قد يظن المربي أو الداعية أنّ سؤال “إلى أي شيء ندعو الناس؟”، لا يحتاج إلى إجابة لبداهته، فهو أوضح من الشمس في رابعة النهار، وأوضح من أن يُجاب عنه، وهو بالفعل كذلك لو تحددت المصطلحات، ووضحت الغايات، واستبانت الوسائل، بينما الحقيقة غير ذلك إذا غاب التصور الواضح والفهم الصحيح.
فلربما ترك الداعية أو المربي مَن يُحدثهم على المحجة البيضاء، ثم يندهش بعد قيل حين ينكشف له أنّ القوم لم يفهموا عنه ولم يدركوا قوله، ويعود ذلك إلى أنّ الذي يقيس به كل منا وما يسمع عنه مختلف، فيختلف تبعا لذلك الفهم والإدراك، وإما أن يكون القول في ذاته ملتبسا غامضا وإن اعتقد قائله أنه واضح مكشوف، لذا ساق الإمام حسن البنا توجيهات تربوية من خلال إجابته عن هذا السؤال في رسالة تفصيلية تُحدد التصور والغاية والوسائل اللازمة للوصول إلى فهم هذه الدعوة وطبيعتها وغايتها.
إلى أي شيء ندعو الناس؟
لقد كشف الإمام حسن البنا، للناس في رسالته “إلى أن شيء ندعو الناس؟” عن دعوة الإخوان المسلمين وغايتها ومقاصدها وأساليبها ووسائلها في صراحة ووضوح وفي بيان وجلاء، وذلك من خلال هذه التوجيهات التربوية:
- غاية الحياة في القرآن: فيرى الإمام البنا أن القرآن الكريم حدّد غايات الحياة ومقاصد الناس فيها فبيّن أن قومًا غايتهم من الحياة الأكل والمتعة فقال تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (محمد:12)، وبين أن قومًا مهمتهم في الحياة الزينة والعرض الزائل فقال تبارك وتعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران:14)، تلك مقاصد من مقاصد الناس في الحياة نزه الله المؤمنين عنها وبرأهم منها وكلفهم مهمة أرقى، هي هداية الناس إلى الحق والخير.
- تضحية المسلم: ثم بيّن الله تبارك وتعالى أن المؤمن في سبيل هذه الغاية قد باع لله نفسه وماله فليس له فيها شيء وإنما هي وقف على نجاح هذه الدعوة وإيصالها إلى قلوب الناس وذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) (التوبة:111).
- الغاية أصل الأعمال: وأوضح الإمام البنا أنه بما أن الغاية هي التي تدفع إلى الطريق، ولما كانت الغاية في أمتنا غامضة مضطربة كان لا بد من أن نوضح ونحدد، وأظننا وصلنا إلى كثير من التوضيح واتفقنا على أن مهمتنا سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نُظم الإسلام الصالحة. وهذه الرسالة التي يريد الإخوان المسلمون أن يبلغوها للناس وأن تفهمها الأمة الإسلامية حق الفهم، وتهب لإنفاذها في عزم وفي مضاء، لم يبتدعها الإخوان ابتداعا، وإنما هي الرسالة التي تتجلى في كل آية من آيات القرآن الكريم.
- الإيمان قبل المال: ويتساءل البعض عن مصدر أموال الإخوان المسلمين، فيجيب الإمام البنا بأن الدعوات الدينية عمادها الإيمان قبل المال، والعقيدة قبل الأعراض الزائلة، وإذا وجد المؤمن الصحيح وجدت معه وسائل النجاح جميعًا، وإن في مال الإخوان القليل الذي يقتطعونه من نفقاتهم ويقتصدونه من ضرورياتهم ومطالب بيوتهم وأولادهم، ويجودون به طيبة نفوسهم سخية به قلوبهم، يود أحدهم لو كان له أضعاف أضعاف فينفقه في سبيل الله، يقول تعالى: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (الروم:39).
- دين وساسة: ويقول آخرون إن الإخوان المسلمين قوم سياسيون ودعوتهم سياسية ولهم من وراء ذلك مآرب أخرى، فيرد الإمام البنا، إننا ننادي والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا، وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا، وندعو إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وأحكامه، فإن كان هذا من السياسة فهذه سياستنا، وإن كان من يدعو إلى هذه المبادئ سياسيا فنحن أعرق الناس في السياسة.
- القومية والنسب: يقول الله تعالى: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (البقرة:257)، ويقول تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ) (محمد:11)، فالله تعالى ينسب المسلم إلى نفسه ويمنحه فضل ولايته ويفيض عليه من فيض عزته: {إِنِّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}.
مهمة المسلم
وفي رسالة إلى أي شيء ندعو الناس؟ أوضح الإمام البنا، أنّ مهمة المسلم الحق لخصها الله تبارك وتعالى في آية واحدة من كتابه، ورددها القرآن الكريم بعد ذلك في عدة آيات، فأما تلك الآية فهي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ و َتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:77-78).
