تُعد الطفولة هي المرحلة الأهم في تكوين الإنسان نفسيًّا واجتماعيًّا، لذا فإنه من المهام الأساسية للوالدين توفير الأمن النفسي للأطفال ومنحهم شعور الاطمئنان والثقة وضبط الانفعال ومواجهة الضغوط الحياتية التي قد تُعرقل مسيرتهم وتُهدد مستقبلهم.
وقد سعى الإسلام إلى تحقيق هذه الغاية من خلال الارتكاز على أساسيات الدين للشعور بالأمان النفسي، الذي يُعد من أهم وسائل تأقلم الصغار وانسجامهم مع البيئة المحيطة بهم في ضوء تغيّرات المجتمع، بل يُساعدهم على تخطّي العقبات والتخلص من المشكلات، ويكون ذلك من خلال الأسرة والمسجد.
تعريف الأمن النفسي للأطفال وخصائصه
يُعد الأمن النفسي للأطفال من أهم احتياجاتهم في الحياة، حيث يدور مفهومه حول معنى الاطمئنان، فيُقال أمِن أمناً وأماناً وأمنة: إذا اطمأن، ولم يخف، فهو آمن. والبلد الآمن أو الأمين الذي اطمأن أهله، ويقال أمِنَ فلانٌ إذا وثق واطمأن.
فالأمن النفسي يشتمل على معاني الطمأنينة النفسية والانفعالية، والتوازن الانفعالي، فهو حالة يحس فيها الطفل بالسلامة والأمن، والتحرر من الخوف والقلق لتحقيق متطلباته ومساعدته على إدراك قدراته وجعله أكثر تكيّفا (1).
والشعور بالأمن النفسي ينشأ وينمو مع الفرد على أساس الإشباع النسبي للحاجات، وهو يتميز بخصائص عديدة، منها:
- يؤثر تأثيرا كبيرا على التحصيل الدراسي وفي الإنجاز والابتكار لدى الشخص.
- يرتبط شعور الوالدين بالأمن في شيخوختهم بوجود أولاد يهتمون بهم.
- يتحدد بعملية التنشئة الاجتماعية وحسن أساليبها من تسامح وديمقراطية وتقبل وحب، ويرتبط بالتفاعل الاجتماعي الناجح والخبرات والمواقف الاجتماعية والبيئية المتوافقة.
- الأطفال الآمنون نفسيًّا أعلى في الابتكار من غير الآمنين.
- عدم شعور الطفل بالأمن يرتبط بالتوتر، ثمّ التعرّض لأمراض القلب والاضطرابات النفسية (2).
الأمن النفسي للأطفال من منظور إسلامي
سَلَك الإسلام العديد من الدروب لتحقيق الأمن النفسي للأطفال الصغار، تمثلت في:
- البعد عن مواطن التهلكة: وهو ما يجعلنا نحرص على تربية الأبناء على هذه المعاني لقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195].
- دعانا الإسلام إلى حسن اختيار الأم على أساس ديني لتكون المعين النفسي للأطفال، فقالى- صلى الله عليه وسلم-: “تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ” (البخاري).
- الالتزام بالأخلاق الإسلامية وتطبيع الأطفال بها لتكون لهم ملاذا آمنا أمام ما يواجهونه من مشكلات (3).
- ولم ينسَ الإسلام الأمن النفسي للطفل اليتيم، فجعله مسؤولية كل إنسان في المجتمع، لأنّ اليتيم إنسان قبل كل شيء وله الحق في الاستفادة من الحنان والعطف والأدب والتوجيه، لذا يجب الاهتمام بميوله الروحية وغذائه النفسي (4).
مشكلات تهدد الأمن النفسي
ورغم أهمية الأمن النفسي للأطفال ودوره في بناء شخصيتهم، فإن هناك مشكلات تُهدده وتتسبب في تحديات أمام الأطفال، منها:
- البعد الديني وعدم معرفة حقيقة التربية الدينية وأثرها على الأمن النفسي للوالدين وأطفالهما، وعدم التقرب إلى الله.
- الانفصال والطلاق: الذي ينتج عنه بُعد الأطفال عن حنان الأم أو الأب، ما يسهم في تشريدهم، وظهور جرائم الأحداث فيتزعزع الأمن والاستقرار في المجتمع.
