عمري 35 عامًا، منفصلة وعندي ولد يبلغ 13 سنة، يعيش مع والده؛ لأننا منفصلان وليست لدي إمكانيات مادية تكفي ليعيش معي.
تزوجت مرة أخرى منذ 4 سنوات، من رجل يبلغ 55 عاما، كان قد تزوج مرتين وعنده ولدان وبنت، ويطردني من المنزل إذا حدثت بيننا أي مشكلة.
في إحدى المرات، طردني باكرًا في الصباح، ومرة أخرى طردني بملابس البيت، وكنت شبه عارية! ثم فتح باب الشقة وقذف الإسدال (ملابس الصلاة) في وجهي!
يفعل أشياء وقت الخلافات بيننا تجعلني لا أشعر معه بالأمان، مثل أن ينشر أسراري أمام أهله وأهلي.
كان إخوتي يحاولون الصلح بيننا، وإذا رفعوا صوتهم بعض الشيء تركهم جالسين واتصل بالشرطة، واتهمهم أنهم يتهجمون عليه وكان يريد أن يذهب بي معهم إلى قسم الشرطة، وهناك يقول لأمين الشرطة أنه لا يريد أن يتركني في الشقة لأنني سأسرق العفش!
دائمًا يريد أن يأتي طلب الطلاق مني حتى لا يدفع المؤخر، تطلقت منه طلقة واحدة، وعُدنا لبعضنا بطلب مني، والدي لم يوافق حينها لأن زوجي رفض أن يكتب لي قائمة مرة أخرى، فوافقت وجعلت أخي الكبير وليِّي في العقد وكتبت المؤخر فقط.
لما رجعت أُصِبتُ باضطراب نفسي واعراض اكتئاب، ذهبت للطبيب وأخذت علاجًا، ولا زلت أعاني من قلة تركيز، وانعدام الشهية للطعام، ودائمًا أبكي، ولا أنام!
بالنسبة لابني فأنا لا أراه في أوقات الدوام المدرسي نهائيًا، زوجي يريد أن يأتي ابني ويمكث أسبوعًا ثم يغادر في الإجازة الكبيرة والصغيرة (الإجازات الدراسية)، وإذا كان سيمكث أكثر من ذلك فيكون عند والدي، وأنا أمي متوفاة، ووالدي لا يحب ابني ولا يحب أن يمكث عنده، وزوجي في هذا الوضع يخيرني بين أن أرى ابني أسبوعا فقط في إحدى الإجازتين الدراسيتين، بينما ابني يريد أن يمكث فترة أطول، وأحزن كثيرًا وأنا أراه يغادر دون رغبة منه، وزوجي مصرّ إما أن يكون الوضع هكذا أو الطلاق!
حزنت كثيرًا لما شعرت أنه يبيعني ويهددني بالطلاق، فضلًا عن أنه لا يريد الإنجاب، فلدي شعور عام بأن البيت ليس بيتي، ولا أشعر معه بالأمان، ولا أنه سند وظهر لي، دائمًا يرى أنني أقل منه في مستوى المعيشة، ويعايرني بمنطقة سكني أنا وأهلي، ويخاصمني ويهجرني بالأسبوع دون أن يعلم عني شيئًا، ومرة خاصمني شهرًا كاملًا آكل وحدي، وهو يأخذ حجرة أخرى!
لما زاد تعبي النفسي جمعت ملابسي وغادرت وهو غير موجود في البيت، مكثنا على ذلك 7 أشهر، بعدها اتصلت عليه وتكلمنا، وذهبت إلى بيته وجلسنا وأكلنا معًا وجرت بيننا العلاقة الحميمية، وحينها ظننت أن المشكلة انتهت والأمور صارت مستقرة، ففوجئت به يقول لي إذا أردتِ أن تعودي وتبقي في بيتك هذا مرة أخرى فشرطي أن تتنازلي عن المؤخر وتوقعين على ورقة أنكِ تسلّمتِ المؤخر كاملًا؛ فأنا لا أشعر بالأمان معكِ بعد هذه الحركة!
بالنسبة لي، ليست مشكلتي معه المؤخر، أنا خائفة من أن تقع بيني وبينه مشكلة فيطلقني، الأمر الذي كان يمنعه من طلاقي هو المؤخر، فأنا حائرة لا أدري ماذا أفعل معه؟! هو الآن يخيرني بين التنازل عن المؤخر والعودة للبيت، أو أن أطلب الطلاق!
أرجو الرد ولكم جزيل الشكر.
السائلة الكريمة:
شفاكِ اللهُ وعافاكِ ورزقكِ صحة نفسية تعينك على تقدير أموركِ بشكل أفضل.
