدة في نفوس الصغار، مثل التسامح والصدق واللطف والكرم وحبّ الآخرين وغيرها.
ويؤكد خبراء علم الاجتماع أنّ الطفل يحذو حذو أهله ويقلّدهم في طريقة التصرّف، فإذا كان الآباء والأمهات يتصرفون مع الآخرين من منطلق الرحمة والتسامح والاحترام والصدق والعدل، كان ذلك ديدن الصغار وأسلوبهم مع الآخرين.
أهداف التربية الأخلاقية للطفل في الإسلام
إنّ التربية الأخلاقية للطفل مسؤولية الآباء والأمهات بالدرجة الأولى، ثم يأتي بعد ذلك دور المؤسسات التربوية في هذا الشأن. وقد حث الإسلام على ضرورة غرس القيم الأخلاقية في المراحل العمرية الأولى للطفل ليشب على الإيمان بالله تعالى ويتربى على الخشية منه، والمراقبة له، والاعتماد عليه والاستعانة به، ويصبح عنده الملكة الفطرية والاستجابة الوجدانية ليتقبل كل فضيلة ومكرمة، والاعتياد على كل خلق فاضل كريم؛ لأن الوازع الديني تأصل في ضميره، والمراقبة الإلهية ترسخت في أعماق وجدانه، والمحاسبة النفسية سيطرت على تفكيره وإحساساته.
وقد أكد القرآن الكريم على ضرورة تربية الأبناء على أخلاق النبي- صلى الله عليه وسلم- الذي مدحه ربّ العزة- تبارك وتعالى- حينما وصف أخلاقه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].
وروى أبو هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: يقول رسول الله “إنما بعثتُ لأُتمم مكارم الأخلاق” أخرجه أحمد وغيره. وروى عبد الله بن عمرو أنّ رسول الله، كان يقول “إن خياركم أحسنكم أخلاقاً”، وفي رواية “إن من خيركم أحسنكم خلقا” رواه البخاري.
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “إن المؤمن ليدرك بحسن خُلقه درجة الصائم القائم”، (رواه أبو داوود)، وعلى ذلك تكون منزلة الأخلاق رفيعة في الإسلام، ولقد قَرَنها النبي- صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة بالإيمان، فقال: “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلقاً” رواه أحمد وغيره. وفي حديث متفق عليه قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
وتهدف تربية الطفل أخلاقيا إلى الآتي:
- غرس مكارم الأخلاق في الطفل؛ مثل: الاحترام، والحب، والعطف، والتسامح، والتواضع.
- القضاء على السلوكيّات الذميمة والعادات السيّئة، مثل: العنف، والغيرة، والكذب، وخيانة الأمانة، وإساءة معاملة الأطفال، وإهمال حقوق المرأة.
- اكساب الطفل مهارة إصدار القرارات والأحكام التي تُبنى على المبادئ.
- تعويد الطفل وتربيته على القيام بالعبادات بشكلٍ مستمرّ.
- تعزيز شخصيّة الطفل لتكون أكثر مرونةً ومثابرةً، وتعريفه أخلاقيّات العمل القويمة لإعداده لمرحلة النضج.
- تثقيف الطفل والمحافظة على صحته العقلية والجسدية.
- إيجاد بيئة مجتمعية جيّدة من خلال تدريب كلّ طفل على العادات الحسنة ومكارم الأخلاق.
- بناء شخصيّة مميّزة للطفل، وتعزيز ثقته بنفسه.
مراحل التربية الأخلاقية للطفل
تمر التربية الأخلاقية للطفل وتنشئته على القيم الإنسانية، بمراحل هدفها تكوين الصغير تكوينًا كاملًا، وذلك على النحو التالي:
أ- مرحلة الحذر: لا يُطلب من الطفل الصغير في هذه المرحلة أن يكون قويم الخلق، فسلوكه تتحكم فيه دوافعه الغريزية، كما أن أعماله لا يُمكن أن تُقاس بمقياس الصواب والخطأ، وسرعان ما يتعلم الطفل أن بعض الأفعال لها نتائج ضارة به، وبذلك يأخذ في السيطرة على دوافعه الغريزية، وفي اللحظة التي تبدأ فيها هذه السيطرة يُمكن أن يقال إن نموه الخلقي قد بدأ، وبذلك يصل الطفل إلى مرحلة بدائية من مراحل السيطرة الخلقية هي (مرحلة الحذر) حيث يسيطر الطفل على سلوكه خوفًا من النتائج.
ب- مرحلة السلطة: وهي المرحلة الثانية من مراحل النمو الخلقي، ويصل الطفل إليها عندما يتمكن من التفريق بين الناس وبين الأشياء في بيئته، فيجد أن بعض أفعاله تسبب رضا الناس وهذا يصحبه عنصر من عناصر السرور، كما أن بعض أعماله الأخرى تسبب سخط الناس وهذا يصحبه عنصر من عناصر الألم، وهكذا يتحكم في أفعال الطفل سلطان البالغين من حوله، وهنا يمكن القول بأن الطفل قد وصل إلى مرحلة السلطة.
