ابني يبلغ من العمر 19 عاما، ولا يريد أن يصلي، وغالبا ما تنشأ بيننا معارك كلامية لأجل الصلاة؛ فلا يصلي غير الجمعة فقط، أو يصلي فرضا ثم يتوقف، وإذا نصحناه أنا ووالده صرخ في وجهنا وبارزنا بالكلام! رغم أننا ننفق عليه وعلى دراسته الجامعية، فضلا عن أنه لا يقبل النصيحة من أي شخص، كبير أو صغير، وعناده وصل إلى درجة عدم تقدير أي شخص، وعدم السماع إلا لنفسه ورغباته فقط..
ماذا نفعل معه؟ هل ننفق عليه أم في ذلك حرمة بسبب تركه الصلاة؟! ما الحل؟
السائلة الكريمة:
يقول السلف الصالح: “لاعب ابنك سبعًا، وأدبه سبعًا، وآخه سبعًا؛ ثم ألق حبله على غاربه”.
فهل لاعبتم ابنكم سبعًا، وأدبتمونه سبعًا؟! وهو الآن في سبع المؤاخاة، فهل تعاملونه بود، أم توترت الوشائج والروابط بينكم بسبب الصلاة؟!
الهداية من عند الله: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} (البقرة: 272)؛ فالأصل أن من زرع خيرًا حصد خيرًا، والذي يشذ عن القاعدة قليل، فهل بذلتم مع ابنكم في سبيل تعليمه الصلاة في الصغر ما تطمئن إليه نفوسكم؟!
أخشى أننا نبحث عن حصاد لم نبذل في زرعه وتأسيسه ما يليق بأمر الصلاة!
نقول في التربية أنه لا شيء يفوت، ورغم بلوغ ابنك التاسعة عشرة إلا أننا نقول: ما زالت لديكم فرص الغرس، وما يكون ذلك إلا بالصبر: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة: 45). نحن كمربين نحتاج إلى الصبر وإلى الصلاة ونحن نعلمهم الصلاة، نصلي وندعو لأبنائنا، وندعو الله أن يرزقنا الصبر على تربيتهم وتوجيههم وتعلميهم.
فالصبر منك علاج، والصلاة منك علاج، حتى يعود ولدك إلى محراب الصلاة، ومتى قررت أن تأخذي على عاتقك أمر صلاته، فلا تملي ولا تتراجعي، ولا تقولي: ذكّرتُكَ ألف مرة! اجعليها ألفًا ومائة؛ فنحن نتكلم عن عماد الدين، إن استقام في صلاته حُلت مسألة علو صوته وبره بكم، يقول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (طه: 132).
نفهم من هذه الآية لزوم الصبر لمرة ثانية ونحن نأمر أبناءنا بالصلاة، ولكن قبل أن نذكرهم بالصلاة بصيغة الأمر (قُمْ صَلّ)؛ يجب أن نكون قد زرعنا بيننا وبينهم ودًا وحبً، وقبل أن نجرب الحرمان من المصروف؛ نتخيل عاقبة أمر هذا القرار، وهي في الأغلب مزيد من البعد والنفور، بينما إذا جربنا احتضان ابننا، نعم احتضانه بحلو الكلام، بالنظرات المشفقة الحانية بدلًا من النظرات الحادة، نحتضنه وإن بلغ من العمر ما بلغ، نحتضنه ونحن نوجهه أننا نخشى عليه من عقاب الله، نحتضنه ونحن نذكره بأن أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة الصلاة، نحتضنه ونحن نوجهه بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أرحنا بها يا بلال)، وقوله (وجعلت قرة عيني في الصلاة).
فإذا هممنا أن نستعين بالله ونحزم كل أمورنا تجاه عودة ابننا لمحراب الصلاة، فيجب أن تكون أركان البيت كلها مجهزة لذلك:
- فتتفقين مع والده على سياسة واحدة، وليجعل الوالد وقت صلاة الجمعة- الفرض الذي يصليه ولدك- وقت مصاحبة وذكريات طيبة، وقتًا يخلو من النصح، وقتًا يشحن فيه الوالد علاقته الطيبة بابنه، كما يسميه علماء التربية (Quality Time = الوقت الجيد)، وقت مصاحبة فقط بغير توجيه، وقتًا يجده الأبناء فارقًا في العلاقة بينكم، مما ينعكس على استجابتهم للأوامر والنواهي لاحقًا، فقد وصلته رسالة متكررة أننا لسنا متسلطين عليك، بل نحبك ونخاف عليك.
- كما يجب أن يرى منك ومن أبيه إصرارًا على تذكيره بحكمة في كل فريضة، فالأبناء يلعبون على ملل الآباء من استمرار النصح والتوجيه، فلا تملوا؛ اختاروا فقط عبارات إيجابية غير منفرة.
- كما يجب أن تضبطوا شؤون بيتكم على الصلاة، وتربطوا مواعيدكم بمواعيد بالصلاة، فيدور معكم في فلككم، ويعتاد أيضًا ضبط شؤونه وفق مواقيت الصلاة.
- قدميه إمامًا وذكّريه بثواب الجماعة، واصبري إن تراخَ.
- بدلًا من عقابه بالحرمان من المال؛ افعلوا العكس حينما ترون منه انضباطًا في الصلاة، أسمعيه رضاكِ عنه ودعائكِ له، وامنحوه مزيدًا من الرعاية والود، فترتبط الصلاة عنده بذلك الأنس منكم وتلك المشاعر الطيبة، والتوسعة عليه في النفقة.
- إذا كان لدى ابنك صديق حريص على الصلاة، وافقي على خروجه معه كثيرًا، معلنة له السبب، أنك تكونين مطمئنة على صلاته مع صديقه فلان، وأظهري امتعاضك من طلبه نقودًا حين يخرج مع صحبة لا تذكره بالله، فحاصريه بمسألة الصلاة، وليصله أن لا رجعة لديكم في بلوغ طريق الاستقامة بإذن الله وتوفيقه.
السائلة الكريمة:
من الملفت في سؤالك أنك وصفت ابنك البالغ بأنه عنيد ولا يسمع ولا يطيع منذ الصغر، وقد يشير ذلك أنكم لم تجدوا الطريق إلى عقل الصغير قبل أن يصير كبيرًا، وأتخيل أن رصيد صبركم في التعامل مع ما تسمونه (عِنادًا)وهو صغير قد نفد، وصرتم بلا صبر في فترة ما أحوجكم إليه فيها، فما أسهل أن تعنفوه ويتلقاه أصدقاء السوء، وقتها لا تنفع معه كثير من الحيل.
إن أبناءنا هم فلذات أكبادنا، لا نصمهم بالصفات السلبية بسهولة هكذا، فقد يكون محتاجًا لمزيد من ثقتكم فيه، ومزيدٍ من الحرية التي يبدو أنها صودرت منه في الصغر بدعوى أنه طفل عنيد ولا يسمع الكلام.
لا يوجد طفل عنيد ، بقدر ما يوجد أهل لم يوفقوا في الأسلوب المناسب للتعامل مع اختلافه! أعانكم الله على حسن بره، نعم نبر أبناءنا صغارًا بالإحسان إليهم والاصطبار على اختلاف طبائعهم حتى يبرونا كبارًا.
فقط غيري نظرتك لولدك، وامنحيه مزيدًا من القبول الحقيقي، وامنحيه دعاءً يخرج من قلب صادق، يبدل الله حاله بما تقر به أعينكم: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} (إبراهيم: 40)، {رَبَّـنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ اَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّق۪ينَ اِمَاماً} (الفرقان: 74).