طفلي يُعاني ممّا يسمي التوحد وقد بلغ السابعة من عمره، وكان مشوارنا معه صعبا؛ فقد بقينا حتى الثلاث سنوات دون أن نجري تشخيصا للحالة، ولم يتلقَّ ابني أي علاج حتى الرابعة بزعم أنه غير مصاب بالتوحد، إلا أنّ الصغير قد بلغ السابعة ولم يتكلّم ولم يندمج مع مَن حوله، وغير مُقدر للأخطار بل إنه يبحث عنها وقد تعرض إلى السقوط من طابق مرتفع لكن رحمة الله أدركته ونجا، وأتيت له بمتخصصة تخاطب إلى البيت لتعلمه الكلام والتفاعل، لكن التقدم غير ملحوظ، والآن وبعد أن بلغ السابعة أُفكر في أن أقدم له في مدرسة عادية لعلّه يندمج في وجود الأطفال.. فهل أسير في هذا الطريق؟ أم تنصحونني بأشياء أخرى؟
الإجابة:
نسأل الله أن يعينكم على أداء رسالتكم والأمانة التي وضعها الله في أعناقكم، بداية: فإن خطوة التقديم للابن في المدارس العادية ترتبط بتحقق شروط معينة مُسبقًا، توافر هذه الشروط يصب في المقام الأول في مصلحة الابن، فالأمر لا يُنظر إليه على أنه ميزة يحرم منها الابن بقدر ما هو بحث عن الملائم والأنفع لظروفه، من أبرز هذه الشروط التي نتحدث عنها أن يكون لدى الابن قدرة كافية على التواصل مع الآخرين، أن يستطيع بسهولة التعبير عن نفسه واحتياجاته، وأن تكون لديه القدرة على ضبط النفس وعدم الإقدام على سلوكيات اندفاعية تعرضه للخطر أو تعرض غيره، وأن يكون انتباهه جيد.. وغيرها من السّمات.
وكما تعلمين فإنّ عالم المدرسة مفتوح تضعف فيه الرقابة بالمقارنة في البيت، وهنا فإنّ أمان الطفل أولوية قبل أي مكاسب أخرى قد يجنيها من المدرسة، لذا من المهم الاطمئنان على هذه الجوانب المذكورة قبل إلحاقه بالمدرسة.
إذا كُنت تفكرين في إلحاقه بمكان بعينه يُمكنك أن تتحدثي مع هذا المكان أولًا، وتعرفي مدى جاهزية هذا المكان لاستقبال الابن، وما إن كانت هذه المدرسة تقبل الدمج، وما الشروط المطلوبة لذلك، ثم راجعي مدى توافرها في الابن الغالي، ويجب بالطبع أن يشترك معك في التقييم مَن يقوم معك بمتابعة حالته، سواء كان مركز تأهيلٍ مُحدد أو شخص متخصص يتابعه، فإنّ مشورة ورأي الشخص أو الجهة المتخصصة أمر مهم للغاية.
إذن، فالتحاق الطفل المصاب بأعراض التوحد بالمدرسة العادية ليس مرفوضًا كمبدأ بل إن الدمج أصبح مبدأً علميًا متفقًا عليه، يفيد الطرفين، ويساهم في إخراج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة من العزلة المجتمعية، كما يفيد باقي الأطفال حيث يتعلمون كيف يتعاملون ويتقبلون ويحترمون المختلف عنهم، لكن قرار الدمج يُقدر حسب حالة كل طفل لأنه ليس كل الأطفال يشتركون في سمات التوحد نفسها، كما تعلمين فهو يشخص على درجات أو أنواع، بعض الحالات يساعد الاكتشاف والتشخيص المبكر ومن ثم تلقي الطفل التدريب والعناية اللازمة التي تؤهله لخطوة الالتحاق عند سن معينة، وبعض الحالات قد تتأخر معها الخطوة بسبب تأخر التشخيص أو عدم الالتزام ببرنامج تأهيلي مُعين أو الإصابة بالتوحد بدرجات حادة.
على كلٍّ، فإنه حتى وإن التحق الطفل بمدرسة عادية فإنه من المحتمل بقوة أن يواجه العديد من الصعوبات في الفترة الأولى، لذلك يجب أن يُتابع جيدًا خلال هذه الفترة، ولا بد من تقييم الوضع باستمرار، وتعلم كيفية التعامل مع المواقف المحتملة التي قد يتعرض لها، كما يجب أن يُراعى جيدًا اختيار المدرسة التي سيلتحق بها بحيث لا تكون من المدارس التي تكتظّ فصولها بالطلاب، بل الأفضل أن يكون وسط عدد قليل من الطلاب، كما يجب أن تكون المعلمة مدربة للتعامل مع هذه الحالات.
يمكنك- أيضًا- الاتفاق مع المدرسة على توفير ما يُسمى بمعلمة الظل أثناء اليوم الدراسي، حتى تعينه عن قرب خلال تلقي الدروس، كما يُمكن أحيانًا اللجوء إلى فكرة الدمج الجزئي بحيث يشارك مع الطلاب الآخرين في بعض الأنشطة وليس في كل اليوم الدراسي، ولا بد من متابعة تقدمه من عدمه وتعايشه، وتقييم التجربة مهمة للغاية إما لثبيت التحاقه أو نقله لمدرسة أخرى أو حتى العودة لبرنامج تأهيلي أو مدرسة خاصة به.
وفي حال إذا لم يكن مهيئًا الآن لدخول المدرسة العادية فيجب التأكد من وجود برنامج تأهيلي جيد له يعمل عليه مختصون أو إلحاقه بمدرسة خاصّة بظروفه، والتأكد من التزامه بالحضور، ولا تشغلي نفسك أبدًا بمسألة السّن وتأخره العمري بالمقارنة بأقرانه في الالتحاق بالمدرسة، فلا تدعي أي أسباب للضغط المجتمعي تُؤثرعليك واجعلي مصلحة الابن وسلامته وتنمية مهاراته وحسن تعليمه هي الدافع في المقام الأول والأخير أيًّا ومتى تحقق هذا.