للتربية الإسلامية أسس تنطلق منها واضحة المعالم والأبعاد لا لبس فيها ولا غموض، ونقصد بالأسس هنا: جملة المنطلقات العقائدية والفكرية والتشريعية التي ينبثق عنها نظام تربوي متكامل ومتوازن يهتدي بهديها، ويتحدد في ضوئها.
والتربية الإسلامية هي “نظام تربوي متكامل يقوم كل جانب فيه على تعاليم الإسلام ومفاهيمه ومبادئه ومقاصده ولهذا فهي تختلف عن جميع الأنظمة التربوية من حيث مصادرها وأهدافها وأسسها ومبادئها وأساليبها وخصائصها”.
الأسس الفكرية
يقصد بها التصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة وهو بطبيعته ينبثق عن عقيدة التوحيد وبالتالي نجده ينشئ في العقل وفي القلب آثاراً كما أنه ينشئ في الحياة الإنسانية مثل هذه الآثار، كذلك ينشئ في القلب والعقل حالةً من الانضباط لا تتأرجح معها الصور، ولا تهتز معها القيم، ولا يتميع فيها التصور ولا السلوك.
يمتاز تصور الإسلام عن الإنسان والكون والحياة بميزات أهمها:
أ- وضوح الأفكار التي بني عليها نظام حياة المسلم.
ب- منطقية معتقداته ومعقوليتها وملاءمتها للفطرة.
ت- اعتماده وسائل التفكر والتأمل في النفس والكون وعرض آياته في الآفاق لبناء معتقداته، و”لعله أراد من وراء ذلك أن ترجع البشرية إلى ربها، وإلى منهجه الذي أراد لها، وإلى الحياة الرفيعة الكريمة التي تتفق مع الكرامة التي كتبها الله للإنسان، والتي تحققت في فترة من فترات التاريخ، على ضوء هذا التصور، عندما استحال واقعا في الأرض يتمثل في أمة تقود البشرية إلى الخير، والصلاح والنماء”.
ث- مخاطبته للعقل والوجدان معا ليغرس الفكرة ومعها قوتها الدافعة لتحويلها إلى حركة فكرية وعاطفية تحقق مدلولها في عالم الواقع.
أولًا: نظرة الإسلام إلى الإنسان:
تؤثر نظرة الإنسان إلى نفسه تأثيرا كبيرا في تربيته، والإنسان بشكل عام ومنذ بدء الخليقة يسيء فهم نفسه؛ فيميل إلى الإفراط حيناً فيرى أنه أكبر وأعظم كائن في العالم، وقد عبر عن ذلك نداء قوم عاد: “وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً” (فصلت، آية: 15)، ويميل أحياناً، إلى جانب التفريط فيظن أنه أدنى وأرذل كائن في العالم، فيعبد الشجرٍ، والحجرٍ، ولا يـرى السلامة إلا في أن يسجد للشمس والقمر والنجوم والنار وما إليها من الموجودات، التي يرى فيها شيئاً من القوة أو القدرة على ضرره أو نفعه، ولكن الإسلام عرض الإنسان على حقيقته بلا إفراط يدفعه إلى التيه والطغيان، ولا تفريط يؤدي إلى شعوره بالدونية، وبين أصله ومميزاته ومهمته في الحياة وعلاقته بالكون وقابليته للخير والشر.
- حقيقة الإنسان وأصل خلقته:
ترجع حقيقة الإنسان إلى أصلين: الأصل البعيد وهو الطين حيث سواه الله ونفخ فيه من روحه، والأصل القريب وهو خلقه من نطفة، قال تعالى: “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)”(السجدة)، وهذه نظرة متوازنة فلا يطغى من كان أصله ماء مهين ولا يذل من كانت هذه عناية الله به وتكريمه له.
- الإنسان مخلوق مكرم:
بين الإسلام للنوع البشري أنه ليس في درجة يتساوى فيها مع الحيوان والجماد؛ بل هو مخلوق مكرم قد سخرت له الكائنات وأوتي قدرة جعلته يسيطر عليها. قال تعالى: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)” الإسراء.
- الإنسان مميز مختار:
ومما كرم الله به الإنسان القدرة على التمييز بين الخير والشر والإرادة التي يستطيع بها الاختيار بينهما، وقد بين الله له أن هدفه في الحياة أن يزكي نفسه ويسمو بها. قال تعالى: ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)” الشمس.
- القدرة على التعلم والمعرفة:
فقد أنعم الله على الإنسان بالعلم والمعرفة وزوده بالأدوات اللازمة لذلك ومنها السمع والبصر واللسان والقدرة على البيان وكذلك زوده بالعقل وندد الله بالذين لا يستفيدون من هذه الأدوات. يقول تعالى: “وعلم آدم الأسماء كلها” البقرة. وقال تعالى: ” وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)” الأعراف. وفي هذه الآيات دليل على أن الله خلق لنا السمع والبصر والفؤاد لنتفكر ونتأمل ونستخدم ما سخر الله لنا فنجمع أكبر قسط من المعرفة والمخترعات وحينئذ نظفر بميزة الزعامة على الإنسانية كما ظفر بها أسلافنا.
