أمي تمنعني من ارتداء الحجاب
أعيش في بيت منفتح على الحياة بعض الشيء فهو لا يعرف كثيرًا ما يسميه البعض قيود الحياة، لذا تجدني وأخواتي نسمع الأغاني ونخرج مع الأهل أو الصديقات إلى السينما والمجمعات ونتعامل مع الحياة بشيء من التحرر إن صح التعبير.
غير أني أُصلّي الصلاة على وقتها، بينما بقية البيت يجتهدون في المحافظة عليها فيستقيمون حينًا وتضيع منهم أحيانًا أخرى.
ومشكلتي أنني أحب الحجاب والحشمة وأفرح عندما أجد نفسي مثل بعض زميلاتي المحتشمات دون خصل مكشوفة من الشعر أو غطاء للرأس وما هو بغطاء إنما هو غطاء لآخر الرأس كما أراه على رأس أمي وأخواتي اللاتي يظهر من شعرهن أكثر مما يختبئ.
ربما تسألني وما يمنعك أن تلبسي ما تشائين وتتحجبي كما تُحبين، والرد للأسف يكمن في أنّ أمي هي التي تمنعني من ذلك!
فبمجرد أن أبدأ في الحديث عن هذا الموضوع حتى تنهال عليّ زجرًا وتوبيخًا وتخويفًا لي من عواقب ما أُفكّر فيه…إلخ.
إنها تريدني ألبس وأعيش مثلها ومثل أخواتي اللاتي تطبعن بطبعها كلامًا ولبسًا وحياة مهما كان فيها من سلبيات غفر الله لهن.
إنني أحب أمي فهي طيبة ودودة معي إلى أبعد حد، لكنني الآن طالبة جامعية أعرف كيف أختار لنفسي، وأعرف – أيضا- أنّ الله سيحاسبني عن نفسي لأنني بلغت سِنّ التكليف.
إنني في حيرة بين أمي التي تُريدني أجمل الفتيات وتريدني زوجة لعريس لا تريد له التأخر، وبين أن أفعل ما يُرضي الله – عز وجل-، علمًا بأن سطوة أمي على بيتنا يصعب مقاومتها فبماذا تأمرني وتنصحني؟
الإجابة:
الحمد لله الذي حفظ عليك الفطرة فحبّب إليك الإيمان وزينه في قلبك، الحقيقة أنّ هذا مسار غير معتاد في طبيعة الأسئلة التي تَرِد، إذ عادة ما يحمل الهمّ الواضح في طيات السؤال الآباء تجاه أبنائهم وتنتابهم الحيرة بشأن كيفية تنشئة أبنائهم على الطاعة، ويكون هذا دائمًا نابعًا من إحساس عظيم بالمسؤولية، فكما قال المصطفى – صلى الله عليه وسلم-: “كفى بالمرء إثمًا أن يُضيع من يقوت”.
والمدرك للفارق بين الرعاية والتربية هو فقط مَن ينتقل من توفير المأكل والمال ليكون همّه النجاة بنفسه وأهله في الآخرة، حيث قال الله تعالى في سورة التحريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)، فالذي يجب أن يضعه الآباء نصب أعينهم هو نجاة فلذات أكبادهم يوم القيامة وهذا هو مؤشر النجاح التربوي أو ما يحق للآباء بحق أن يفرحوا به حينها وليس بالمقارنة يوم تخرجهم ولا يوم زفافهم ولا يوم حصولهم على درجة علمية.
مُتفهم حرص الأمهات أحيانًا على زواج بناتهن وانتظارهن ذلك اليوم بفارغ الصبر، لكن لتتذكر كل أم أنه (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، فالأولى بدلًا من ترسيخ أفكار خاطئة في عقول بناتنا بأن يتبرجن ويتزينّ للحصول على زوج، الأولى لهن أن يتّقين الله ويحفظن دينهن ويطبقن ما أمرهن به الله في كتابه في سورة النور: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، وأن تعلمهن أنّ الأمر كله بيد الله وأن ينال ما عند الله بطاعته والالتزام بما أمر وليس بمعصيته، وقد يظن البعض أنّه قد ينال من حظوظ الدنيا بالمعصية لكن ماذا ستجلب المعصية من حظ في الآخرة وكيف ستضمن لك المعصية البركة حتى في الدنيا.
ذكرتني السائلة بالصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص، مع فارق المثَلين حيث أمرته أمه بالشرك وامتنعت عن الطعام والشراب حتى يضعف ويتراجع ولعلمها أنّه كان شديد البر بها، لكن الحق كان واضحًا بلا مراء فلم يتراجع أبدًا ونزل فيه قول الله تعالى في سورة لقمان (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، وإن كانت الآيات قد تكلمت عن الشرك فإن حديث رسول الله واضح: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إنما الطاعة في المعروف). لكن لا يعني عدم الطاعة في أمر بعينه سوء المعاملة بوجه عام، بل على العكس زيادة الإحسان لها مع التمسك بالمبدأ حتى يلين قلبها وربما يجعل الله بالإحسان لها مع الثبات على المبدأ سببًا في إعادة تفكيرها في الأمر وربما سببًا لهدايتها هي أيضا.
وما دُمتِ تشعرين بأنك تغرّدين وحدك خارج السرب فاحرصي على أن تكوني دائمًا وسط صحبة صالحة تعينك على الخير وأن يكون لك زاد إيماني باستمرار ولا تنسِ الدعاء دومًا لنفسك ولأهل بيتك بالهداية والثبات.