أنا امرأة في العقد الثالث، أعرف حقوق ربي وزوجي واهتم بأسرتي وأبنائي، لكن مشكلتي أن زوجي رغم أنه يصلي وخلقه حسن بين الناس، إلا أنه في السنوات الأخيرة ظهرت عنده مشكلة جديدة تجاهلتها في البداية، لكن الأمر زاد عن حده، وهي مشكلة الدخول إلى المواقع إباحية وشبه إباحية.
والأمر تطور إلى حد الإدمان، حتى أصبح لا يعبأ بزوجة أو حياة زوجية وقد واجهته واعتذر أكثر من مرة لكنه يعود ثانية أشد؛ وأنا الآن حائرة بين الاستمرار معه في ظل هذا المستنقع والتهاوي الأخلاقي الذي قد يؤثر عليّ وعلى أولاده، وطلب الطلاق حفاظًا على نفسي وديني وربما يكون الأمر رادعًا له.. فما الحل؟
الإجابة:
هذه- أختي السائلة- من المشكلات الشائعة التي عمّت -كما يقولون- بها البلوى، والتي ينجر إليها شباب المسلمين بمجرد أن يُقرروا عدم الالتزام بتنفيذ أمر واحد من أوامر الله حين قال: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (النور: 30)، نسأل الله الهداية لشباب المسلمين جميعًا.
ونحن ننصحك أن تلجئي في معالجة هذه المشكلة إلى التدرّج واتباع خطوات محددة، ونقصد بذلك ما يخصك أنتِ، أما فيما يخص المشكلة من جانب زوجك فلا مجال للحديث عن التدرج بل يجب أن يقلع عن هذا الأمر تمامًا بلا تدرج، أما عنك فابدأي أولًا بمراجعة أدائك حقوقَ زوجك بالطريقة التي تعفه وتراعين بها الحلال والحرام في الوقت ذاته، دون أن ينال هذا من ثقتك بنفسك.
واعلمي- أختي السائلة- أنّ كثيرًا من الشباب يبدأون حياتهم الزوجية للأسف وقد زلّت أقدامهم من قبل إلى هذا المستنقع، ولا لوم على زوجاتهم في هذه الحالة، للدرجة التي يتحول معها الأمر إلى إدمان لا يستطيع التخلي عنه بسهولة بالرغم من زواجه، إلى الحد الذي يفسد عليه حياته الزوجية، لهذا نعم راجعي نفسك لكن مع كامل الحرص على عدم جلد الذات أو الشعور بالتقصير بأنك كنت سببًا في هذا. هناك حالات يدفع تقصير الزوجات فيها الأزواج إلى اللجوء إلى الحرام، وإن كان هذا مبرر غير مقبول إلا أن تفسير حدوثه يكون معلومًا.
ثاني ما يجب أن تعلمينه أن أقوى رادع ودافع لزوجك كي يتوقف عن هذا الأمر لن يكون إلا ربه ثم نفسه، لأنه ليس أصعب من عدم استمتاعه بالحلال دافعًا للتغيير ومع ذلك لا يكفيه كي يتوقف، لذلك ادعي الله له دائمًا بالهداية والعزيمة الكافية لانتشاله من هذا الوحل.
قد يصل الأمر لاحتياجه إلى مساعدة خارجية مثله مثل المدمنين في هذا الشأن؛ لذا اعرضي عليه البحث عن جهة ما للمساعدة، واقع الأمر أنه يمكن التغلب على هذه العادة المدمرة بمفرده، لكن أحيانًا يكون الإقدام عليها ناتجًا عن أسباب نفسية كالاكتئاب أو التعرّض للإيذاء الجسدي في الصغر، حينها تكون المعالجة من مختص أفضل ويكون التركيز على معالجة الأسباب حينها.
من خطوات الحل أيضا أن تملئي حياته ولا تتركيه منفردا فترات طويلة؛ لأنّ الخلوة مع ضعف الإنسان مع سهولة المعصية مع كيد الشيطان؛ أسباب مجتمعة تؤدي إلى المعصية والتمادي فيها؛ لذا كوني بجواره أو في محيطه بحيث لا يختلي بنفسه كثيرًا.
كما يجب أن يعرف زوجك مخاطر اعتياد مثل هذا الفعل، قومي بحثّه على القراءة عن الموضوع، وما يسببه من وقوع في إدمان مرضي واكتئاب وضعف للذاكرة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات سليمة وضعف جهاز المناعة وغيرها من المشكلات.
حثّيه- أيضًا- على حضور مجالس العلم والارتباط بأنشطة نافعة، لأنّ الانشغال بالخير وامتلاك أهداف كبيرة يمنع من الوقوع في مثل هذه المعصية، وتشجيعه على ممارسة الرياضة فهي مفيدة للغاية في مثل هذه الحالات، وكذلك على صيام التطوع ففيه تحصين.
أما عن تفكيرك في الانفصال، فمن المهم أن يعرف زوجك تأثير فعله هذا على علاقتكما، وأنها قد تؤدي بكما إلى الانفصال، لا تهددي به كثيرًا لكن يجب أن يعرف طبيعة وقعَ الأمر عليك، كما ننصحك بألا تكثري معه الحديث عن الأمر بشكل عام ولا تكثري من التعليق والنقد والمتابعة فهذا قد يزيده عنادًا وتمسكًا، ولا تجعلي من هذا الأمر سببًا لتقليل احترامه أو النيل من كرامته، فتخيري كلماتك معه بعناية، حتى لا يشعر أنه قد سقط من نظرك فيقل الدافع لديه للتغير.
بل على العكس أشعريه بحبك وحرصك عليه وحرصك على استمرار علاقتكما، فقد يكون هذا دافعًا حقيقيًّا لتغيره، وتذكري أختي السائلة ألا تهتكي ستره وألا تفشي سره مهما حدث بينكما فقد قال رسول الله: “مَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة”.
يجب أن تعلمي أن مُعالجة هذا الأمر يحتاج إلى صبر طويل، وإلى تغافل كثير، كما يحتاج إلى تعهد نفسك ورعايتها لما قد يصيبك من أذى نفسي جراء هذا الفعل وما يخلفه من أثر عليك وعلى حياتكما الزوجية، إذا شعرت مع الوقت أنك قد بذلت ما تستطيعين من جهد، وأخذ الأمر الوقت الكافي بينكما للمعالجة والتصحيح، وظل تأثير هذا الأمر سلبيًّا على علاقتكما، ربما تفكرين حينها باللجوء إلى الانفصال، لكنه حل أخير يجب عدم اللجوء إليه قبل استيفاء سبل الحل كافة واستنفاذ كل طاقة الصبر والتحمل.