ابنى مدمن، كيف أتعامل مع الأمر؟
ابني في الثانوية العامة، واكتشفنا أن له مجموعة من أصدقاء السوء، يتركون المدرسة ويذهبون إلى المقاهي، وتدريجيا بدأ يدخن، ثم ما لبث أن بدأ مرحلة تعاطي المخدرات، وبدأت احتياجاته المادية تزيد، وإذا لم نتجاوب معه يثور ويتشاجر مما يضطرنا إلى التعامل العنيف معه، وبدأ يهرب ويبيت خارج البيت، ووصلنا معه إلى طريق مسدود!
أما وقد وصلنا إلى تلك المرحلة، وهي مرحلة المعرفة ومواجهة الحقيقة، ماذا علينا أن نفعل؟ وكيف ندير المشكلة؟ وكيف نتعامل مع هذا الوضع المأزوم؟
لعل في سؤالك هذا منفعة لغيرك إذا ما تحدثنا عن الوقاية قبل الوصول لمرحلة الإدمان، ولفتنا نظر الأهل إلى أسبابه ومقدماته، حيث إنه لم يعد لكم اختيار سوى (العلاج لدى مؤسسة متخصصة)، نصحبكم في رحلة التعافي بإذن الله ببعض الإرشادات والأخطاء التي يجب أن تتجنبوها حتى يكون العلاج مفيدًا، يستأصل المشكلة من جذورها.
حينما تُذكر كلمة الإدمان يرد على الذهن صورة واحدة منه (إدمان المخدرات)، لكن في الحقيقة تتعدد صور الإدمان، فالإدمان هو التعلق المرضي، سواء كان إدمانًا على الأجهزة أو الألعاب الإلكترونية، أو مشاهدة المواقع الإباحية، إلى غيره من أشكال الإدمان المختلفة.
لذا وصانا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن نكون أمة وسطا، لا إفراط ولا تفريط، حتى لا نقع في شرك الإدمان العام ومخاطره.
ندائي إلى الأهل الكرام:
- الوالد الذي اختار السفر بعيدًا عن مسئولياته كرب للأسرة ولم يكن السفر في حالته ضرورة،
- الأم المنهمكة في أداء المهام المنزلية، المنشغلة عن متابعة أبنائها كما يجب أن تكون المتابعة،
- الأهل الذين يئسوا من محاولات إصلاح أبنائهم، فقدموهم كبش فداء لمجتمع لا يرقب إلًّا ولا ذمة،
- الأهل الذين لم يتعرفوا على أصدقاء أبنائهم وأهليهم وسمحوا لهم بالخروج والمبيت معهم، وكانوا دون المستوى اللائق،
- الأهل الذين أغدقوا على أبنائهم الأموال تعويضًا لغياب الأب بسفر والأم بعمل، ولم يراجعوا مصارف تلك الأموال،
- الأهل الذين قدموا الغذاء ولبس أفضل الثياب على التربية والتعليم،
- الأهل الذين رأوا خطوات فساد أبنائهم الأولى وأخروا المواجهة خشية رعونة أبنائهم وسلاطة ألسنتهم، فمضى الأبناء في غيهم،
إلى كل هؤلاء، إذا لم يلطف الله بولدك وينجيه من الوقوع في طريق شائك، فولدك على أعتاب فساد إذا لم ترع الله فيه: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، سنسأل ماذا قدمنا لهم من رعاية؟ كيف حببنا أبنائنا في طريق الهداية؟
كيف كانت علاقتك بولدك صغيرًا؟ هل لاعبته سبعًا وأدبته سبعًا ثم أطلقت حبله على الغارب؟ أم أطلقت الحبل طوال الوقت استسهالًا وأملًا في أن الأيام ستربي ولدك؟! أشبعت شهواته ورغباته ولم تشبع روحه تعلقا بدينه؟!
إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، لا تقعد هكذا بلا صنيع تنتظر ولدًا مؤدبًا، حتما سنجني ما زرعنا، إلا أن يكون ابتعاد ولدك عن النهج القويم (ابتلاءً محضًا) كما رأينا في قصة سيدنا نوح مع ولده.، دعاه ولم يستجيب، فهل بذلنا ما في وسعنا حقا؟ نسأله سبحانه وتعالى العفو والعافية..
أدوا ما عليكم واسألوا الله الذي لكم، فلن نرزق بغير سعي وجد، والتوفيق من الله، أولًا وأخيرًا.
السائلة الكريمة:
هذا الانحدار لا يأتي فجأة، ثمة إشارات تسبق، ورياح خفيفة تهب قبل العاصفة القاسمة، وأكثر الانحرافات السلوكية لدى الأبناء تكون نتيجة سوء معاملة وإهمال الأهل لهم في الصغر، وكأن الطفل عاد لينتقم من إهمال حاجياته والتقليل من أهمية متطلباته، ومصادرة رأيه، والحكم على تصرفاته بالسوء طوال الوقت، وتخويفه بالنار أكثر من ترغيبه في الجنة، وإهمال تعريفه بصفات الخالق (ودود- قريب- سميع- محيط- غفور- رحيم …إلخ)، والتركيز على لهجة التخويف والوعيد، يظنون أن ذلك يجعل الطفل يرتدع، والذي يحصل أنه يرتعد ويبعد ويشعر أنه مهما فعل فهو لا يستحق، لأنه أخطأ كثيرًا!
