أمضينا إجازة صيفية سعيدة، تنوعت فيها الأنشطة والأسفار، ولما أوشكت الإجازة على الانتهاء، وبدأنا التحضير لقدوم الدراسة انقلب حال ابني رأسًا على عقب، وأصبحت سيرة الدراسة تعكر صفو العلاقة بيننا، فماذا أفعل إذا كان طفلي يواجه صعوبة في العودة إلى المزاج الدراسي؟
الإجابة:
السائلة الكريمة: ومَن منّا يعود على الفور إلى المزاج الطبيعي لعمله أو أداء ما عليه من مهام بعد الإجازات والأعياد؟
فهذه طبيعة النفس البشرية تميل إلى الدعة والراحة وطلب المزيد منهما، إلا أنّ المهام والمسؤوليات التي على الكبار ترغمهم بالعود سريعًا، وهذا ما لا يوجد عند الأطفال، من وجهة نظرهم ليس لديهم ما يرغمهم، يقولون للراحة هل من مزيد!
وأول الخطوات لحلحلة هذه المشكلة يكون في دعم مشاعر الصغار حول تباطؤ اندماجهم، والإقرار بطبيعة حدوث ذلك؛ فالإقرار بالمشاعر في التربية له فعل السحر، فقد يكفي طفلك احتضانه وأنت تقولين له أتفهم مشاعرك جدًا، وأنا مثلك أشعر ببعض الضيق حين العودة للعمل بعد انقطاع، ومع مرور الوقت أعتاد الأمر ثانية، بل أحبه.
إن آفة بيوت كثيرة غياب تهيئة الأبناء لما هم مقدمون عليه، فقبل أي حدث يجب أن تكون لنا وقفة، نعد ونرتب فيها لما يقدم عليه أبنائنا، ونحن هنا بصدد الحديث عن العودة إلى المدرسة؛ فليكن أمامنا شهر على الأقل للتهيئة.
ولا بد من أن نضع جدول أعمال يومي، يشعر الطفل معه بقرب حلول الدراسة، ونشرك الطفل في هذه الخطوات ولا نؤديها نيابة عنه مهما صغر سنه، فنبدأ بالتأكد من جاهزية الأدراج وخلوها من كتب العام الماضي.
ونعد مكان المذاكرة، ونكمل الناقص فيه، ونترك الطفل يضع اللمسات الخاصة به، ونكمل شراء ملابسه المدرسية إذا لزمه الجديد، ونتمم على الأدوات المكتبية ونحضر الناقص منها.
ثم نبدأ بالنوم مبكرًا بالتدريج ويكون ذلك بالتبكير كل يوم ساعة عن ذي قبل، ولنا في مسألة النوم وقفة طويلة بعض الشيء نظرًا لأهميتها.
فننصح بأن تكون أجواء النوم مصحوبة بالهدوء، فأمامنا وقت على التدريب، ما دمنا نعد لاستقبال المدارس بشكل مبكر، كما ننصح بالمرونة فإذا تراخى بعض الوقت نتحمل ذلك ونمرره.
يحتاج الطفل إلى أن تبقى أمه بجانبه أثناء الاستعداد للنوم، وحكاية قصة مسلية له، وترديد أدعية النوم، وكأن الطفل يريد أن يطمئن أن جميع مَن في البيت سينامون مثله، ولن ينعموا بمزيد من التسالي بعيدًا عنه، فتهيئي، وهيئي مَن في البيت أن لديك مهمة لمدة نصف ساعة، تستقري فيها بجوار طفلك من غير أن يقطع أحدهم الوقت المخصص له بطلبات تعطلك.
وبمجاورتك له فيما يسمونه علماء التربية (الوقت الخاص)، يحدث لديه ارتباط شرطي سعيد بقدوم الدراسة، بتهيئته للنوم في ظروف مريحة خالية من التوتر.
والذي عادة يحدث عكسه تمامًا في معظم البيوت، خصوصا الليلة الأولى قبل الدراسة، وكأن الأهل قد تفاجأوا بقدوم المدارس على غفلة، فتجد أغلب البيوت في حالة من الصياح والشد والجذب مع الأبناء ليلتها، لأنهم تخلوا عن التهيئة المبكرة.
لا مانع من تجهيز هدية تقدم للطفل مع أول يوم دراسة، تدخل عليه البهجة وترتبط الدراسة لديه بأحداث سعيدة.
إذا اتبعنا هذه النصائح ستكون بداية الدراسة بداية مريحة قليلة الشغب بإذن الله وتوفيقه، غير أننا كأهل قد نكون نحمل هم الأشياء أكثر من أبنائنا، وهذا ما ينسحب على الأبناء بشكل لا شعوري، فلنراجع أنفسنا كيف نتحدث عن الدراسة والمدارس؟ هل نتحدث بشكل إيجابي أم بشكل سلبي؟
إن الأطفال شديدو الذكاء يلتقطون ما لا نظن أنهم يدركونه، فلنراجع كلماتنا ولغة جسدنا حينما يأتي الحديث عن الدراسة، فلعل المشكلة تكمن في طريقتنا، لا أكثر!
وأهدي السائلة ثلاثة مفاتيح نختتم بها إجابتنا:
المفتاح الأول: موقف الرسول- صلى الله عليه وسلم- مع الطفل المكنّى أبا عمير، فكان لديه عصفورٌ قد مات، فكان الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- إذا رآه يناديه متفقدًا حاله: “يا أبا عُمَيْر ما فعل النُغَيْر!”.
فقدم لنا- صلى الله عليه وسلم- نهجًا فيه إقرار بمشاعر الصغير، والاهتمام بما ساءه، ومناداته بأسلوب جميل فنمّق في عبارته، فبدت بلسمًا تنزل على جراحه، فهلا اقتدينا وتأسّينا بنهجه- صلى الله عليه وسلم- ونحن نستقبل عدم اندماج أبنائنا في الدراسة!
المفتاح الثاني: حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: مَن خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع. فإذا ما جددنا نيتنا في تعليم أبنائنا، تحملنا العقبات، فرحين بالمثوبة والأجر، وبارك الله في سعينا ويسر عسره.
المفتاح الثالث والأخير: اجمعي أبنائك ليلة الدراسة، أو يومها صباحًا، ورددي معهم أدعية يفتتحون بها عامهم مستأنسين بتوفيق الله وتسديد خطاهم، فكل عمل لا يبدأ باسم الله فهو أبتر أي مقطوع.
فاللهم هذا عام جديد على عملنا شهيد فارزقنا فيه من الخير المزيد، ونسأله سبحانه السداد والتوفيق.