يحتاج الإنسان، دائمًا، إلى التحفيز والتشجيع والثناء على المجهود، ليكون ذلك دافعًا قويًّا له، فيُبدع ويتطور بما يعود بالنفع على نفسه وأسرته ومجتمعه، وهذا المبدأ الإسلامي الأصيل، وَقود تحقيق الأهداف وبلوغ الغايات، وسبيل غرس الهِمَّة في نفوس الأفراد والجماعات، لإنجاز الأعمال على أفضل وجه، يقول الله تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}.
والتحفيز وشحذ الهِمم، يكون في أمور الدنيا والآخرة، وبوسائل معنويّة وماديّة، لأنه مقصد لا بُد منه في حياة الأفراد والجماعات، ويجب على أي قائد أن يُمارسه، لاستيعاب طاقات العاملين معه ودفعهم إلى تحقيق أفضل النتائج.
وهو المعنى الذي نَطَقَ به سقراط حينما قال: “إذا أردت شيئًا بقدر ما تُريد الهواء حين تكون غارقًا في الماء فإنك ستحصل عليه” (1).
مفهوم التحفيز
ومفهوم التحفيز واسعٌ، ويحتمل معانٍ كثيرةٍ، فيراه البعض أنه “العوامل الداخليّة والخارجيّة التي تُحفّز الرغبة داخل الإنسان، لمواصلة العطاء الإيجابي وأداء الأعمال المختلفة والمتشعبة من أعمال يوميّة، وأعمال موضوعية، وأعمال شخصيّة من أجل تحقيق الأهداف المختلفة”.
أو هو “شيء ينبع من الفرد نفسه، ويُثير فيه الرغبة في العمل، أي هو قوة داخلية تكتمل في نفس الإنسان وتدفعه إلى البحث عن شيء محدد، وبالتالي توجه تصرفاته وسلوكه باتجاه ذلك الشيء أو الهدف” (2).
فالتّحفيز مُهمٌ لنجاح الفرد في تحقيق أهدافه، وتمكين الحكومات من إنجاز الأعمال المُوكَلة إليها، ودفع الدول لصد الأعداء وتنمية الثروات.
ولو أمعنّا النّظر في عناصر هذا المفهوم، نجدها تنحصر ما بين الحافز، هو ما يدفع الفرد للعمل والقيام بسلوك معين من أجله، والمحفِّز: “وهو الشخص الذي يقوم بعملية التحفيز، وتكون لديه معرفة جيدة باحتياجات الآخرين”، والمحفَّز: “وهو الفرد الذي تم دفعه للقيام بسلوك معين، ويشترط أن يكون قادرًا ومؤهلا نفسيًّا وجسديًّا على رفع مستوى أدائه، وأن تكون لديه رغبة شديدة في الوصول إلى الهدف” (3)
أهمية التحفيز للإنسان
يخلق التحفيز والتشجيع تنافسية حميدة للتقدم والرقي، ودون ذلك قد لا نرى المبدعين والمبتكرين، بل ربما سارت الحياة روتينية في معظم أمورها، مثل: العصور البدائية التي كانت فيها آمال وطموحات الفرد تنتهي عند توفير الطعام والشراب والشعور بالأمان.
لكن التشجيع وشحذ الهمم، كان سببًا عظيمًا في الوصول بالبشرية لما هي عليه الآن، وهو ما حرصت عليه الحضارة الإسلامية بحفظ كينونة الدين والدولة معًا، وخروج عباقرة عمدوا إلى جمع القرآن والسُّنة النبوية لتكون نبراسًا للأمة.
وسطّر بعض التربويين أمورًا وضّحت مدى أهمية تحفيز وتشجيع الأفراد، حيث يُساعد على:
- زيادة التعاون بين الموظفين في المؤسسة، وتعزيز الرغبة لديهم للعمل بروح الفريق.
- زيادة الإبداع والتدافع للرقي والنهوض بالمؤسسة، طمعا فيما سيحصلون عليه.
- زيادة الوعي ورفع مستوى الجودة والكفاءة في الأداء، والزيادة في الإنتاجية، والتقدم في العمل وسرعة تنفيذه.
- زيادة ولاء العاملين للمؤسسة، وحماستهم في العمل.
- زيادة الدافع الداخلي لدى الفرد لتحقيق أهدافه، والنهوض بمهاراته، والتمسك بمبادئه وأخلاقياته (4).