وهذا كلام لا لبس فيه ولا غموض، ووالله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لواضح كالصبح ظاهر كالنور، يملأ الآذان ويدخل على القلوب بغير استئذان، أفلم يسمعه المسلمون قبل الآن؟ أم سمعوه ولكن على قلوبهم أقفالًا فلا تعي و لا تتدبر؟
إن الله يأمر المسلمين أن يركعوا ويسجدوا وأن يقيموا الصلاة التي هي لب العبادة وعمود الإسلام وأظهر مظاهره، وأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وأن يفعلوا الخير ما استطاعوا، وهو حين يأمرهم بفعل الخير ينهاهم بذلك عن الشر وإن من أول الخير أن تترك الشر، فما أوجز وما أبلغ! ورتب لهم على ذلك النجاح والفلاح والفوز وتلك هي المهمة الفردية لكل مسلم التي يجب عليه أن يقوم بها بنفسه في خلوة أو جماعة.
وأمر الله المسلمين بعد ذلك أن يجاهدوا في الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحجة و البرهان، فإن أبوا إلا العسف والجور والتمرد فبالسيف والسنان.
وكشف الله سر هذا التكليف وحكمة هذه الفريضة التي افترضها على المسلمين بعد هذا الأمر، فبين لهم أنه اجتباهم واختارهم واصطفاهم دون الناس ليكونوا سواس خلقه وأمناءه على شريعته وخلفاءه في أرضه، وورثة رسوله في دعوته، ومهّد لهم الدين وأحكم التشريع وسهل الأحكام وجعلها من الصلاحية لكل زمان ومكان بحيث يتقبلها العالم، وترى فيها الإنسانية أمنيتها المرجوة وأملها المنتظر: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ و َتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) (الحج:78).
ثم أوضح الحق تبارك وتعالى للناس بعد ذلك الرابطة بين التكاليف من صلاة وصوم بالتكاليف الاجتماعية وأن الأولى وسيلة للثانية، وأن العقيدة الصحيحة أساسهما معا، حتى لا يكون لأناس مندوحة من القعود عن فرائضهم الفردية بحجة أنهم يعملون للمجموع، وحتى لا يكون لآخرين مندوحة من القعود عن العمل للمجموع بحجة أنهم مشغولون بعباداتهم مستغرقون في صلتهم لربهم.
من هنا فإن عبادة الله والجهاد في سبيل التمكين للدين وإعزاز الشريعة هي مهمة المسلم في الحياة، فإن أداها حق الأداء فهو من الفائزين، وإن أدى بعضها أو أهملها جميعا، نسوق له قول الحق: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ، فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) (المؤمنون:115-116).
لهذا المعنى جاء أوصاف أصحاب محمد وهم صفوة الله من خلقه والسلف الصالح من عباده: (رهبان بالليل فرسان بالنهار) ترى أحدهم في ليله ماثلا في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: (يا دنيا غري غيري) فإذا انفلق الصباح ودوى النفير يدعو المجاهدين.
ولهذا المعنى نفر المسلمون، بعد أن اختار نبيه- صلى الله عليه وسلم- الرفيق الأعلى في أقطار الأرض، قرآنه في صدورهم ومساكنهم على سروجهم وسيوفهم بأيديهم، حجتهم واضحة على ألسنتهم يدعون الناس إلى إحدى ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، فمن أسلم فهو أخوهم له ما لهم و عليه ما عليهم، ومن أدى الجزية فهو في ذمتهم وعهدهم يقومون بحقه ويرعون عهده ويوفون له بشرطه، ومن أبى جالدوه حتى يظهرهم الله عليه: (وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) (التوبة:32).
لقد كان المسلمون يفهمون هذا قديما ويعملون له ويحملهم إيمانهم على التضحية في سبيله، أما في هذه الأيام فقد تفرق المسلمون في فهم مهمتهم واتخذوا من التأويل والتعطيل سندا للقعود والكسل، فمن قائل يقول لك: مضى وقت الجهاد والعمل، وآخر يثبط همتك يقول لك بأن الوسائل معدومة والأمم الإسلامية مقيدة، وثالث رضي من دينه كلمات يلوكها لسانه صباح مساء، وقنع من عبادته بركعات يؤديها وقلبه هواء.
من أين نبدأ؟
وتُجيب رسالة “إلى أي شيء ندعو الناس؟” عن سؤال مهم وهو “من أين نبدأ؟”، حيث يقول الإمام البنا- رحمه الله- إنّ تكوين الأمم، وتربية الشعوب، وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى “قوة نفسية عظيمة” تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه، والخديعة بغيره.
ورأى الإمام البنا أنّ كل شعب فَقَدَ هذه الصفات، أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه، فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير، ولا يحقق أملاً، وحسبه أن يعيش في جو من الأحلام والظنون والأوهام: (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (يونس:36)، وهذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) .
