ابني بلغ السادسة من عمره، ونحن على مشارف العام الدراسى الجديد، وكنت لا أعطيه مصروفًا في سنوات الروضة، فهل أبدأ بإعطائه هذا العام؟ هل عمره مناسب؟ هل سيعود عليه الأمر بالنفع أم ما زال لم يدرك بعد قيمة النقود؟
إعطاء الطفل المصروفَ شيء مهم للغاية. وتختلف قيمته حسب سن الطفل، وطبيعة شخصيته، وظروف كل أسرة، لكن أيًّا ما كان نوع العملة التي سنعطيها للطفل (دينار، دولار، جنيه، ريال …إلخ)، فهذا أمر مهم للغاية، نشكرك على طرحك لهذا السؤال، ونحن على مشارف الدراسة.
ما أهمية فكرة المصروف؟
تكمن هذه الأهمية في أنه:
- يعلم الطفل قيمة المال.
- يعلمه الفرق بين الحاجة والرغبة أو العوز.
- يدربه على الاستقلالية.
- يعلمه الطرق المشروعة لكسب المال.
- يجعله يشعر بالمسؤولية، ويقدر المجهود الذي يبذله الوالدان لإسعاده.
وتختلف أهمية المصروف حسب عدة متغيرات؛ فالأطفال بين الرابعة والسادسة يكفي أن يمنحهم الأهل احتياجاتهم الأساسية من حلوى وعصائر وغيرها، وليست هناك حاجة ملحة للمال في أيديهم، ومع ذلك لا يضر منحهم مصروفًا بسيطًا مرة في الأسبوع، ولو بصورة غير منتظمة، مبلغًا صغيرًا يشترون به شيئًا محددًا متفقًا عليه بشكل مسبق. فهذا يشبع رغبته في الشراء، خصوصًا إذا كان له أخ أكبر يأخذ مصروفًا، فسوف يحب تقليده. فالأطفال يحبون التقليد ويتخذون إخوتهم الأكبر قدوة في كل شؤونهم. فلا مانع من تحقيق هذه الرغبة على فترات بعيدة، لهذه السن الصغيرة.
بعض المدارس تيسر على هذه السن (4-6) ويمرون عليهم في الفصول بصندوق حلوى صغير، فلا يضطرون للتعامل المادي بعيدًا عن أعين مدرسيهم الذين يكون لهم دور في ضبط هذه المعاملة لمصلحة الطفل، حتى لا يستغله الكبار.كما أنهم يراجعون الأهل إذا رأوا مبالغ غير مناسبة مع الطفل.
المهم المتابعة بشكل جيد وعن كثب، خصوصًا في هذه السن الصغيرة.
أما طفل السادسة، فيمكن أن يعطَى المصروف بشكل منتظم أكثر. ونلاحظ تطور الطفل في المعاملات المالية من خلال الإجابة عن هذين السؤالين:
- هل يعرف قيمة المال ويحافظ عليه؟
- هل يعرف الحساب البسيط؟ كم دفع وكم تبقى له؟
المهم حينما نقرر البدء في تدريبه، علينا:
- أن نبدأ بمبالغ بسيطة.
- أن نترك له حرية التصرف في شراء ما يحب، فهو بالأساس معه مبلغ بسيط فلن تحدث أخطاء جسيمة.
- ألا نصدر أحكامًا على الصغير، خصوصًا في بداية مرحلة التعلم؛ فلا نقول له أنت لا تعرف قيمة المال.. أنت مسرف.. أنت مبذر؛ فهذه الطريقة ستفقده الثقة في خطواته في التدريب.
- التحاور معه في اختياراته، وتفهيمه الأولويات وفروق الأسعار.
- نصحه في بداية التعلم أن يكتب قائمة بما يحتاجه، فيتعود أن يكون الشراء وفق منهج وخطة، وأن يفرق بين أشياء عاجلة وملحة، وأشياء يمكن تأجيلها. وهنا من المناسب أن ندخل لديه مفهوم الحاجات، وهي الأشياء الضرورية، ومفهوم الرغبات وهي أشياء تقع في باب الترفيه، أو أشياء أقل احتياجًا من سابقتها.
- نعلمه البسط والقبض في الإنفاق، كما جاء في قول الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} (الإسراء: 29). فلا إفراط ولا تفريط.