القرآن والتَّحفِيز
تطرّق القرآن الكريم، والسُّنة النبويّة المطهّرة، إلى أنواع التحفيز للفرد والمجتمع، ليعود عليهم بالنفع الدنيوي والأخروي، فما إن يفتح المسلم القرآن أو يُطالع السُّنة إلا وجد مواقف ونماذج تحض على هذا المبدأ، فيقول تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30]، حيث التشجيع هنا ماديا ومعنويا.
ويقول الله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 7- 8]، وفي موضع أكثر إيضاحًا، قال عز وجل: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [الأنعام:160].
بل يجمع الإسلام بين الجانبين الرّوحاني والمّادي، ويُجري بينهما توازنًا مُحكمًا، فيقول الله تعالي: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77]، والقرآن مليء بآيات التشجيع وتحفيز الناس على فعل الخير.
ولم تخلُ السُّنة من مواقف التّشجيع – أيضًا -، فعن سعيد بن زيد، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “مَن أحيا أرضًا ميتةً فَهيَ لَهُ، وليسَ لعِرقِ ظالمٍ حقٌّ” (صحيح أبي داود).
وفي المعارك الحربيّة حفّزَ النبي جُنده، فيما رواه سمرة بن جندب: “من قتلَ فلَهُ السَّلَبُ” (صحيح ابن ماجه). بل حثّ على أن نُحدد للعامل أجره مُقدمًا، وشجّع على الوفاء بدفعه قبل أن يجف عرقه، حتى يكون ذلك مُشجّعًا له على إنجاز مهامه في أفضل صورة، فقال – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه عبد الله بن عمر: “أعطوا الأجيرَ أجرَهُ قبلَ أن يجفَّ عرقُهُ” (ابن ماجه).
تطبيق عملي من السيرة
حَفَلَت السّيرة النبويّة بمواقف عمليةٍ كثيرةٍ، عن التحفيز والتشجيع، وسطّر النبي مع الصحابة، نماذج تربوية للأمة ما زالت خالدة، ففي غزوة بدر حينما عَلِمَ الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعدد المشركين وقارنه بعدد جنوده القليل، ألقى في قلوبهم الحمية والتحفيز بقوله: “والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مُقبلًا غير مدبرٍ، إلا أدخله الله الجنة”، فدفعت هذه الكلمات عُمير بن الحمام، إلى أن تهون عليه الدنيا فلا ينتظر أن يأكل التمرات فدفعها وأقبل يقاتل حتى نال الشهادة.
ولننظر – أيضا – في اتفاق النبي – صلى الله عليه وسلم – مع الأنصار في بيعة العقبة الأولى والثانية، إنْ هُم نصروه فلهم الجنة، وهو ما حملهم طوال هذه السنين على المثابرة في قتال الأبيض والأسود والأحمر. حتى في فتح مكة، حينما رأى النبي منهم الخوف أن يعود لأهله ويتخلى عنهم جاء التأكيد: “هَاجَرْتُ إلى اللهِ وإلَيْكُمْ، وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ] (مسلم) (5).
القيادة والتحفيز (البنا نموذجا)
التحفيز من أهم الأدوات التي يمتلكها القائد، فهي تُساعده على الرقي بأفراده وعمل مؤسسته أو جماعته أو دولته.
والأستاذ حسن البنا، فَطِنَ لهذه الأداة وأهميتها للنهوض بنفسه، وتحقيق حلمه وهدفه الذي وضعه، فقال: “أن أكون مُرشدًا ومعلمًا إذا قضيت في تعليم الأبناء سحابة النهار ومعظم العام قضيت ليلي في تعليم الآباء هدف دينهم، ومنابع سعادتهم”. فجاء تعبيره عن هذا الدافع في بيت شعر ذكره لمعلمه، فقال:
إذا القومُ قالوا مَن فتى خِلْتُ أنني عُنيتُ فلمْ أكسل ولمْ أتبلدِ
ولقد تجلى الهدف أمامه فلم يعقْه شيء في بلوغه، فأسّس جماعته بخمسةِ أفرادٍ، لكن الحافز لديه ولدى أنصاره كان كبيرًا وعظيمًا، وظلوا يعملون حتى نطق الكاتب محمد عبد القدوس معبرًا عن تحقيق البنا هدفه بقوله: “الرجل الذي يتبعه النصف مليون”.
