دخل التلفاز على الأسرة من بابها الواسع، مُسيطرًا على أفرادها سلبًا وإيجابًا ببرامجه المختلفة، وهو ما دفع بعض الباحثين إلى دراسة الإعلام التربوي والتعليمي، خصوصًا أن هذه الشاشة تجمع بين الصوت والصورة والحركة والألوان، الأمر الذي جعلها تحتل المرتبة الأولى من حيث المتابعة والمشاهدة بين فئة الأطفال لسحرها وسيطرتها على عقولهم قبل قلوبهم.
ورغم أنّ هناك العديد من الدراسات التي تطرّقت إلى الاهتمام بالدور السلبي للتلفاز وتأثيره في جوانب الحياة الإنسانية، العقلية والوجدانية والعقدية والاجتماعية، فإنّ بعض الباحثين ومنهم الباحثة كريمة بوخاري، بجامعة سكيكدة في الجزائر، اعتنوا بدراسة الجوانب الإيجابية التي يؤديها التلفاز في الساحة الاجتماعية للفرد والجماعة، حيث رأت “بوخاري” أنّ التلفاز يُسهم في تطوير المناهج الدراسية وترسيخ قيم اجتماعية إيجابية ترقى بالفرد والمجتمع.
الإعلام التربوي بين السلبية والإيجابية
لقد سيطر التلفاز على الأسرة وأحكم سيطرته عليها ببرامجه المتنوعة، فأصبح المؤنس لجميع أفرادها بلا منازع ولا منافس، وأكد سيطرته على عقول الأطفال بدرجة أصبح معها يشكل أحيانا خطرًا على سلوكهم وانفعالاتهم وقدراتهم العقلية أو التحصيلية، إذ يقوم بأدوار تتراوح بين السلبية والإيجابية.
فيعمل التلفاز على نشر بعض – إن لم نقل الكثير من- المفاهيم والتصورات التي تتعارض مع العقيدة والأخلاق والقيم والعادات، كأفلام مصاصى الدماء والمتحولين والفضائيين، إضافة إلى مكوث المشاهد الساعات الطوال جالسًا دون حركة مما يكسبه عادة الخمول والكسل، ويشغله عن إنجاز أعماله وأداء واجباته، كما يؤثر على حاسة البصر بما يصدر عنه من إشعاعات تضعف البصر أو تسبب انحرافات له، بل يدفع المشاهد إلى العنف والقسوة وعقوق الوالدين والانحراف الخلقى، من خلال تلاعبه بعواطفه وانفعالاته، إضافة إلى الحرمان من ممارسة الهوايات العقلية أو الجسدية.
لكنّ الإعلام التربوي الذي يستفيد منه المتلقي عبر الشاشة الصغيرة، تتجلى أهميته في الجمع بين الصورة والصوت واللون والحركة، والإغناء عن الذهاب إلى أماكن للتعلم قد تكلف جهودًا بدنية ومالية كبيرة، كالذهاب إلى السينما أو الملعب، إضافة إلى أنه يزود الناس بالثقافة والمعرفة والتعليم والوعي الاجتماعي والسياسي.
ويشتمل التلفاز على برامج هادفة لجميع المستويات الثقافية والبيئات الاجتماعية والمراحل العمرية، كما يُوفر للمشاهد التسلية، ويُثري أفكاره بأفكار جديدة ويجمع أفراد الأسرة في مواقع محددة من البيت، ويُوفر محطات فضائية مختلفة الثقافات والاتجاهات ما يُيسر حرية الاختيار والمشاهدة من البرامج الكثيرة المتنوعة.
دور الإعلام التربوي في تثقيف الأبناء
يعيش الطفل العربي انسلاخًا ثقافيًا بين مواجهة ثقافات وحضارات وأنظمة فكرية تمرر عبر البرامج الإعلامية كالرسوم المتحركة والأفلام والمسلسلات الموجهة لمن هم في سنه أو في مرحلته العمرية، انطلاقًا من كون معظمها نتاج لثقافة غربية تختلف عن ثقافتنا أصولًا ومبادئًا وأهدافا وطرق حياة، والحل- يكمن بين أيدينا- يتمثل في إيجاد البديل ولا بديل لنا عن استثمار الإعلام التربوي الهادف في تربية ثقافية وطنية للنشء بصورة تكفل لهم ولاءهم لثقافتهم وتنميتها وتجديدها وفقا لمقتضيات العصر.
والتربية والتعليم ترتبط عادة بفضاء المدرسة بوصفها مؤسسة تربوية بالأساس، ومركز خبرة وتعليم أنشطة تشبع احتياجات التلاميذ المختلفة معنوية ومادية، بالإضافة إلى منحهم الفرصة لممارسة الأساليب الديمقراطية التي تساعدهم على أن يكونوا في المستقبل رجالًا ونساء أحرارًا.