- كما علينا أن نقبل الخطأ منهم حينما يقع؛ فالأخطاء فرصة للتعليم والتعلم. ولأن يخطئ الصغير في صغره ويتعلم من خطئه، خير له ولأهله من أن يكون الخطأ في الكبر، وتكون كلفته باهظة. والمقصود بالكلفة هنا، ليست خسارة مالية فقط، فيمكن أن تتجاوز الأخطاء فكرة خسارة النقود، فقد يخسر منصبًا أو تهتز ثقته في أعين الناس نتيجة لأخطاء مالية. وغير ذلك.
- وفي هذا المقام نعلمه الأمانة، ورد الحقوق إلى أصحابها، وما يجب في المال المفقود. فالمبلغ إذا كان يسيرًا له حكم، وإذا كان كبيرًا له حكم آخر. وغيرها من آداب المعاملات المالية.
- ومع إعطاء المصروف نتحين الوقت المناسب، ليتعلم ثواب الصدقات، ولمن نعطيها.. وننوه على أنه يجب ألا يجبر الطفل على إخراج الصدقات مطلقًا، إنما نفعلها أمامه، فيقلدنا ويفعلها أسوة بنا.
- من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأهل استعمال المصروف في الثواب والعقاب؛ فالمصروف ثابت، يعطى للطفل، سواء أخطأ أم أصاب، نجح أم لم ينجح، نظف غرفته أم لم ينظفها، وإلا ارتبطت معه هذه الأعمال، إذا أثبناه على إنجازها أو عاقبناه على عدم إنجازها، أنها تفعل بمقابل؛ والصحيح أنه لا مقابل يعطى على الواجبات التي تجب في حقه، كالمذاكرة وتنظيم حجرته، والتعاون في رفع طبقه الذي يأكل فيه، وما إلى ذلك.
إنما قد نعطي أموالًا على مواقف معينة فعلها الطفل من تلقاء نفسه، فنقوم على تحفيزه وتشجيعه لفعل المزيد؛ كإيثار أخيه على نفسه، ومعاونة جار كبير، وغيرها من فضائل الأعمال.
المصروف يعلّم
- الإدخار.
- الفرق بين الحاجات والرغبات.
- كما أنه يعلم الطفل المسؤولية.
- ويحببه في الصدقات؛ فلديه ماله الخاص، فلا يأخذ من أبيه ويعطي للفقير، بل يأخذ من مدخراته ويعطي المحتاج. فرق كبير في تنامي مشاعر العطف والرحمة لديه حينما يخرج الصدقة طواعية من ماله.
- المصروف يمنح الطفل الشعور بالحرية؛ فيتعلم التخطيط لتلبية حاجاته، وذلك بمعاونة الأسرة، كما يتعلم ألا يتكئ على الأسرة في كل شيء.
وبعدما يتذوق الطفل حلاوة حرية التصرف في ماله، ويدرك قيمة المال، سيفكر في كيفية إنماء هذا المال، فيستدعي أفكارًا للمشاريع، نساعده نحن الكبار ونهيئ له الظروف المناسبة إن أمكن.
تحكي أم عن تجربتها في منح الصغيرة مصروفًا ثابتًا، وكانت قد تأخرت في هذه الخطوة مع إخوتها الكبار. تقول:
- أصبحت الصغيرة الوحيدة التي لديها حصالة.
- ادخرت حتى اشترت شيئًا بمبلغ كبير ومساعدة بسيطة من الأهل.
- أحيانًا تدفع من مالها، كأن تحاسب على شيء في غياب الأم.
- في أي مناسبة تخص أفراد الأسرة تكون الصغيرة هي المبادرة بالمشاركة بجزء من مصروفها.
- ترق من تلقاء نفسها لأصحاب الحاجة، وتخرج من مصروفها صدقة.
- أصبحت ماهرة في عد النقود والحساب السريع من غير ورقة أو قلم.
المصروف مهم فعلًا، ويؤسس طفلًا ناضجًا، مميزًا خابرًا لكثير من دروب الحياة بشكل مبكر. يعرف قيمة المال، ويعرف أن الحصول عليه يحتاج إلى السعي والاجتهاد والتوكل على الله الرزاق، الذي يرزق الطير التي تخرج من أعشاشها بحثًا عن رزقها، فتغدو خماصًا وتروح بطانًا.
وفقنا الله وإياكم لما فيه النفع والخير لأبنائنا.. ورزقنا حسن التصرف والتدبير.
1 comments
الاسره والمجتمع