كنا نتمنى أن تكون تجربة زواجك الأولى كفيلة بوضوح الرؤية في كيفية اختيار شريك الحياة، فلا نكرر نفس منهج الاختيار فنقع في نفس المشكلات.
لا يعني أبدًا كونك سبق لك الزواج أن تختاري أي اختيار، فالتوافق النفسي والاجتماعي والعمري مطلوب في كل الأحوال حتى لا نقع فريسة المعايرة بمستوى المعيشة- على سبيل المثال- هدى الله زوجك لطيب القول وحسن العشرة، فالزوجان متى أتمّا الزواج، صارا كيانًا واحدًا، فما يمسكِ يمسه والعكس بالعكس.
فرصتك في زواج سعيد أركانه صحيحة هو من أصيل حقك، وليس أمرًا صعب المنال، يجعلك تتنازلين عن أبسط حقوقك: سلامتك النفسية واصطحاب ولدك لفترات طويلة وحقك في الإنجاب، إلا أن يكون قد اشترط ذلك قبل الزواج شرطًا واضحًا وتمت الموافقة منك.
الحقوق لا تُمنح طواعية بل نسعى لأخذها، بحكمة وروية مصحوبين بالتوكل على الله، ولا مبرر أبدًا لقبول وضع أيًا كانت تفاصيله، يكون أحدهم متمتعًا بجميع حقوقه، والآخر يأخذ الفتات!
فحسب ما حكيتِ لا نرى أيَّ ودٍّ حتى الآن بينكِ وبين زوجك، هو يخشى طلاقك حتى لا يدفع المؤخر، وأنت تخشين التنازل عنه فيتيسر له طلاقك، ولا يكون لديه ما يجعله يتمسك بك ولو على سبيل الخوف من تبعات الطلاق كدفع المؤخر، فانقلبت العلاقة إلى شراكة مؤسسية، وليست إنسانية، نقيسها بحساب الخسائر المادية، من سيتورط أكثر في حال الطلاق غير عابئين بالنفوس وما يحدث فيها! ولو يعلم الرجال جميعهم أن المرأة إذا استصعبت العشرة فإنها تبرئ نفسها من كل شيء، فلا يقف المال عائقا!
من الناحية الشرعية،لا حرج عليك مطلقًا إن تنازلتِ عن المؤخر طواعية لتزيلي العوائق والمخاوف لدى زوجك، يقول ابن قدامة في المغني: وإذا عفت المرأة عن صداقها الذي لها على زوجها أو عن بعضه، أو وهبته له بعد قبضه، جاز ذلك وصح. ولا نعلم فيه خلافًا؛ لقول الله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} (البقرة 237). يعني الزوجات. وقال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَة فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (النساء: 4).
أما في حالة إجبارك على التنازل، فلا يحل هذا المال لزوجك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) رواه أبو داود وصححه الألباني. فحذريه من أن يقع في الحرام بأخذ المؤخر بسيف الحياء.
ونرى أنه بدلًا من استنزاف طاقتكم في مسألة المؤخر والانشغال بما لا ينعكس على سعادة حقيقية، أن تجتهدوا في بناء علاقة سعيدة، عمادها تقوى الله في بعضكما البعض، وبذل ما في الوسع لإقامة حياة فيها استقرار ومودة ورحمة وسكينة.
وبدهاء المرأة المعروف تستطيع أن تأخذ عقل الرجل كما يقولون، فإن مالت نفسك للتنازل عن المؤخر بطيب نفس حقيقي، فاجعليها فرصة للمساومة على جميع حقوقك ورؤية ولدك، خاطبيه بغريزة الأبوة، فحق ولدك في رؤيتك والاستمتاع بجوارك وحنانك حق أصيل، لن تسامحي نفسك إن فرطتِ فيه هكذا بسهولة، فكيف لولدك أن يسامحك؟!
السائلة الكريمة:
ندرك كم الصراعات التي تعيشين فيها، لكن بالاستعانة بالله وحده وبالدعاء تُرزقين ما تقر به عينك وتطيب به نفسك، فنذكرك بحقك الأصيل في زوج يصونك ويصون مشاعرك، ويتحمل تبعات اختياره لزوجة معها ولد، هو يعلم ذلك من اليوم الأول، بل لديه امتياز أن أصل عيش ابنك مع أبيه، يأتيك ولدك كضيف خفيف، فماذا يضيره، وكيف يعامل أبناءه من زوجته الأولى أو الثانية، أفلا يستضيفهم لديه تحت رعايتك؟!
