يرتكب كثيرٌ من الآباء والأمهات العديد من الأخطاء الشائعة في تنشئة الأبناء ظنًّا منهم أنّ كل ما يقومون به من قسوة وتشدد أحيانًا يُسهم في عملية تقويم السلوك، لكن دور التربية هو مواكبة التغيّر حتى ننجب أبناءً وأجيالًا قادرة على مسايرة التقدم الهائل في شتى شؤون الحياة.
والتّربية لم تعد عملًا ارتجاليًّا، بل أصبحت علمًا وفنًّا يُدرّس في كليات التربية، حيث تشعبت الفنون وتفصّلت في زمن التقدم الهائل في وسائل الاتصالات الذي ألغى الفواصل وقرّب المسافات، وأصبح العالم مثل قرية صغيرة تتأثر بكل ما يحدث في العالم وكل تقدم في العلم والتكنولوجيا.
من الأخطاء الشائعة في تنشئة الأبناء
يحاول بعض الآباء والأمهات فرض الأوامر على الطفل طوال اليوم، وهو خطأ شائع نابع من فكرة السّلطة والديكتاتورية؛ فنجد الأمهات يُصدرن أوامر للطفل ولا يتركن له حرية الاختيار في أي شيء فتقول الأم: (قم.. نم.. البس) هكذا طوال اليوم.
والنتيجة أنّ الطفل يتظاهر بأنه لا يسمع شيئا، وبالتالي لا يستجيب، والحل في إعطاء حرية للطفل بحيث يتمكن من الاختيار والشعور بشخصيته حتى لا نفقده الثقة في نفسه ونشعره بالعجز.
ويمكن استلهام أساليب النبي- صلى الله عليه وسلم- في التوجيه والإرشاد، بدلا من التسلط والأمر والنهي باستمرار، ومن ذلك أسلوب الحوار لإيصال المعلومة أو المعنى الذي نريد.
فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: “أتدرونَ مَنِ المُسلِمُ قالوا اللهُ ورسولُه أعلَمُ قال مَن سلِم المُسلِمونَ مِن لسانِه ويدِه قالوا فمَنِ المُؤمِنُ قال مَن أمِنه النَّاسُ على أنفسِهم وأموالِهم قالوا فمَنِ المُهاجِرُ قال مَن هجَر السُّوءَ فاجتنَبه”.
وتُعد التفرقة في المعاملة، من الأخطاء الشائعة في التربية، والمطلوب هو التوازن والعدالة عند قدوم الطفل الثاني الذي غالبًا ما يكون أكثر هدوءًا وجاذبًا للانتباه، نتيجة اكتساب الأبوين لخبرة في التربية.
والتفرقة في المعاملة تُشعر الأبناء بالغيرة، حيث صورها القرآن الكريم أبلغ صورة في قصة سيدنا يوسف- عليه السلام- عندما تهامس إخوة يوسف قائلين: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينَا مِنَّا}، {ٱقۡتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضٗا يَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِيكُمۡ وَتَكُونُواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ قَوۡمٗا صَٰلِحِينَ}؛ ذلك لظنهم أنّ أباهم يُفضل يُوسف عليهم، ولنأخذ من ذلك العبرة، وحل هذا الخطأ يتمثل في:
- بث روح المحبة والأخوّة والتعاون بين الأبناء.
- تربية الأبناء على أن الجنس أو الشكل من عند الله ولا يجوز لأحد أن يحب أو يكره على أساسهما فلا يوجد فرق بين الأشخاص إلا بالأخلاق والصفات الحسنة.
- عدم الإفراط في الاهتمام بالابن الأكبر أو الأصغر، لأنّ هذا الأمر يُولّد شعورا بالغرور في نفس الابن المميز والمدلل.
- عدم التفرقة أو التمييز في المحبة بين الذكور والإناث، فإن ذلك قد يشعرهم بالتفرقة ويجعل منهم كارهين لأنفسهم وجنسهم أو كارهين للجنس الآخر.