وتتشارك المدرسة في أداء هذه الوظيفة مع مجموعة من المؤسسات التربوية، تعمل جميعها متفرقة أو مجتمعة على إعداد التلاميذ وتشكيلهم وتطبيعهم بالصورة المثلى التي تخلق منهم مواطنين صالحين، وبالتالي فالمدرسة خطوة لا بد من تطويرها وتخطيط برامجها وأهدافها بما يتماشى والفضاء العام للدولة وطرق سيرها في ركب التطور والنمو.
ويأتي التلفاز على رأس هذه القائمة المؤسساتية بمتابعة جماهيرية مستفيضة، سحرها بأبجدياته وخصائصه الجاذبة للطفل خاصة، وهو الذي يمضي الكثير من وقته أمام الشاشة الصغيرة من الصباح إلى المساء يستقبل عالمًا مختلطًا تتعدد ثقافاته ومشاربه، ويتفنن القائمون عليه في اختيار البرامج وعناوينها ومحتوياتها وصيغتها البصرية اعتمادًا على الصورة المرئية والحركية، إضافة إلى تعدد الألوان والأشكال والعوالم الداخلية بحثًا عن جذب هذا المشاهد أو الطفل، إذ يقف التلفاز كوسيلة إعلام فاعلة وذات أثر شديد على الأطفال وهم ذخر الأمة وعدة مستقبلها.
لقد اهتمت الحكومات والمؤسسات الخاصة بالتعليم، بتطوير آلياته ووسائله، فاستثمرت وسائل الإعلام لتحقيق الصالح العام للفرد والمجتمع، حيث يأتي التلفاز كأبرز وسيلة تربوية تعليمية، لذا اتجهت الفضائيات العربية والغربية نحو هذا التوجه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فأما الطريقة المباشرة فتمثلت في تخصيص قنوات تقع ضمن ما يسمى بالتلفاز التربوي.
وتشارك التلفزة التربوية كوسيلة إعلامية في تحقيق هدف التربية، بوصفها مجموعة من البرامج المتخصصة التي يعرضها التلفاز على الشاشة مباشرة أو من خلال أشرطة الفيديو، التى تهدف إلى دعم المنهاج الدراسي المقرر لمختلف المراحل الدراسية، ما يُساهم في التجارب العلمية عبر برامجه التي يمكن أن تعدها جهات مختصة وتبث على الشاشة ويشاهدها الطالب لمرة واحدة أو أكثر.
وتجدر الإشارة إلى أن القنوات الفضائية التعليمية العربية تكاد تُعَدّ على أصابع اليد الواحدة تقف على رأسها القنوات التعليمية المصرية والسورية والعراقية، التى تقدم دروسًا على الهواء بصفة مباشرة أو مسجلة يقدمها المعلم أو الأستاذ شارحًا الدروس المقترحة في المناهج النظامية في المدارس والثانويات والجامعات بالتفصيل والتمثيل مستغلًا في ذلك الوسائل التعليمية التقليدية كالسبورة والطباشير والأدوات الهندسية: المسطرة… الخ.
الدور التعليمي للأناشيد في قناة طيور الجنة
لقد عشنا مع الأناشيد منذ المراحل الأولى لطفولتنا؛ فكانت تسلينا وتمتعنا وفي الوقت نفسه تثري خيالنا وتنفعنا ونتعرف من خلالها على عوالم طبيعية وأخرى خيالية تسعفنا بمعلومات ومعارف كثيرة، وهذا ما ينطبق على ما تقدمه قناة (طيور الجنة) من أناشيد تقع ضمن ما يسمى بالأدب الهادف والشعر التعليمي الذي كتب فيه العديد من المبدعين العرب.
وليس جديدًا البحثُ في جانب الإعلام التربوي والتعليمي الذي تُؤديه الأناشيد أو القصائد الموزونة، فهي موجودة في التراث اللغوي والفقهي العربي مع ألفية ابن مالك والأرجوزة وغيرهما من القصائد التى تقدم علم النحو والصرف والفقه في قالب موزون مقفى يسعف المتعلم على سرعة وسهولة حفظ القواعد، مما ييسر عملية التعلم والتعليم، أما عن علاقة الأناشيد بالطفل فلأنها تعد الوسيلة المثلى للوصول إلى عقول الصغار بغية تنمية القدرات، وصقل التفكير والتعبير وتحسين الأداء، وتنمية ملكة الإبداع والإحساس بالجمال والارتقاء بالمشاعر.