- مسئولية الإنسان وجزاؤه:
عندما كرم الله الإنسان وفضله على الكائنات حمَّله مقابل ذلك مسئولية عظيمة هي مسئولية تطبيق شريعة الله وتحقيق عبادته ورتب على ذلك الجزاء الوفاق. قال تعالى: “إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)” الأحزاب. وهذه المسئولية تربي في الإنسان الوعي واليقظة الدائمة.
وكذلك قرر الإسلام مسئولية الإنسان عن ماله وعن عمره وعن شبابه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه ما فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟”.
- المهمة العليا للإنسان عبادة الله:
وهي تجمع كل هذه المسئوليات. قال تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)” الذاريات.
ثانيا: نظرة الإسلام إلى الكون:
- الكون كله مخلوق لله خلقه لهدف وغاية: وما كان اللعب والعبث باعثا على الخلق. قال تعالى: “وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)” الدخان.
ولهذه النظرة الإسلامية إلى الكون آثار تربوية منها:
أ- ارتباط المسلم بخالق الكون وبالهدف الأسمى من الحياة وهو عبادة الله.
ب- تربية المسلم على الجدية فالكون خلف لهدف معين وإلى أجل مسمى ليس عبثا.
- خضوع الكون لسنن سنها الله وفق أقدار قدرها: فجميع الأحياء التي على الأرض جعل الله لها معايش مقدرة مقننة، والكواكب والنجوم والشمس والقمر تجري حسب سنن كونية سنها الله ومقادير قدرها الله.
ولهذا أثر تربوي كبير حيث ربى القرآن عقل المسلم على مبدأين علميين هما:
أ- تكرار حوادث الكون حسب سنن سنها الله له وهو وحده يملك أن يغيرها إذا شاء، وهذا هو المبدأ الذي بنيت عليه اليوم جميع القوانين العلمية.
ب- أن هذا الكون بكل ما فيه خلق بنظام دقيق لا يتعداه وهو المبدأ الذي يربي العقل على الدقة ليأخذ كل شيء بمقياس.
- الكون مسير ومدبر دائما بقدرة الله: فالله الذي رتب سنن الكون بقي وما زال قائما على تسييره وتدبير أمره. قال تعالى: “إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)” يونس.
- وكذلك الإنسان قد رتب الله سننا اجتماعية لحياته: فأرسل على أساسها الرسل وعذب الأمم وأهلك بعضها ورتب آجالها وغير أحوالها، ومتع أمما وبسط لها أرزاقها، وقد تأثر ابن خلدون بهذه السنن الاجتماعية المذكورة في القرآن الكريم عندما وضع معظم نظرياته الاجتماعية في مقدمته المشهورة.
- الكون كله قانت لله: خاضع لتدبيره وأمره وإرادته. قال تعالى: “وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)” البقرة.
فإذا كانت كل الكائنات تخضع لبارئها وتشهد بعظمته فأجدر بالإنسان العاقل المفكر أن يستشعر ذلك ويتحقق به.
- كثير مما في الكون مسخر للإنسان زاخر بالنعم: قال تعالى: “وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)” النحل.
وفي هذا تربية لعواطف المسلم على الشعور بفضل خالقه عليه وكذلك تربية لعقله على استخدام القوانين العلمية والاستفادة من قوى الكون التي سخرها الله له.
ثالثًا: نظرة الإسلام إلى الحياة:
نظر الإسلام للحياة نظرة جدية ملؤها الشعور بالمسئولية وتوجيه الدوافع، وميز الله الإنسان عن الملائكة وسائر المخلوقات بميزتين:
الميزة الأولى: العلم والعقل، والإرادة والاختيار، والتمييز بين الخير والشر.
والميزة الثانية: أنه مخلوق من طين ثم من دم ولحم، وأنه تبعا لذلك مجبول على الشهوات والدوافع الغريزية، وما يتفرع عنها من الجهل وسفك الدماء، والإفساد والخسران، والهلع، والجزع، والطمع.
- “…إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ” الأحزاب: 72.
- “وَالْعَصْرِ 1 إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ 2 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ 3 ” العصر: 1-3.
- “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ30” [البقرة:30].
- “إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا 19 إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا 20 وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا 21 إِلَّا الْمُصَلِّينَ22” [المعارج: 19 – 22].
- “وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ” [العاديات:8].
- “وَتُحبونَ المَالَ حُبًّا جَما” [الفجر: 20]، وفيه معنى غريزة الطمع وحب التملك.
- “يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا” [النساء:28] وفيه معنى غريزة الانقياد.
- “وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا” [الإسراء:11] وفيه إشارة إلى السرعة وعدم الصبر.
- “وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا” [الإسراء:100] وفيه معنى البخل.
- “بَلْ تـُؤْثرُونَ الْحيَاةَ الدُّنـيَا” [الأعلى: 16] وفيه إشارة إلى غريزة حب البقاء.