نرجو منك مراجعة طبيبك أولًا قبل اتخاذ أية قرارات؛ فلا تتخذين قرارات مصيرية، في حال الصراعات والإنهاك النفسي. حققي التوازن والاستقرار النفسي أولًا، ثم استخيري قبل المُضي قُدمًا في الاختيار بين الاستمرار في العلاقة بشروط الزوج الجديدة وبشروطك أيضًا الجديدة، أو بإدراكك مع التعافي من الاكتئاب أنك تعيشين في علاقة خاسرة تفقدك سكينتك وراحتك ولا تتمتعين فيها بأبسط الحقوق (مثل: صحتك النفسية، ورؤيتك لولدك بالقدر المرضي لك وحقك في الإنجاب).
ولا تخافي إِن اخترتِ الفُراق من فكرة تكرار الفشل، أو العودة إلى المربع صفر، فكل علاقة نمر بها تضيف لخبراتنا شيئًا، المهم ألا نتعطل بسبب المخاوف، أو نتورط في حياة تعيسة بسبب المخاوف أيضًا، فاستعيني بالله واستخيري ورددي الدعاء، بأن يجعل الله زوجك قرة عينٍ لك، لعل الله يقبل دعاءك، وتُزال الغشاوة عن عين زوجك، ويدرك أنه لم يتق الله فيك بعد، ونذكرك بأن الطلاق ما أسهله، والإصلاح ما أصعبه لكن ما أجمل نتائجه!
فخذي بكل الأسباب حتى يستقيم ذلك الزواج على الوجه الذي يرضي الله، وإن تعثرتِ في الإصلاح وقضى الله بشيء آخر، تكونين قد أديت ما عليك، ولم تقصري في المحاولة.
نذيل كلامنا بستة نقاط نتجنبها لأنها من مدمرات العلاقات، هذه النصائح الستة هي خلاصة بحث لعالم النفس الأمريكي الكبير جون غوتمان:
- النقد: فكثرة النقد تهدم العلاقة، نبدله بتوضيح ما يسعدك (فبدلًا من أن تقولي: مش حاسة معاك بالأمان لأنك كذا وكذا، جربي أن تقولي له: سأكون أكثر ارتياحًا لو فكرتَ في أن نُنجب طفلًا يحمل اسمينا).
- التحقير: بالنظرات أو طريقة الردود، فالتحقير لن يكسبك قلب زوجك مهما كان مخطئا، فلو استبدلناه بالتقدير، وذلك بذكر المواقف الطيبة كأن تشكريه على استضافة ولدك، وكم كان لطيفًا معه.
- التبرير والدفاع وسياسة قلب المنضدة: كما يسمونها، فإذا وجه لك الزوج اللوم بأنك مقصرة في شيء ما، فلا تردي الاتهام عليه باتهام آخر، متعللة بأنه يحرمك من ابنك مثلًا مما يؤثر على نفسيتك فتقصرين في المنزل، الصحيح أن نعترف بمسئوليتنا في التقصير، ونناقش أمر زيارة الولد في وقت منفصل.
- الهروب: ونقصد به استسهال عدم المواجهة والغضب عند الأهل، الحل أن نأخذ راحة بعض الوقت إذا كنا لا نستطيع التحدث في المشكلة الآن أو علمنا أن التحدث في المشكلة سيتسبب في مشكلة أكبر، فنختار بوعي ونضج تأجيل الكلام حتى تهدأ العاصفة، المهم أن نواجه أو نسامح.
- الصندوق الأسود: والمقصود به استدعاء كل مسببات المشكلات الماضية وقت حدوث مشكلة جديدة والصحيح أننا إذا تخلصنا من المشكلات بالمواجهة أولًا بأول فلن يحدث هذا التفاقم الذي نراه في المشكلات الجديدة، كما أن اعترافَ طرفَيِ العلاقة بمسئولياتهم في التخلص من الذكريات المؤلمة وبناء جدار ثقة جديد، يُنسي الطرف الآخر آلام الماضي.
- سوء الظن: آخر ما نتحدث عنه في مدمرات العلاقات، فإذا رأيت من زوجك شيئًا أو تصرفًا غير مفهوم، بدلًا من أن تسيئي الظن حديثه عن الشعور الذي وصلك واطلبي منه بلطف توضيح مقصده وأبلغيه أن هذه التصرفات تترجم عندكِ بمعنى معين غير مريح، فبالحوار قد تصلين إلى أنه لم يقصد إيذاءك بالفعل، أو يصله أن هذا التصرف مؤذٍ فيراعي شعورك في المرات القادمة.
نسأل الله أن يؤلف بين قلبيكما، ويُصلح ذات بينكما، ولا يجعل للشيطان سبيلًا بينكما، ويرزقكم السكينة والمودة والرحمة، ويجمع بينكما في خير وعلى خير.