ومن أجل ترسيخ محتوى هذه الأناشيد قُدِّمت في قالب موسيقي، ذلك أنه مع التنغيم يجد الطفل في نفسه هوى وقبولًا، ما يحسن معه استغلال قناة (طيور الجنة) لهذا الميل الطفولي للموسيقى وتزويده برصيد معرفي ولغوي متنوع يوفر للمادة اللغوية والمعرفية المقدمة عنصر الجاذبية والتشويق من وجهة نظر الطفل، وعليه فقد تم استثمار الموسيقى لتنمية الحصيلة اللغوية للطفل وللتلميذ وإكسابه قاموسًا لغويًا متنوعًا، يتيح له فيما بعد الفهم والإفهام في المراحل المدرسية النظامية.
لذا، يمكن استغلال الأناشيد كمحفز للفعل وامتلاك القيم والأخلاق وإشاعتها بين هذه الفئة المهمة في المجتمع، لذلك اتكأت هذه القناة وقنوات عربية أخرى على تقديم الأناشيد الهادفة مشاركة منها في تربية الطفل العربي وتعليمه وتوجيهه الوجهة الراشدة من خلال المحتوى الذي تقدمه للأطفال، وهو عبارة عن:
- تعلم المعارف اللغوية: من خلال تعليم الطفل مهارتي القراءة والكتابة مع أناشيد، أهمها: أنشودة الحروف.
- تعلم المعارف العلمية والجسمية: أنشودة (الحواس الخمس) في لهجة شامية للبنان وسوريا والأردن.
- أناشيد تعلم القيم والأخلاق الإسلامية الصحيحة: مثل أنشودة (تحية الإسلام) لتعليم الطفل إلقاء تحية الإسلام، وأنشودة (سم الله) لتعليمه تسمية الله على الطعام والأكل باليمين؛ وأنشودة (ليش بتكذب يا وليد) للتوعية بحرمانية الكذب وخطورته وعواقبه.
واعتمدت هذه القناة على الرسوم المتحركة تبعًا للشكل المعهود لها، مثل إدخال عالم الحيوان والطبيعة بكل تفاصيلها كتشكيلات بصرية تتكلم وتتحاور، منها البطل الطيب ومنها العدو الشرير، لكن وفق رؤية تربوية هادفة تقف على مقاصد وغايات، فهي قدمت صورة الطفل الطيب الذي يلتزم بآداب أكل مثلًا كالبسملة والحمدلة وصورة الفتاة الشطورة، وأخرى للطفل المتهور الذي يسيء إلى غيره من البشر والحيوانات كالطفل (حميدو) الذي أساء إلى القطة وآذاها بالضرب.
خطورة قنوات الغناء والرقص
وكما أن الإعلام التربوي والتعليمي الهادف يلعب دورًا مهمًا في تربية الأولاد، فإن هناك دراسات تربوية، منها دراسة أشرف على إنجازها مستشفى الرازي في تونس، حذرت من مدى تأثير قنوات الأطفال التي تركز على الموسيقى والرقص، بشكل مباشر على حاسة السمع، والتشويش الذهني عند الأطفال، مُحذرة من خطورة إدمان الأطفال على مشاهدة هذه القنوات.
وأظهرت أن تواصل الاستماع لنفس الأغاني ومتابعة البرامج تتسبب في أزمات نفسية وأمراض بالسمع وقلة في التركيز وتأثير على القدرات الذهنية لدى عدد من الأطفال الذين تم فحصهم.
وأكد المشرفون على الدراسة أن هناك برامج مخصصة للأطفال تعلمهم أسماء الأشياء من حولهم، وهي أفضل من تلك، التي تعرض أغاني أو أناشيد متواصلة مع حركات راقصة، لا تساهم إلا في حمل الطفل على الصمت، وإبعاده عن محيطه.
ونبهت الدراسة إلى أنّ عددًا من الأعراض المرتبطة بمرض التوحد، كعدم استجابة الطفل عند مناداته، واللعب بمفرده دوما، والحركة المفرطة، أو الخمول، إلى جانب عدم إدراك الخطر، وعدم التواصل البصري؛ سِمات أساسية لإصابة الطفل بالتوحد، كونه ضحية قنوات الأطفال، التي تعتمد على الصورة واللحن والرقص.
وأوصت الدراسة جميع الآباء بإبعاد أبنائهم كليا عن قنوات الرقص، والغناء، ومحاورتهم يوميا لمدة ساعة على فترات متقطعة، وقراءة القصص لهم بصوت مرتفع وبطيء، والتركيز على مخارج الحروف، وتكرار الجمل.
المصادر:
- دور وسائل الإعلام في تربية الأبناء .
- الإعلام التربوي ودوره في تشكيل وعي الطفل .
- الأسرة ودورها في التربية الإعلامية .