يسعد الآباء والأمهات برؤية أبنائهم يكبرون أمامهم، ويحرصون على تذليل جميع السبل لراحتهم، غير أنّ اعوجاج السلوك التربوي يؤدي إلى الاتكالية عند الأبناء والاعتماد على الغير وعدم تحمل المسؤولية.
فعددٌ كبيرٌ من الأطفال يُفضّلون الاعتماد على الغير في قضاء حوائجهم رغم استطاعتهم فعل ذلك، بينما يرفض آخرون تقديم أي مساعدة لأحد؛ لأنهم أنانيون يُحبون أنفسهم فقط، والسلوكان مرفوضان ولكل منهما مظاهر وعلامات تبدو على الطفل.
مفهوم الاتكالية عند الأبناء
وعرّف علم النفس الاتكالية عند الأبناء بأنها الحالة التي يتوقّع فيها الفرد المساعدة من الآخرين أو يبحث بنشاط من الدعم العاطفي والمادي، وكذلك الحماية والرعاية اليومية، أي أن الشخص الاتكالي يعتمد على الآخرين بالتوجيه وفي اتخاذ القرار وفي الإعالة.
ويبدأ هذا النمط في مرحلة البلوغ المبكر، وهو اضطراب الشخصية القلق الذي يتميز بعدم القدرة على أن يكون بمفرده، ويعاني الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية المُزمنة من أعراض القلق عندما لا يكونون حول الآخرين، فهم يعتمدون على أشخاص آخرين للراحة والطمأنينة والمشورة والدعم.
وخطورة هذه الظاهرة التي لا تبني شخصية صحيحة، أنها لا تقتصر على الأسرة الصغيرة، بل تمتد إلى الأسرة الكبيرة أي الوطن، فأحد أهم أسباب ضعف التنمية في العديد من البلدان هي الاتّكالية التي تُولد الكسل في نفوس أبناء المجتمع ما يؤدي إلى عدم تأديتهم العمل بالشكل المطلوب.
مظاهر الاتكالية عند الأبناء
ومظاهر الاتكالية عند الأبناء منتشرة في كثير من البيوت الإسلامية، ومن أهمها:
- يطلب الولد أن يحضر أحدٌ له الماء ليشرب.
- لا يحل واجباته ولا يذاكر دروسه إلا مع المُعلّم، أو أن يطلب من الأم الجلوس بجانبه ومشاركته البحث عن الإجابة.
- ينهي لعبه أو وجباته ويترك ألعابه مبعثرة هنا وهناك، كما يترك ملابسه في أي مكان، منتظرًا أن يضعها أحد غيره في مكانها.
- يعتمد تمامًا على تفكير غيره؛ والده، أمه، أخيه الأكبر، ولا يتخذ قرارًا في أي من شؤون حياته.
- الكسل واللامبالاة، فبعض الأطفال لأسباب وظروف خاصّة لديهم نشاط محدود ولا يحبون العمل أو القيام بأي شيء.
- عدم الثقة بالنفس، فالطفل الاتكاليّ يرى أنّه غير قادر على مواجهة مصاعب ومتطلبات الحياة لوحده.
الإسلام يرفض الاتكالية
والإسلام يرفض الاتكالية عند الأبناء في أي من مراحل عمرهم، ولقد أرشد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي إلى أنّ الإسلام يريد من المسلمين الإيجابية الفعَّالة التي تتمثَّل في قول أصحاب محمد: “اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون”، ويرفض الإسلام الاتكالية المنهزمة التي نراها في قول أصحاب موسى له: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.
وقال فضيلته، إن أخلاق الإسلام تحثُّ على القوة والكفاح، ومواصلة السعي في ثقة وأمل، ومقاومة العجز واليأس، والتماوُت والكسل، وكل أسباب الضعف، كما أن أخلاق الإسلام إيجابية، لا ترضى بمُسايرة الركب، والمشي مع التيار، والعجز والاستسلام للأحداث كريشة في مهب الريح.
وأضاف القرضاوي: الإسلام لا يرضى للمسلم أن يعيش بوجهين: وجه لله، ووجه لشركائه، ولا أن تنقسم حياته إلى شطرين: شطر لله وشطر للطاغوت، والإسلام يرفض الازدواجية البغيضة، التي نشهدها في حياة المسلمين اليوم، فنجد الرجل مسلما في المسجد أو رمضان، ثم هو في حياته ومعاملاته إنسان آخر!، والإخلاص هو الذي يوحِّد حياة المسلم، ويجعلها كلها لله، كما يجعل كله لله، فصلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين.