ج- المرحلة الاجتماعية: يصل الطفل إلى هذه المرحلة باتساع دائرته الاجتماعية، إذ يصبح شاعرًا بنفسه كعضو في جماعة، وسرعان ما يكتشف أن أفعاله يجب أن تكون مسايرة لما يراه الرأي العام إذا أراد أن يحتفظ بعنصر السرور الذي يشعر به بسبب الجماعة، وهذه هي المرحلة الاجتماعية.
د- المرحلة الشخصية: المرحلة الذاتية هي أرقى مراحل النمو الخلقي، والإنسان لا يتمكن من الوصول إليها إلا بعد أن يصبح قادرًا على التحكم في دوافعه، ومعنى هذا أن مسلكه يخضع لمُثُلٍ أعلى كونها الفرد لنفسه.
مبادئ تربية الطفل أخلاقيا
وتخضع التربية الأخلاقية للطفل إلى مجموعة من المبادئ التي لا بُد لولي الطفل (المربي) من معرفتها، ومن ثم تطبيقها أثناء عملية البناء الأخلاقي، وأهم هذه المبادئ هي:
المبدأ الأول: غرس الثقة في نفس الطفل، ويشمل الثقة بنفسه والثقة بغيره، والثقة بأن الإنسان محاسب لسلوكه ويستطيع تغييره وتبديله إذا شاء ويكون صاحب إرادة وعزيمة.
المبدأ الثاني: تربية قوة الإرادة، إن قوة الإرادة هي المبدأ الأساس في التربية الأخلاقية، ولا يستطيع الإنسان أن يطبق المبادئ الأخلاقية في كل المواقف وفي كل الظروف دون أن يملك قوة الإرادة.
المبدأ الثالث: غرس إحساس خلقي عند الطفل، وهذا يتم عن طريق إشعار الطفل بإنسانيته، وعدم زجر الطفل وعقابه وتهديده بكثرة، وإذا كان لا بد من زجرٍ وعقابٍ فينبغي أن يكون ذلك بأخف ما يمكن وبالطرق الأدبية المقررة فقهيًا.
المبدأ الرابع: تطبيع الأطفال تطبيعًا خلقيًا، أي جعل الأخلاق طبيعة ثابتة، وبذلك تصبح المبادئ الأخلاقية عادة يقوم بها الطفل ولا يستطيعون مخالفتها؛ لأن النفس ليس من السهل أن تخالف عاداتها المتأصلة.
أساليب البناء الأخلاقي
ويُمكن بيان بعض أساليب التربية الأخلاقية للطفل في عدد من النقاط على هذا النحو:
- التدريب العملي والرياضة النفسية: وذلك بالممارسة والتطبيق العملي للأخلاق النبيلة ومخالفة الهوى، والصبر على ذلك مهما كان فيه من صعوبة.
- البيئة الصالحة: فالطفل يكتسب الأخلاق الحميدة من البيئة الصالحة التي يتعايش معها، وتجعله يسلك سلوكهم إما بالمنافسة أو برغبة الجماعة وتشجيعهم.
- القدوة الحسنة: وهي المثال الواقعي للسلوك الخلقي الأمثل، وهي خير معين لاكتساب الأخلاق.
- الضبط الاجتماعي: إن للمجتمع السوي سلطة معنوية ومؤثره على نفوس الأفراد، وهي وسيلة لتقويم الأخلاق.
الآثار التربوية للبناء الأخلاقي
الهدف الأساس من التربية الأخلاقية للطفل في الإسلام، تقوية عزيمته على فعل الخير، وتدريبه على أن يكون نبيلا في تصرفاته، وديدنه الحكمة والكمال والأدب والإخلاص والطهارة، ويمكن بيان الآثار التربوية للبناء الأخلاقي على شخصية الطفل من خلال التالي:
- تنمية الأسلوب الأخلاقي عند الطفل للحكم على الأفعال، وتقدير ما يجب على الفرد عمله، وتمييز ذلك كله من جهة النظر القائمة على التذوق والجمال، والناحية القانونية، ومن وجهة النظر القائمة على الفطنة والبصيرة.
- تنمية اعتقاد الطفل بالمبادئ الأساس والمثل والقيم، كركيزة أو دعامة نهائية للأحكام والقرارات.
- تشجيع الطفل على الوصول إلى التلقائية في التأمل الذاتي، وضبط النفس، والحرية الروحية.
- مساعدة الطفل على إبراز الأخلاق الفطرية على هيئة سلوك يمارسه في المجتمع.
- الثبات على الأخلاق الحميدة والابتعاد عن الرذائل.
- القبول الاجتماعي.
المصادر والمراجع:
- التربية الأخلاقية في ضوء القرآن الكريم .
- أهداف التربية الأخلاقية للطفل .
- تنمية الجانب الأخلاقي في الطفل .