وقد جمع الله للإنسان هاتين المجموعتين من المميزات، والصفات الإنسانية المتقابلة، وجعل الإنسان قادرا على اختيار طريق الخير أو الشر، وجعل ذلك أساسا لحياته النفسية، وجعل عنده مقابل كل صفة من هذه النقائض قدرة عقلية على الضبط والاعتدال، وبالرجوع إلى الشرع والخوف من الله وعبادته، وفي مقابل ذلك كله، ولكي ندرك كمال التصور القرآني للنفس، والكون والحياة، وترابط هذه التصورات، وتقابلها وتكاملها، نتأمل وصف القرآن للحياة، فنجد أن الإسلام قد جعل هذه الحياة الدنيا دار امتحان وابتلاء، يمر بها الإنسان، ليصل إلى الآخرة، وهي حياة دائمة لا موت بعدها، فهنالك الحساب، فإما نعيم أبدي، وإما عقاب وعذاب.
ولكن فيم يمتحننا الله؟ وما الهدف الذي يجب علينا أن نحققه؟
- بدء الامتحان والاختبار الإلهي لأول البشر: ابتلى الله آدم أول من خلق من البشر بالامتناع عن الأكل من الشجرة ثم سلط عليه إبليس فعصى ربه ثم عاقبه الله فأهبطه من الجنة وبدأ الامتحان منذ ذلك الوقت وما يزال كل أبناء آدم يمر بهذا الامتحان، وبدأ الصراع بين إبليس وجموعه وأتباعه وبين الرسل والأنبياء وأتباعهم.
- وصف القرآن للحياة الدنيا: الدنيا متاع مؤقت ليس للإنسان أن يجعلها غاية له فيغتر بها وينسى الهدف الذي خلق من أجله، وأن الآخرة هي دار البقاء وأن الدنيا هي دار الفناء، ومن صفات الحياة الدنيا وعلاقة الإنسان بها:
أ- متاع مؤقت ومكان عبور ووسيلة إلى الآخرة ولا يجوز اتخاذها غاية.
ب- الدنيا مملوءة بالزينة والزخرف والشهوات والملذات وهذا من الابتلاء والاختبار.
ت- للمسلم أن يستمتع بالحياة الدنيا وزينتها في حدود الشرع بشرط أن لا يلهيه عن طاعة الله.
ث- الدنيا عالم له قوانينه التي سنها الله؛ فمن سعى فيها استوفى نتيجة سعيه ومن سخرها لإرضاء الله ربح في الدنيا والآخرة.
ج- الحياة الدنيا قصيرة الأمد لا تعدو أن تكون ساعة من أيام الآخرة.
ح- الحياة الدنيا دار تعب وكدح وجد.
خ- المؤمنون ينصرهم الله في الدنيا والآخرة فليست الدنيا لظهور الكفر والفساد فقط.
د- الحياة الدنيا دار لعب ولهو وتفاخر وتكاثر.
الآثار العملية والتربوية
هذه الصفات تربي المسلم على عادات منها:
أ- ألا يغتر بالدنيا ويغفل عن الهدف الذي من أجله خلق.
ب- ألا يحرم نفسه من خيراتها على أن يحقق بهذا التمتع عبودية الله.
ت- أن يصبر على بلواء الحياة فلا ييأس ولا يتذمر بل يصبر ويستعد للجهاد.
ث- أن يجند كل عدته لمنازلة أعداء الفضيلة والخير من الجنة والناس.
وأخيرا فإن العالم اليوم أحوج ما يكون إلى مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف تخرجه من ظلمات التيه إلى نور الرشد والهداية، فبالرغم من التقدم الكبير الذي حققه الغرب في عالم المادة إلا أنه في مجال التربية – وبشهادة علمائهم – فشل في إعداد الإنسان السوي حيث قامت التربية الغريبة على بعد واحد من أبعاد الكيان الإنساني وهو البعد المادي على حساب الأبعاد الأخرى، وهذه شهادة أحد مفكريهم الكبار المفكر رينيه دوبو، يقول: “العلم متهم بتدمير القيم الدينية والفلسفية دون أن يقدم بديلا لإرشاد السلوك أو تصورا عن الكون واليوم يجد الإنسان من الصعب أن يعيش دون فكرة عن وجوده أو إيمان بخطورة مصيره” .
وشهادة أخرى من أحد كبار فلاسفة التربية الغربية أبراهام ماسلوا حيث يقول في بحثه [الثورة غير المرئية]: “إن التربية المعاصرة قد فشلت في تحقيق الذات لدى الدارسين، وإن الناشئة يتطلعون إلى حقائق مؤكدة كتلك التي تقدمها الأديان”.
وهذه الشهادات وغيرها الكثير تدعو العلماء العاملين والمهتمين بميدان التربية الإسلامية أن يبذلوا مزيدا من الجهد لتوضيح معالم هذا المنهاج القويم وجوانبه النظرية والتطبيقية.
المصادر:
- القرآن الكريم.
- تفسير الجلالين: جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي.
- خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: سيد قطب.
- فلسفة التربية الإسلامية: ماجد الكيلاني.
- أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع: عبد الرحمن النحلاوي.
- مدخل إلى أصول التربية: عبد الرحمن فهد الدخيل.