ويظن كثير من الناس أنّ الشرق تعوزه القوة المادية من المال والعتاد وآلات الحرب والكفاح لينهض ويسابق الأمم التي سلبت حقه وهضمت أهله، ذلك صحيح ومهم، ولكن أهم منه وألزم: القوة الروحية من الخلق الفاضل والنفس النبيلة والإيمان ومعرفتها والإرادة الماضية، والتضحية في سبيل الواجب والوفاء الذي تنبني عليه الثقة والوحدة، وعنهما تكون القوة.
لو آمن الشرق بحقه وغيّر من نفسه واعتنى بقوة الروح وعني بتقويم الأخلاق، لأتته وسائل القوة المادية من كل جانب وعند صحائف التاريخ الخبر اليقين. ويعتقد الإخوان المسلمون هذا تمام الاعتقاد، وهم لهذا دائبون في تطهير أرواحهم وتقوية نفوسهم وتقوية أخلاقهم، وهم لهذا يجاهدون بدعوتهم ويريدون الناس على مبادئهم ويطالبون الأمة بإصلاح النفوس وتقويم الأخلاق.
وهم لم يبتدعوا ذلك ابتداعا شأنهم في كل ما يقولون ولكنهم يستمدونه من القاموس الأعظم والبحر الخضم والدستور المحكم و المرجع الأعلى، ذلك هو كتاب الله تبارك و تعالى، و قد سمعت من قبل تلك المادة الخالدة من ذلكم القانون: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11).
ويعتقد الإخوان المسلمون أن الله تبارك وتعالى حين أنزل القرآن وأمر عباده أن يتبعوا محمدا ورضي لهم الإسلام دينا، ووضع في هذا الدين القويم كل الأصول اللازمة لحياة الأمم ونهضتها وإسعادها، وذلك مصداق قول الله تبارك وتعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (الأعراف:157).
ومصداق قول الرسول في الحديث الشريف ما معناه (والله ما تركت من شر إلا و نهيتكم عنه) وإذا أمعنا النظر في تعاليم الإسلام وجدناه قد وضع أصح القواعد وأنسب النظم وأدق القوانين لحياة الفرد رجلا وامرأة، وحياة الأسرة في تكوينها وانحلالها، وحياة الأمم في نشوئها وقوتها وانحلالها، وحلل الفكر التي وقف أمامها المصلحون.
وإذا كان الإخوان يعتقدون ذلك فهم يطالبون الناس بأن يعملوا على أن تكون قواعد الإسلام الأصول التي تبنى عليها نهضة الشرق الحديث في كل شأن من شؤون الحياة، ويعتقدون أن كل مظهر من مظاهر النهضة يتنافى مع قواعد الإسلام ويصطدم بأحكام القرآن فهو تجربة فاسدة فاشلة، ستخرج منها الأمم بتضحيات كبيرة في غير فائدة.
وإذا أردنا أن نبدأ من حيث بدأ الأولون، وأن نسير على الطريق القويم، فلا بد من أن نحذر كل الحذر من الانحراف ومجاراة تيار التقليد، الذي يهدد نهضة الأمة التي يجب أن تتمسك بدستورها وهو القرآن الكريم.
ويجب أن يكون القانون الذي تحتكم إليه الأمة مستمدا من أحكام الشريعة الإسلامية مأخوذا عن القرآن متفقا مع أصول الفقه الإسلامي، وإن الشريعة الإسلامية وفيما وضعه المشرعون المسلمون ما يسد الثغرة ويفي بالحاجة وينقع الغلة، ويؤدي إلى أفضل النتائج وأبرك الثمرات: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44) .
وإن في كل أمة مظاهر من الحياة الاجتماعية تشرف عليها الحكومات وينظمها القانون وتحميها السلطات، فعلى كل أمة شرقية إسلامية أن تعمل على أن تكون كل هذه المظاهر ما يتفق وآداب الدين ويساير تشريع الإسلام وأوامره.
وإن لكل أمة وشعب إسلامي سياسة في التعليم وتخريج الناشئة وبناء رجال المستقبل، الذين تتوقف عليهم حياة الأمة الجديدة، فيجب أن تبنى هذه السياسة على أصول حكيمة تضمن للناشئين مناعة دينية وحصانة خلقية، ومعرفة بأحكام دينهم، واعتدادا بمجده الغابر وحضارته الواسعة.
وينادي الإسلام أبناءه ومتبعيه فيقول لهم: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) (آل عمران:103)، ويقول النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم-: (وكونوا عباد الله إخوانا).
ويؤمن الإخوان المسلمون بأن الله عز وجل يعيد للشعب المؤمن حريته وكرامته المغصوبة، وهو ما حدث مع قوم موسى- عليه السلام- الذي استعبد فرعون، فكان أول شعاع من فجر حرية هذا الشعب إشراق شمس زعيمه العظيم (موسى) على الوجود طفلا رضيعا: (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ) (القصص:3-5).
المصادر والمراجع:
- الإمام حسن البنا: رسالة إلى أي شيء ندعو الناس؟
- الدكتور عصام العريان: شرح رسالة إلى أي شيء ندعو الناس؟
- الدكتور محمود غزلان: شرح رسالة إلى أي شيء ندعو الناس؟
- تيار الإصلاح: إلى أي شيء ندعو الناس؟