ابني يريد أن يتزوج، وقد أريناه بنات كثيرات من بيوت كريمة نعرفها، ولكنه في كل مرة ينتهى الأمر إلى جملة واحدة: “لا أشعر بالقبول” وهو ينشد جمالًا ليس متاحًا كثيرًا في مجتمعاتنا، وبينما نحن نؤمن أن الجمال ليس موضعه الوجه فقط، إلا أن ابني يحصره فيه ويبحث على أساسه، وغير مهتم بباقي الأشياء التي تكمل شخصية الإنسان، وهو روحه وسلوكياته وأخلاقه، ولا أدرى ما أفعل له؟ وماذا أقول له؟!
الحمد لله أن بلغ ابنكم مقام الرشد والاختيار، ونحن إذ نحمد الله على ذلك نقر في نفس الوقت بأن مسألة اختيار شريك الحياة ليست مسألة سهلة، فكثيرًا ما تكون مصحوبة بالخوف والتردد ,لكن الاستئناس برأي الأهل وسؤال المحيطين بالفتاة والاستخارة والاستشارة هي من المعينات على حسن الاختيار وذلك لا يكون إلا بتوفيق الله.
كما نحمد الله على اتباع ابنكم للمنهج الرباني والفطرة القويمة في البحث عن زوجة يعف نفسه بها ويكون سببًا لعفافها، فكم من شباب يعزف عن الزواج خصوصًا في الآونة الأخيرة مع سيطرة الحياة المادية وانتشار ثقافة “أنت كاف لا حاجة بك لغيرك!”.
والحمد لله أنكم أهل تفهمون مضمون صلاح البيوت كيف يكون، وأن الشكل وحده لا يبني سعادة، وبرغم معايشة بعض الأهل لهذه الخبرات الحياتية ومعرفتهم لمفهوم السعادة عمليًا، إلا أن بعضهم يقع في فخ البحث عن الجميلات- كمعيار أول- من البنات كما يفعل ابنك.
عليكم كأهل أن:
- تستوعبوا ابنكم ولا تصلوا معه لمرحلة الصدام، مهما كلفكم هذا من جهد في إقناعه وتغيير وجهة نظره.
- تفهموا بشكل غير مباشر لماذا يحرص على مستوى معين من الجمال؟ هل لأن هذا ما يرضيه فعلًا، أم أصبحت الزوجة بمظهرها من كماليات الحياة، فأنت تقتني سيارة ماركة معينة، وتقطن في حي بمستوى معيشي معين، وتتزوج زوجة بمواصفات شكلية معينة؟!
قد تكون هذه الحقائق صادمة للبعض (اعتبار الزوجة كمالية من كماليات الحياة)، لكن حينما نقر بهذه الحقائق، نبدأ بمعرفة من أين نعمل على تغيير الأفكار.
كما أن إهمال بعض الأمهات أحيانا لمظهرهم في المنزل بسبب مشغولياتهم؛ يربي في الأبناء عناية أكثر في التركيز على المظهر، ظانين أن هنا تكمن السعادة!
كما أن مشاهدة المسلسلات والأفلام وتتبع وسائل التواصل توصل رسالة متكررة مفادها التركيز على جمال المرأة، فيقع أبناؤنا فخًا لذلك وينجرفون مع التيار مع الأسف، فيتكون مفهوم الزواج لديهم من خلال التصورات كما يشاهدون في المسلسلات، منفصلين عن الواقع وقوانينه!
كما أنهم يفتقدون إلى النموذج القدوة، فالمتصدر على الساحة إما مشايخ يتحدثون عن السعادة الزوجية أحاديث مرسلة بالنسبة للشباب وليس عليها دليل من الواقع، وإما أن يتصدر على الساحة المؤثرون الذين يسمحون لزوجاتهم- في دياثة منقطعة النظير- بأن تطل الواحدة منهم على الشاشات بكامل زينتها فيتمنى الشباب حياة مثل حياة هؤلاء! متناسين أن الكاميرات تركز على ما يريد الآخر أن تراه وتعرفه عنه، ولو سمح للمشاهد أن يرى ما في الكواليس لأشفق على حياة بعض هؤلاء، وما تمنى أن يكون مثلهم!