- شعور الطفل بفقدان ثقته بنفسه والخوف من كل ما يحيط به، ما يدفعه للانطواء والانعزالية التي قد تدمره نفسيًّا، وتعود بنتيجة عكسية على المجتمع.
- التنشئة الاجتماعية الخاطئة: مثل، إهمال تعليم الطفل المعايير والأدوار الاجتماعية السليمة، والمسؤولية الاجتماعية.
- عدم وجود الاحترام المتبادل بين الوالدين، ما يُؤثر على العلاقة بينهما ويجعلها غير مستقرة، فتهدد الاستقرار النفسي للطفل.
- النقد المتكرر للأطفال على الكبيرة والصغيرة وعدم إشعارهم بأهميتهم، كل ذلك يُساعد على وجود القلق.
- الخطر أو الشعور بالخطر، يُثير الخوف والقلق لدى الأطفال وما قد يترتب على ذلك من أمراض.
- الانفعالات الشديدة وغير المناسبة للموقف، حيث يكون لهذه الانفعالات غير المتوازنة أثرها السيئ من الناحية الجسمية والنفسية والاجتماعية.
- الاعتماد على اتجاهات سلبية، مثل: التسلط، والقسوة، والتذبذب في المعاملة، والرعاية الزائدة والتدليل، والإهمال، والتفرقة في المعاملة بين الذكور والإناث، وبين الأشقاء وغير الأشقاء.
- العنف الأسري: مثل العنف في المنزل، والعنف في المدرسة، والعنف في الشارع، والعنف في وسائل الإعلام.
- التنمر: سواء كان في محيط العائلة أو في المدرسة.
- خروج المرأة للعمل، والاعتماد على المربيات الأجنبيات والعمالة الوافدة التي لا تُساعد الطفل على الأمن النفسي كالأم والأب (4).
عوامل مؤثرة في الأمن النفسي
يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: “مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ، عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا” (الترمذي)، وهذه قاعدة نورانية أوضح فيها النبي الكريم عوامل الأمن النفسي للأطفال والكبار، والتي يمكن أن تتوفر في النقاط التالية:
- العامل البيئي بحيث يعد اختيار البيئة والمكان المناسب للعيش فيه من أهم العوامل المؤثرة في توفير الأمن النفسي للفرد ولأطفاله.
- العمل على مساعدة أبنائنا على اختيار الصحبة الجيدة التي تُعد من العوامل المؤثرة في أمنهم النفسي، فالإنسان يشعر بالأمان في وجود أقران يخافون عليه، ويتعاونون معه، ويقفون خلفه وقت أزماته.
- العناية بالجانب الديني الذي يُغذيه المسجد والذي يتعامل مع القلب والروح ويحافظ على أمن المسلم النفسي لقربه من الله، واللجوء إليه وقت خوفه وجزعه، ويقينه من وجود الله الذي لا يتركه. فالدين له الأثر الواضح في الشعور بالأمن، فهو يساعد الفرد على الاستقرار، والتعاليم الدينية والقيم الروحية والأخلاقية تهدي الفرد إلى السلوك السّوي وتجنبه الوقوع في الخطأ والشعور بالذنب وعذاب الضمير الذي يُهدد أمنه (6).
كيف نحقق الأمن النفسي لأطفالنا؟
تحقيق الأمن النفسي للأطفال يكون بالإنصات لهم، وتخصيص وقت للكلام والمناقشة معهم، والبعد عن التهديد والتخويف المستمر.
ولا بُد من احترام الطفل وشكره حين يُحسن، ومن أجل مساعدته على تحقيق الأمان النفسي والانفعالي تَذْكر روحي عبدات- أخصائية نفسية وتربوية- ما يلي:
- توفير الاحتياجات الأساسية للطفل، كالنوم الكافي، واللباس النظيف، والغذاء الصحي المتوازن البعيد عن الملونات والمنبهات والمواد الحافظة،
- الحب غير المشروط للطفل: وذلك بالتعبير عن حبنا للطفل مهما كانت سلوكياته، فنحن نحب أبناءنا في كل وقت ولا يعجبنا تصرفاتهم أحيانا.
- حماية الأطفال من الصدمات المختلفة، كالشجار على مرأى ومسمع منه، وتعريضه للمخاوف من الحيوانات أو الأفلام أو الألعاب الخطرة.