لم يركن أتباع البنا إليه لنيل العلم، لكنهم انطلقوا لنشر الفكرة، وتحمّلوا من أجلها الاضطهاد والتعذيب والتشريد والاعتقال والقتل في سبيل بلوغ الغاية الكبرى، أن ينالوا رضى الله، فأصبحت جماعة الإخوان المسلمين في كل بيت، وفي كل مركز بحثي، بل أصبحت على طاولة السياسيين، والمنظمات العالمية والدول الكبرى، وكل ذلك نتج عن التّشجيع الذي مارسه البنا مع نفسه وإخوانه. بل كانت سببا في تحرر كثير من الأوطان من الاستعمار، والتّصدي للعصابات الصهيونية في فلسطين (6).
أدوات التّحفيز ووسائله
والتشجيع والتحفيز له أدوات يُمكن للمربي الاستعانة بها في قيادة الفريق الذي يتولّى أمره، منها:
- الرفق والإحسان في المعاملات والمناقشات حتى يتشجع الجميع على الحوار للوصول إلى أفضل الأساليب.
- والتدريب والارتقاء بمهارات الفرد على أساليب جديدة لإنجاز العمل بسرعة ودقة.
- والتشجيع المادي والمعنوي الذي من شأنه زيادة حماسة الأفراد ودفعهم إلى مزيدٍ من العمل، للارتقاء بمجالهم ومؤسساتهم (7).
التشجيع وأثره في التربية
يُنمّي التحفيز والتشجيع الدّافعية ويقود إليها، على عكس ثقافة المركزيّة والإملاءات والتعليمات التي تصنع بيئة قاتلة للتقدم والإبداع، فالتّحفيز لا ينمو إلا في بيئة منفتحة، وثقافة متنوعة تسمح للفرد بالحركة وَفْقَ أُطُرٍ عامّة تُشجع على الابتكار.
ويقع ذلك على عاتق المؤسسات التربوية المعنية بتوفير المناخ الذي يُشجّع الفرد على ممارسة حياته في جوّ تنافسي شريف، يدفعه للنهوض والترقي (8).
أثر التّحفِيز على نفسية الإنسان
وفي ميدان النّفْس، يجعل التحفيز الإنسان مُحبًّا ومقبلًا على ما يقوم به، بل ساعيًا بجد إلى إنجازه، وهو ما يُساعده على زيادة الناتج الذي يقوم به وجودته، ويكون ذلك دافعًا له لنيل الاحترام والتقدير سواء الشخصي أو في العمل.
بل إن أثر ذلك يمتد إلى رفع الولاء والانتماء لدى الفرد تجاه مؤسسته أو دولته، وشعوره بالرضا دائمًا (9).
أخيرًا
التحفيز رُبّما يكون أداة خارجية، تُساعد الإنسان على التدافع نحو التقدم والرقي والتنافس في الإبداع والابتكار المفيد.
لكنه قد ينبع من داخل الإنسان، متمثلًا في الضمير والقلب الحي، الذي يتفاعل مع المحفزات الخارجية، فيستجيب لها وتعلو همته ويختار الطريق الصحيح، ويسعى للتميّز، لذا فالتّحفيز والتشجيع والثناء من الأمور المهمة التي يُرى أثرها على الفرد والمجتمع والمؤسسة.
المصادر
1. يوسف أبو الحجاج الأقصري: سقراط: أكثر الرجال حكمة، طـ1، الدار الذهبية للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة، 2018، صـ23.
2. محمود عبد الفتاح رضوان: مهارات بناء وتحفيز فرق العمل، طـ1، المجموعة العربية للتدريب والنشر، القاهرة، 2013، صـ79.
3. روان مروان: ما هي أهمية التحفيز، 30 سبتمبر 2019،
4. التحفيز وتأثيره الإيجابي على حياة الإنسان ونجاحهِ العملي: 15 يونيو 2021،
5. التحفيز من القران والسنة: 23 يناير 2010،
6. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 2000م.
7. 6 طرق تُحفّز الموظفين على العمل: 4 يوليو 2021،
8. رمضان فوزي: التحفيز ودوره في العملية التربوية، 29 سبتمبر 2018،
9. تأثير ونتائج التحفيز على نفسية الإنسان: