حثّ الإسلام على الزواج ورغّب فيه وَوَضّح حِكَمَهُ وأحكامه وما فيه من ثمرات وفضائل، وبيّن كيفية إعداد الأبناء للحياة الزوجية السعيدة وَفق رؤية تربوية نموذجية تحفظ النوع البشري، وتصون الأعراض وتحمي الأنساب، وتُصلح النفوس وتُقوّى المجتمعات، بعيدًا عن السعادة المزيفة المبنية على المظاهر الخداعة والمادية البحتة التي تُسمم الحياة بين الأزواج.
لقد بات من الضروري على الغيورين والمهتمين بالتربية الأسرية أن يسعوا إلى تهيئة الظروف المناسبة لتحقيق السعادة والمودة الزوجية، والعناية بتربية وإعداد الزوجين، لاستيعاب متطلبات هذه المرحلة التي تكالبت فيها الأمم على المسلمين لتعطيلها عن بناء جيل مسلم، ومتعلم، وقوي، يحفظ لها عزتها وكرامتها.
شروط الحياة الزوجية السعيدة في القرآن والسنة
ويتطلب إعداد الأبناء للحياة الزوجية السعيدة تحقيق بعض الشروط وفق ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وهي:
- المعاشرة بالمعروف: أمرَ الله سبحانه وتعالى الرجال بمعاشرة زوجاتهم بالمعروف والحسن من الأقوال والأفعال، حتى عند كراهيتهم لهن، قال تعالى : {وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا ويَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
- تحقيق القوامة: ففي بيان الحالة التنظيمية والإدارة الهرمية للأسرة، يبين الله- عز وجل- أنّ الأمر بيد الزوج فيقول سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ …} [النساء: 34]، وهذه الآية الكريمة هي الأصل في قوامة الزوج على زوجته، وقد نصّ على ذلك جمهور العلماء من المفسرين والفقهاء، وبلا شك فإنّ القوامة للزوج على زوجته تكليف للزوج، وتشريف للزوجة، حيث أوجب عليه الشارع رعاية هذه الزوجة التي ارتبط بها برباط الشرع واستحل الاستمتاع بها بالعقد الذي وصفه الله تعالى بالميثاق الغليظ.
- عيش بمعروف أو تسريح بإحسان: ففي سياق التذكير بعظمة عقد النكاح، يقول سبحانه: {… فإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَانٍ …}[البقرة: 229].
- حفظ الفضل: وبأسلوب لطيف، يُذَكِّر المولى- جل وعلا- الرجلَ والمرأةَ بحفظ الفضل وعدم نسيانه حتى بعد الفراق، قال تعالى : {… وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237].
- ووضعت السنة النبوية المطهرة، شروط الأسرة السعيدة، فقال- صلى الله عليه وسلم-: “تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك” (البخاري)، وفيه توجيه مبدئي لكيفية تأسيس هذه الأسرة.
- وعن معقل بن يسار، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم” (أبو داود والنسائي)، وفي ذلك أسلوب نبوي لتهذيب الحياة الزوجية وتصويرها بأنها أسمى من هدف قضاء الشهوة، ما يجعل نظرة الرجل إليها تكون أكثر اهتمامًا وحرصًا.
- وبيّنت السنة المطهرة للرجل مقدار المسؤولية بعد الزواج فقال- صلى الله عليه وسلم-: “كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته” (البخاري وسلم).
- وعن الإحسان للزوجة، يقول- صلى الله عليه وسلم-: “خياركم خياركم لنسائهم” (أبو داود والترمذي وأحمد)، وإن اعتناء الرجل بزوجته وملاطفته لها ليس فيه حط من قدره، بل هو رفعة له وخيرية.
- احترام طبيعة المرأة، وعدم النظر إليها نظرة مثالية، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: “استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل اعوجاجا، فاستوصوا بالنساء” (البخاري).
كيف نعد الأبناء للحياة الزوجية السعيدة؟
لا شك أن عملية إعداد الأبناء للحياة الزوجية السعيدة يحتاج إلى تخطيط منذ الولادة وحتى اليوم الذي يصل فيه الابن إلى يوم الزواج، ويكون ذلك في الجوانب التالية:
- الجانب الديني: فمن الضروري الاهتمام بعقيدة الطفل منذ نعومة أظفاره، لأنه سيحتاج إلى ذلك في حياته الزوجية، التي تتسم باختلاف الطباع بين الزوجين، ولكن الذي لديه مبادئ وعقيدة راسخة يمكن الثبات وحل المشكلات التي تواجهه.
- الإعداد الخلقي: إذ لا بد من تربية الابن على الأخلاق الزوجية الحميدة وفضائل السلوك حتى يعتادها عند ممارسته لحياته الزوجية.
- الإعداد الجسمي: ويقصد به إعداد الأبناء في الجانب الجسدي، والمحافظة عليه من كل شيء قد يلحق به الضرر، ويمنعه من تحقيق المنفعة المترتبة على سلامته.
- الإعداد العلمي: بتزويد الابن بكل ما يمكن أن يسهم في تنمية عقله وَفق قدراته وإمكاناته باستخدام الأساليب العلمية المختلفة لرفع الجهل وترسيخ العلم.
- التربية الجنسية: ويراد بها تربية العفة، وتوجيه الغريزة الجنسية لدى الأبناء التوجيه السليم وفق المنهج الإسلامي، بما يحقق لهم الطمأنينة النفسية ويحفظ هذه الغريزة، دون إفراط أو تفريط.
- الإعداد الاجتماعي: بإلزام الولد وتعويده الآداب الاجتماعية الفاضلة والعادات الحميدة الصادرة عن المنهج الإسلامي؛ ليحتل مكانته الاجتماعية المناسبة، ويكون ذلك بمزيج من التربية والإعداد الديني والأخلاقي والجسدي والنفسي والاقتصادي.