إذًا يقع الشباب أسرى بين نموذجين غير مكتملي المشهد، وواقع غير مشجع، فيحيدون إلى التمسك بما يظنون أن فيه السعادة.
إذا بينا فيما سبق ما قد يكون أحد أسباب اعتبار الجمال المعيار الأول للزواج؛ نعرج في الفقرة التالية على أسس الاختيار وكيفيته.
السائلة الكريمة:
ونحن نعد أبناءنا لمرحلة الاختيار هذه، يجب أن تكون تنشئتهم منذ البداية واضحة فيها مرجعيتهم في شتى شئون حياتهم تكون لمن وكيف؟
يبين لنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك”، إذًا يوضح الحديث أربعة معايير للاختيار: الدين، الجمال، الحسب، النسب.
ويبين لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن من يأخذ صاحبة الدين هو من سيظفر، لا نقول خذها دميمة، لكن نقول اجعل الدين معيارك الأول، ثم يأتي الجمال لاحقًا، مع العلم بأن معيار الجمال يختلف من شخص لآخر، فبعضهم يبحث عن البيضاء، وغيرهم يرى في السمار جمالًا، فأن يحصر الفرد معايير الجمال في مواصفات معينة، يدل على قصور في الفهم!
بل ربما يقابل الجميلة شكلًا فعلا بمواصفاته ولا يجد قبولًا أو ارتياحًا، فكم من جميلات لم يحصل لهن قبول؛ لأن الجمال نسبي، ومعاييره ليست شكلية فقط، فقد يكون الجمال في الخُلُق والخلقة، وفي الروح وفي حسن المعشر وفي غير ذلك.
قد لا يدرك الشباب هذه المعايير في البداية، فدورنا أن نوضح ونبين، ونصبر على قلة خبرتهم، ولو استدعى الأمر موافقته في الاختيار حتى يحكم على تجربة اختياره في فترة الخطبة؛ فلا بأس.
المهم أن تتفقوا على مجموعة شروط لا تنازل عنها، تضعونها حسب قيمكم الاجتماعية وظروفكم الاقتصادية، معظّمين ما يحثنا عليه الشرع، أن تكون صاحبة دين وبقية الأمور تأتي تباعًا حسب أحوالكم.
شُرعت الخطبة للتعارف، فإذا حصل المراد واختار الابن فتاة مناسبة بمعاييركم فادعموا اختياره وذكروه ألا يغض الطرف عن أشياء قد تبدو مزعجة تحت سكرة وزهوة وفرحة هذه الفترة، فالخطبة وعد بالزواج نعم، لكن إذا رأى فيها مؤشرات مغايرة فيجب أن ننبه بلطف.
يحتاج أبناؤنا لسماع ومعايشة قصص زيجات سعيدة، لم يكن الجمال فيها هو الحكم، وبالتلميح تارة وبالتصريح تارة أخرى نشير إلى أن مفهوم الجمال وحده غير كافٍ لإقامة البيوت، فقد تعف الجميلة زوجها عن النظر إلى المحرمات، لكنها وإن لم تدرك مفهوم الزوجية من حقوق وواجبات قد تجعله يندم على سوء اختياره!
فربما يقتني المرء ساعة فاخرة لكنها لا تعمل، بعد قليل لن يجد قيمة لجمالها وسيغيرها، فلنجاح الحياة الزوجية عمودان أساسيان:
- حسن الاختيار
- طريقة التعامل مع المشكلات.