- مشاركته ألعابه واهتماماته، والحديث عن ذلك معه، وتمثيل بعض اللقطات من القصص المقروءة عليه، ويفضل تخصيص وقت يومي للعب معه ولو نصف ساعة.
- التعرف إلى قدرات الطفل وجوانب القوة فيه، واهتماماته وميوله وتنميتها وتعزيزها، وتسليط الضوء على مكامن القوة قدر الإمكان، دون التركيز على السلبيات.
- الابتعاد عن الأساليب التي تُدمر الثقة بالنفس، كمقارنته مع إخوته وأصحابه أو النّقد أو التوبيخ أو النعت بنعوت سلبية أو التهديد والتخويف المستمر أو الصراخ وعدم وجود لغة حوار هادئ.
- التقليل قدر الإمكان من الأوامر والنواهي التي تجعل الأطفال يشعرون بالملل، وليس معنى ذلك ترك الحبل على الغارب، فخير الأمور الوسط.
- إتاحة المجال للطفل لتكوين مجموعة من الصّداقات خارج إطار الأسرة، وإعطائه الحق في ممارسة بعض الأنشطة مع أصدقائه مع وجود الإشراف، دون إشعار الطفل بالمتابعة اللصيقة.
- العناية بربط الأطفال بالمسجد لمساعدتهم في تعميق مفهوم وقيمة الرحمة، وقيمة الرفق والعدل، وقيمة المسجد في حياة الفرد، وأهميته في حياة الأمة الإسلامية، والعمل على غرس القيم الإسلامية فكرًا وسلوكًا في نفوس الأطفال (7).
أخيرًا
إنه من الضروري تحقيق الأمن النفسي للأطفال منذ نعومة أظفارهم، لإعداد جيل سوي نفسيًّا يستطيع قيادة المستقبل وتحقيق نهضة حقيقية للأمة، لأنّ هذه الغاية لا يُمكن أن تتحقق في جيل نشأ وتربى على الرّهبة وفقدان الثقة في النفس.
ويكفي من تحقيق هذه الغاية، أنها الحصن الذي يحمي أولادنا في المستقبل من الانهيار والتحول إلى مصير مجهول، إذا ما تعرضوا لأزمة أو خطر مزلزل، سواء كان اجتماعيا والاقتصاديا وسياسيا.
المصادر والمراجع:
1- حامد زهران: الأمن النفسي دعامة أساسية للأمن القومي العربي والعالمي، دراسات في الصحة النفسية، عالم الكتب، القاهرة، 1989، صـ 296.
2- جهاد عاشور الخضري: الأمن النفسي لدى العاملين بمراكز الإسعاف بمحافظات غزة، وعلاقته ببعض سمات الشخصية، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، غزة، 2003، صـ 20.
3- الأمن النفسي في الإسلام: 19 يناير 2011، .
4- عبدالله الصيفي: تحقيق الأمن النفسي لليتيم في ضوء المقاصد الشرعية، مجلة جامعة النجاح للأبحاث، المجلد 24، 2010، صـ 2056.
5- يوسف علي الكندري: الأمن النفسي لدى الأبناء، المجلة العلمية لكلية رياض الأطفال، جامعة المنصورة، العدد الثالث 2017، صـ 301- 303.
6- الأمن النفسي (مفهومة، متطلباته والنظريات المفسرة له)، كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة كربلاء، العراق، .
7- روحي عبدات: كيف نحقق لأطفالنا أمانهم النفسي؟، 13 أبريل 2015، .
2 comments
نسيتم التنمر ابني يعاني من نفسية مهزوزة ان صح التعبير جراء مشاكل مع اقرانه والتشاجر يوميا مع بعض المتنمرين في المدرسة مما أثر على سلوكه في البيت وضعف ثقته بنفسه و التحصيل الدراسي
نشكر مرورك وتعليقك،
وندعو الله لابنك بالسلامة وبنفسية سليمة صحيحة،
يمكنك مطالعة العديد من المقالات في الموقع التي تناقش هذه المشاكل
التنمر المدرسي ظاهرة سيئة.. الأسباب والعلاج
تشاجر الأطفال.. أسباب وحلول تربوية