- إذا كان هناك طفل مريض أو معاق في الأسرة يجب مراعاة هذا الأمر بشكل خاص، ويفضل تعليم وتربية الأبناء الآخرين حتى يساعدوه دون الشعور بأن هناك تمييزا وتفرقة في المعاملة معه.
بين المقارنة والتحفيز
إن المقارنة طريقة غير عادلة في التربية؛ لأنّ الفروق بين الأولاد ستبقى موجودة، وتلك سمة من سمات عظمة الخالق، أنّ هناك اختلافًا بين البشر في الطول ولون البشرة والذكاء وغير ذلك، ولكل إنسان قدراته.
وتؤدي المقارنة إلى زرع المرارة بين الإخوة والحط من قدرات الأقل تقديرًا، وقول الأب أو الأم: “أنا أقارن لكي أحفز” غير صحيح من خلال الواقع العلمي، وإنما يكون التحفيز من خلال:
- سرد قصص الأشخاص النابغين والعلماء وبطريقة هادئة من دون انفعال، حتى لا تترك أثرا سيئًا.
- تشجيع الطفل وتحفيزه فيما يحسنه لتنمو قدراته في هذا الاتجاه.
- مساعدة الطفل على استغلال موهبته وتنميتها.
- وجود قدوة للطفل توجهه باستمرار.
- الاستماع إلى الطفل والاهتمام به.
الإهمال أو التدليل
ويدخل الإهمال ضمن الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الآباء والمربون في تنشئة الأبناء وتربيتهم، إذ يُؤثر على الأسرة بأكملها ويجعل الطفل يشعر بالغيرة من أقرانه الذين يحظون باهتمام والديهم، وينعكس ذلك على تصرفاته التي تتسم بالعدوانية ليلفت الانتباه له، حتى وإن كان عن طريق العدوان، والحل في:
- إشباع رغبة الحب والحنان لدى الأطفال جميعًا.
- وإشعار كل الطفل بأنه محبوب ومرغوب فيه.
- تغذية الأمل باستمرار لدى الأبناء.
التدليل والتوبيخ
والتدليل من الأخطاء الشائعة في تنشئة الأبناء، إذ يشعر الطفل دائمًا بأنه لا بُد من أن يكون محور اهتمام الجميع ويتوقع من كل الناس المعاملة نفسها، وبالطبع هذا لا يحدث، ما يجعل انفعالاته طفولية ويتأخر نضجه الاجتماعي والانفعالي، وتقل قدرته على تحمل المسؤولية ويعتمد على الآخرين في تصريف شؤونه ويتقولب، ويمكن حل هذه المشكلة بهذه النقاط:
- تحديد قواعد التهذيب المناسبة لسن الطفل.
- إلزام الطفل بالاستجابة لقواعد تهذيب السلوك التي وُضعت، خصوصًا قبل دخوله المدرسة بفترة طويلة، ومن ذلك أن يجلس في مقعد السيارة المخصص له، ولا يضرب الأطفال، وغير ذلك من سلوكيات.
- التميز بين احتياجات الطفل ورغباته.
- تعديد الأنشطة النافعة للطفل ليتغلب بها على السأم والملل.
- تعليم الطفل كيفية الانتظار وكيف يقضي وقته فيه.
- عدم الإفراط في مدح الطفل.
- بيان حقوق الوالدين والكبار وتعليم الطفل احترامها.
ويعد التوبيخ أحد أسوأ الأخطاء الشائعة في تربية الطفل، سيما إن كان أمام الآخرين، لأن ذلك ينعكس سلبًا على نموه النفسي ويُصبح لديه ردة فعل عصبية تلقائية، وبمجرد أن تسأله الأم مثلا سؤالا عاديًّا وبصوت منخفض يجيب بنرفزة وعصبية وبصيغة النفي وكأنه تلقى السؤال كاتهام، لذا يجب:
- التعامل بلطف خاصة مع الأطفال.
- تجنب كثرة التوبيخ العنيف والاتهام قدر الإمكان، سيما أمام الآخرين.
- يمكن إعطاء الطفل وقتا ليفكر في خطئه، فهذا يعلمه مهارة اتخاذ خيارات مختلفة مستقبلا.