فلن ينفعه جمال الشكل إذا لم تكن لديه ولدى زوجته (مهارات حياتية) تعين على تحمل المسئولية وأن يكون لديهم مفهوم أن الحياة الزوجية أخذ وعطاء متبادل طوال الوقت، وأن أي حياة بين زوجين لا تخلو من كدر، منهم من يحسن التعامل مع المشكلات ومنهم من يسلم ساقه للريح هربًا مع أول مطب حقيقي، هنا ندرك جيدًا قيمة (حسن الاختيار) المدعوم بصفات أصيلة ليس على قمتها معايير الجمال فقط.
نؤكد ونحن نتحدث عن حسن الاختيار عن دور الأهل، الذي يكمن في ترشيح فتاة للزواج وليس اختيار فتاة للزواج، نرشح والقرار والاختيار يكون للابن أو الفتاة، فهو من سيعايش، وإذا رشحتم له إحداهن، فعليه دراسة المشروع وجمع المعلومات، ويتطلب دراسة المشروع (الرؤية الشرعية)، فلا رؤية الصورة تنفع، ولا إطناب الحديث في المحاسن يشفع دون الرؤية الشرعية، نقصد بذلك قبل أن يجيب على ترشيحكم بلا، شجعوه على أن تكون الرؤية حكمًا وهو سيد قراره، فالرؤية تحقق ما لا تحققه الصور والكلمات:
- فهي تشتمل على جانب بصري عسى به تؤدم القلوب وتتآلف،
- وفيها جانب عقلي، بفحص طريقة تفكير الأهل وابنتهم،
- وفيها ارتياح نفسي من عدمه، وهو ما نسميه بالقبول،
وإذا حدث القبول المبدئي، فعليه العمل على الخطوة الثانية، وهي جمع المعلومات:
- عن دينها وخلقها، عباداتها …إلخ.
- طفولتها.. كيف كانت؟
- هل تربت تربية مستقرة أم في أسرة مفككة؟
- هل تعرضت لعنف في الطفولة؟
- هل لديها أو لدى العائلة أمراض وراثية؟
وتستلزم خطوة جمع المعلومات حكمة وحنكة، نقدم فيها أنفسنا أولًا حتى نهيئ الأجواء للطرف الآخر للحديث عن نفسه، واضعين نصب أعيننا من نحن حقيقة، حتى نختار ما يوافقنا ويناسبنا، فلا نشطح في التصورات البعيدة كليًا عن حالنا، فيجب أن ينطوي الأمر على كثير من التوافق ولا نقول كثيرًا من التطابق، فلا تبحث عن خاتمة للقرآن وأنت تتلعثم في الفاتحة؟! فلنفهم قدراتنا جيدًا، قبل أن نبحث في قدرات شريك حياتنا.
وليبق هذا السؤال الحكم والفيصل: هل من تختارها هنا والآن هي أم مناسبة لأبنائك فيما بعد، أترضاها أمًّا لهم؟!
رزق الله بناتنا وأبنائنا الفهم القويم، وزادهم حرصًا على مرضاته في كل خطواتهم بتجديد نيتهم أن تكون حياتهم كلها لله: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فتكون هذه الخطوة كباقي خطواتنا.. لله.
1 comments
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله خير ااا انا شابة في 29 من عمري تقدم لي الكثير من الخطاب من عامة الناس يعني ارفض لاسباب لا اعلم ماهي منِّ الله عزوجل علي بالهداية والتحقت بمدرسة تحفيظ القرءان ولله الحمد داومت على الصلاة بعد ان كنت غير ملتزمة بها وفي رمضان كنت اذهب لصلاة التراويح بحكم ان المسجد قريب من بيتنا فاُعْجِبْتُ بالامام الذي يصلي بنا التراويح في المسجد وصرت افكر فيه كثيراااا حتى اني دعوت الله ان يرزقنيه زوجاا ..
سؤال هل عندما افكر فيه اكون قد كلمت نفسي.؟ هل يجوز لي ان اعرض نفسي عليه؟ وهل عندما اعرض نفسي عليه يعني اني فتاة بلا اخلاق؟!؟ ما الحل بارك الله فيكم حتى اني صرت افكر كثييرااا به!؟ ماذا افعل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته