أي عمل مهما كان صغيرًا ومتواضعًا لا يمكن له النجاح ما لم يكن منظمًا، وكثير من الطاقات قد تُهدر وتضيع في غياب مهارة التخطيط والتنظيم، والعمل ذو الآفاق المتعددة والمجالات المختلفة والأهداف الكبيرة يحتاج بالضرورة إلى التخطيط.
ولا بُد من التفريق بين الأهداف الاستراتيجية (بعيدة المدى)، والأهداف المرحلية (التكتيكية) فالأولى تُحدد أولويات المؤسسة وتوجهاتها الأساسية وتمتد إلى فترات بما يزيد على سنوات، والثانية يجري التخطيط لها بمشاريع أو أنشطة لفترات محددة، وتمثل خطة أي عمل سلسلة من النشاطات الواجب القيام بها لتحقيق هدف معين.
وينبغي تقسيم الخطط طويلة الأجل (الأهداف الاستراتيجية) على عدد من الخطط المتوسطة والقصيرة الأجل (أهداف مرحلية) حتى يمكن تحقيق الهدف المطلوب.
اقرأ أيضا: من مهارات المربي: تحقيق التزام الأفراد وضبط حركتهم بالشرع
فوائد مهارة التخطيط
فوائد مهارة التخطيط كثيرة بالنسبة للداعية أو المربي وكذلك المتربي، ومنها:
1- تحديد الأهداف المطلوبة وتقسيمها إلى أهداف جزئية يضمن إلى حد كبير عدم إغفال شيء من المهام أو القضايا المطلوب تحقيقها، نتيجة الانشغال الكامل بتحقيق بعض الأهداف قبل تحديدها وحصرها كلها.
2- تجربتها وترتيب أولوياتها من الأمور المهمة لتيسير التنفيذ، كي لا يحدث الانشغال بأمر مهم، وهناك ما هو أهم منه، كما أن الترتيب والتسلسل يجعل كل مرحلة تساعد على تحقيق التي تليها.
3- في ذلك توفير للوقت والجهد، بخلاف العمل دون تحديد أولويات.
4- كما أن دراسة الظروف المحيطة والإمكانات المتوافرة وحصرها تساعد كثيرًا عند وضع الخطة، بحيث تكون واقعية عملية، وليست نظرية خيالية بعيدة عن الواقع يصعب تنفيذها.
5- يؤخذ في الاعتبار احتمالات التغييرات التي يرجح لها أن تطرأ على الظروف المحيطة وأثرها على الخطة والتعديل أو البديل المناسب حتى لا يحدث ارتباك أو توقف للتنفيذ ما أمكن.
6- كما أن حصر الإمكانات والطاقات والكفاءات المتخصصة يُفيد كثيرًا في تشغيلها والاستفادة منها، بدلا من تعطيلها كما أنه يُفيد في معرفة المجالات التي فيها نقص في الإمكانات أو الكفاءات بعمل الترتيب لتلافي هذا النقص، ليتحقق الاكتفاء الذاتي في كل المجالات، وبخاصة أنّ مجالات للعمل تكثر نوعيتها وتتسع ساحتها.
7- وضع الخطة للأهداف الجزئية أو المرحلية في إطار الخطة العامة أمر ضروري لضمان السير المتكامل في التنفيذ، حيث إن تحقيق هدف جزئي أو مرحلي يُمكن أن يُؤثر في الخطة العامة فيَعوقها أو ينقص من كمالها.
8- تحديد الأشخاص أو الجهاز الذي يناط به تنفيذ الخطة وتوزيع المهام والمسؤوليات حسب التخصصات أمر أساسي لنجاح الخطة، لأنه دون هذا التحديد قد يحدث التداخل في الاختصاصات، أو ترك بعض المهام دون تحديد المسؤولية عن القيام بها، فيحدث الخلل ويتعثر السير، وتصعب المحاسبة لعدم معرفة المسؤول عن الخطأ في حين أن تعرف كل فرد على دوره في الخطة والجزء المنوط به منها يجعله يركز جهده وتفكيره في القيام بهذا الدور على الوجه الأكمل وتيسر المتابعة والمحاسبة، وتيسر كذلك تنسيق العمل بين الجميع دون تضارب أو تعقيد.
9- وتقسيم الخطة العامة إلى مراحل وتحديد الوقت المناسب لإتمام كل مرحلة أمر ضروري، لأن ذلك يحفز القائمين على التنفيذ، كي ينجزوا المطلوب منهم في الوقت المحدد، بخلاف ما إذا ترك الوقت ممدودا دون تحديد فكثير ما يدعو ذلك إلى التراخي ويشغل الوقت بجزيئات وفرعيات على حساب الكليات التي تتضمنها الخطة.
10- كذلك التفكير المسبق في احتمالات التغيير الذي قد يطرأ على الظروف التي تم وضع الخطة على ضوئها، ووضع البديل المناسب لهذه الاحتمالات، يحول بعون الله دون حدوث ارتباك أو تعويق في السير.
11- أما متابعة التنفيذ فهو أمر لا غنى عنه للاطمئنان على سلامة التنفيذ وسيره في الطريق الصحيح، وللتعرف إلى أي مشكلة عارضة والعمل على حلها والتغلب عليها في حينها، والاطمئنان على قيام كل فرد بما أنيط به من عمل على الوجه الصحيح، وقد يستدعي صالح العمل إحداث تغيير ضروري لأسباب تستدعي ذلك، فيجري التغيير دون مجاملة.
12- كما أنّ المتابعة لها أهميتها لمعرفة إيجابيات التنفيذ وسلبياته فيستفاد من الإيجابيات وتتلافى السلبيات، وتتحصل الخبرة العملية والتجربة للإفادة منها والإضافة عليها.
مقومات مهارة التخطيط
وهناك عوامل أساسية تقوم عليها مهارة التخطيط والتنظيم، لتحويل الأهداف إلى صور عملية ومن أهمها:
أولًا: المرونة والحركية: بمعنى إمكان تعديل بعض عناصر التخطيط لتتفق مع الظروف الجديدة والمتغيرات الطارئة في أثناء التنفيذ، هذه المتغيرات لم يكن من الممكن توقعها عند وضعها، وتتحقق مرونة التخطيط بتعديل بعض عناصره أو تقبله لخطة بديلة، تتناسب مع الظروف الجديدة.
أما الحركية: فيقصد بها عملية استمرار التخطيط وتفاعله مع المتغيرات، بحيث تكون عملية التخطيط في حالة حركة تتلاءم مع عمليات متتابعة، ومراجعة وتقييم مراحل تنفيذ الخطة، وعمليات تبديل وتعديل الخطة إذا اقتضت الظروف ذلك.
ثانيًا: العمق وعدم الشكلية: ومعناه الاهتمام بالحقائق وبالمضمون والنفاذ إلى الأعماق، أما الاهتمام بالشكليات والهياكل وترك المضمون فلا يحقق المطلوب من التخطيط.
ثالثًا: الوضوح والواقعية: يجب أن تكون الأهداف واضحة، بحيث يفهمها جميع العاملين في تنفيذ الخطة، وهذا يؤدي إلى الإقبال على العمل بكفاءة وفاعلية.
والقصد من الواقعية: أن يكون التخطيط واقعيا ومعتدلا في أهدافه، بحيث لا يحمل المؤسسة أكثر من طاقاتها سواء من الموارد، أو في قصر المدة المحددة للتنفيذ.
رابعًا: الاعتماد على البيانات الصحيحة: يجب أن تمثل الحقائق، حتى تبنى عليها تصرفات صحيحة وتنبؤات صادقة، ويدخل في هذا تحديد الإمكانات المادية والبشرية المستغلة وغير المستغلة ويدخل فيها – أيضا- مدى كفاءة الجهاز الإداري ومدى قدرته على تنفيذ الخطة وتحقيق أهدافها.
خامسًا: دقة تحديد البرنامج الزمني: يجب وضع برنامج زمني محدد لكل مراحل الخطة بحيث تحدد لكل مرحلة مدة زمنية مناسبة، يجري فيها التنفيذ، ويكون تحديد هذه المدة بدقة تامة، كما يجب أن يكون هذا التحديد مرنا بحيث يمكن تطويل أو تقصير المدة الزمنية إذا طرأت ظروف جديدة، اقتضت البحث عن بديل أو تعديل مناسب.
تحدثنا في المقال السابق عن أهمية التخطيط ومقوماته، ونستكمل اليوم الحديث عن مهارة التخطيط بالحديث عن عناصر التخطيط وقواعد الإتقان التنفيذي، والعمل لتحقيق الأهداف الكبيرة يلزمه أن يسير وفق تخطيط دقيق وألا يكون ارتجاليا أو ردود فعل فيجب تقسيم الهدف الكبير إلى أهداف مرحلية وتوضع الخطة لكل منها والوسائل اللازمة ويتابع التنفيذ. وتجدر الإشارة إلى
من مهارات المربي: القدرة على التنمية الذاتية للأفراد
عناصر التخطيط
إذا كانت مهارة التخطيط ضروريّة فيجب أن تُؤخذ بالمقدار الصحيح وبالتوازن المطلوب وأن نُدرك أنّ التخطيط وحده لا يكفي لإنجاز المهمة بل المطلوب أن نستخدمه الاستخدام الماهر الكفء، ولهذا فإن الإسلام يهتم بممارسة التخطيط باعتباره وسيلة لإتقان برمجة الأعمال بما يحقق لنا إتقان التنفيذ ووضوح التصور وتنسيق الطاقات المتاحة والاستفادة منها، لذا يمكننا تحويل الأهداف والخطط إلى أشكال عملية من خلال:
1- تحديد الأهداف أو المهام المطلوب تحقيقها.
2- تقسيمها إلى أهداف مرحلية مع ترتيب أولوياتها.
3- دراسة الظروف القائمة ومعرفة الإمكانات اللازمة وما هو متوافر منها، وما يلزم توفيره.
4- وضع الخطة لتحديد كل هدف.
5- تحديد الجهاز أو الأشخاص الذين سيقومون بتنفيذ الخطة.
6- تحديد المدة المناسبة لإتمام التنفيذ.
7- افتراض الاحتمالات المتوقعة التي قد تؤثر على تنفيذ الخطة، وكيفية مواجهتها.
8- وضع البديل أو التعديل المناسب.
9- تحديد جهة المتابعة من ذوي الكفاءة والاختصاص للاطمئنان على السير بالخطة في مسارها الصحيح دون تعويق أو انحراف.
قواعد الإتقان التنفيذي
ولا بد من أن تلتقي مهارة التخطيط مع قواعد تنفيذية لإنجاح العمل وخروجه في أبهى صورة، وهذه القواعد تتمثل في:
القاعدة الأولى: إن أيام الشروع الأولى في تنفيذ أي عمل لا تصلح مقياسًا لمعرفة مدى جدواه، فإنّ تعثّر التنفيذ، وقلة الثمرة وضعف التأثير، والحجم الكبير للطاقة المصروفة، كلها عوامل أو نتائج سلبية قد تصاحب الفترة الأولى لبعض الأعمال، ويكون من الضروري التمهل في الحكم عليه وإطالة المدة التجريبية، فلربما لم يكن التدريب عليه قد اكتمل أو أنه عمل جديد في سمته لم تعتده نفوس العاملين ومفاهيمهم ويلزمهم وقت كاف حتى يعتادوه، أو أن يكون قد زاحمه حدث عام شغل النفوس عنه.
ويصح هذا المعنى في الاتجاه الآخر أيضا، فإنّ النجاح السريع الذي يلاقيه عمل آخر قد يستبد بمشاعر الإدارة فتعطي الأولوية له، وتجازف بإلغاء أعمال أخرى نافعة نسبة نجاحها ومردودها أقل من النسبة في هذا العمل الجديد، وليس ذلك بصواب، فلربما يكون هذا الفرق الزائد في نسبة النجاح فورة مفتعلة ساعدت عليها ظروف خاصة وليس سمتا دائما، فإن لبعض الجديد لذة تهيمن على ذائقه فتدعه يبالغ حتى في جهده، ثم يرجع بعد حين إلى اعتدال، أو يكون العمل نتيجة اقتراح فيرصد له المقترحون أكثر طاقتهم لإنجاحه والتدليل على صوابهم، ثم يسري فتور تدريجي وتكون ظاهرة استطراق بين الأعمال تكاد تتوازن كالسائل في الأواني المستطرقة، فالتأني واجب في الحالتين.
القاعدة الثانية: مراعاة الاقتران بين الأعمال، فإنّ بعضها لا يمكن تنفيذه ولا يؤتي نتيجته إلا بقرين له مكمل، ويكون أحدهما الظرف المساعد للآخر، في مقابلة وتبادل، أو هو كشرط لازم ولا يحيط بهذا الاقتران حصر وتسميات بل يدرك بالمنطق والتجريب.
القاعدة الثالثة: انتظار الظرف اللائق لتنفيذ ما لا يتلاءم مع الظرف الراهن، وتلك بديهية ويغني وضوحها عن الإشارة لها، ولكن الذي نعنيه هنا أن يتم تسجيل هذا العمل غير الملائم الآن ضمن بنود الخطة، ويشار إلى تأجيله، فإنّ كثافة الأحداث تلهي العاملين وتذهلهم عنه، فينسونه حين الحاجة ويتوهمون إن لم يدون اختلاط توازن الخطة ونقصها عن الشمول والإحاطة، كما يحرمه عدم ذكره من الاستفادة من احتمالات التصحيح، بالإضافة عليه أو التعديل فيه، من خلال النقد المستمر في المؤتمرات أو التقارير، وهكذا تتكون من عدم النسيان، ورؤية الشمول، حصول النقد والتقويم: ثلاث نتائج إيجابية لذكر هذا الأمر المؤجل في سياق الأعمال المختارة.
القاعدة الرابعة: تذليل العقبات التي تحول دون تنفيذ ما يصعب الآن، فإن بعض الأعمال الضخمة في حجمها، تقتضي علوما تخصصية وكفاءات عالية، ولا بُد من فترة إعداد لأولياتها، وتدرج في تجميع أفراد الجهاز الذي سيديرها وينفذها، ولهذا فإن على المخطط أن يكون واسع الأفق بعيد النظر، بأن يعتبر فترة الإعداد ضرورية وإن لم تقدم نتيجة سريعة، ومتى اعتبرها جهودا مهدرة صعب عليه الوصول إلى عمل ضخم، وعليه أن يقاوم ضغط الحاجات الصغيرة المتنوعة التي تدعوه إلى سدها بتشغيل الأفراد الذين رصدوا للتحضير والإعداد للأعمال الكبيرة.
المصادر:
- التخطيط.. مهارة الجادين
- التخطيط: خطواته وفوائده
- ما هي فوائد التخطيط؟