الدعاء روح العبادة
أرأيت حاجاتك والهموم التي أثقلت كاهلك؟
ماذا أنت فاعل إن علمت أن شخصًا نافذَا
قد قرر أن يرفعها عنك، ويلبيها لك؟
بلا أي مقابل، لا مالًا ولا تضحية
ماذا لو أخبروك أنه فعل هذا مع عشرات بل مئات غيرك؟
حدثني عن ذلك اليقين الذي يملأ قلبك الآن تجاه هذا المرء!
قل لي كم ستفكر قبل أن تلجأ له؟!
إن ربًا في علاه
لا يعوزه شيء
حتى بضع كلمات منك
تشرح بها ما يصول ويجول بخاطرك
بل إنه يعلم عنك ما لا تعلمه عن نفسك الآن
و سبق علمه فيك ما ستعلمه عن نفسك غدًا
الأمر أمره، والعلم علمه، والقدر قدره
سبحانه (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها)
عينه .. لا تنام، وعزه .. لا يضام، وخزائنه .. لا تنفد
بابه مفتوح لا يغلق
لا حاجة قبل أن تلج إليه لأي تجهيز مسبق
يرد بابه محسن، وظالم لنفسه
مدندن، وآخر لا يحسن
ولهذا وذاك، الله يعلم و يسمع
الله قد أرسل لك دعوة مفتوحة للجوء إليه
فقط ارفع له كفيك
ولو أنك سألته متقلبًا في نومك لسمعك ولباك
ألم تقرأ هذه الدعوة من قبل ؟!
(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)
هذه الدعوة التي تلاها رسول الله بعدما أخبرنا بقوله
(الدعاء هو العبادة)
وكأن الدعاء هو غاية العبادة
به يكون المرء معترفًا لله بربوبيته وألوهيته
وبه يكون مقبلًا على ربه مدبرًا عمن سواه
فيه معاني التوكل والرجاء، وحسن الظن و يقين الالتجاء
هل يذهب الدعاء سدى؟
لمن كان ظالمًا، مشركًا، لغير الله لاجئًا.. نعم!
(ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم
فلم يستجيبوا لهم)
فلا تلجأ لمن لا ينفعك له اللجوء
فهؤلاء كما قال الله عنهم (لا يملكون كشف الضرعنكم ولا تحويلًا)
(ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون)؟!
أما دعاؤك أنت، دعاء المؤمن
تتبعه مع هذا الموعود النبوي، ثم تسائل بعدها ماذا أنا بخاسر؟!
(ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم
إلا أعطاه الله إحدى ثلاث
إما أن يعجل له دعوته
وإما أن يدخرها له في الآخرة
وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها)
لذا
لا تَسألن بُني آدم حاجة
وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله
وبُني آدم حين يُسأل يغضب
آداب الدعاء
لما دعا موسى عليه السلام ربه حين آوى إلى الظل قال
(رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)
ولما دعا أيوب المبتلى ربه قال
(أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين)
ولما دعا يونس في بطن الحوت قال
(لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
أما موسى فقد اعترف بالفضل والنعمة أولًا
وأما أيوب فقد تودد وأثنى على الله باسمه الرحيم
واعتبر بلاءًا طال وانغمس فيه، مجرد ضر (مسه)
وأما يونس فقد انشغل بالذكر والاعتراف بذنبه
ومن كل نتعلم أن للدعاء أدبًا
كأن تكون متوضئًا وللقبلة مستقبلًا
وللكفين رافعًا
فالله يستحي أن يردهما صفرًا خائبًا
أن تبدأ بالثناء والتعظيم
والحمد والتمجيد
ثم الصلاة على خير الأنام
به مبتدأ ومنتهى الكلام
فالصلاة عليه مقبولة
والله يستحي أن يسقط دعاءًا بين طلبين مقبولين
كن في ذلك على يقين
كما قال خير من أيقن بربه
(ادعوا الله وأنتم موقنون في الإجابة)
ولا تكن على عجل
كما قال من هذبه ربه
(يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي)
وكن في الطلب لحوحًا
كما قال المصطفى صلوات الله وتسليماته عليه
(إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة)
وأدمن الطرق
فإنه كما قال أبو الدرداء
(من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له)
أسرار إجابة الدعاء
على قدر طمعك في ربك
على قدر ما ينبغي عليك تمهيد الطريق لدعائك
فتجمع الإخلاص لله في قلبك
وتتوب بين يديه
فلا تدع معاصيك ترتع في طرقات التعبد
تطيّب مطعمك ومشربك
كما أوصى خير الأنام سعد بن أبي وقاص بذلك فقال
(يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)
تتحرى أوقات الإجابة
في جوف الليل حين يتنزل ربك مناديًا
ودبر الصلوات المكتوبة
وبين الآذان والإقامة، وعند نزول الغيث
وأقرب ما تكون لربك وأنت ساجدًا
تدعوه باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطي
(اللهم إني أسألك بأن لك الحمد
لا إله إلا أنت، بديع السماوات والأرض
يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم)
ونحن نبحث عن أسرار الإجابة
نذكر زكريا لما نادى (رب لا تذرني فردًا)
قد جبر الله خاطره وزوجه
وتحقق ما كان مستحيلًا في موازين البشر
والسبب؟!
(إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين)
ليست الرغبة والرهبة فقط
بل كذلك التضرع والخفاء
(ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين)
واحذر في الطلب مع ربك الاعتداء
كأن تدعو على من لا يستحق الدعاء عليه
أو تدعو بإثم أو قطيعة رحم
أو أن تجهر في غير موضع الجهر
فالأصل في الدعاء الخفاء
وما يخفى على العارفين أن لله مع المضطر سخاء
يجيبه إذا توجه إليه بالرجاء
(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)
وما كان دعاء المكروب يومًا اعتراضًا على قضاء
بل هو مظهر لعبوديتك وسر من أسرار قوتك
فكما قال الشافعي
(أتهزأ بالدعاء وتزدريه
وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن
لها أمد وللأمد انقضاء
فيمسكها إذا ما شاء ربي
ويرسلها إذا نفذ القضاء)