فبقدر ما نعلمهم بأن الله شديد العقاب يجب أن نعلمهم أنه سبحانه غفور رحيم، يقبل التوب، يغفر الذنب، فيحدث التوازن في نفوس الأبناء، خوف يتبعه رجاء، لا خوف فقط ييأسون بسببه من رحمة الله، ولا رجاء فقط يُطغيهم ويجعلهم يتمادون في العصيان، ثم نرجوه أن يشملنا برحمته من غير قربى أو توبة!
فيما سبق قدمنا بعض الأسباب التي قد تؤدي إلى الإدمان، ونعرض فيما هو آت بعض المظاهر السلوكية للشخص المدمن، حتى ينتبه الأهل:
- ارتفاع مستوى القلق والاكتئاب بشكل عام.
- ردود فعل مبالغ فيها على المواقف الحياتية العادية.
- شحوب في الوجه وفقدان شديد في الوزن.
- الأرق وفقدان الذاكرة وعدم الاهتمام بدوائر الشخص الاجتماعية.
- تغيرات سلوكية مثل زيادة السرية.
- يحدث في البداية كذب وهروب من مواجهة أسئلة الأهل (أين كنت \مع من خرجت؟؟).
- يتزامن معها اختفاء أموال من المنزل وفي هذه النقطة يجب وضع الأموال بعيدًا عن أيدي من نشك فيه حتى لا ندخل في دائرة شك مهلكة.
- التطاول على الأهل وعدم الندم على التصرفات.
- الهروب من التحاليل الطبية حتى لا ينكشف أمره.
نختصر المظاهر في تبدل كليٍّ لحال الابن أو الابنة عافاهم الله.
السائلة الكريمة والأهل الكرام:
كانت مرحلة شرب السجائر كافية لإظهار منعطف سلوكي وجب معه اتخاذ مواقف جادة، فالخطأ الذي سيتكلف صحة أبنائنا ويدمر حياتهم، لا يكفي فيه الزجر والنهي، فيجب محاوطة الابن من شتى الجوانب، وإيصال رسالة حازمة له بأنا جادين في متابعة تخلصه من شرب السجائر، وتوضيح حرمانية فعله.
يقول أحد التربويين: إذا كانت عاقبة الإدمان السجن، فأسجن ولدي بنفسي في البيت أدخل له الطعام والشراب في مواعيد محددة، حتى يتخيل عاقبة أمره.
قد يرى البعض هذا التصرف قاسيًا، لكن بقليل من التأمل نجده يمتلئ بالرحمة؛ فالوالد لا يقسو على ولده إلا خوفًا من طريق أشد إهلاكا لولده.
ربما يغلق الوالد على ولده الباب ويبكي بين يدي ربه، يفعل ذلك العقاب من وراء قلبه مخافة أن يقع ابنه في مهلكة أكبر، أو مع قوانين لا ترحم، أو سجن يتردى فيه الابن في ظلمات قسوة السجان.
السائلة الكريمة:
نشفق عليكم من وصول ولدكم لهذا الحال، ويقيننا في الله أن يشفيه ويرده إلى الصواب مردا جميلا، ويكتب له العافية التامة، ويجدر التنبيه إلى أنه ليست كل مراحل الإدمان واحدة، فالشخص يبدأ بمرحلة التجريب التي تكون عادة تحت سن الثامنة عشرة، وتتم بضغط الأصدقاء وبدعوى الفضول، ثم مرحلة التعاطي المنتظم، وتكون في العطلات وفي نهاية الأسبوع وعند التعرض لضغوط، وعند الشعور بالملل، ثم مرحلة التعاطي الخطر، وفيها تبدأ الآثار السلبية بالظهور على الصحة، ومحاولات السرقة للحصول على مال، والإضرار بالأهل أحيانا إذا منعوا تلك المحاولات، وأخيرًا مرحلة الاعتماد، وهي مرحلة بعد الخطورة، قد يتعرض فيها المدمن لخطر المعاناة من أثر جرعة زائدة قاتلة.
إذًا ما هو العلاج؟ وهل كل حالات الإدمان لها نفس العلاج؟
يختلف العلاج حسب عدة أمور، منها: مدة التعاطي، ونوعية المادة المتعاطاة، ومستوى وعي المدمن، والقدرة على دفع تكاليف العلاج.
فقد يحتاج العلاج إلى المكث في المصحة، وقد يذهب لجلسة ثم يعود، كل حسب حالته، وأيا كان نوعية العلاج، (معرفي سلوكي- جدلي- عاطفي عقلاني …إلخ) من المهم أن يأخذ الأهل نصب أعينهم عدة أمور:
- السؤال على سمعة المصحة، فليست كل المصحات ذات سمعة طيبة.
- الاستماع إلى تجارب متعافين سابقين، فتجاربهم تلقي الضوء على خبرات مهمة.
- الحذر كل الحذر من الوقوع في شرك التعاطف والإغداق عليه بالمال ففي أول فرصة سيتحصل على المواد المخدرة.
- إبعاده عن الدائرة التي أدت به إلى السلوك المنحرف.
- الدعم من المحيطين في حال التحسن.
- توقع الانتكاس في أي لحظة، لذا من المهم ومن الضروري إدماجه في برامج رعاية لما بعد التعافي.
- تشجيعه أن يتحدث عن تجربته الناجحة في التعافي من الإدمان، فهذا ييسر له الاندماج في المجتمع من جديد.
حفظ الله أبناءنا وبناتنا من كل سوء، وجعلنا أهلًا صالحين لأبناءٍ صالحين، اللهم آمين.