- ومن الممكن تعليم الطفل أن نتيجة ارتكاب الخطأ سيكون فقدان امتياز، فيجب أن تكون الخسارة مرتبطة بالسلوك.
- الثناء على حسن السلوك، فهذا يجعل الطفل يلتزم به أثناء اللعب وفي كثير من المواقف.
تعليم الأخلاق والمبادئ
ومن الأخطاء الشائعة كذلك:
- إهمال تعليم الطفل المبادئ والأخلاق، سيما في سنوات النشأة الأولى، وهو ما يعزى إلى عدم التزام الطفل ببعض المفاهيم أو العادات السليمة منذ الصغر، فعلى الآباء غرس القيم والمبادئ في نفوس أبنائهم وأن يكونوا لهم قدوة صالحة منذ الصغر.
- عدم بشاشة وجه الآباء أو الأمهات في المنزل؛ لاعتقادهم أنّ علامات الشدة المرسومة على الوجه عامل مهم لتربية الأبناء، حتى إذا حاول الطفل أن يُغير سلوكه نحو الأفضل، فإنه يجد رد الفعل نفسه فيتوقف عن المحاولة وهنا تظهر الفجوة التي تجعل الأطفال يكرهون والديهم حتى لو وفروا لهم كل احتياجاتهم، فلا بد من إشاعة الحب والفرح والابتسام دائمًا مع الأبناء.
- وقد يعتقد بعض الآباء والمربين- خطأ- أن التخطيط لليوم دقيقة بدقيقة يكون في مصلحة الطفل، فيشغلون أوقاته بالأنشطة ويملؤون جدوله بالمهام التي تتعلق بالدراسة أو ممارسة الرياضة بحيث لا يصبح لدى الطفل أي وقت لنفسه وهو ما يجعل حياته أشبه بمعاناة يومية. والأفضل التوازن في كل شيء، فالطفل لا بد من يلعب ويخرج مع والديه، حتى لا يمل ويفقد الشغف.
- عدم تحديد موعد ثابت للنوم، فبعض الآباء يتركون أطفالهم يسهرون حتى أوقات متأخرة في المساء، لكن بحلول الساعة الحادية عشرة مساءً يشعر الأطفال بالتعب بشكل واضح، وهو ما يؤثر على نشاطهم في اليوم التالي، والحل في تدريبهم على النوم مبكرا، بإبعادهم عن التلفاز والهواتف قبل النوم بفترة وتهيئة جو النوم الهادئ لهم.
- إجبار الأطفال على الانتهاء من أطباقهم، وهذه العادة ربما تتسبب في بدانة الأطفال، لأنهم يتناولون ما يزيد عن حاجة أجسادهم، لكن البديل أن نعلم الطفل أن يأخذ إلى طبقه ما يحتاجه فقط دون زيادة أو نقصان، وبالتدريب المتكرر سوف يحسن الأمر.
إن على الآباء والأمهات التنبه إلى عدم ارتكاب الأخطاء الشائعة في تنشئة الأبناء، بل تقويم سلوكهم، وأن يدركوا أنّ رحلة التربية تستمر مدى الحياة بتفاوت نوعية النصح والإرشاد، لذا يجب التحلي بالصبر والحرص على كسب ثقة الصغار واحترامهم.
وعلى المربين الانتباه إلى أنّ “الدين لا يمحو الغرائز، ولكن يروِّضها، والتربية لا تغيِّر الطباع، ولكن تُهذبها”، فأبناؤنا أمانةٌ في أعناقنا، ومن أهم واجباتنا تجاههم هو تربيتهم تربيةً صالحة، وغرس المبادئ، والقِيم، والأخلاق النبيلة في نفوسهم.
المصادر والمراجع:
- الدكتور ياسر نصر: دراسة عن الأخطاء الشائعة في تربية الأبناء.
- الأخطاء الشائعة في تربية الأطفال.
- 8 أخطاء شائعة في تربية الأطفال.
- الأخطاء الشائعة في تربية الأطفال.
- أخطاء شائعة في تربية الأبناء.
- الأخطاء الشائعة في تربية الأطفال.