إنّ من أعظم القُرُبات وأفضل الطاعات التي ندب إليها الإسلام إطعام الطعام للفقراء والمساكين والجيران والصائمين، لأن ذلك يؤدي إلى تربية النفس على العطاء وتأليف القلوب والألفة وإظهار الرحمة بين الناس.
وتقديم الطعام والشراب للناس بدافع التّقرب من الله تعالى وابتغاء الثواب، من الأعمال الصالحة التي لها أجر عظيم عند الله تعالى، بل من أحب الأعمال إليه- عز وجل-، وينجي صاحبه من النار يوم القيامة، ويطهر المجتمع من الجشع والحقد والبخل، ويُحقّق المحبة والتكافل بين الناس.
إطعام الطعام في القرآن والسنة
وبيّن الله- تبارك وتعالى- في كتابه الكريم أنّ إطعام الطعام من صفات الأبرار، فيقول سبحانه: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان:5-12].
وتقديم الطعام للأيتام والمساكين من أسباب دخول الجنة وأخذ كتاب العبد بيمينه، قال الله تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) [البلد:14-18].
وفي كل ذات كبد رطبة أجر، لقوله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج:27-28].
والماء من الطعام لقول الله تعالى: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) [البقرة:249].
وقد حذر المولى سبحانه وتعالى من منع الطعام، فقال- عز وجل- (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الماعون: 1-3]. فجعل امتناعه عن تقديم الطعام وتحريض غيره على الامتناع عن ذلك من صفات مَن يُكذّب بالدّين.
وفي بَيَانِ صِفات المُعذّبين في النار، قال تبارك وتعالى: (إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الحاقة: 33-34].
وهذا الخُلُق العظيم، كان راسخًا في نَفْسِ النّبي- صلى الله عليه وسلم- حتى قبل بعثته، فلما فزع من جبريل- عليه السلام- في الغار قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ- رضي الله عنها-: “كَلَّا أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ” (البخاري ومسلم).
وحثّ النبي- صلى الله عليه وسلم- صحابته على تقديم الطعام للمحتاجين، فعن عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ” (الترمذي).
وحين جاء أَعرابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الجنة، كان ممّا قاله النبي- صلى الله عليه وسلم-: “… فَأَطْعِمِ الْجَائِعَ وَاسْقِ الظَّمْآنَ…” (رواه أحمد).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنّ رجلا سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أي الإسلام خير؟ قال: “تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ” (متفق عليه).
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة” (البخارى ومسلم).
وأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أن تقديم الطعام للمحتاجين يجعل صاحبه مِن خيار الناس عند الله تعالى؛ فقال- صلى الله عليه وسلم-: “خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ” (رواه أحمد).
وأعدّ الله- عز وجل- لِمَن يتصدّق ويطعم الطعام الأجر العظيم، فعَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ لَيُرَبِّي لِأَحَدِكُمْ التَّمْرَةَ وَاللُّقْمَةَ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ” (رواه أحمد).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “يقول العبدُ مالي مالي إنما له من مالِه ثلاثٌ ما أكل فأَفْنى أو لبِس فأبْلى أو أعطى فاقْتَنى وما سِوى ذلك فهو ذاهبٌ وتارِكُه للناسِ” (مسلم).
وفي سنن الترمذي عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها أنهم ذَبَحُوا شاةً فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “ما بَقِيَ منها؟” قلْتُ: ما بَقِيَ منها إلَّا كَتِفُها. قال: “بَقِيَ كلُّها غيرُ كَتِفِها”.
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر- رضي الله عنه-: “يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ” (رواه مسلم).
وفي كل كبد رطبة أجر، فعن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-: أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أنزع في حوضي، حتى إذا ملأته لإبلي ورد علي البعير لغيري فسقيته، فهل في ذلك من أجر؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “فِي كُلِّ ذات كَبِدٍ أَجْرا” (رواه أحمد، وصححه الألباني).
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنَّ رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: “بينما رجلٌ يمشي بطريق اشتدَّ عليه الحرُّ، فوجدَ بئرًا، فنزلَ فيها، فشربَ ثم خرجَ، فإذا كلبٌ يلهثُ؛ يأكل الثَّرى من العطش، فقال الرجلُ: لقد بلغَ هذا الكلبَ من العطشِ مثلُ الذي كان بلغَ مني، فنزل البئرَ، فملأ خُفَّه، ثم أمسَكه بفيه حتى رَقِيَ، فسقى الكلبَ؛ فشكر اللهُ له؛ فَغفرَ له”.(البخاري).