نصائح تربوية لحياة زوجية سعيدة
إن السعادة الزوجية هدف يسعى إليه كل من تزوج وكل من يُفكّر في الزواج؛ فالهدف من إنشاء هذه العلاقة هو الاستقرار النفسي والوصول إلى حالة الأمن العاطفي، ورضا الزوجين عن حياتهما الزوجية بشكل عام وبدرجة عالية.. ولكي يتحقق ذلك على الزوجين مراعاة هذه التوجيهات والنصائح:
- لا تغلبنكما التوافه: فعلى الزوجة أن تتفهم طبيعة زوجها وتعرف ما يحب وما يكره، وتدرك أن للرجل طبيعة تختلف عن طبيعتها، فهو يحكم على الأمور بعقله لا بعاطفته، ولا يهتم بالتفاصيل كثيرًا، وعلى الرجل- أيضًا- أن يتفهم طبيعة المرأة التي تحكم بالعاطفة وتهتم بالتفاصيل، وعليهما معًا الابتعاد عن توافه الأمور.
- لا تكثرا من اللوم والعتاب: فاللوم بين الزوجين كالغيرة، كثيرها يُفسد وانعدامها مضر، قال أعرابي: “كثرة العتاب إلحاف، وتركه استخفاف”، ويقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: “لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً إن سخِطَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخرَ” (مسلم).
- الكلمة الطيبة صدقة: فعلى الزوج والزوجة ألا يبخلا على بعضهما بكلمات الحب والشكر، والزوج العاقل هو الذي يُكثر من مغازلة زوجته، وبخاصة في شهور الزواج الأولى، فإن ذكريات الأيام والشهور الأولى ستُطبع في ذاكرتها إلى الأبد، وبها ومن أجلها تتحمل الزوجة الكثير، وعلى الزوجين العاقلين التعود على الكلام الطيب حتى يتعود أولادهما على ذلك ويصبحان قدوة صالحة لهم.
- اجعلا بيتكما بيت السعادة والمرح: فقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- نموذجًا عمليًّا لحسن معاشرة النساء، فكان يداعب أزواجه، ويلاطفهن، فالبيت المسلم لا يخلو من الدعابة والمرح، رغم أنه بيت جهد وعمل.
- احذرا الخرس الزوجي: لأن هذا المرض يؤدى بكثير من الزيجات إلى الموت، ويهدم أي بواد للسعادة الزوجية، ويجعل الحياة مستحيلة بين الزوجين.
- الحرص على الابتسامة والقبلة: فهي عادات طيبة قد يبدأ بها الزوجان حياتهما الزوجية، ولكن مع مرور الزمن وكثرة المشاغل قد ينسى الزوجان أو يتناسيا تلك العادات ما يهدد سعادتهما.
- الاحترام المتبادل: وهو أساس نجاح العلاقة الزوجية واستمرارها وشيوع السعادة في الأسرة، إذ لابد أن يتبادل الزوجان الاحترام، الذي بدونه تنقلب الحياة إلى جحيم، وبخاصة عند وقوع خلاف.
- الأحلام المشتركة: من المفيد أن يتفق الزوجان على أحلام وأهداف، ويعملان على تحقيقها معًا، والبحث عن رؤية مستقبلية مشتركة، فكل ذلك يُعزز ويقوي الحب بينهما ويزيد من روابط الوصال ونشر السعادة.
- لا تناما وأنتما متخاصمان: فالزوجان العاقلان هما من يصفيان خلافاتهما أولًا بأول ويومًا بيوم، فلا يجعلان الخلاف يبيت إلى الصباح؛ لأنهما إذا باتا متخاصمين وأعطى كلًّا منهما ظهره للآخر، فإن ذلك يكون مدخلا للشيطان لإفساد العلاقة بينهما وإشعال الحرب.
- اطويا صفحات الماضي: فبعض الأزواج عند وجود الخلاف يستدعي كل ذكريات الماضي الأليمة ويحاول تذكرها واستعراضها ويظل يكرر أمام الآخر هذا الخطأ، وهذا النبش في الماضي يزيد من هوة الشقاق بين الزوجين.
- لا يذم أحدكما الآخر أمام الآخرين: ومما يديم الود والمحبة بين الزوجين أن يمتدح الزوج زوجته والمرأة زوجها ليس بينهما فقط إنما بين الأهل والأقارب، وهو ما علمنا إياه النبي- صلى الله عليه وسلم-، فعن أنس بن مالك، قال: “يا رسولَ اللَّهِ أيُّ النَّاسِ أحبُّ إليكَ؟ قالَ: عائشةُ؛ قيلَ مِنَ الرِّجالِ؟ قالَ: أبوها” (صحيح ابن حيان).
إن الحياة الزوجية السعيدة في نظر الإسلام غاية نبيلة، لا بُد من إعداد الأبناء عليها منذ الصغر بالقدوة والإعداد الجيد على المستوى العقدي والأخلاقي والجسدي والاجتماعي، لنرى في النهاية أسرة سعيدة تحقق مراد الله- عز وجل- في الأرض.
المصادر والمراجع:
- الدكتور عبد اللطيف بن محسن بن سليمان العريني: دراسة بعنوان: «إعداد الأبناء للحياة الزوجية من منظور التربية الإسلامية».
- محمد بن سعد المقرن: القوامة الزوجية.. أسبابها، ضوابطها، مقتضاها.
- الدكتور بدر عبد الحميد هميسه: نصائح ذهبية لحياة زوجية سعيدة، ص 6-33.
- أبو حيان التوحيدي: كتاب الصداقة والصديق، ص 4.
- غادة إبراهيم: نصائح لحياة زوجية سعيدة.