أسباب الاتكالية
تقول فوزية هنداوي: إنّ أسباب مشكلة الاتكالية عند الأبناء تتمثل في النقاط التالية:
- التدليل الزائد الذي يحظى به الطفل لسبب من الأسباب، مع الحماية المفرطة وإظهار الخوف والفزع عليه دائمًا.
- كل فعل يقوم به الطفل يقابَل بانتقادات مستمرة، والنتيجة أنه يتوقف عن الاعتماد على نفسه؛ حتى لا ينتقد.
- قيام أهل البيت- الوالدان، الأخوة، العاملون بالمنزل- بما ينبغي على الطفل أن يقوم به، وخدمته الخدمة المبالغ فيها؛ مثل إحضار الطعام والماء، وتنظيم الألعاب.
- ربما كانت اتكالية الطفل تقليدًا لما يراه على أبيه؛ فهو الزوج السيد الذي يأمر فيطاع؛ مما يجعله يقتدي به.
سلبيات الاتكالية
تعد الاتكالية عند الأبناء أو أي شخص صفة سلبية ومرفوضة، فأثرها لا يتوقف على إزعاج الآخرين ونظرتهم للطفل بطريقة سلبية، وإنما قد تتسبب الاتكالية بنتائج وآثار سلبية على شخصية الطفل نفسه وقد يستمر هذا التأثير حتى عندما يكبر ويصبح فردًا كامل العضوية والحضور في المجتمع، ومنها:
- بروز صفة الكسل: وهذه الصفة تنتج عادةً عن خاصية الاتكالية كونها تجعل الطفل لا يُبالي بأي من واجباته ولا يرغب بالقيام بأي نشاط جدي.
- عدم تحمل المسؤولية: فالطفل الاتكالي لم يتعلّم أصلاً تحمل المسؤولية ولم يعتد على اعتماد الآخرين عليه ولا حتى اعتماده هو على نفسه.
- الاتصاف بضعف الشخصية: فهو غير قادر على مواجهة الحياة وما فيها من مواقف وغير قادر على الدفاع عن نفسه وتلبية حاجاته بنفسه.
- التعرض دائما للعَراقيل والعثرات بسبب قلة تجاربه وخبرته في مواجهة المشاكل.
- الإحباط وخيبات الأمل: حياة الطفل الاتكالي مليئة بمواقف الإحباط وخيبة الأمل فهو عندما يضطر للقيام ببعض الأشياء وحده غالباً ما سوف يفشل كونه لم يعتد على هذا ولم يكوّن خبرات سابقة وبالتالي سوف ينتج عن شعوره بالفشل شعور بالإحباط وخيبة الأمل.
علاج الاتكالية
ومشكلة الاتكالية عند الأبناء لها حلول يجب على الآباء والأمهات الانتباه إليها في حالة وجود أطفال لديهم عندهم هذه المشكلة، ومن هذه الحلول:
- تنمية الشخصية القوية لدى الطفل.
- الجمع بين القسوة والتدليل في المعاملة والتربية.
- عدم الإسراف في إظهار الحرص والدلال للطفل، وأيضا عدم إهماله لدرجة الإضرار بنفسه.
- عدم السخرية أو الانتقاد اللاذع المباشر حينما يخطئ في أداء مهمة خاصة به.
- عدم الإكثار من توجيه الأوامر المباشرة الصارمة للطفل؛ فلا نقول: افعل ولا تفعل، لكن نقول: ما رأيك لو فعلت كذا، أو أفضل أن تفعل ذلك.. أحسن لك.
- يجب أن نغرس فيه منذ الصغر أن يتخذ قراره بنفسه، وأن يعمل ما عليه دون أن يُطلب منه، ولكن هذا لا يمنع من طلب الاستشارة.
- مكافأته ماديا أو بالكلمة الطيبة إذا أجاد فعل الشيء كتنظيم وترتيب غرفته، أو قام بأداء المهام المكلف بها في البيت.
- يجب أن يعرف أن المهام في البيت موزعة بينكم، “وأنت يا طفلي عليك كذا وكذا”، مع متابعته لفترة حتى تنتظم الأمور.
أخيرًا
إن مشكلة الاتكالية عند الأطفال تؤرق الكثير من الآباء والأمهات، وربما يعتمد الأطفال على ذويهم في تلبية احتياجاتهم والاهتمام بشؤونهم، لكن من الطبيعي أن يتناقص هذا الاعتماد مع تقدم الطفل بالعمر لمصلحة اعتماده على نفسه بدءًا من طعامه وشرابه مرورًا بحفاظه على صحته ونظافته، ثم الاهتمام بشؤونه ووظائفه مثل دراسته، وواجباته؛ حتى يصل في النهاية لمرحلة يصبح فيها لا يعتمد على نفسه فقط، بل- أيضًا- يُوجد من يعتمد عليه ومن واجبه العناية به.