وحذّر النبي- صلى الله عليه وسلم- من منع الطعام، فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: “ثلاثةٌ لا يكلمُهم اللهُ ولا ينظرُ إليهم يومَ القيامةِ ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليمٌ… ورجلٌ منع فضلَ ماءٍ، فيقول اللهُ يومَ القيامةِ: اليوم أمنعُك فضْلِي كما منعتَ فضلَ ما لم تعمل يداكَ”.
وحرص صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والتابعون من بعدهم على تقديم الطعام للمحتاجين وإكرام الضيف، فيُرْوَى عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنه قال: أهْدِي لبعض الصحابة رأس شاة مَشْوي، وكان مجهودا، فَوجّهه إلى جار له فتناوله تِسْعة أنفس، ثم عاد إلى الأوّل.
ورُوي عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه قال: أهْدِي لِرَجُل مِن أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأس شاة فقال: إن أخي فلانا وعياله أحْوَج إلى هذا مِنَّا؛ فبعثه إليهم، فلم يَزَل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها سبعة أبيات، حتى رجعت إلى أولئك.
وقال حاتم الأصم: كان يُقال: العَجَلة مِن الشيطان إلاَّ في خَمْس: إطعام الطعام إذا حضر الضيف، وتجهيز الميت إذا مات، وتزويج البكر إذا أدْرَكَتْ، وقَضاء الدَّين إذا وَجَب، والتوبة مِن الذَّنب إذا أذْنَب.
فوائد وثمار إطعام الطعام
وفوائد وثمار إطعام الطعام عديدة، نذكر منها ما يلي:
- مضاعفة الأجر والثواب عندما يكون الإطعام خالصًا لوجه الله تعالى.
- سبب لنيل العون من الله، لأنّ تقديم الطعام من التّمسك بمكارم الأخلاق.
- التقرب من الله سبحانه وتعالى، لقول النبي- صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي الذي يرويه عن الله تعالى-: “يا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قالَ: يا رَبِّ، وكيفَ أُطْعِمُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ؟! قالَ: أَمَا عَلِمْتَ أنَّه اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أنَّكَ لوْ أطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذلكَ عِندِي” (مسلم).
- دلالة على الخيرية لحديث النبي- صلى الله عليه وسلم-: “خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ” (رواه أحمد وصححه الألباني).
- تطهير نفس المُطعِم من البخل والشح وتعويد المسلم على مشاركة ما معه مع إخوانه المسلمين. تطهير نفس الفقير أو الجائع من الحقد والغل على غيره من ميسوري الحال نظرًا لشعوره بالوحدة في المجتمع وعدم وقوف أحد معه في أوضاعه الصعبة.
- تعزيز صفة الكرم والجود في أنفسنا وبين أبنائنا، ونبذ البخل والشح الذي نهانا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- يسود الحب والسلام وتختفي فكرة الطبقية العنصرية في قلوب أبناء المجتمع.
- يؤدي إلى التسابق بين المسلمين في فعل الخير.
- كسب الكثير من الأجر والثواب عندما يكون تقديم الطعام خالصًا لله تعالى.
- نشر الدين الإسلامي بين الذين يجهلون به، فعندما يشاهِد غير المسلم كرم المسلم وحبه لأخيه المسلم فإنّ ذلك يحببه في الدين.
- تحقيق المودة والترابط بين أبناء المجتمع المسلم وانتشار الخير فيما بينهم.
- تحقيق التوازن في المجتمع وتقليص الفجوات بين طبقات المجتمع.
- تعليم الأجيال الصغيرة أن مساعدة الفقراء والمساكين واجب وفرض ديني لا يقل عن أهمية الصلاة والصيام.
- تطبيق واحدة من أهم الشعائر الإسلامية التي تظهر أن الدين معاملة.
فالإسلام الحنيف يحضّ على إطعام الطعام للمساكين والفقراء والجيران والأقرباء، لأنه من الأمور التي تجمع بين الخير ومعاونة الفقير، وبه ينال المرء الخير في الدنيا والنجاة من النار في الآخرة.
المصادر والمراجع:
- أبو نعيم: حلية الأولياء 8/78.
- وحيد عبد السلام بالي: فضل إطعام الطعام.
- عبد الرحمن بن عبد الله السحيم: لُقْمَة بِلُقْمَة .. وشَرْبَة بِشَرْبَة.
- إسلام ويب: الترغيب في إطعام الطعام للفقراء وما يجري مجراه.
- خالد بن سعد الخشلان: إطعام الطعام فضائل وأجور.
- الثعلبي: تفسير الثعلبي 9/279.